.
---
الفصل: الرحيل والعزلة
بعد أن اختفى وانغ فنغ من أمام الملكة، خطا ببطء خطواته على الأرض الصامتة، وكأن كل حجر وكل ورقة خشبية توقفا عن الحركة احترامًا لعزيمته. أمامه ارتفع جبل عظيم، شامخ، يلامس السحاب وكأن السماء نفسها انحنت أمامه اعترافًا بعظمته. وقف على قمته، أدار رأسه نحو الفضاء الشاسع، ورفع صوته محملاً بالحزم:
— أخرجوا.
وفي لحظة، تناثرت بقع سوداء على سفوح الجبل، تتحرك كظلال حية، لتتجمع في صفوف متقنة، حتى ظهر جنوده العشرة آلاف، وجابت الصفوف أمامهم وانغ شياو، عيونها تلمع بالحذر والوفاء، وقلبها ينبض بخوف على سيدها. كل حركة لهم كانت تنطق بالولاء، وكل نظرة تحمل احترامًا عميقًا.
رفع وانغ فنغ بصره إليهم، وعيناه تفيضان بالأسى والاعتذار، وقال بصوت هادئ، ممتلئ بالمرارة:
— أنا راحل.
عند سماع كلماته، ركع الجنود على ركبة واحدة، وأعادوا صدى ولائهم بصوت موحد:
— أمرك سيدي.
ارتفع قلبه بالحزن وهو يراقبهم، وقال لنفسه بصوت داخلي:
— سأرحل وحدي…
لكن قلب وانغ شياو لم يستسلم للواقع. اقتربت منه فجأة، واحتضنته بعنف، والدموع تنساب من عينيها، وارتعش جسدها بين الحزن والخوف، وقالت باختناق:
— سيدي… لا… لا أستطيع البعد عنك… أريد أن أذهب معك.
تفاجأ وانغ فنغ، لكنه لم يمانع هذه المرة. وضع يده على ظهرها برفق، وخاطب النظام داخله قائلاً:
— ما مصيرهم إذا انتقلت إلى عالم آخر؟
رن صدى كلمة النظام في قلبه:
— سيتم ختمهم إلى أن تكتسب قوة موازية لقوتك الحالية، وعندها ستستعيدهم جميعًا.
وأضاف بصوت مطمئن، هادئ كنسيم الصباح:
— لن يشعروا بمرور الزمن، ولن يصيبهم مكروه.
تنفس وانغ فنغ الصعداء، وقال لوانغ شياو:
— لا تقلقي… لن أغيب طويلًا.
أخرجت وانغ شياو رأسها من بين ذراعيه، ونظرت إليه بعينين دامعتين، وقالت:
— سيدي… يكذب… أشعر بذلك… أنت لست بخير.
ابتسم بحزن، وملامحه تخفي ألمًا عميقًا، وقال:
— شياو الصغيرة… أنا داخل عزلة، لا أعلم متى سأخرج… لذلك سأكلفك بمهمة.
ارتجفت وانغ شياو، وتلعثمت كلماتها:
— مهمة…؟
أجابها بهدوء:
— انظري… أنت جزء مني، وعندما لا أكون موجودًا، عليك أن تحلي مكاني، وتعنيك رعاية جنودي.
نظرت خلفها لترى الجنود جميعهم راكعين، وقالت وهي ترتجف بين الواجب والرغبة:
— لا أريد ذلك… أريد الذهاب معك، سيدي…
نظر إليها وانغ فنغ بعينين حازمتين، وقال:
— كوني مطيعة… سيدك ليس بخير، ويريد العزلة.
خفق قلبها خوفًا عليه، وقالت:
— سيدي… هل أنت مريض؟
كسر وانغ فنغ قلبه الداخلي، لكنه أجاب بصوت متماسك:
— هناك إصابة داخلية… وأريد شفائها.
ارتدت وانغ شياو خطوة إلى الوراء، وجهها مغطى بالقلق، وقالت:
— سيدي… يمكنك الذهاب… لن أؤخرك.
ارتفع وانغ فنغ عدة أمتار في السماء، وكأن الرياح نفسها حملته، وألقى نظرة أخيرة على جنوده، وقال بصوت عميق:
— لا أعرف أصلكم، ولا سبب تبعكم لي… لكن كل ما أستطيع قوله هو: شكرًا لكم.
ثم جاء صوت النظام، هادئًا ولكنه حاسم:
— هل أبدأ بنقلهم؟
أجاب وانغ فنغ بعد إلقاء نظرة أخيرة:
— نعم… لكن أضمن أنهم مرتاحون.
استدار، فلم يرغب في رؤية نظراتهم المؤلمة، وخلفه ارتج الفضاء بصمت، واختفى كل من جنوده ووانغ شياو.
ظل وانغ فنغ وحيدًا، يشعر بفراغ عميق، كما لو أن العالم قد ابتلعه، لكنه قال لنفسه رغم شعوره بالأسى:
— النظام… ابدأ النقل.
رد النظام:
— حاضر، سيدي.
فانفتحت أمامه بوابة بنفسجية عظيمة، امتدت لتغطي السماء، مع شقوق تتوهج في الفراغ المحيط، وكأن السماء نفسها تتنفس قبل رحيله. التفت وانغ فنغ خلفه، وألقى نظرة أخيرة على العالم الذي تركه، وظلت نظراته معلقة، قبل أن يتنهد ويخطو داخل البوابة.
كانت الغابة تمر بنسيم لطيف، الأشجار تتمايل بخفة، والطيور تصمت احترامًا، بينما كان الفراغ من حوله يتموج مثل أمواج البحر، لا يعرف أحد إن كان تأثير البوابة أم أن العالم نفسه يودعه.
رائحة التراب المبلل، وصوت قطرات المطر الخفيفة على الأوراق، وضوء القمر الخافت، كلها تهمس: «وداعًا… عد سالمًا».
مع كل خطوة يخطوها داخل البوابة، شعر بانغ فنغ بأن العالمين يتلاحمان، وأن جزءًا منه سيظل هنا، مع أولئك الذين أحبهم، ومع الغابة التي شهدت على ولائه ووفائه.
ظل في قلبه شعور بالوحدة، لكنه أيضًا شعور بالأمل، فكل رحيل يحمل وعدًا بالعودة، وكل وداع يحمل بذور اللقاء.
ومع انغماسه داخل البوابة، ارتجت النجوم حوله، وتلألأت الألوان في الفراغ مثل موجات من الضوء السائل، كأن الفضاء كله يودعه، ويرافقه حتى آخر خطوة في الطريق المجهول، بينما اختلط صوت الريح مع صدى خطواته، ليصبح كل شيء جزءًا من الرحيل، والوفاء، والعزلة، والرجاء في اللقاء القادم.
---