---
الفصل العاشر : جسر القوانين الأول
كان الفراغ بلا نهاية... صامتًا، رماديًّا، بلا زمن ولا ضوء.
يقف وانغ فنغ في وسطه، جسده يطفو كما لو أن الأرض لفظته والسماء نسيته.
عيناه كانتا ساكنتين، لكن داخله كان يغلي — حزنٌ عميق كبحرٍ لا قرار له، وحنينٌ حارق لا دواء له.
قال بصوتٍ خافتٍ كأنما يخاطب نفسه:
«رحلتِ... ولم أستطع حتى أن أقول كلمة الوداع.»
لم يأتِه جواب، سوى صدى كلماته التي ابتلعتها ظلمة الفراغ.
رفع رأسه ببطء، وعيناه تلتمعان بعزمٍ جديد.
"لكن لا بأس... فطالما ما زلت أتنفّس، سأواصل الصعود. حتى لو كان عليّ مواجهة هذا الفراغ إلى الأبد."
وفي اللحظة التالية، دوّى صوت النظام، جافًا كأوامر السماء:
> "بعد دخول عالم الملك الخالد، تتوقّف الفنون القتالية التقليدية.
الآن يبدأ المضيف زراعة طريق القوانين."
ظهرت حوله دوائر من الضوء الأزرق تسبح في الهواء كحلقاتٍ مقدسة، تتّصل ببعضها كجسور تمتد عبر العدم.
تابع النظام بنغمةٍ ثابتة:
> "كل جسرٍ تمثيلٌ لفهمٍ من فهوم القوانين التسعة.
الأول يفتح الباب، والتاسع يُنهي رحلة الإدراك.
ومع كل جسرٍ يخترقه المضيف، يولد في داخله قانونٌ جديد، يمنحه مهارةً إلهية تخصّ طريقه."
ابتسم وانغ فنغ وهو يحدّق في الجسر الأول الذي بدأ يتكوّن أمامه من طاقةٍ ذهبيةٍ كثيفة.
«إذن، هذا هو طريق القوانين... طريق من لا يُقهر.»
ثمّ لوّح بيده، فظهرت جحافله العشرة آلاف من الضوء الأزرق، مصطفّين كأنهم وُلدوا من إرادته.
ركع الجنود دفعةً واحدة، فاهتزّ الفراغ بأصداء ولائهم.
رفع وانغ فنغ يده وقال بصوتٍ مهيب:
«اسمعوا أمري!
لينطلق خمسة آلاف منكم إلى العالم المادي، ابحثوا عن موضع خفيّ، وشيدوا منظمة اغتيالاتٍ واسعة، تمتد جذورها في كل أرض.
سيكون هدفها جمع المعلومات، ومحو كل من يقف في طريقي.»
ثمّ أشار إلى ثلاثة من قادة الصفوف الأولى — رجال أشدّاء، عيونهم كاللهب:
«أنتم الثلاثة ستكونون المسؤولين عن تنفيذ الأمر.
أريد أن تصبح منظمتنا أسطورة في الظلال قبل أن أخرج من هذا الفضاء.»
انحنى القادة وقالوا بصوتٍ واحدٍ هزّ الأفق:
«كما تأمر، سيدي!»
وفي لحظة، انشقت السماء الرمادية، وغادر نصف الجنود عبر بوابةٍ من الضوء الفضي، تاركين خلفهم صدى خطواتٍ كزئير العاصفة.
أدار وانغ فنغ نظره نحو النصف الباقي، وابتسم ابتسامةً هادئة:
«أما أنتم... فأنتم ستبقون معي.
لقد انتهى وقت الراحة، والآن يبدأ وقت الجحيم.»
ثمّ فجأة، دوّى صوت النظام من جديد، لكن هذه المرة كان غاضبًا كالرعد:
> "تحذير.
تجاوز المضيف المدة المسموح بها للبقاء داخل فضاء النظام لعدّة مرات.
العقوبة: مضاعفة الزمن.
سيتم سجن المضيف في البعد السادس لمدة خمسين عامًا زمنية.
كما سيتم رفع مستوى الضغط داخل الفضاء بنسبة ألف بالمئة."
ارتجف الهواء، وبدأت الكتل النجمية من حوله تنهار في دواماتٍ من الطاقة الكثيفة.
لكن وانغ فنغ، بدل أن يرتعب، ابتسم ابتسامةً واثقة، ورفع رأسه نحو العدم قائلاً:
«البعد السادس؟ فراغٌ أقوى من فضاء النظام ذاته؟... مثير.
فلينتظر العالم يوم خروجي إذًا.»
ثم أطبق قبضته، واشتعل جسده بهالةٍ ذهبيةٍ ضخمة.
بدأ الضغط يزداد حتى صار الهواء حوله سائلًا من الطاقة. كل خطوة كانت كتحريك جبل، وكل تنفّسٍ يجرح صدره كالسكاكين.
لكنّه لم يتراجع.
«إن تمكنت من السيطرة على هذا الفضاء... فسأولد من جديد.»
وهكذا بدأت السنوات تتوالى كالماء المنسكب من يد الزمن.
كان وانغ فنغ وجنوده الخمسة آلاف يتدرّبون يومًا بعد يوم، في معارك طاقةٍ مرعبة، وتدريباتٍ لا ترحم.
تحت الضغط الجنوني، تحوّلت أجسادهم إلى فولاذٍ روحي، وصارت أرواحهم أكثر نقاءً من البلور.
أما وانغ فنغ فجلس ذات يومٍ في قلب دوامةٍ من الطاقة، وعيناه مغمضتان.
تدفقت حوله خيوط الضوء كأنها أنهارٌ من القانون نفسه، حتى فتح عينيه ببطء وقال بهدوءٍ مخيف:
«الجسر الأول... قد اكتمل.»
دوّى صوت النظام ببرودٍ مقدّس:
> "تم اختراق الجسر الأول لقانون الفضاء.
تم منح المضيف المهارة الأولى:
‹عبور المسافات› — قدرة على طيّ المكان ضمن نصف بوصة من الوعي."
فتح عينيه تمامًا، فتلألأ بريقٌ غامض في داخله.
«ها قد بدأت رحلتي الحقيقية.»
---
وفي مكانٍ آخر من هذا الكون اللامتناهي...
على قمة جبلٍ عظيمٍ يلامس الغيوم، كانت سو شياو جالسةً وسط الريح.
كان الجبل يهتزّ تحتها، لا لضعفه، بل لعظمة القوة التي تحيط بجسدها.
ارتدت ثوبًا أزرقَ سماويًّا يشبه نهرًا من الضوء، وتوّجت رأسها بتاجٍ لؤلؤيٍّ يعكس لون عينيها الزرقاوين.
شعرها الرماديّ الطويل كان ينساب خلفها مثل نهرٍ من ضوء القمر.
بدت كإلهةٍ هبطت من عالم الخلود.
لكن خلف ذلك الجمال المهيب، كانت عيناها تحملان بريقَ قلقٍ دفين.
تقدّم خلفها رجلٌ عجوز ذو لحيةٍ بيضاء ووجهٍ تنحني له الممالك.
ركع بخضوعٍ وقال بصوتٍ مهيبٍ يشوبه الأسف:
«مولاتي... لقد فتّشنا في ثلاث مناطق سماوية مجاورة، وفتّشنا تحت الجبال والأنهار، لكن لم نعثر على أي أثرٍ لذلك الشخص الذي تبحثين عنه.»
أظلمت عيناها للحظة، ثم قالت بنبرةٍ مرتجفةٍ لكنها حازمة:
«تابعوا البحث. لا تتركوا حجرًا دون أن ترفعوه، ولا واديًا دون أن تمسحوه.
حتى لو اختفى بين العوالم، سأجده.»
انحنى العجوز بعمق:
«أمركِ سيدتي.»
ثم اختفى في ومضةٍ من الضوء.
وقفت سو شياو وحدها، تنظر نحو الأفق، حيث تتقاطع الغيوم مع غروبٍ نحاسيّ اللون.
رفعت رأسها، وتمتمت بصوتٍ خافتٍ متشققٍ من الشوق:
«أين أنت يا وانغ فنغ؟
لقد مرت عشرون سنةً... وأنا أبحث عنك في كل ركنٍ من هذا العالم.»
انهمرت دمعة واحدة، سقطت على راحة يدها، وتحوّلت إلى شرارةٍ صغيرةٍ من الضوء، تلاشت في الريح.
لكن خلف عينيها، كانت نارٌ لا تنطفئ... نارُ من أحبّ مرةً واحدة، ولن ينسى أبدًا.
---