---

الفصل: اكتشاف الحقيقة

كان وانغ فنغ ضائعًا تمامًا بين الخيال والواقع.

خمسون عامًا مرّت كأنها حلم طويل، كان فيها كل ما يفكر به هو سو شياو — ذلك الاسم الذي صار جزءًا من أنفاسه، من كيانه ذاته.

كانت في نظره نقيةً كقطعة ثلج، لا تُمسّ، لا تُدنس، ولهذا كان من المستحيل عليه أن يتخيل أنه سيصل إلى هذه الحالة من الشك واليأس.

وقف في أعماق قصره ، محاطًا بالضباب الذهبي، والنظام يحدّثه بصوتٍ باردٍ خالٍ من المشاعر.

كان الكلام كالسكاكين، وكل جملة منه تنزع شيئًا من قلبه.

لم يستطع فعل شيء سوى أن يكره نفسه.

كره عماه، ثقته العمياء، وغباءه الذي جعله لا يرى الحقيقة.

منذ البداية كان مخدوعًا، لكنه لم يعرف من الذي خدعه — هي؟ أم القدر؟

ومع ذلك، ظلّت كلمتها القديمة تتردد في ذهنه كجرس لا يهدأ:

> "إن فقدتُ عذريتي بسببك، سأقتلك… ثم أقتل نفسي بعدك."

تلك الجملة التي كانت تبدو حينها مجنونة، أصبحت الآن شيئًا مقدّسًا في ذاكرته.

كانت الوحيدة التي أراد أن يصدقها، لأنها نُطقت من قلبٍ يعرفه جيدًا.

لهذا السبب، كذب وانغ فنغ النظام، وصدّقها هي.

لكن بعد صمتٍ طويل، انفجر غضبه فجأة، ودوّى صوته في أرجاء القصر:

> "ابحثوا عنها… في أي مكانٍ كانت!

أريد كل ما يتعلق بـ سو شياو، الماضي والحاضر… أيًّا كان الثمن!"

وخلال لحظات، انطلقت أوامر وانغ فنغ عبر الفراغ

جيوشه تحركت، فرقه السرية فتحت بواباتٍ إلى مناطق بعيدة، والجميع تلقّى أمرًا واحدًا:

> "اعثروا على سو شياو، حتى لو كانت في أعماق الجحيم نفسه!"

ثم التفت إلى وانغ شياو، التي كانت تقف خلفه، وقال بنبرةٍ باردة لا تحتمل الجدل:

> "أنا ذاهب. يمكنكِ المجيء إن أردتِ، لكن لا أريد أي تصرفاتٍ طفولية."

وقبل أن تردّ، اختفى من المكان بخطوةٍ واحدة، لتختفي هي معه بعد لحظات، تاركة خلفها دوامةً من الرياح والضوء.

---

في الأعلى، وسط غيومٍ تمزقت من الغضب، ظهر وانغ فنغ يطير فوق غابةٍ عظيمة تمتد إلى الأفق، أشجارها تلمع كالزمرد تحت ضوء القمر.

لكن الجمال لم يعد يعني له شيئًا.

كان الغضب يغلي في صدره، ينهش روحه كوحشٍ لا يشبع.

رفع قدمه بخفة، واستخدم مهارة خطوات الفراغ، لكن ليس كما يفعل عادة — بل بعنفٍ، بتهورٍ، بوحشيةٍ نادرة.

كل خطوةٍ يخطوها كانت تمزق الفضاء حوله.

السماء نفسها بدت وكأنها تتشقق من هيبته، والهواء يصرخ في وجهه، والغابة تحترق من طاقته المتفجرة.

في لحظاتٍ معدودة، تحوّل المكان الذي كان يوماً واحة حياةٍ خضراء إلى بحرٍ من الرماد.

وفي مكانٍ قريب، كان هناك ثلاثة أشخاصٍ يجلسون حول نارٍ صغيرة، يضحكون ويشوون لحمًا فوق الجمر.

لكن الضحك انقلب إلى صراخٍ مذعور حين سقطت السماء عليهم.

تحطّمت الأشجار كأنها زجاج، وتفتت الفراغ من حولهم، وتطايرت شظاياه البلورية في كل اتجاه.

في لحظةٍ واحدة، تحولت الغابة إلى جحيمٍ صامت، لا يسمع فيه سوى حفيف الرماد.

كان الثلاثة واقفين مذهولين، أجسادهم ترتجف من الرعب، ووجوههم بلا لون.

أما وانغ فنغ، فقد أوقفه صوتٌ مألوف — صوت أحد جنوده المخلصين، الذي ظهر فجأة من دوامة ضوء وركع على ركبةٍ واحدة أمامه.

قال بصوتٍ خافتٍ يرتجف رغم محاولته التماسك:

> "سيدي… وجدنا شيئًا بخصوص السيدة سو شياو."

توقف وانغ فنغ، ونظر إليه بعينين تشعّان بالغضب المكبوت.

> "تكلم."

تنفّس الجندي بصعوبة، ثم قال:

> "السيدة سو شياو… ليست كما كنا نظن.

إنها وُلدت بروحٍ واحدة داخل جسدين.

الجسد الأول امتلك الجمال والهيبة،

أما الجسد الثاني فامتلك القوة والموهبة.

يُقال إن أحدهما حمل النقاء الكامل، والآخر… فقده منذ الولادة."

تجمد الهواء.

سكت وانغ فنغ، ثم رفع عينيه ببطء نحو السماء وقال بصوتٍ مبحوح:

> "النظام… أعد ما قاله."

فأجابه النظام بصوتٍ باردٍ، كأن الحقيقة تُقرأ من كتابٍ قديم:

> "تحليل المعلومات يؤكد ذلك.

سو شياو ليست من هذا العالم الخالد، بل من أحد العوالم المجاورة.

عندما تم تجسيدها، دخلت رحم امرأةٍ حاملٍ بتوأم، وبسبب قوة روحها الهائلة، قسمت روحها إلى نصفين.

كل نصفٍ ورث صفاتٍ مختلفة:

الجسد الأول حصل على العذرية والذكريات،

أما الجسد الثاني فكان بلا عذريةٍ… وبلا ذكريات."

ثم أكمل النظام بصوتٍ ثقيلٍ كأنه حُكمٌ نهائيّ:

> "الجسد الذي تعرفه أنت يا وانغ فنغ…

هو الجسد الثاني."

صمتٌ طويل.

حتى الرياح توقفت.

في تلك اللحظة، شعر وانغ فنغ بأن الأرض تميد من تحته، وأن شيئًا ما في داخله قد انكسر إلى الأبد.

الدموع لم تنزل من عينيه، لكنها اشتعلت في صدره نارًا لا تُطفأ.

مدّ يده نحو الفراغ فارتجّ الهواء، وتشقق الأفق كأن العوالم تخاف غضبه.

قال بصوتٍ خافتٍ، لكنه حمل في طياته هدير الرعد:

> "إذن… لم تخنني."

ارتجف صوته للحظة، ثم ابتسم ابتسامةً باهتة كمن فقد كل شيء:

> "لقد وُلدت هكذا… لم يكن ذنبك يا سو شياو… كان ذنبي أنا."

انحنى رأسه للأرض، وشعره الأسود الطويل انساب حوله كستارٍ من الظلام.

أغمض عينيه وقال بهدوءٍ مرعب:

> "أيها النظام…

جهّز الجنود..

هذه المرة… لن أبحث عنها بدافع الغضب، بل لأحميها… من هذا العالم الفاسد."

وفي لحظةٍ، اختفى صوته بين الرياح، تاركًا خلفه دمارًا يمتد عبر الغابة، وصدىً واحدًا يتردد في السماء:

> "الحقيقة… لا تُبرر الألم، لكنها تكشف من يستحق الحب."

---

2025/11/10 · 67 مشاهدة · 784 كلمة
ŻẸŘỖỖ
نادي الروايات - 2025