---

الفصل الرابع: ملكة البحيرة المظلمة

كانت الغابة صامتة كأنها تحتضر تحت عباءة الليل، لا يُسمع فيها سوى صوت الريح وهي تمرّ بين الأشجار كهمسةٍ خافتة. كان وانغ فنغ يسير بخطواتٍ هادئة، تتبعها ظلاله المخلصة التي لم تفارقه منذ عودته للحياة. شعره الفضي الطويل يتمايل مع النسيم، وعيناه الزرقاوان تعكسان ضوء القمر، فتبدو فيهما ملامح شخصٍ غامضٍ لا يمكن التنبؤ به، رجلٌ خرج من الموت ويحمل في داخله شيئًا لا يمكن تفسيره.

رغم ما ناله من قوة، ونظامٍ أعاده من حافة الفناء، وألف جنديٍ خالدٍ يطيع أوامره، إلا أن شيئًا ما كان ناقصًا بداخله. كان يشعر بفراغٍ غريبٍ، كأن روحه فقدت شيئًا لا يستطيع تذكّره. ومع كل خطوة يخطوها، كان ذلك الإحساس يكبر في صدره. لم يكن يسعى للقتال فقط، بل كان يبحث عن معنى وجوده الجديد، عن السبب الذي أعاده للحياة.

فتح وعيه الإلهي، فبدأت أصوات جنوده تتدفق إلى عقله، تقارير متتالية عن كل زاوية من الغابة. ومع ذلك، لاحظ شيئًا غير طبيعي — رغم الانتشار الواسع، لم يُعثر على أي مخلوقٍ حي، لا إنسان ولا وحش. رفع حاجبيه بتفكير وقال بصوتٍ منخفض:

> "تقدّموا أكثر، هذه الغابة تخفي شيئًا… وأنا أريد أن أعرف ما هو."

واصل سيره ببطء وهو يراقب ما حوله، لكن دون أن يدرك، تجاوز حاجزًا شفافًا يفصل بين عالمين. لم يتغير شيء ظاهريًا — الأشجار هي الأشجار، والنسيم ذاته — لكن الجو أصبح أثقل، وكأن الهواء نفسه صار يراقبه. تابع حتى وصل إلى بحيرةٍ هائلةٍ يعلوها بخارٌ فضيّ يتلألأ تحت ضوء القمر، مكوّنًا ستارًا من الضباب الكثيف.

اقترب بحذرٍ شديد، وما إن لامس الضباب جلده حتى شعر بوخزةٍ باردة تسري في جسده، فرفع رأسه ببطء… وهناك رأى المشهد الذي جمّد أنفاسه.

في وسط البحيرة، كانت ترقد أفعى عملاقة، قشورها سوداء لامعة كالمرايا، ملتفة حول نفسها كأنها تحمي شيئًا ثمينًا. بدت كوحشٍ أسطوري نائم منذ آلاف السنين، وكل نفسٍ يصدر منها كان يهز الماء من حولها.

تراجع وانغ فنغ خطوةً، وقال بصوتٍ خافت:

> "نظام، ما هذا الكائن؟"

جاءه صوت النظام ببرودٍ وتحذيرٍ واضح:

«تحذير — الكائن أمامك من رتبةٍ عليا جدًا. يُوصى للمضيف بالانسحاب فورًا.»

لم يتردد، فأصدر أمره فورًا:

> "استدعاء جميع جنود الظل إلى فضاء النظام، حالة استعداد قصوى!"

في لحظةٍ واحدة، اختفى الألف جندي داخل بوابةٍ مظلمةٍ ظهرت خلفه، تاركين خلفهم صمتًا ثقيلًا. أبقى واحدًا فقط منهم متخفيًا قرب البحيرة للمراقبة.

ابتعد وانغ فنغ ببطء، يراقب المشهد من خلال وعيه المتصل بجنوده. كانت الأفعى لا تزال ساكنة، كأنها لم تلاحظ شيئًا. لكنه عندما التفت ليتأكد من انسحابه، رأى أن البحيرة صارت فارغة… لا أثر للأفعى.

تجمد في مكانه، وارتجف جسده قليلًا وهو يتمتم:

> "اختفت…؟ تبًّا!"

بدأت كل حواسه تصرخ بالخطر. أطلق وعيه من جديد، يفتش في كل اتجاه، لكن لا شيء. وفي تلك اللحظة، سمع صوت أحد جنوده داخل ذهنه:

> "سيدي! نحن ندور في دائرة، لقد مررنا من هذا المكان أكثر من مرة!"

أدرك أن شيئًا يعبث بالواقع من حوله. قبل أن يتحرك، تموّج الهواء أمامه وظهر منه جسد أنثوي مهيب.

كانت طويلة القامة، ترتدي ثوبًا أسود ينساب حولها كالظل، شعرها الطويل مثل خيوط من الليل، وعيناها تلمعان بلون الزمرد البارد. جمالها كان يفوق الوصف، لكنه كان يحمل خطرًا خفيًا يجعل القلب يرتجف دون إرادة.

تقدّمت ببطء، وصوتها يملأ المكان بنغمةٍ تجمع بين السحر والغضب:

> "كيف تجرؤ على اختلاس النظر إلى هذه الملكة؟!"

شعر وانغ فنغ بضغطٍ رهيبٍ يهبط عليه، كأن السماء نفسها انحنت. جاءه صوت النظام على الفور:

«تحذير — الكائن أمامك من رتبةٍ لا تُقاس. يُنصح المضيف بتفعيل خاصية التبديل الفوري، يمكنك استبدال جسدك مع أحد جنود الظل والبقاء داخل فضاء النظام لثلاث دقائق فقط.»

قال بسرعة دون تردد:

> "نفّذ!"

في لحظة، اختفى جسده الحقيقي وحلّ مكانه جندي ظلٍّ يشبهه تمامًا. أما هو فانتقل إلى فضاء النظام، يراقب المشهد بعيني الجندي.

الملكة نظرت إليه ببرود، قبضت على عنقه بيدٍ واحدة وقالت:

> "من أنت؟ وكيف اخترقت حاجزي؟"

من داخل الفضاء، سأل وانغ فنغ النظام بغضب:

> "ماذا تقصد بحاجزها؟"

«إنه تشكيل روحي لحمايتها. موهبتك من الظلال تتجاوز الحواجز دون قصد.»

"ولماذا لم تخبرني بذلك من قبل أيها اللعين؟!"

ابتسم بخبثٍ وقال:

> "حسنًا إذن، فلنرَ مدى صبرها."

رفع الجندي المزيف رأسه ونظر إلى الملكة بسخريةٍ واضحة. كانت تلك النظرة كافية لتفجّر غضبها.

> "وقح!"

قالتها، ثم رفعت يدها، فأضاء المكان كله قبل أن يتحطم الجسد المزيف إلى رمادٍ أسود.

في الداخل، صرخ وانغ فنغ:

> "أعد الإحياء فورًا!"

واستجاب النظام، فظهر جسده الجديد على بعد مئات الأميال، يركض بسرعةٍ هائلة. لكنه لم ينجُ طويلًا، إذ امتدت من الفراغ يدٌ شفافة أمسكت به كما لو كانت تمسك الهواء نفسه.

خرجت الملكة من العدم، تحدّق به بعيونٍ باردة وقالت:

> "غريب… ما زلت على قيد الحياة؟"

ضحك وانغ فنغ بتهكمٍ رغم الخوف، وقال:

> "أيتها الأفعى المتعجرفة، لم أفعل شيئًا يستحق هذا كله!"

اشتد الغضب في وجهها، وسحقت جسده على الأرض بقوةٍ جعلت التراب يتطاير في كل اتجاه. في تلك اللحظة، نظر وانغ فنغ إلى مؤقّت النظام — بقيت عشر ثوانٍ فقط قبل انتهاء المدة.

> "نظام! ماذا لو تجاوزت الثلاث دقائق؟"

«ستُحبس داخل الفضاء لمدةٍ عشوائية قد تمتد لسنوات… أو قرون.»

"اللعنة! خرجت من سجنٍ لتوي والآن تريد حبسي مجددًا؟!"

لكن الوقت نفد، وأُغلق الاتصال فجأة.

---

في الخارج، نهض وانغ فنغ من الركام، وجهه مغطى بالغبار، شعره الفضي يتطاير، وعيناه تتوهجان بغضبٍ لا يوصف.

> "يا لكِ من أفعى متعجرفة… لن أنسى هذا أبدًا."

رفع يده داخل فضاء النظام، وأصدر أمرًا غريبًا:

> "جميع الجنود، تشكّلوا بهيئتي فورًا! لكم مهمة واحدة — إن لم تستطيعوا قتلها، فأهينوها. فأنتم خالدون ما دمت حيًّا!"

في لحظةٍ واحدة، اهتزّ الفضاء وظهرت آلاف الأشكال لوانغ فنغ أمام الملكة. كل جنديٍ منهم يحمل هالته وهيئته، وأعينهم تشتعل بإصرار.

هتفوا بصوتٍ واحدٍ دوّى في الأرجاء:

> "احمِ السيد! حماية السيد واجبنا!"

انطلقت الجنود نحوها بلا توقف. ضربات متتالية، ظلٌ يتكاثر في كل مكان. الملكة أطلقت موجاتٍ من القوة الروحية تدمر الأرض، لكنهم لم يتراجعوا، كانوا يعاودون الظهور بعد كل انفجار، بلا موتٍ، بلا تردد.

صرخت بغضبٍ عارم، لكن لا شيء يوقفهم — كانوا يهاجمونها كالموج، بلا نهاية.

مرت الدقائق الثلاث، وظهر صوت النظام في ذهن وانغ فنغ:

«لقد تجاوزت الحد المسموح. سيتم حبسك داخل النظام لمدة ثلاثة عشر عامًا.»

ارتجف جسده من الغضب.

> "ثلاثة عشر عامًا؟!"

ازداد غضبه، وازداد معه جنوده شراسة. انعكست مشاعره عليهم، فأصبحوا أكثر قوة، أكثر جنونًا. اشتعلت المعركة حتى الفجر، والسماء احمرّت من شدة الطاقة المتفجرة. الأرض تحولت إلى رماد، الأشجار تهاوت، والهواء نفسه صار ثقيلًا كالرصاص.

وعندما بزغ ضوء الصباح، هدأ كل شيء.

كانت ساحة المعركة مدمّرة بالكامل. الجنود يقفون صامتين وسط الغبار، والملكة واقفة على بعد خطواتٍ منهم. مظهرها لم يتأثر كثيرًا، لم تُصب بخدش، لكنها كانت غاضبة جدًا. لم تكن متعبة، لكنها شعرت بالإهانة — فملابسها السوداء تمزقت بفعل القتال، لتكشف عن بشرتها المضيئة التي تشبه القمر.

في تلك اللحظة، خرج صوت أحد الجنود ضاحكًا:

> "هههه، لو أراد سيدي، لما ترككِ تذهبين حتى بعد ألف عام. لكنه رحيم، أمرنا أن نترككِ، فهو لا يريد أن يلوث عينيه برؤيتك."

ثم اختفوا واحدًا تلو الآخر داخل الضباب، تاركين الملكة وحيدة، والنار تشتعل في عينيها.

وقفت تحدّق في الأفق حيث اختفى وانغ فنغ، وعيناها تلمعان بنيةٍ خفية.

أما هو، فداخل فضاء النظام، جلس بصمتٍ والابتسامة ترتسم على شفتيه.

> "هذا العالم… لن يكون مملًّا بعد الآن."

---

2025/10/30 · 112 مشاهدة · 1152 كلمة
ŻẸŘỖỖ
نادي الروايات - 2025