رئيكم في التعليقات 👑
---
الفصل الخامس: قانون الفضاء ولقاء الجمال الخالد
مرت ثلاثة عشر عامًا داخل فضاء النظام، ثلاثة عشر عامًا كانت كعمرٍ جديدٍ يولد في صمتٍ لا يعرف الزمن طريقًا إليه.
جلس وانغ فنغ وسط الفضاء الخالي، عينيه مغمضتين وهالةٌ زرقاء تتراقص حول جسده النحيل المهيب، كأن الكون نفسه يتنفس عبره.
منذ المعركة مع ملكة البحيرة المظلمة، لم يهدأ قلبه لحظة. كان يعلم في أعماقه أن نجاته لم تكن انتصارًا، بل صدفةً من القدر.
ورغم ذلك، لم يكن في قلبه ندم، بل رغبة لا تُطفأ… رغبة في أن يعلو فوق كل قانونٍ في الوجود.
حين أغمض عينيه للمرة الأخيرة في بداية عزله الطويل، أدرك أن القوة وحدها لا تكفي.
بدون قانونٍ يسير عليه، سيبقى كريشةٍ تتلاعب بها العواصف.
ولأن النظام نفسه — الفضاء الذي يحتضنه — كان صُنعًا من قانون الفضاء، أدرك وانغ فنغ أن هذا هو طريقه، طريق لا يُقاس بحدود البشر.
> "الفضاء… هو كل شيء. إنه الحاجز بين العوالم، والممر الذي يعبر خلاله الضوء والظلام.
من يفهم الفضاء، يفهم الوجود ذاته."
وهكذا، اختار طريقه — قانون الفضاء.
كان الفهم صعبًا إلى حدٍ لا يُصدق، فالقانون الذي بُني عليه النظام نفسه ليس شيئًا يمكن إدراكه بالعقل.
لكنه بدأ، بخطواتٍ ثابتة، يدرك النسيج الخفي للوجود. ومع مرور الوقت، ومع كل لحظةٍ من الألم والتأمل، صار جزءًا من الفضاء ذاته.
لم يكن التدريب مجرد تأمل، بل حربًا يومية ضد حدوده البشرية.
كلما اقترب من الفهم، كان يشعر بجسده يتمزق، روحه تكاد تنفجر.
لكن في كل مرةٍ يسقط، كانت عيناه تشتعلان من جديد، كما لو أن السماء تدفعه ليتحدى المستحيل.
وبمساعدة النظام، وبفضل آلاف المحاكاة التي أنشأها داخل فضائه، وصل أخيرًا إلى ذروةٍ لم يبلغها أحد من قبله.
لم يعد يحتاج إلى جهدٍ ليفهم، لأن الفضاء أصبح يستجيب له كما لو كان امتدادًا لروحه.
وحين حان الوقت، فتح عينيه بعد ثلاثة عشر عامًا، وانفجرت طاقةٌ هائلة ملأت فضاء النظام بضوءٍ أزرقٍ يغمر كل شيء.
> "لقد حان الوقت…"
قالها بهدوءٍ يقطر عظمة.
ارتفعت هالته إلى السماء، وتموج الفضاء من حوله، وصرخ النظام بصوتٍ متقطع من شدة الطاقة:
«تحذير! اختراق وشيك لعالمٍ جديد!»
ثم — انفجر النور.
وفي اللحظة التالية، هدأ كل شيء.
وقف وانغ فنغ في مكانه، شعره الفضي يتطاير، وعيونه الزرقاء تلمع بصفاءٍ لا مثيل له.
لقد اخترق… وصل إلى عالم الخالد الذهبي.
لكن لم يكن ذلك وحده إنجازه.
فخلال تلك الأعوام الثلاثة عشر، كوّن عشرة آلاف جندي من الظلال، جميعهم يحملون نصف قوته — قوةٌ تكفي لتدمير إمبراطوريةٍ كاملة.
لقد صار وجوده ذاته قوةً تهابها قوانين العالم.
> "جميل… الآن، حان وقت العودة إلى العالم الحقيقي."
رفع يده بخفة، فتشققت أبعاد الفضاء، وخرج منها بهدوءٍ يشبه الولادة من جديد.
وفي لحظة، وجد نفسه معلقًا في السماء، فوق الغابة المظلمة التي شهدت معركته القديمة.
كان الليل ساكنًا، لكن النجوم ارتجفت حين مرّ بينها جسده الخالد.
فتح وعيه الإلهي، وانطلق كعاصفةٍ من الضوء تخترق ملايين الأميال في لحظة.
كل كائنٍ في ذلك النطاق شعر بوجوده — حتى الوحوش العميقة انكمشت خوفًا، لكن رغم اتساع وعيه، لم يجد أي أثرٍ لتلك الملكة.
> "هل اختفت… أم أنها تراقب من بعيد؟"
همس بهدوءٍ، ثم خطا خطوةً واحدة — خطوة واحدة فقط — فاختفى من مكانه وظهر أمام بوابة مدينةٍ ضخمةٍ تمتد أسوارها إلى الأفق.
كانت تلك أول مرة يدخل فيها مدينةً منذ بعثه من جديد.
---
دخل وانغ فنغ المدينة كأي شخصٍ عادي، شعره الفضي مربوط بخيطٍ أسود، وملامحه الهادئة لا تثير الانتباه إلا لمن يملك عينًا حادة.
لكن رغم محاولته إخفاء هالته، لم يستطع أن يخفي تلك الهيبة الهادئة التي ترافق الكائنات الخالدة.
تجول في الشوارع حتى وقف أمام متجر أعشابٍ كبيرٍ تفوح منه رائحة الخلود.
دخل بخطواتٍ واثقة، وأخرج من حقيبته كميةً ضخمة من الأعشاب الخالدة التي جمعها جنوده طوال السنوات الماضية.
حين رآها صاحب المتجر، اتسعت عيناه من الدهشة، ووقف من فوره مندهشًا.
> "يا فتى… هذه الأعشاب لا يمكن جمعها إلا من أعماق وديان الفوضى! من أين أتيت بها؟!"
ابتسم وانغ فنغ بخفة:
> "لديّ طرقٌ خاصة."
بعد فحصٍ طويلٍ ومساوماتٍ قصيرة، خرج وانغ فنغ محمّلًا بثروةٍ ضخمة من العملات الخالدة، تكفي لبناء طائفةٍ صغيرة.
لكنه لم يبدُ عليه الاهتمام بالمال، بل اتجه مباشرة إلى متجرٍ مجاورٍ لبيع المعدات الخالدة.
هناك، لفت انتباهه رداءٌ أزرق غامق منسوج من جلد تنين الفيضان، مخلوقٌ نادر يُقال إن موته غيّر مسار أنهارٍ بأكملها.
> "هذا الرداء… يليق بي."
قالها وهو يلمسه بخفة.
سعره كان باهظًا لدرجةٍ جعلت التاجر يتردد في عرضه، لكن وانغ فنغ ألقى الكيس الذهبي دون تردد، وأخذ الرداء.
وحين خرج من المتجر مرتديًا إياه، بدا كلوحةٍ من الجمال الإلهي — شعره الفضي يعكس ضوء القمر، وعيونه الزرقاء تتوهج بهدوءٍ عميق، وبشرته النقية كأنها من اليشم المصقول.
وحين تحرك الرداء فوق جسده، تراقص الضوء حوله كأن السماء تمجّده.
---
قرر بعدها أن يذهب لحانةٍ قريبة ليهدئ فكره بعد رحلة التأمل الطويلة.
كانت الحانة مزدحمة، الأصوات تعلو والضحكات تملأ المكان، لكن حين دخل، خيّم الصمت لوهلة.
كل العيون التفتت نحوه — رجلٌ بجمالٍ لا يُوصف، ووقارٍ يخفي خلفه جبالًا من الغموض.
جلس بهدوءٍ على طاولةٍ في الزاوية، وطلب كأس نبيذٍ هادئٍ كليلٍ بلا نجوم.
كل رشفةٍ كانت تُعيد إليه ذكريات الماضي — الألم، الغضب، والرغبة في الانتقام.
لكن قبل أن يغرق في أفكاره، انفتح باب الحانة، ودخلت شابةٌ فائقة الجمال.
كان حضورها كطلوع القمر بين السحاب.
بشرتها ناعمة كزهر الخوخ، وعيناها كالزمرد يلمع تحت الضوء، وخصلات شعرها السوداء الطويلة تتماوج مع كل خطوةٍ كأنها رقصة ريحٍ مقدسة.
بمجرد أن دخلت، ساد صمتٌ تام — حتى العازفون توقفوا عن العزف.
كانت جميلة لدرجةٍ جعلت المكان كله يبدو باهتًا بجوارها.
اقتربت منه بخطواتٍ خفيفةٍ وواثقة، وانحنت قليلًا بأدبٍ ملوكيّ وقالت بصوتٍ عذبٍ كأن اللحن يخرج من بين شفتيها:
> "سيدي، أرجو المعذرة على الإزعاج… أنا ابنة صاحب متجر الأعشاب.
لقد أرسلني والدي إليك لأبلغك أن عائلة هيو الخالدة ستقيم مزادًا كبيرًا الليلة، وقد طلب مني أن أقدم لك دعوةً خاصة للحضور معنا."
رفعت نظرها إليه بخجلٍ طفيف، لكن وانغ فنغ ظلّ باردًا، يحدق فيها بعينيه العميقتين كأنهما تقرآن جوهرها.
لاحظ من أول نظرة أن طاقتها ليست بسيطة — كانت في عالم الخالد الافتراضي، أي أدنى منه بعالمين فقط.
> "همم…" تمتم بهدوء، وارتشف نبيذه دون أن يشيح بنظره عنها.
"قوتك ليست سيئة بالنسبة لفتاةٍ في مثل سنك."
احمرّ وجهها قليلًا من المفاجأة، لكنها ابتسمت بأدب:
> "يبدو أن السيد ذو عينٍ ثاقبة بالفعل."
لم يرد، بل اكتفى بابتسامةٍ خفيفةٍ كأنها تحمل مزيجًا من الغموض والبرود.
لكن في أعماقه، كان يفكر —
عائلة خالدة، مزاد ضخم، وفتاة تحمل طاقةً غير مألوفة…
هل هي صدفة؟ أم بداية خيطٍ جديدٍ في طريقه نحو القوة؟
رفع كأسه ببطء، والابتسامة لا تزال على شفتيه:
> "حسنًا… قولي لوالدك إنني سأحضر."
انحنت الفتاة بخفة، ثم غادرت تاركةً خلفها عبيرًا خفيفًا كنسمةٍ من زهر الليل.
بينما بقي وانغ فنغ جالسًا، يراقب كأسه بنظراتٍ باردةٍ تشتعل خلفها نيران لا تُرى.
> "مزاد عائلة هيو الخالدة… لعلها بداية فصلٍ جديد من قصتي."
---