"تعالي.. حان وقت التدليك هيهيهي"

قالها بِشَفة مائلة وعينين مفتوحتين على مصراعيهما وكأنه سلف جميع المنحرفين في العالم، وهذا جعل راموليا تتلخبط رغم أن عمرها قد تجاوز الخمسمائة عام، لكن.. وبعد بضع لحظات.. أذعَنت للأمر الواقع وسلّمت أمرَها لحظّها التعيس وبدأت تنزِع ثيابها، ما جعل تعابير شوفين تصبح قبيحة نوعاً ما حتى أنه لعن بصوتٍ خافت

"تباً لهذه العجوز.. قاتلة المتعة"

قالها وكأنه يستمتع برؤية راموليا وهي محرجة، انصرف بعدها مباشرة وبدأ يُعدّ الدرع الشمعي ويخلِطه بِطاقته القليلة، فمع أنه قد فقد خطوطه الزوالية إلا أنه لا يزال باستطاعته استخدام جزء قليل من الطاقة للأمور البسيطة مثل فتح خاتم التخزين وتمرير المهارات..، وبعد ربع ساعة كان قد حوّل الدرع إلى مادة لزجة ثم عاد إلى حوض الاستحمام حيث كانت راموليا وكان جسدها قد احمرّ بسبب سخونة الماء، وقفت مباشرة وأعطت ظهرها لشوفين ورأسُها يكاد يغرق في جسدِها من الخجل.

قسّم شوفين المادة الشمعة إلى نصفين وسلّم جزءاً لراموليا وقال

"افركيها على جسدِك ثم استخدمي طاقتك لامتصاصها، سأساعِدك حتى لا تتوقفي في نصف العملية لأنها ستكون مؤلمة بعض الشيء"

استغربت راموليا لأن نظرة الانحراف قد اختفت من وجه شوفين واستبدلها بنظرة جادة، لذلك استرخت تعابيرها هي الاخرى وبدأت بامتصاص الدرع بعد فركه على جميع أنحاء جسدها، وبعد أقل من دقيقة.. بدأت تشعر وكأن النار تشتعل فيها داخليا وخارجيا، ولولا خبرتها السابقة لشعرت بالفزع الشديد، لكنها استمرت في استيعاب الدرع ببطءٍ لأكثر من نصف ساعة حتى اشتدّ عليها الألم ولم تعُد تستحمل، ودون أن تشعر.. كانت قد سقطت مغشياً عليها في حوض الاستحمام.

نظر إليها شوفين ببعض الدهشة وقال

"رغم العبء النفسي الذي وضعتها فيه إلا أنها استحملت لأكثر من نصف ساعة، يبدو أني قد حصلت على تابعة مثيرة للاهتمام"

قال هذا ثم واصل عملية صقل الدرع ودمجه مع جسدها لأكثر من ساعة أخرى، ومع أنها شبه نائمة إلا أنها كانت تئنّ بسبب الألم، وهذا الصوت قد وصل إلى الطابق السفلي حيث كان ريكو واقفاً أمام الدرج وفي بالِه شتى الأمور المنحرفة، إلا أنه قد تمّت مُقاطعة تفكيره عندما نزل شوفين من الدرج بينما لا يزال الأنين مستمراً في الأعلى.

ابتسم شوفين نحو ريكو وقال له مازحاً

"هل تريد مني أن أبحث لك عن قردة جميلة ؟"

قطّب ريكو جبينه واسودّ وجهه المليء بالشعر الأحمر قبل أن يستدير وينصرف غاضباً على هذا الشخص الذي أخذ منه كل شيء ولا زال يسخر منه.

جلس الاثنان في الطابق السفلي حتى انتصف الليل فنزلت راموليا مع ابتسامة واسعة ونظرت نحو شوفين بسعادة، فعلى الرغم من إغمائها إلا أن وعيها قد بقي يراقب جميع حركات شوفين، وعكس ما ظنّته في البداية فإنه لم يتحرّش بها أو يُسِئ مُعاملتها، بل ركّز فقط على عملِه وانصرف بمجرد انتهائه، وتصرّفُه هذا قد زاد من تقديرها له وبدأت تفهمه أكثر حيث أنه شخص مسؤول وليس مجرد عابث كما توحي إليه بعض أقواله وأفعاله الاستفزازية.

وصلت أمام شوفين وانحنت باحترام وهي تقول

"شكرا لك على الهدية الرائعة.. سيدي"

وقفت أذنا ريكو وهو ينظر إلى راموليا، ما الذي تشكره عليه بالضبط ؟

ابتسم شوفين ثم قال

"درع خبز النحل سيجعل جسدك يُصبح أقوى مع تدريب هالتك، ولن تضطري للقلق حول ضعف مؤسستك خلال مرحلة البناء"

فتح ريكو فمه وأدرك أن تفكيره السابق كان في غير محلّه، حوّل نظره نحو شوفين وقال له

"وأنت.. سيـ..ـد.. متى ستبدأ التدريب ؟"

استرخى شوفين على الأريكة وقال بِكسل

"ألا ترى أن قدمِي مكسورة ولا أستطيع المشي ؟"

تغيرت تعابير الاثنين مباشرة لأنهما لم يُلاحظا أنه كان يمشي بطريقة عادية منذ دخل المنزل، هل شُفيت قدمُه بهذه السرعة ؟
أي نوع من الأساليب هذا الذي يستخدمُه عندما يتعامل مع الأجساد وكأنها مجرد لُعب ؟
لا.. بل ويجرؤ على ادّعاء المرض رغم أنه لا يعاني من أي شيء !!

مهما فكر الإثنان إلا أنهما لا يستطيعان فهم المنطق الذي يستخدِمه شوفين، سواء في التدريب أو التخطيط، خاصة أنهما لم يتعافيا بعد من الأحداث الأخيرة ابتداءً من تبديل الأجساد إلى سرقة خاتم التخزين من شخص قوته كارثية، وما بين هذا وذاك من أحداث أخرى.

كانت راموليا أكثر دهشة من ريكو بسبب الرؤيا التي أظهرَها لها قبل نقلِها إلى جسدها الجديد، وكلما أرادت السؤال عن ماهيتها إلا وتوقفت بسبب الخوف من معرفة شيء قد تندم عليه طيلة حياتها، ومخاوفُها هذه انبعثت من فهمها الجزئي للرؤيا، وتخشى أن يكون فهمُها حقيقياً فتضيع عليها حلاوة العيش.

بسبب ضغط هذا النوع من التفكير.. قررت تغيير الموضوع فسألت شوفين

"ما الذي حدث لصاحب خاتم التخزين، هل قتلته ؟"

صمت شوفين قليلاً ثم قال

"أجبرتُه على تسليم الخاتم دون أن يراني، وتركتُه جريحاً ومسموماً بِسبب قتالِه وقتلِه لِجميع رِفاقه، لكنه قد يتعافى قبل وصول شيوخ العشائر، حينها.. قد يكون مصيرهم سيئاً إذا لم تكُن أعدادهم كثيرة"

عبست راموليا وفهِمت أنه شخص قوي جداً، ونفس التفكير جعل روكي يسأل

"شيوخنا في مستوى تهئية الوعاء، في أي مستوى كان ذلك الشخص ؟"

رد عليه

"خرج من مرحلة البناء قبل عشرات السنين ودخل في مرحلة التألق، لكنه لا يزال في مستوى الطاقة الداخلية"

ارتجفت راموليا عند سماع هذا حيث لم يظهر مقاتل في مرحلة التألق من أبناء دولة روسكيا منذ عدة آلاف من السنين، وهذا جعلها تسأل مرة أخرى بعيون متلألئة

"تحت إشرافك.. هل أستطيع بلوغ مرحلة التألق بعد إعادة تدريـبي ؟"

فتح شوفين عينيه وعدّل جلسته ثم مدّ يده إلى ذقن راموليا بابتسامة دافئة قبل أن يقول بنبرة لطيفة

"صغيرتي.. التدريب الحقيقي يبدأ ممّا بعد مستوى اختراق الفراغ، ما دون ذلك ليس إلا لعِب أطفال"

ارتجفت رُكبتاها مباشرة وكادت تسقط أرضاً، مستوى اختراق الفراغ ؟
أليس هذا مجرد أسطورة من الكتب القديمة ؟
فحتى في القارة العظمى.. لم يُسمع من قبل أن أحداً قد تجاوز مستوى توسيع المجال أو حتى تعزيز المجال، بل يُعتبر من وصل إلى مستوى المجال "إلهاً" يُعبد في نظر كل المتدربـين، فكيف يكون هذا مجرد لعب أطفال في نظر هذا الشخص الغريب ؟
هل يمكن أن مستواه في ماضيه قد كان فوق مستوى اختراق الفراغ ؟
إذا كان هذا صحيحاً.. فكيف انتهى به الأمر محبوساً في ذلك الكهف ؟

أسئلة كثيرة جالت في خاطر راموليا، وعند استعادة إدراكها.. كان شوفين قد عاد إلى وضعيته السابقة وأغلق عينيه وكأن العالم بين يديه.

بقي الثلاثة في منزل المعلّمة راموليا لثلاثة أيام متواصلة لم يخرجوا منه، وفي منتصف اليوم الرابع.. أتى بعض الحراس وأخبروا شوفين بأن الشيوخ يطلبونه هو والطفلة الصغيرة لاستجوابهما، ظهرت علامات القلق على راموليا لكنها قررت الالتزام بخطة شوفين الذي تبع الحراس نحو قاعة الاجتماعات مستخدماً عصاً يتّكئ عليها، أما ريكو فقد بقيَ في خاتم التخزين تفادياً لتفتيش المنزل حيث لا يريد شوفين أن يعرِضه في الوقت الحالي على سكان العشيرة وشيوخها.

وصل الاثنان إلى قاعة الشيوخ وكانت مليئة بالشيوخ القادمين من العشائر الأخرى، بالإضافة إلى ممثل من القصر الحاكم للإشراف على هذه القضية، تصنّع شوفين الخوف عندما رآهم وكأنه مجرد شاب عادي، عبس رئيس العشيرة وهو ينظر إليه وخشي أن يبكي مرة أخرى كما فعل سابقاً ويُخزيه أمام أقرانه، إلا أن شوفين لم يفعل شيئاً مفاجئاً وإنما ألقى التحية على الرئيس وقال بِنبرة مرتجفة

"سـ.. سيدي.. هل طلبت رؤيتي ؟"

قال الرئيس مباشرة

"ليس هناك ما تخاف منه، نحن نريد فقط أن نسمع منكما ما حدث في الكهف وكيف نجوتُما في الوقت الذي هلك فيه الآخرون"

2020/01/09 · 873 مشاهدة · 1124 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024