24- استرجاع الذات
سمعت أصوات العصافير في كل مكان في حديقة المستشفي ,
زقزقة ,زقزقة
في وسط الحديقة كانت هناك امرأة تجلس فوق أحد الكراسي العمومية بينما تشبك يديها أمام وجهها وكأنها تتمنا شيء , مشهد مألوف خاصة في هذه الحديقة,
' أتمني ألا يقوم أيوب بعمل مجنون ' فكرة المرأة برأسها وهي لا تستطيع إخفاء التوتر و قلق في وجهها وكأنها قد شاهدت شيئا ممثلا في مكان ما
" أه .. سيدة أم أيوب ... ماذا تفعلين هنا ؟"سألت ممرضة شابة الام بطريقة محيرة , وبمجرد سماع الأم ذلك رفعت رأسها,
" أه الممرضة سارة أليس كذالك , لم أستطع قولها بشكل صحيح في المرة الماضية لكن شكرا لك للاعتناء بابني " قالت الأم بطريقة ممتنة وكن الشابة أمامها هي سبب استيقاظ ابنها
" أه ... لا أنا ... كنت أقوم بواجبي فقط .. لم أفعل شيئا حقا!"قالت سارة بطريقة محرجة ,
"المعذرة سيدتي ... ولكن .. ألا يجب أن تكوني مع سيد أيوب؟.. أعني ..أن وقت الزيارة سينتهي قريبا " عندها قامت سارة بطرح الشيء الذي يدور في رأسها , وجلست بجانب الأم,
" أحاول..أن أتركه لوحده.. فلقد تلقي صدمة كبيرة بسماع انه فقد أفراد عائلته و.. يحتاج لراحة " قالت الأم ذالك محاولة الابتسام لكن صوتها المهتز لم يساعدها ,
"أه .. سيدتي هل حقا قمت بإخباره عن الأمر .. ما كان عليك أن تقومي بذالك لقد استيقظ السيد أيوب لتو, وهو لم يعتد علي التغيرات بعد " قالت سارة بطريقة وكأنها شاهدت خطأ كبيرا يقع أمامها خصوصا وأن هذا الخطأ مرتبط بمهنتها ,
"لم..لم أستطع منع نفسي ..لقد حاولت.. لكن أيوب جيد الملاحظة ولم يترك لي خيارا سوي إخباره " قالت الأم ذالك بطريقة وكأنها فعلت خطأ عظيما وبدأت تبكي
"حسنا.. حسنا أرجوك توقفي.. توقفي عن البكاء أو سأبكي أنا أيضا " قالت سارة دلك حتى تهدأ الأم من البكاء التي هي فيه,
" تعالي معي سيدتي أعتقد أنه يجب عليك زيارة السيد أيوب مرة أخيرة قبل انتهاء وقت الزيارة"حثت سارة الأم علي الذهاب لزيارة أيوب معها ,
"حسنا , سأذهب " قبلت الأم الدعوي , ونطلاقا معا نحو غرفة أيوب,
..
كان أيوب بمفرده في الغرفة , حيث كان يجلس في أحد الزوايا المظلمة وهو ممسك برجليه ورأسه فوق ركبتيه , لقد بدا وحيدا محطما , لقد كان شارد الدهن وكأن عقله يتجول في مكان أخر , كان يضحك أحينا و يبكي أحينا وكأنه يعيش في حلم جميل ولم يرد الخروج منه ,
"أه , أختي الصغيرة من تريدين اليوم , لإيصالك إلي الروضة " سأل أيوب الفتاة الصغيرة التي تقف
" أنت أخي أكبر " حيث ردت عليه أخته ألصغري بطريقة لطيفة ومضحكة ,عندها بووش اختفيت الصورة وظهرت صورة أخري ,
" أدام اليوم , حصل أخوك علي المركز الأول في اللعبة , ههه تحتاج لسنين لتقترب من مستواي "قال أيوب بطريقة ساخرة علي أخيه الصغير ,
" أخي ليس عدلا أنت تلعب أكثر مني وليس لدي جهازي الخاص , فقط أنتظر وستري سأشتري جهازي الخاص عندما أكبر ولن تستطيع حتى المقارنة بظلي" رد عليه أخوه الأصغر بطريقة غير مقتنعة وكأنه مصر علي تجاوز أخيه الأكبر في الألعاب ,وبووش اختف المشهد مجدد
" أبي لقد كانت الرحلة ممتعة حقا , مؤسف أنه ليس لدينا سيارة وإلي كانت الرحلة أسهل , أعدك أبي , عندما أكبر سأشتري سيارة.. أه.. لا طيارة , وسنسافر إلي كل مكان " قال أيوب بشكل طفولي وكان عمره لم يتجاوز العشر سنوات حينها ,
" هوهو , بني الصغير سأنتظر إدا ذالك اليوم " رد الأب بضحكة وكأنه لا يمانع مسايرة خيال ابنه الصغير وبوش , أختفي هذا المشهد أيضا,لقد مرت عدة مشاهد أخري مضحكة و حزينة واحدة تلو الاخري .
بعد فترة طويلة من البكاء هدأ أخير وستعاد بعضا من هدوءه المعتاد, عندها ,
دق دق دق
سمع صوت طرق الباب وصوت سارة يسأل الإذن لدخول,
" أيوب .. لقد أحظرت أمك معي ستكون هذه أخر زيارة لليوم و..قد جعلت آمك تقلق عليك لذا هل يمكننا الدخول ؟" سألت سارة بنبرة استقصائية وكأنه تبحث عن تأكيد , لكن لم تسمع ردا لذا لم تستطع سوي الذعر وفتحت الباب عندها .
" أه قلبي كاد يخرج من مكانه وأنت جالس هناك ضننت أنك فعلت شيئا لنفسك " قالت سارة بنبرة ارتياح بعد أن رأت أيوب يجلس في الزاوية ,
" أيوب " الأم لم تستطع سوي النطق باسم أبنها عندما رأته في حالته المثيرة لشفقة, وتقدمت لمساعدته علي الرجوع لسرير , أيوب لم يقاوم وسايرها حتى جلس فوق السرير , عندما سمعت أخير صوته
" أخبرني كيف ماتو؟.. ومتى ؟ " سأل أيوب السؤال الذي يريد معرفته , أمه التي كانت تساعده علي الجلوس تصلبت يدها ولم تستطع إلي سوي الإجابة,
" لقد.. ماتو بعد.. أن تعرضُ للهجوم من الوحوش و...كان ذالك قبل سنتين " قالت الأم ذالك وكأنها عازمة علي الإجابة علي كل سؤال يطرحه لكنها تحاول أخفاء شيء وراء ذالك ,
"ألم تسيطر كل من الاتحاد والنقابات علي كل البوابات كيف وقع ذالك الحادث" سأل أيوب بوجه خالي من التعابير,
" أه علي حسب ما قالو لقد وقع سوء تفاهم بين كل من نقابة العفريت الأحمر والاتحاد حول ملكية البوابة لكن و لسبب ما انفجرت البوابة قبل الاون مما تسبب في خروج الوحوش من البوابة , ومع عدم وجود أي حواجز تقريبا انتشرت الوحوش في المدينة " قالت الأم ما سمعته من المسئول الحكومي في ذالك اليوم,
" أين بالضبط ماتو ؟ " سأل أيوب السؤال الذي يعتقد أنه مهم خاصة أنه عرف أن ولده و والدته لم يكونُ معا يوم الحادثة من خلال حديثها ,
" أه ... ام ... لقد ...كانو " تلعثمت الأم لم تعرف ماذا تقول ,
" فقط قوليها " ردا أيوب بشكل يوضح عزمه في معرفة الحقيقة
" كانو خارج المدينة " أجابت الأم بامتعاض
"لماذا سيخرجون المدينة أخبريني الحقيقة توقف عن اللف والدوران" سأل أيوب وكأنه وجد تصرف أمه غريبا وكان لديه شعور سيئ حيال ذالك
" لقد.. لـ...قد كانو متجهين .. إلي المستشفي الجديد لزيارتك " قالت الأم الكلمات دون أن تدري أنها قالت بالفعل ما كانت تخفيه من شدة التوتر
بوووم
شعر أيوب أن ما قالته الآن لم يكن أقل من ما سمعه من قبل, وربط كل المعلومات التي لديه حتى الآن للوصل إلي نتيجة ورد قائلا
" أنت... تقولين أنهم كانو متجهين إلي المستشفي ...لزيارتي!!؟ , تم تعرضُ للهجوم!!!!!!!! " سأل أيوب بوجه مرتعش وكأنه سمع أخر ما يريد سماعه
"......." لم ترد الأم علي السؤال لأنها لم تعرف مادا تجيب لكن أيوب أكد إجابته من سكوتها
" إذا... أنت ... تعنين .... أنني أنا سبب موتهم!!!؟" كان صوته متقطعا وغير مصدق حيث أن الهدوء الذي كان بالكاد موجدا انهار مجددا ,
" أنا سبب موتهم .. إذا أنا سبب موتهم .. لو.. لم ... لو ..لم أدخل في غيبوبة .." كان أيوب يمسك رأسه من شدت الندم وكان منطقه يهرب منه شيئا فشيئا ,عندها
سماش
صفعة لم تكن متوقعة قد أتت إلي خديه , سارة التي كانت تقف مشاهدتا المشهد من الجانب لم تستطع تحمله أكثر
" أيها الوغد ألم تنظر لحالة والدتك التي عانت خلال هذه السنة و أخوك الذي يعمل بشكل أكتر من طاقته لكي يسدد الديون التي عليك أستيقظ أيها الوغد علي الواقع, أبوك مات وأخويك ماتو أيضا ولن يتغير الأمر بلوم نفسك ولا علاقة أصلا لك بموتهم , اجمع شتات نفسك فكر في ما لديك الآن قبل فوات الأوان , عندها لن تستطيع الندم أكثر من ذلك " سارة الهادئة والسخيفة أصبحت شخصا أخر في هذه اللحظة ,أيوب الذي كان قريبا من الجنون قد استرد القليل من الوعي وفهم ما كانت تشير إليه,
عم الصمت الغرفة لعدت لحظات , أيوب الذي كان نصف وجهه أحمر قد هدأ, وعرف أن الوقت ليس لجنون أو البكاء, عندها أخير نظر إلي سارة ,
"شكر لك سارة شكرا جزيلا علي هذه الصفعة وإلا ما كنت لأستعيد هدوء في أي وقت قريب " قال أيوب مع بعد الارتعاش والتقدير في صوته
" أه أنا أسف أنا أسف سيد أيوب لم أعرف ما وقع لي من قليل انا ...." كانت سارة التي عادت لطبيعتها تحاول إيجاد أعذار لنفسها حينما قاطعها أيوب
"لا بأس أنه بخير" قال دالك بسرعة تم نهض من فرشه وركع في الأرض أمام أمه حيت ضرب الأرض برأسه حتى يبين عزمه
" أمي أسف هذا الابن غير مخلص قد سبب لكي الكثير من المشاكل خلال سنواتي الثلاث الماضية أنا أسف أنا أسف " عندها بدأ أيوب يضرب رأسه في الأرض حتى يكفر القليل من أخطاءه, لكن أمه التي رأته يركع في البداية قد فوجئت , لكن عندما رأته يضرب رأسه بالأرض سارعت لكي توقفه
" توقف ... قلت لك توقف , أنا أسامحك بالفعل فقد أريدك أن تبقي سالما لقد بقي لي فقط أنت وأخوك ولا أريد أن أخسر أكثر من ذالك " قامت الأم برفع أيوب ووجهها يظهر ابتسامة مع قليل من الدموع في عينيها ,
" أه.. أنا أسف علي المقاطعة لكن يحتاج السيد أيوب لراحة الآن ووقت الزيارة قد انتهت تقريبا لذي أرجو أن تسرعُ قليلا " قالت سارة ذالك بعد أن رأت الساعة علي الحائط,
" حسنا سأتركك الآن يا بني لترتاح في الوقت الحالي , وسأزورك مجدد في وقت أخر" قالت الأم التي وضعت أيوب في السرير بالفعل
" حسنا ودعا يا أمي " قال أيوب ذالك لكن صوته يوضح أنه متعب
"وداعيا يا بني " عندها خرجت الأم وسارة معا وأغلقُ الباب خلفهم , وبقي فقط أيوب الذي كان ينظر إلي السقف, بينما يفكر فيما يجب أن يفعله ابتداء من هذه اللحظة
_____________________________________
Ayoub
إذا كانت هناك أخطاء يرجي الإشارة إليها