الفصل 14. أظنّ أنهم اتهموني ظلمًا
عدتُ إلى غرفة سكني وبدأت أعلِّم رودي وإيرينا الصيغ الأساسية.
"انظر جيدًا يا رودي. هنا تُجري تحويل دلتا على الرقم 36، تقسمه على 2، ثم تضيف قيمة التربيع في الحد التالي لتحصل على 7، صحيح؟"
"انتظر، أنت تمشي بسرعة كبيرة يا نواه."
"...فهمتَ على الأقل حتى تحويل دلتا، أليس كذلك؟"
"ما كان تحويل دلتا أصلًا؟"
"..."
المعرفة بطبيعتها تتبدّد. بمعنى آخر، إن تُركت من دون مراجعة، تُنسى.
طبعًا يوجد أولئك العباقرة الذين لا ينسون شيئًا حتى إن تركوه. من تُعلِّمه مسألة يفهم عشرًا. هؤلاء يبتلعون المعرفة بلا عناء.
لكن هذا لا ينطبق إلا على العباقرة الحقيقيين. أمّا معظم الناس، فمجرد تذكّر ما تعلّموه يُعدّ إنجازًا.
ولهذا، فإن المراجعة والاستذكار أمران جوهريان. كي لا تنسى ما تعلمته، وتستطيع إضافة معلومة أو اثنتين فوقه.
(فهمتو الان ليش مهم المراجعة راجعو بين فترة وفترة حتى تبقى المعلومة براسكم وماتطير)
وبما أنني درست حتى مرحلة الماجستير في كوريا الجنوبية، فقد كنت أعرف هذا جيدًا، لذا حين تنتهي الحصص وأعود إلى السكن، أراجع سريعًا ما تعلمته في اليوم.
لكن يبدو أنّ رودي لم يفعل ذلك.
"تحويل دلتا هو…"
أعدتُ شرح ما أخذناه في اليوم الأول ببضع جُمل. وحين تذكّره أخيرًا، بدأ رودي يكتب الحل في دفتره.
وإيرينا، التي كانت واقفة خلفه، أخذت تهزّ رأسها وتكتب الأرقام في دفترها أيضًا.
ومع أنها لم تُظهره لي، إلا أن الأمر كان واضحًا: لم تُكمل واجباتها بعد.
(حسنًا، ستتدبّر أمرها بنفسها.)
فهي على كل حال "عبقرية من عائلة سحر"، ولو لم تستطع حلّ هذا بعد كل ما شرحته، لكان الأمر غير منطقي أصلًا.
وفعلًا، كانت سرعة فهمها أكبر بكثير من رودي. سرعة ريشة الكتابة في يدها كانت مختلفة.
"همم… هنا بعد الضرب في 8 ثم التحويل…"
وبينما كان رودي يتمتم ويتخبط في حساباته، كانت إيرينا تحرك ريشة الكتابة سريعًا من دون كلمة واحدة.
وليس معنى هذا أنّ رودي كان بطيئًا.
لا أعرف على وجه الدقة مستوى سرعة الحساب لدى طلاب في الخامسة عشرة في هذا العالم، لكن من وجهة نظري لم يكن سيئًا أبدًا.
وبعد بعض الحساب…
"انتهيت!"
وضع رودي ريشته بحماس.
وكانت خطوات الحلّ المفصّلة المكتوبة في دفتره دليل اجتهاده.
"لنقارن الإجابات الآن؟"
ما قلتُه لم يكن دقيقًا… فنحن لن نراجع الخطوات، بل سنقارن الإجابات فقط.
عندها أظهرت إيرينا دفترها بثقة.
خطوات الحل المكتوبة فيه كانت مرتّبة جدًا أكثر من رودي. الصيغ المنظمة التي كتبتها كانت شهادة على سرعة فهمها وحسابها.
وأخرجتُ أنا أيضًا دفتري من الرف وأريته لهما.
وطبعًا، بما أنني حللتها كلّها ذهنيًا، لم يكن هناك أي خطوات… فقط الإجابات مكتوبة.
"……"
"……"
راح الاثنان ينظران إليّ ثم إلى دفتري بصمت.
ثم قالا:
"هل تملك ورقة الإجابات؟"
---
في اليوم التالي
خرجتُ في السابعة صباحًا لأبدأ روتين يومي. ومع امتصاص المانا في الصباح، شعرت بدائرة دوراني تكبر قليلًا عمّا كانت عليه.
(ومع ذلك، لم تصل حتى 0.2 ماكينا…)
تساءلت كم جمع رفاقي الذين تجاوزوا 1 ماكينا أصلًا. في الحصة السابقة، ألقت إيرينا "سهم جليد" — تعويذة من الدائرة الأولى — من دون أي إرهاق.
حتى أنّ لون وجهها لم يتغير. مما يعني أنها ما تزال تحمل فائضًا من المانا بعد صرف 1 ماكينا.
(كما هو متوقع من نجمة صاعدة من أسرة سحر…)
ألا تكون قد تجاوزت 2 أو 3 ماكينا؟
وبعد انتهاء درس دائرة دوران المانا، سألتها:
"إيرينا. كم مانا جمعتِ حتى الآن؟"
"ليست كثيرة. قليل فوق 5 ماكينا."
"……"
هل هذا هو "الفارق في الموهبة"؟
5 ماكينا بالفعل؟
حتى لو افترضنا أنها كسرت الدائرة الأولى مسبقًا، فالفارق… 25 ضعفًا؟
رودي التقط ملامح وجهي وقال لي كمن يشجعني:
"لا بأس يا نواه! أنا لم أجمع سوى 2 ماكينا!"
"……"
إذًا رودي لديه 2 ماكينا أيضًا.
لا أدري لماذا، لكن كمية المانا الصغيرة التي تدور في قلبي صارت تبدو… بائسة أكثر.
(...لنكن إيجابيين.)
الأمر ليس سيئًا.
وما الفائدة أصلًا من رفع كمية المانا؟ في النهاية سيجرّونك للخطوط الأمامية كمُشغِّل معارك.
أنا فقط أريد التخرّج.
واتجهنا مباشرة إلى الحصة التالية.
كانت الحصة التالية "نظرية أساسيات تطوير الصيغ السحرية". الحصة التي وزّع فيها الأستاذ دفاتر الصيغ وكلفنا بالواجب.
وحين وصلنا لقاعة المحاضرات، كانت المقاعد الفارغة لافتة.
(أليس من المفترض أن هناك حوالي 200 طالب يحضرون هذا الدرس؟)
الدرس يجمع شعبتين، وعدد الغائبين كان كبيرًا، خصوصًا من الشعبة الأخرى.
في جامعة كورية يمكن للطلاب تبديل المقررات… لكن هنا؟ يبدو أنهم "يبدأون التغيب مبكرًا".
( ملاحظة: في الجامعات الكورية الحديثة، عادة يمكن للطلاب تبديل المقررات أو تعديل جداولهم الدراسية بسهولة، ما يتيح لهم مرونة كبيرة.
في أستران للسحر، النظام أكثر صرامة: الطلاب يُجبرون على الالتزام بالحصص والمهام المحددة مسبقًا، حتى لو لم يعجبهم أو لم يكن مناسبًا لمستواهم.)
وبينما كنت أفكر، اندفع بعض الطلاب إلى الداخل وهم يحملون دفاتر الصيغ وريش الكتابة.
لا بد أنهم كانوا يكافحون لإنجاز واجباتهم حتى الآن.
ودخل الأستاذ دريهوس خلفهم.
"هل الجميع حاضر؟"
"نعم!"
"...نعم…"
أجاب الطلاب بصوت باهت.
وكانت الهالات السوداء تحت أعينهم واضحة.
أكيد سهروا الليل في الحساب.
رودي وإيرينا أنهيا واجباتهما قبل موعد النوم، لذا كانا من أوائل المنتهين. حتى بعد المراجعة وتصحيح أخطائهما معي، لم نتجاوز منتصف الليل.
أما الآخرون… لم يكونوا محظوظين. بعضهم يتثاءب، وبعضهم يغمض عينيه يحاول النوم.
(لهذا يجب أن تعملوا مبكرًا، أيها الأغبياء.)
الأستاذ دريهوس، وكأنه معتاد على المنظر، رفع عدسته الأحادية وقال:
"كلفتكم بواجب آخر مرة."
"...نعم."
"افتحوا دفاتر صيغكم جميعًا."
وكان فحصه للواجب دقيقًا بقدر حدة بدلته المكوية بإتقان.
فور سماع الأمر… رفع عدة طلاب أيديهم.
"أستاذ!"
"أستاذ، أنا…"
أشار الأستاذ لأحدهم ليتكلم:
"لقد أنجزت واجبي… لكنني نسيت إحضار الدفتر!"
الآخرون الذين رفعوا أيديهم هزّوا رؤوسهم بالموافقة.
فقال الأستاذ:
"أفهم. هل هناك آخرون أنجزوا واجبهم لكن… (نسوا) إحضار دفاترهم؟"
"أنا!"
"وأنا أيضًا يا أستاذ!"
رفع كثيرون أيديهم.
والعدد… كبير على نحو يثير الضحك.
رفع الأستاذ عدسته الأحادية وعدّهم، ثم قال:
"واحد وعشرون طالبًا. قفوا جميعًا."
وقف الـ21.
"نسيتم إحضار كتب الدرس الأساسية. لهذا السبب، ستُخصم نقطة من كل واحد. المساعدة تيريلين، اكتبي أسمائهم وسجّلي الخصم."
"أمر، يا أستاذ."
أصيب الطلاب بالذهول من الخصم المفاجئ.
…لكن هذا لم يكن كل شيء.
"بما أن الكتب أساسية، اذهبوا جميعًا إلى مهاجعكم وأحضروها. من هنا إلى المهاجع تحتاجون 7 دقائق إن ركضتم. أمنحكم 15 دقيقة للذهاب والإياب. من يتأخر… متأخر، وله خصم نقطة إضافية."
كان يأمرهم بإحضار دفاترهم حالًا.
المسافة في الحقيقة تستغرق أكثر من 10 دقائق مشيًا. وحتى بالجري سيكون الوقت ضيقًا للغاية.
لكنهم… لم يتحركوا.
والسبب واضح.
(أنتم لم تنجزوا واجبكم أصلًا.)
"نسيتُ" هي مجرد ذريعة. لم يقومو بانجاز الواجب ويريدون التظاهر بذلك. أما إذا أحضروا الدفاتر… سينكشف كل شيء.
وكأن الأستاذ توقع هذا تمامًا، قال:
"23 ثانية مضت. إن لم تحضروا دفاتركم رغم إعطائكم الفرصة… سأخصم 10 نقاط لعدم الامتثال للتعليمات."
عندها ركضوا جميعًا كالسيل.
وأضاف الأستاذ بصوت مرتفع لظهورهم الهاربة:
"وإن لم يكن الواجب منجزًا في الدفتر… خصم نقطة لعدم إنجاز الواجب، ونقطتين للكذب."
ورغم ذلك… فخصم 3 أفضل من خصم 10.
وانطلقوا باستماتة.
كان أستاذًا صارمًا للغاية. (ياحبيبي هذا ابليس واضح)
"والآن، نتابع فحص الواجب."
كان الأستاذ يتفحّص الواجبات واحدًا واحدًا بعينه الحادة.
وكان تحديد من نسخ الواجب يتم خلال ثوانٍ، مع خصم 3 نقاط.
"من لا ينجز الواجب: خصم نقطة. من ينسخ: خصم ثلاث. لا أحد ينسخ الواجب."
وكان من بين المقلّدين طلاب النبلاء… ومنهم ميليو براينور، الذي نسخ على الأرجح واجبًا كتبه خادم من العامة في الدقائق الأخيرة.
وحين وصل دوري، نظر إليّ الأستاذ بدهشة خفيفة.
"أين خطوات الحل؟"
"حللتها ذهنيًا."
"…ذهنيًا؟"
بدا عليه الشك، فأشار إلى المساعدة.
"المساعدة تيريلين.". (بس ياحبيبي كل شوي شاك بالبطل)
جاءت فورًا وقالت مسبقًا:
"تحقّقت من عدد أوراق الإجابات قبل مغادرة المختبر. لم يُفقد شيء."
ورغم هذا… حدّق بي الأستاذ لثوانٍ قبل الانتقال.
"مع ذلك، يبدو أن كثيرين أدّوا واجبهم هذا الفصل… خصوصًا شعبة 1."
ربما لأن ما قلته أمس في السكن أثّر قليلًا، إذ أن شعبة 1 التزمت أكثر.
…مع أنهم نسخوا بعض الأجزاء على أي حال.
وعند عودة الـ21 طالبًا يلهثون، وتسجيل الخصومات… بدأت الحصة أخيرًا.
"والآن. سنتعلم تطوير السحر عبر المسافات الموازية بواسطة تحويل مواقع المانا في مستويات مختلفة."
ومع كتابة المعادلات على اللوح… انطلقت الحصة بسرعة. والطلاب الذين ما زالوا في أول خطواتهم بالصيغ السحرية لم يستطيعوا مواكبتها.
وبينما عيونهم تدور… كانت الحصة تقترب من نهايتها.
"هل فهمتم، أيها السادة؟"
"ها؟"
وبرغم أن نبرة الرد كانت علامة استفهام واضحة… سمعها الأستاذ كانها علامة تعجّب.
"حسنًا. ننتقل مباشرة إلى مسائل التطبيق. حلّوا أمثلة الصفحة 9 و10."
وكأنهم يطالبون طفلًا بالمشي قبل أن يتعلم الزحف.
لكن… لا خيار أمامهم. حين يأمر الأستاذ، لا بدّ من الطاعة.
وبدأوا يكافحون مع الأمثلة.
أمّا بالنسبة إليّ… فلم يكن الأمر صعبًا.
الحساب البسيط كان دائمًا نقطة قوتي.
(الغريب… أن هذا منطقي بالنسبة لي.)
رغم أنها عمليات أراها لأول مرة… إلا أنني حين أشعر بخواص المانا وحركتها، تنفتح العمليات في رأسي فورًا، وكأنها تُزرع مباشرة في داخلي.
لذا حللت كل شيء ذهنيًا مرة أخرى.
وبعد انتهائي سريعًا، مددت ظهري قليلًا… فصادفت نظرة الأستاذ دريهوس.
(آه…)
اقترب بخطوات ثابتة وتفحّص عملي.
وكما هو متوقّع… لم تكن هناك أي خطوات حل.
فقط الإجابات مكتوبة.
تأكد من صحة الأجو
بة مرة واحدة… ثم التفت فجأة نحو المساعدة.
المساعدة تيريلين هزّت رأسها مباشرة.
(أكيد يظنّ أنني سرقت نموذج الإجابات مرة أخرى.)
رفع الأستاذ عدسته الأحادية وقال:
"هل حللت هذا ذهنيًا أيضًا؟"
"نعم."
"...ابقَ بعد انتهاء الحصة."
"ماذا؟"
"عندما تنتهي الحصة، أتبعني إلى مختبري."
"...حسنًا."
…أوه. يبدو أنني وقعت في ورطة.