---
الفصل: كسر الخطوبة
كان الممر الطويل المؤدي إلى القاعة الكبرى يغرق في سكونٍ غامض، لا يُسمع فيه سوى وقع خطواتٍ هادئةٍ تتردد على الأرض الرخامية اللامعة. كانت أعمدة القصر تصطف على الجانبين بارتفاعٍ شاهق، تُزيّنها نقوش قديمة تنبض بطاقةٍ خافتة، وأضواء المصابيح الكريستالية المعلقة تعكس لمعانها على جدرانٍ حجرية صلبة، تحمل عبق التاريخ ومهابة السلطة.
كان شياو يون يسير بخطواتٍ ثابتة، كتفاه مستقيمان وعيناه نصف مغمضتين. بدا هادئًا من الخارج، لكن في داخله كان البحر هائجًا. أفكاره تتلاطم في ذهنه بلا توقف — تذكّر قراره بالقدوم إلى هذا العالم، تذكّر الجسد الذي يسكنه الآن، والقدر الذي أجبره على حمل اسم لم يكن اسمه. كان كل شيء مختلفًا، غريبًا، مشبعًا بذكرياتٍ لا تخصه، لكنه قبلها بصمتٍ باردٍ كما لو أنها قدرٌ لا مفر منه.
سو شياو... هل أنتِ حقًا هنا؟
تمتم في سره، وصورة تلك الفتاة مرت أمام عينيه، تلك التي كانت نصف روحه في حياته السابقة، والتي اختفى أثرها في دوامة العوالم.
“سأجدك، مهما طال الزمن.”
همس بخفوت، قبل أن يرفع رأسه ويرى أمامه الأبواب الضخمة للقاعة الكبرى — أبواب من خشبٍ أسود مصقول، منقوشة بعلامة عائلة شياو، ينتهي أعلاها برؤوس تنانين منقوشة بدقة متناهية. كانت الأبواب مفتوحة على مصراعيها كأنها ترحب بملكٍ لا يُقهر.
تنفس بعمق، ودفع قدميه إلى الداخل.
---
كانت القاعة الكبرى فسيحة كأنها عالمٌ مستقل، سقفها الشاهق مرصّع ببلّوراتٍ مضيئة تتلألأ كنجومٍ معلّقة في ليلٍ هادئ، وأرضها من الرخام الأبيض تحفّها سجادٌ أحمر يمتد حتى العرش في المقدمة. على جانبي القاعة، جلس العشرات من رجال العائلة وشيوخها، تتشابك همساتهم المتوترة بينما تتجه أنظارهم نحو المنصة.
في منتصف القاعة جلس ثلاثة رجال على مقاعد عالية، وكان في مقدمتهم رجل في منتصف الأربعين من عمره، شعره الأسود تتخلله خصلات فضية خفيفة، وجهه مهيب لكنه منهك، عيناه حادتان كعيني صقر، وفيهما بريق رجلٍ حمل على كتفيه عبء عائلة كاملة — ذاك هو شياو زون، رئيس عائلة شياو.
وعلى جانبيه، جلس شيخين بملامح بسيطة وشعرٍ رمادي متناثر وتعبٍ واضح، لا يبدو عليهما سوى صفة الحكمة والعمر الطويل.
وعلى أحد أطراف القاعة، جلس ثلاثة أشخاصٍ آخرين — وفدٌ غريب من خارج المدينة.
كان أولهم شابًا في العشرينات، وسيم الملامح، شعره الأسود مصفف بعناية، وملابسه فاخرة بلونٍ داكن. كانت في ابتسامته لمحة سخرية متعالية، وفي عينيه ضوءٌ متغطرس يوحي بأنه ينتمي إلى طبقةٍ أعلى من الحاضرين جميعًا.
وبجانبه جلست فتاة فاتنة، جمالها هادئ لكنه آسر، بشرتها ناعمة كالعاج، وشعرها الأسود الطويل يتناثر فوق كتفيها بانسيابيةٍ مذهلة. كانت ترتدي فستانًا أخضرَ زمرديًا مزينًا بخيوطٍ فضية رقيقة، يزيدها نقاءً واتزانًا.
وخلفهما وقف رجلٌ ضخمٌ حادّ الملامح، لحيته خفيفة وشعره الطويل مربوط خلف رأسه، إحدى يديه خلف ظهره، واليد الأخرى على مقبض سيفٍ طويلٍ يلمع بخفوت.
وفي الجهة المقابلة، جلست مجموعة من شباب العائلة في الصف الأمامي.
كان شياو يان في المنتصف، فتى في الرابعة عشرة من عمره تقريبًا، ملامحه تحمل خليطًا من الكبرياء والحزن، وعيناه فيهما رماد موهبةٍ ضائعة.
بجانبه فتاة جميلة صغيرة السن، ذات وجهٍ رقيقٍ كزهرةٍ بيضاء، عيناها الكبيرتان تلمعان بمشاعر صافية، كانت تنظر إليه بإعجابٍ صادقٍ يخفي خلفه خوفًا من جرحٍ يقترب.
وعلى الجانب الآخر، جلست فتاة غامضة، ترتدي حجابًا يغطي نصف وجهها، لكن عينيها كانتا من عالمٍ آخر — عيناها حمراوان بلون الغروب، تلمعان ببريقٍ يسحر كل من يراهما، ورموشها الطويلة تلقي بظلٍّ خفيف على خديها. كان على رقبتها طوقٌ ذهبي مذهل التصميم، يلمع تحت الأضواء كأن فيه طاقة حياة.
أما فستانها، فكان مزيجًا من الأحمر بلون الكرز، تتخلله خطوطٌ بيضاء وأنماطٌ ذهبية تمتد على أطرافه، وكأن النار والثلج اجتمعا في ثوبٍ واحدٍ يعجز الوصف عن احتوائه.
حين دخل شياو يون القاعة، ساد الهدوء لوهلة.
كان يسير بخطواتٍ واثقةٍ رغم صمت الجميع، مظهره بسيط لكن ملامحه كانت تجمع شيئًا غريبًا — سكينة العارف، وهيبة المقاتل، وغموض من لا ينتمي تمامًا لهذا المكان.
اقترب حتى وصل إلى والده، وانحنى قليلًا باحترام:
"الأب، لقد جئت كما أمرت."
رفع شياو زون رأسه، ابتسم بخفةٍ وأشار له بالجلوس.
فتقدم شياو يون بهدوء وجلس إلى جوار شياو يان.
رفع شياو يان نظره إليه، وعلى وجهه ابتسامة باهتة ممزوجة بالدهشة.
قال بنبرةٍ ودودة:
"لم أتوقع حضورك بهذه السرعة، يا أخي."
أجابه شياو يون بابتسامةٍ خفيفةٍ، ثم نظر أمامه دون أن يتكلم.
كانت الفتاة الصغيرة شون إير بجانب شياو يان قد التفتت نحوه أيضًا، ابتسمت له بلطفٍ قبل أن تعود بنظرها إلى الأمام.
أما الفتاة المحجبة ذات العينين الحمراوين، فقد ظلت جامدة كتمثال، وكأن وجوده لا يعنيها إطلاقًا، عيناها كانتا تراقبان شيئًا أبعد بكثير من هذا الاجتماع.
سادت القاعة لحظة صمت، ثم وقفت الفتاة ذات الفستان الأخضر بخطواتٍ هادئةٍ وثقةٍ عالية.
انحنت قليلًا أمام رئيس العائلة، وقالت بصوتٍ عذبٍ واضحٍ:
"أنا نالان يانران."
رفع شياو زون رأسه نحوها، وردد الاسم مرتين وكأنه يستدعي ذكرى بعيدة:
"نالان يانران... حفيدة نالان جيا؟ صديق قديم... يا للزمن، لم أتعرف عليكِ فورًا، اغفري لي تقصيري يا ابنة الطيبين."
ابتسمت بخفةٍ وردت بأدبٍ رفيع:
"بل أنا من يجب أن يعتذر، يا سيد شياو، على عدم تقديم نفسي كما يجب."
ثم استدارت نحو الرجل الواقف خلفها — ذاك ذو اللحية الخفيفة — فأومأ بخطوةٍ إلى الأمام وقال:
"سيد شياو، جئنا اليوم في مسألة تخص السيدة الشابة."
رفع شياو زون كأس النبيذ بيده، مالت زاوية فمه إلى الأعلى بتساؤلٍ خافتٍ وقال:
"السيد قو يي، وما الأمر الذي جاء به ممثل طائفة السحاب الضبابية إلى قصرنا؟"
رد الرجل بعد أن بلع ريقه ومسح على لحيته القصيرة:
"لطائفة السحاب الضبابية قوانين صارمة يا سيد شياو، وزعيمنا يفكر في أن يجعل السيدة نالان الرئيسة القادمة للطائفة. ولهذا، نحن نأمل أن تتمكن من التركيز الكامل على زراعتها دون أي التزامات... ولهذا نريد—"
تردد للحظة، ثم أكمل بتلعثمٍ واضح:
"نريد أن نُفسِخ خطوبتها من السيد شياو يان."
سقطت الكلمات على القاعة كصاعقة.
سرت همسات خافتة بين الحاضرين —
"إذن هذا هو السبب..."
"هاه، لم أتفاجأ... بعد كل شيء، شياو يان فقد موهبته."
"إنها طائفة كبرى، لا يمكنهم ربط ابنتهم بفاشلٍ..."
لكن الأصوات تلاشت فجأة حين دوى صوتُ زجاجٍ يتحطم.
كان كأس النبيذ قد تحطم في يد شياو زون، والنبيذ الأحمر تساقط على الأرض كدمٍ غاضب.
رفع رأسه ببطء، وفي عينيه نارٌ مكبوتة، وقال بصوتٍ ثقيلٍ مرعب:
"في قارة الدو تشي، هل تعرفون ما الذي يحدث للرجل الذي تُفسخ خطوبته؟"
تراجع السيد قو يي خطوة إلى الوراء، وبلع ريقه:
"نحن... نعلم أن هذا موقف صعب، لكن قائدنا يأمل بتفهمكم ومساندتكم في هذا القرار..."
لم يكمل كلماته، لأن الهواء في القاعة تبدّل فجأة.
انبعثت من جسد شياو زون هالة مرعبة، ثقيلة كالجبال، اجتاحت القاعة بأكملها.
ظهرت خلفه صورة أسدٍ عملاقٍ من طاقة الدو تشي، زأر بصوتٍ خافتٍ جعل الأرض تهتز تحت الأقدام.
تقدم السيد قو يي بسرعة، واقفًا أمام نالان يانران لحمايتها، في حين تجمد الجميع في أماكنهم، وجوههم شاحبة.
صاح أحد الشيوخ من الخلف:
"شياو زون! لا تنسَ أنك رئيس عائلة شياو!"
ضغط شياو زون قبضته بشدة، ثم زفر ببطء، وأجبر نفسه على تهدئة طاقته. اختفت صورة الأسد تدريجيًا، لكن بقايا الهالة بقيت تشتعل من حوله كألسنة لهبٍ خفية.
جلس ببطء، وصوته هذه المرة أكثر هدوءًا، لكنه محمّل بالثقل ذاته:
"ملكة جمال نالان، هل يعلم جدك بأمر هذه الزيارة؟"
تقدمت نالان يانران بخطواتٍ هادئة، وقالت بصراحةٍ لا تخلو من الحزم:
"جدي لا يعلم. لكن هذا مستقبلي، وأنا من أحدده. كما أني جئت بأمرٍ مباشرٍ من سيد طائفة السحاب الضبابية."
أغمض شياو زون عينيه لحظة، ثم فتحهما ونظر إليها بإعجابٍ صادقٍ ممزوجٍ بالمرارة.
"أنسة نالان، أنتِ حازمة بحق. أحسد سيدك على تلميذة مثلك."
اقتربت بخطوةٍ وقالت بلطفٍ يشوبه الحذر:
"العم شياو، أنا—"
قاطعها بقوة:
"ناديني بالبطريرك شياو، لا أستحق أن أكون عمّك. أنتِ الآن الوريثة المستقبلية لطائفة السحاب الضبابية، أما ابني... فهو مجرد شخصٍ عادي، لا يليق بكِ."
ساد الصمت من جديد.
كان شياو يان يحدّق في الأرض، قبضتاه ترتجفان بصمتٍ، بينما كانت شون إير تنظر إليه بعينين دامعتين.
أما شياو يون، فبقي هادئًا كأنه يشاهد مسرحيةً يعرف نهايتها سلفًا، عيناه تلمعان ببريقٍ باردٍ وهو يراقب التفاصيل.
رفع السيد قو يي رأسه وقال بارتياحٍ خفيف:
"نشكر تفهمك يا سيد شياو. وبأمر السيد، أُحضرت هدية كاعتذار على هذا القرار المؤسف."
ثم أخرج من جيبه علبةً صغيرةً مزخرفة، فتحها ببطء لتظهر داخلها حبة طاقةٍ من المستوى الرابع، لامعة كجوهرةٍ زرقاء، تومض بطاقةٍ نقيةٍ كثيفة.
"هذه الحبة كفيلة بأن تساعد محاربًا من مستوى دا دو شي التاسع على اختراق حاجز عالم الدو لينغ. إنها عربون تقديرٍ من سيدنا الكبير."
لم يجب أحد، لكن الهواء في القاعة صار أثقل، وكأن الجميع يعلم أن ما انكسر اليوم...
لن يُصلح أبدًا.
عوالم الزراعة..
1. دو تشي . المرحلة التي وصل شياو يون . الى نهايتها
دو جي
3. دو شي
4. دو هونغ
5. دو هوانغ
6. دو لينغ
7. دو وانغ
8. دو زونغ
9. دو زون
10. دو شنغ
11. دو دي (Dou Di)
. ملاحضة.. كل عالم ينقسم لتسع نجوم..