.
---
الفصل — وادي الخفافيش وقبر الملك المنسي
كانت الخفافيش تتفشّى في الخارج كأن الظلام نفسه تمزّق ليفسح لها الطريق. كانت تتحرك في السماء مثل سرب نمل قاتل، كثيفاً، متشابكاً، لا يُبقي شيئاً في طريقه سوى الفوضى. أصوات أجنحتها وحدها كانت كافية لزرع الرعب في قلب أيّ إنسان عادي.
وقف الرجلان فوق إحدى الصخور، يراقبان السواد الذي يغطي الأفق. رفع أحدهما رأسه وقال بنبرة حذرة:
— سيد لي… لا أعتقد أن ذاك الفتى مرّ من هنا.
لم يجب سيد لي مباشرة، بل حدّق في ذلك السرب المرعب بعينين هادئتين. كان سكونه وحده يفرض هيبة لم يكن الرجل الآخر يملكها. وبعد لحظة تمتم:
— لا داعي للبحث أكثر… يبدو أن ابنتي لم تخطئ.
وقبل أن يستوعب مرافقه ما يعنيه، اختفت ظلالهما من المكان دفعة واحدة، كأنهما لم يكونا موجودين من الأساس.
---
في الجهة الأخرى…
فتح شياو يون عينيه بحذر داخل الفضاء الذي يختبئ فيه. انتظر إلى أن هدأ كل شيء، ثم عاد إلى جسده الحقيقي وشقّ طريقه للخروج. وفور أن خرج سأل النِّظام بتوتر:
— هل… هل ذهبوا؟
أجابه صوت النِّظام ببرودة اعتاد عليها:
— لقد غادروا… لكنهم اكتشفوك.
تجمّد شياو يون للحظة.
— اكتشفوني؟ كيف؟
— بينهم شخص في عالم دو شينغ… سبعة نجوم.
تابع الصوت:
— حتى لو اختبأت في أعماق قارة الدو تشي نفسها، سيعثر عليك.
تسارعت ضربات قلب شياو يون. قوة بهذا المستوى لن يقدر على مواجهتها، لا الآن ولا قريباً. لكنه استجمع أنفاسه وسأل:
— لكنهم لم يبدوا وكأنهم يريدون إيذائي… لماذا يتبعونني؟
ردّ النِّظام بهدوء:
— بسبب لي وُو. إنها ابنة إحدى عشائر الدو الكبرى… وهذا الرجل كان والدها.
ارتعش وجه شياو يون بصدمة خفيفة. لي وُو؟ تلك الفتاة التي لم يتبادل معها سوى كلمات قليلة؟ كيف يمكن أن تجلب له هذا المستوى من المتاعب؟
واصل النِّظام:
— إنها تحمل مشاعر تجاهك، لكنها كانت تخشى من عشيرتها… لذا ابتعدت. لكن بما أن والدها زارك شخصياً… فلا أظن الأمر سينتهي بهدوء.
عند هذه الكلمات، عبس شياو يون بوضوح. لم يكن يحمل أي مشاعر تجاه لي وُو، بل كان قلبه مشغولاً بشخص آخر… سو شياو.
ولكي لا يتورط مع عائلة كبيرة، كان الحل الوحيد هو الابتعاد. ترك الأمر خلفه وهمّ بمغادرة المنطقة متجهاً نحو مدينة وو جينغ، لكن صوت النِّظام أوقفه من جديد:
— مهمة جديدة…
توقّف شياو يون، وظهرت أمامه لوحة مهمّة شفافة:
المهمة:
الدخول إلى وادي الخفافيش… والحصول على حبة ملك الدم من الصف الثامن.
المكافآت:
1. جسد ملك الجن
2. مهارة حركة غامضة
3. إيقاظ إحدى القدرات الفطرية لروح المضيف
اتسعت عينا شياو يون بدهشة. هذه ليست مكافآت عادية… بل من نوع قد يغيّر مصيره بالكامل. ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:
— إذا كانت الخفافيش لا تستطيع دخول الفضاء، فلا خطر إذن.
فتح شقاً في الفضاء ودخل منه إلى عمق الوادي. كان الوادي فارغاً نسبياً بعد الفوضى التي حدثت قبل قليل، وكأن كل شيء هرب من هذا المكان.
تقدّم بخطوات ثابتة، يغوص شيئاً فشيئاً في ظلام دامس لا يرى نهايته. كان الهواء ثقيلاً، ورائحة قديمة تشبه رائحة الدم المتخثّر تنتشر في المكان مع كل خطوة. وبناء على توجيهات النظام، وصل أخيراً إلى قبر قديم، حجارة شاهده ممسوحة بفعل الزمن، ولكن هالته كانت قوية رغم كل تلك القرون.
وقف شياو يون أمام القبر، وتخيّل للحظة الشخص المدفون هنا. حدّس داخلي قال له إن صاحب هذا القبر، لو كان حيًّا، لكان أضعف بقليل من الرجل الذي قابله منذ أيام… وهذا يعني وحشاً من قوة غير قابلة للتصوّر.
انحنى باحترام بسيط، ثم قال:
— النظام، أين الحبة؟
— مدفونة بجانب القبر… نصف متر تحت الأرض.
تقدم شياو يون، غرس يده في التربة وسحب صندوقاً أسود بحجم الكف. ورغم إغلاقه بإحكام، إلا أن هالة دم قوية تسرّبت منه.
حاول فتحه… مرة… مرتين… عشرات المرات…
لكن بلا جدوى.
..
— أنت تبالغ في تقدير نفسك يا فتى.
تجمّدت عضلات شياو يون. صوتٌ عميق، عجوز… لكنه يحمل قوة مخيفة. استدار بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد.
مسح المكان بوعيه الإلهي… لا شيء.
لكن حين خفّض نظره إلى يده…
كان الصندوق قد اختفى!
تنفّس ببطء، ثم تمتم:
— اخرج. أعلم أنك هنا.
لم يرد أحد.
— النظام، حالة المهمة؟
— مكتملة.
رفع شياو يون حاجبيه بتعجّب، لكنه قرر عدم إضاعة الوقت. لوّح بيده وفتح شقاً للفضاء، لكن…
قبل أن يدخل، أُغلق الشق بقوة مجهولة!
عاد خطوات للخلف… نظر إلى القبر وقال ببرود:
— اخرج… قبل أن أدمر رفاتك.
ساد الصمت لثوانٍ… ثم صدحت ضحكة قديمة تطاير صداها في الوادي.
ومن القبر خرجت خيوط بيضاء، تجمّعت أمامه لتشكّل هيئة روحٍ بيضاء قوية.
كانت الروح شبيهة بروح يتو لاو:
ملامح رجل خمسيني، شعره أبيض يتطاير رغم عدم وجود ريح. عينان ضيّقتان تحملان حكمة وشرّاً خفيفاً. جسده شفاف، لكن خطوطاً من الطاقة تدور حوله كأنها تحاول منعه من التلاشي.
قال الروح وهو ينظر إلى شياو يون بابتسامة هادئة:
— لم أتوقع أن يتذكر أحد قبر هذا العجوز.
انحنى له شياو يون بأدب:
— أعتذر على تطفلي…
ضحك الروح ضحكة عميقة:
— لا داعي لهذه الرسميات. أنت أول زائرٍ لقبري منذ زمن… طويل جداً.
سأل شياو يون:
— هل لي أن أعرف من يكون الكبير؟
اختفت الابتسامة من وجه الروح، وحلّت مكانها نظرة جادة:
— من كنتُ أو ما كنتُ… لا يهم الآن. في حياتي كنتُ اسماً يزلزل الأرض… أما الآن… فما أنا سوى روح قوية تقاوم الفناء. نصف ميت… ونصف موجود.
صمت للحظة ثم أكمل:
— لكن ظهورك هنا… ربما ليس صدفة يا فتى.
---