---

الفصل: عودة الهالة القديمة

بعد مرور ثلاثة عشر عامًا...

في أعماق قارة الدو تشي الشاسعة، حيث تتشابك الجبال مع الغيوم وتتنفس الأرض بالأساطير، كانت هناك إمبراطورية قديمة تُعرف باسم إمبراطورية جياما، مركز من مراكز القوة والهيبة، وميدان لتصارع العشائر الطموحة.

وفي جنوبها، بين غاباتٍ تغطيها الضباب وحقولٍ تمتد إلى الأفق، قامت مدينة صغيرة اسمها وو تان، مدينة عريقة رغم بساطتها، اشتهرت بتجارة الأعشاب النادرة ومنافسة العائلات النبيلة على النفوذ.

لكن أكثر ما ميّزها هو وجود عائلة عظيمة الجذور... عائلة شياو.

وفي أحد أركان المدينة، قرب السوق الرئيسي، كان هناك مبنى خشبيّ قديم بثلاثة طوابق، كُتبت على واجهته لافتة باهتة:

متجر الراوي لي.

داخل المتجر، امتلأت الأجواء برائحة الورق القديم والحبر الجاف.

جلس عدد من الصبية والشبان على الأرض، يحيطون برجلٍ عجوزٍ بلحيةٍ بيضاء طويلة وظهرٍ منحنٍ كقوس، عيناه ضيقتان لكن بريقهما ما زال حيًّا كوميض الشعل.

رفع العجوز رأسه وقال بصوتٍ هادئٍ متقطع:

“اليوم... سأروي لكم قصة من الماضي، قصة عائلةٍ لا تُنسى... عائلة شياو.”

سكت قليلًا، ثم تابع بنبرةٍ مفعمةٍ بالحزن:

“قبل ثلاثة عشر عامًا... وُلد لزعيم عائلة شياو توأم.

أحدهما كان يحمل موهبة لم تظهر منذ مئات السنين، والآخر وُلد ضعيف الجسد، لا يقدر على جمع أدنى ذرة من طاقة الدو تشي.”

أخذ العجوز نفسًا عميقًا وتابع:

“كان الأب، شياو زون، فخورًا بابنه الموهوب، حتى أنه عقد له خطوبة مع ابنةٍ نبيلة من عائلة نالان — نالان روكس — المعروفة بعبقريتها المبكرة.

لكن بعد مرور عشرة أعوام، حدث ما لم يتوقعه أحد…

فجأة اختفت موهبة شياو يان، وسقط من كونه العبقري الأول في المدينة إلى مجرد شابٍ عاجز لا يتجاوز المستوى الثالث من عالم الدو تشي.”

همس الحاضرون بدهشة، وبعضهم أطرق برأسه تعاطفًا.

تابع العجوز وهو يحدق في اللا شيء:

“وهكذا... سقط نجم شياو يان، وبدأت نظرات الناس تتحول من الإعجاب إلى الشفقة.”

---

وفي الجانب الآخر من المدينة، ارتفع قصر ضخم وسط فناءٍ واسعٍ مزين بأشجار الخيزران والورود البنفسجية.

على بوابته العالية كُتبت بذهبٍ متقادم:

عائلة شياو.

في داخل القصر، كان الجوّ متوترًا، والهدوء مشحونًا كأنه يسبق العاصفة.

عند أحد الأروقة، وقف فتى في الرابعة عشرة من عمره، شعره أسود كثيف، وملامحه تحمل بقايا كبرياءٍ تائه.

كان شياو يان، عيناه تائهتان، وجسده يرتجف قليلًا وهو يسمع من خلف الباب أصوات النقاش في القاعة الكبرى.

“شياو زون!” صاح أحد الشيوخ بغضب، “ابنك الأول معاق، والثاني فقد موهبته! كم من الموارد ستُهدر عليهم بعد؟! لولا ارتباط ابنك بخطبة نالان، لكانا اليوم يعملان في سوق المدينة!”

ضرب شياو زون الطاولة بقبضته وانفجر صوته كالبرق:

“كفى! لن أسمح لكم بإهانة أولادي! قد يكونان ضعيفين الآن، لكن الوقت كفيل بإظهار قيمتهما.”

كانت كل كلمة تصدر من والده كالسهم يخترق صدر شياو يان، لكنه لم يجرؤ على الظهور.

اكتفى بأن يغادر بهدوء، متسللًا نحو غرفته المظلمة.

جلس على سريره، أغمض عينيه، وبدأ يجمع الدو تشي من حوله، فظهرت طاقة حمراء تدور ببطء حول جسده.

وفي أعماق جسده، داخل الدانتيان، دارت دوامة زرقاء مضيئة، بداخلها ثلاث نجومٍ صغيرة تتلألأ.

غير أن الطمأنينة لم تدم طويلاً، إذ اختفت الطاقة فجأة، وكأن شيئًا مجهولًا ابتلعها.

فتح عينيه بحدة وضرب السرير بقبضته:

“اللعنة! أنا قادر على جمعها... لكن لماذا لا أستطيع امتصاصها؟!”

جاء صوت من الخارج يقطع غضبه:

“السيد الشاب شياو يان! السيد يطلب حضورك، لقد حضر ضيوف مهمون!”

زفر شياو يان، ووقف بصمتٍ طويل قبل أن يغادر الغرفة بخطواتٍ ثقيلة.

---

في الطرف الآخر من القصر، كان خادمٌ مسنٌّ يسير بسرعةٍ بين الممرات المبلطة بحجرٍ أملسٍ رماديّ.

توقف أمام بابٍ أسودٍ فخمٍ عليه نقوش فضية وقال بصوتٍ متوترٍ ومنخفض:

“السيد الشاب الثاني، شياو يون... لقد حضر الضيوف المهمون، والسيد يطلب حضورك.”

انتظر الخادم بضع لحظات، إلى أن سمع الصوت البارد يأتي من الداخل، حادًّا كحدّ السيف:

“أنا قادم.”

عند سماع تلك الكلمات، انحنى الخادم باحترام، ثم تراجع بخطواتٍ سريعة وغادر المكان، ولم يبقَ أحد أمام الباب.

---

في داخل الغرفة، كان الضوء خافتًا يتسلل من بين الستائر الحريرية، والهدوء يملأ الأرجاء.

على السرير جلس شاب ذو شعرٍ أسود طويل يتدلى كخيوط الليل، عيناه زرقاوان عميقتان كبحيرةٍ ساكنة، وبشرته بيضاء نقية تضيء كصفحة القمر.

كان شياو يون، الذي يعرف نفسه باسمٍ آخر... وانغ فنغ.

تمتم بصوتٍ منخفض:

“منذ أن جئت إلى هذا العالم، كنت أعلم أنني فقدت قوتي واتباعي... لكن لم أفقد شيئًا واحدًا، فهمي لقانون الفراغ.”

نهض من السرير بهدوء، ومد يده إلى الفراغ أمامه، يرسم بها دوائر بطيئة كمن يفتح بوابة خفية.

بدأ الهواء أمامه يتموج، ثم تمزق كزجاجٍ شفاف، وظهر شقّ فضائي صغير بلونٍ أخضرٍ زمردي ينبض بطاقةٍ غامضة.

مدّ يده داخله ببطء، وفي الجهة الأخرى من القصر — أمام الباب الخارجي لغرفته — انفتح شقّ آخر مطابق للأول.

خرجت منه يده، قبضت على مقبض الباب، وأدارته بخفةٍ تامة، ثم فُتح الباب من تلقاء نفسه.

تقدم وانغ فنغ بخطواتٍ ثابتة نحو الشق الأول، عبر من خلاله، فاختفى من الغرفة وظهر عند الممر الخارجي أمام الباب المفتوح.

كانت عيناه تلمعان ببريقٍ أخضرٍ باهت وهو يتمتم:

“لقد شُفيت روحي أخيرًا... آن أوان أن أستعيد كل شيء.”

سار ببطءٍ في الممر، والهواء حوله يتذبذب كأن الفضاء نفسه يهابه.

وبينما كان يختفي عن الأنظار، تلاشى الشقّ الأخضر خلفه، مخلفًا همسةً خافتة أشبه بصوت الريح تقول:

"الفراغ... لا يفتح إلا لمن يفهم صمته."

---

2025/11/11 · 46 مشاهدة · 816 كلمة
ŻẸŘỖỖ
نادي الروايات - 2025