"ليس هناك ما تخاف منه، نحن نريد فقط أن نسمع منكما ما حدث في الكهف وكيف نجوتُما في الوقت الذي هلك فيه الآخرون"

بِكلمات بسيطة.. أعرب رئيس عشيرة القمر الأحمر عن نوايا جميع الحاضرين، ابتلع شوفين ريقه وقال باحترام

"سيدي، أنا الوحيد الذي نجا من الكهف، أما أختي الصغيرة فقد تركناها في منطقة قريبة من العشيرة بسبب جسدها الضعيف وإغمائها المتكرّر في الطريق، لهذا وضعتها المعلّمة راموليا داخل مصفوفة حمايةٍ وإخفاءٍ لنعود إليها بعد انتهاء البعثة"

نظر الجميع في راموليا فتصنّعت الارتباك وتراجعت للخلف، أو ربما تكون قد ارتبكت حقاً بسبب كمية العيون التي تنظر إليها، سألها الرئيس بنبرة لطيفة

"لا تخافي يا صغيرة، هل ما قاله أخوك الكبير.. صحيح ؟"

أومأت برأسها واغرورقت عيناها بالدمع قبل أن تقول بصوت منخفض

"أنا.. آسفة.. لأني كنت ضعيفة"

تنهّد الرئيس لأن الوحيدَين المتبقّيَين من تلاميذ المعلمة راموليا كانا مجرد طفلة ضعيفة وشاب مشلول، أعاد نظره نحو شوفين وقال له

"عندما ذهبنا إلى الكهف.. وجدنا الكثير من جثث البشر والوحوش، لكننا لم نجد أحداً على قيد الحياة، هل تستطيع إخبارنا كيف نجوت أنت ؟"

رفع شوفين رأسه قليلاً وانحدرت دمعة على خدّه قبل أن يقول

"عندما أجبرونا على الدخول لنكون ضحايا التصادم مع الوحوش.. استغلّت المعلّمة الوضع المضطرِب وقذفَتني في أحد الأخاديد العميقة حتى يتسنى لي الهروب، لكني ضِعت في الأخدود ولم أخرج إلا بعد عدة ساعات، وعندها.. وجدت.."

ازدادت سرعة الدمعات المتساقطة على خدّيه وشهق قبل أن يُكمل

"وجدتُ معلمتي وهي على وشك مفارقة الحياة، حاولتُ إنقاذها إلا أن أحد الوحوش قام بمهاجمتي وكاد يقتلني، حينها.. قامت المعلمة باستخدام آخر ما تبقى لها من الطاقة لِقذفي بعيداً نحو مدخل الكهف، وهكذا نجوت"

صمتَت القاعة فجأة لأن إفادة شوفين ليس فيها أي فائدة، وبعد استمرار صمتِهم.. رفع شوفين يده وظهر حجر أخضر متلألئ ثم قال

"سيدي.. لقد طلبت مني المعلّمة تسليمكم هذا الحجر الغريب وقالت أنه مهم جداً"

تغيرت تعابير الجميع وصاح بعضهم

"حجر التصوير من الفئة العليا"

"كيف ظهرت مثل هذه التحفة في عشيرتنا ؟"

"هل كانت بين يدي المعلمة راموليا منذ البداية ؟"

لم يستغربوا كثيراً أن تخفي عنهم راموليا بعض كنوزها لأن الجميع يفعلون ذلك، لكن حجر التصوير من الفئة العليا يُعتبر كنزاً مرغوباً من الجميع بسبب خصائصه الكثيرة.

تغيرت تعابير راموليا عندما رأت الحجر لأنها لم تمتلكه يوماً، فهِمت حينها أنه من أملاك شوفين، لكن.. ما هو الشيء المسجّل داخله ؟

أرسل الرئيس خيطاً من الطاقة وقام بتشغيل التسجيل المرئي فظهر جسد المعلمة راموليا وكانت أطرافها مقطوعة ونصف جسدها السفلي غير موجود، بدأت الحديث مباشرة مع الجميع قائلة

"أعتقد أن مثل هذه الفاجعة ستجلُب أنظار جميع العشائر، لذلك سأعطي ما لدي من معلومات حول المعتدي على أمل أن يصِلكم تسجيلي هذا"

عبست راموليا لأنها لا تذكر أنها قد سجّلت مثل هذا التسجيل بجسدها القديم، لكنها تذكّرت فجأة أنه كانت هناك فجوة زمنية أثناء انتقالها إلى الجسد الجديد، ظنّت في البداية أنها مسألة عادية بسبب حساسية العملية، إلا أنها فهمت السبب الآن حيث كان هذا الوغد يتحكّم بجسدها القديم لتسجيل دليل براءتِه، وهذا جعلَها مهمومة جداً، هل يُمكِنه التحكم بجسدِها الجديد أيضاً ويجعلها تفعل بعض الأمور ثم تنساها ؟

استمرّ التسجيل بصوت وصورة المعلمة راموليا

"لكن.. قبل أن أعطيكم ما تحتاجونه مِن معلومات، يجب أن أقول شيئاً آخر، كما ترون.. لقد فقدت حياتي وجميع تلاميذي، وكل أملي على شوفين وتلميذتي الجديدة التي تركتُها في الخارج، هذان هما إرثي الوحيد في هذه الحياة، لذلك أنا أمنح جميع أملاكي لتلميذي شوفين، وأمنح اسمي لِتلميذتي الجديدة، وبما أنها تلميذتي مِلكي فستكون مِلكاً لشوفين وليس للعشيرة"

ابتلعَت ريقها وصمتَت لبعض الوقت قبل أن تُكمل

"قبل أكثر مِن مائة عام.. كُنتُ سبباً في إنقاذ عشيرة القمر الأحمر من الانهيار، لهذا السبب منحَني رئيس العشيرة السابق مرسوم الطاعة الذي يتمّ استخدامُه مرة واحدة للحصول على أمنية واحدة، وأنا أمرّر المرسوم إلى تلميذي شوفين، وأتمنى أن يستخدمه في شيءٍ جيد"

ارتجف قلب راموليا على الجانب، هل قرأ هذا الوغد القديم جميع ذكرياتها أيضاً ؟
ألا يجعلها هذا مثل الكتاب المفتوح أمامه بعد أن عرف جميع خباياها وأسرارِها ؟
أهو بدون قلبٍ إلى هذه الدرجة ؟

مِن جانب آخر.. تضاربت مشاعر الحاضرين حيث اعتقد البعض أن حب المعلمة راموليا لتلاميذها شيء نادر، بينما صرّ آخرون أسنانهم بسبب طمعهم في أملاكها، وبما أنها قد طلبت مثل هذا الطلب في قاعة مليئة بالشهود فلن يجرؤوا على أخذ أملاكها مِن شوفين بطريقة مباشرة، وما عليهم الآن إلا أخذ الطريق الطويل للتخلص من تلميذها المشلول وتتحرّر أملاكها من جديد.

أما الرئيس فقد كان أكثرهم هماًّ لأنه سبق ورأى معدن شوفين الحقيقي وأنه مجرد حثالة، وبسبب نظرته المسبقة عنه فقد خاف أن يستخدم مرسوم الطاعة لطلب شيءٍ كبير ويضع العشيرة في وضع حرج.

انقطع التسجيل فجأة وظهرت صورة ثابتة وواضحة لوجه المقاتل الأربعيني، عبس الجميع عندما رأوه ولم يعلموا من يكون قبل أن يصرخ شوفين بقوة

"هذا.. إنه هو.. إنه قائد المجرمين والوحيد الذي كان وجهُه ظاهراً"

نظر الشيوخ في بعضهم البعض ثم نظروا إلى المبعوث الحكومي إلا أنه هزّ رأسه لأنه لا يعرفه أيضاً، لذلك بدأ الجميع يستخدمون أحجار التصوير لأخذ نسخة من الصورة، وبعد دقائق.. ظهرت المعلمة راموليا مرة أخرى وقالت

"هذا هو القائد، وقوته في الغالب في مستوى التألق، لذلك لم تكن أمامنا أي فرصة لِقتاله"

استمرت المعلمة راموليا بتمرير المعلومات عبر التسجيل ثم اختفت صورتُها أخيراً وساد الصمت في القاعة، وبعد عدة دقائق من الصمت.. أشار الرئيس لشوفين وراموليا للانصراف قائلاً

"لقد انتهينا معكما، يمكنكما الانصراف الآن، سأحرِص شخصياً على تنفيذ رغبة مُعلّمتكما الفقيدة"

خزّن شوفين حجر التصوير في جيبِه ثم أخرج رمزاً فضياً عليه بعض النقوش والكتابات ورفعَه عالياً، ارتجف الرئيس لأن هذا كان رمز مرسوم الطاعة، انتبه الشيوخ أيضاً وتغيّرت مَلامِحُهم لأنهم لم يتوقعوا أن يستخدمَه هذا الطفل الوضيع في مثل هذا الوقت الحساس، لذلك انفجَر بعض الشيوخ الذين كانت لديهم رغبة الاستحواذ على أملاك المعلمة راموليا

"بقي الرمز مع مُعلمتك لأكثر من مائة عام، وأنت لم تستطع الصبر حتى نهاية الاجتماع ؟"

"ما هذه الوقاحة أيها الوضيع ... يجب علينا أخذ الرمز منك وطردك من العشيرة"

"إيييه ... أطفال هذا الزمان"

عضّت راموليا شفتها السفلى عندما رأت الرمز لأنه كان مخبئاً بين أغراضها الشخصية في نفس المكان الذي كان يبحث فيه شوفين عندما دخل غرفتها أول مرة، ويبدو أنه استغل إغماءَها أثناء صقل درع خبز النحل ووَجد الرمز، وهذه كانت إشارة واضحة إلى أنه قد سيطر على ذكرياتها تماماً.

استمرّت المعارضات حتى صارت القاعة صاخبة وشعر الرئيس بالإحراج بين ضيوفِه فأطلق هالته لإسكاتهم، وبعد عودة الصمت إلى القاعة.. قال

"أنتم تتحدثون عن مرسوم الطاعة، وهو تقليد مقدس يجب علينا احترامُه، لا يهم متى أو كيف، المهم هو أن يكون الطلب معقولاً ونحن سنعمل جاهدين على تنفيذِه"

أعاد نظرَه نحو شوفين وقال له بِنظرات باردة

"هل ترغب باستخدام مرسوم الطاعة الآن ؟"

أومأ شوفين ثم قال بِنبرة واضحة

"أنا أرغب بِمبادلة هذا الرمز مقابل منصب الشيخ الضيف لِمدّة عشر سنين"

وسسسسسس~

وساد الصمت من جديد

2020/01/09 · 745 مشاهدة · 1078 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024