---

الفصل السابع: الهدوء قبل العاصفة

خرج وانغ فنغ من المزاد الكبير بخطواتٍ هادئةٍ متزنة، كأن الأرض تخشى أن تُصدر صوتًا تحت قدميه.

امتدّ الليل على المدينة بردائه الأزرق، والمصابيح المعلقة على الجدران القديمة تبعث ضوءًا أصفرَ باهتًا، يرقص مع أنفاس الريح.

خلفه كانت لين ليلي تسير بصمتٍ، وملامحها تجمع بين الخوف والاحترام، كأنها ترافق كيانًا لا ينتمي لهذا العالم.

عند بوابة المزاد، حيث تلتفّ المصابيح الحمراء كالأقمار الصغيرة، خفَتَت الأصوات تدريجيًّا، وبقيت المدينة ساكنة إلا من وقع أقدامهما.

قالت لين ليلي بخفوتٍ وهي تنظر إلى الطريق أمامها:

> "سيدي... سمعتُ أن في ساحة المدينة عرضًا نادرًا هذه الليلة. مهرجون من الأراضي الشرقية، يُقال إنهم يقدّمون عروضًا لم تُرَ منذ قرن. ربما تجد بعض المتعة في رؤيتهم..."

توقّف وانغ فنغ، وسكنت الريح من حوله.

لم يلتفت، ولم يرفع صوته، إنما قال بهدوءٍ تامٍّ يحمل في طيّاته أمرًا لا يُردّ:

> "لست مهتمًّا. دلّيني على أقرب نُزل."

ارتبكت، لكنّها حاولت مجددًا:

> "سيدي... جناح أزهار الربيع سيفتح الليلة، وهذا لا يحدث إلا كل عشر سنوات. يُقال إنهم سيقدّمون مشروبًا أسطوريًّا اسمه كأس دي تيان، مشروب لا يصنعه إلا نسل العائلات القديمة من العصور البائدة. كما أن كبار المواهب في منطقة العين الخالدة سيحضرونه، ستة من أشهرهم..."

التفت إليها ببطءٍ، ونظر إليها نظرةً واحدةً فقط.

نظرةٌ جعلت الهواء يثقل من حولها، وكأنها وقفت تحت جبلٍ خفيّ.

ثم قال ببرودٍ لا عاطفة فيه:

> "لست مهتمًّا. دلّيني على النُّزل فحسب."

تابع سيره، وكلّ خطوةٍ منه تُحدث صدى خافتًا في أزقّة المدينة الحجرية، كأنها توقظ شيئًا كان نائمًا منذ زمن.

أما لين ليلي فكانت تنظر إليه من خلفه بخوفٍ يتسلّل إلى قلبها:

> "حتى العباقرة يتنافسون على الدخول إلى جناح أزهار الربيع... من يكون هذا الرجل حقًّا؟"

---

وبينما كانا يعبران أحد الشوارع الضيقة، لمح وانغ فنغ شيئًا على طاولةٍ خشبيةٍ متداعية، أمام متجرٍ صغيرٍ تآكلت جدرانه.

اقترب قليلاً، فرأى نايًا قديمًا من الخشب الداكن، نُقشت عليه رموزٌ باهتة، بعضها اختفى بفعل الزمن.

كان جزءٌ من الناي مكسورًا، لذلك لم يلتفت إليه أحد، بل كان موضوعًا بجانب بعض الأدوات الصدئة، كقطعةٍ لا قيمة لها.

في لحظةٍ واحدة، اختفى وانغ فنغ من مكانه وظهر أمام البائع.

ارتجف الرجل للحظة، ثم ابتسم بخوفٍ وقال:

> "سيدي... عينك ثاقبة. لقد وجدت هذا الناي في قبرٍ قديمٍ بجوار مقبرة الدماء. لكنه كما ترى، مكسورٌ ولا فائدة منه."

قال وانغ فنغ بهدوء:

> "كم ثمنه؟"

أجاب البائع سريعًا، وقد لمعت عينه طمعًا:

> "ثلاث عملاتٍ مقدّسة يا سيدي، خاطرت بحياتي لأجله."

أخرج وانغ فنغ ثلاث عملاتٍ من جيبه ووضعها على الطاولة دون أن يساوم، ثم أخذ الناي وواصل سيره نحو لين ليلي.

---

وصل الاثنان إلى نُزلٍ متواضعٍ في طرف المدينة، كان بناؤه من الخشب القديم، تتدلّى أمام بابه مصباحٌ صغيرٌ يهتزّ مع الريح.

دخلا إلى الداخل، وكانت الغرفة التي أُعدّت له بسيطةً لكن نظيفة، جدرانها من الطين المصقول وسريرها مفروش بغطاءٍ قطنيٍّ ناعم.

الضوء الصادر من المصباح الزيتي جعل المكان يبدو هادئًا ومريحًا.

جلس وانغ فنغ على السرير ووضع الناي إلى جانبه، ثم قال بصوتٍ خافتٍ كأنه يخاطب الهواء نفسه:

> "اذهبوا إلى المقبرة... واعثروا على مصدر هذا الخشب."

في تلك اللحظة، تحرّكت الظلال على جدران الغرفة، وكأنها أحياءٌ تسمع وتفهم.

انفصلت عن الجدار واندفعت نحو النافذة، ثم اختفت في ظلام الليل دون أثر.

أما وانغ فنغ فبقي ساكنًا، يُحدّق في الناي بنظرةٍ عميقةٍ غامضة، وكأن داخله يسمع نغمةً لا يسمعها سواه.

---

وفي مكانٍ آخر من المدينة....

تجمّعت الحشود في ساحاتٍ واسعة تمتدّ حتى الأفق.

السماء تلمع بوهجٍ أزرق، والهواء مشبعٌ بطاقةٍ غريبة، والناس يهتفون بأسماءٍ تشبه الأساطير.

في وسط الساحات كانت تُقام مبارياتٌ بين المواهب الشابة، والسيوف تتقاطع، والرياح تتصادم بقوةٍ تكفي لهدم الأبنية.

وفجأةً انشقّت السماء بخطٍّ من الضوء الساطع، وخرج من الشقّ ثلاثة أشخاصٍ يسيرون في الهواء.

ارتفعت الصيحات من بين الناس:

> "إنه ملك السيف هاي لو! ملك السيف حقًّا!"

كان رجلاً طويل القامة، شعره فضيٌّ كحدّ النصل، وملامحه صارمة كأنها نُحتت من صخرٍ بارد.

هالته الحادة جعلت الهواء من حوله يرتجف.

ثم جاء صوتٌ آخر من خلف الغيوم، صوتٌ باردٌ كالجليد:

> "ملك السيف هاي لو... ما زلت متغطرسًا كما كنت."

خرج من السحب رجلٌ آخر، جميل الملامح، على رأسه قرنان صغيران يشبهان قرون التنين، عيناه لامعتان كلهيبٍ أزرق.

قال هاي لو بابتسامةٍ خفيفةٍ تحمل التحدي:

> "ها هو نصف التنين قد خرج أخيرًا من مخبئه."

ردّ الرجل بابتسامةٍ مماثلة:

> "ونصف السيف ما زال يتكلم أكثر مما يفعل."

ضحكةٌ خافتةٌ صدحت من بعيد، تبعها ظهور فتاةٍ شابةٍ في الهواء، كان حولها ضبابٌ أبيض يخفي جزءًا من جسدها، وخلفها تتحرك تسعة ذيولٍ بيضاء كأنها من الحرير.

قالت بنبرةٍ ناعمةٍ تحمل شيئًا من السخرية:

> "مرّ وقتٌ طويل يا هاي لو."

أجابها وهو يحدّق بها:

> "لينغ لي... لم تتغيّري قط."

وفجأة دوّى صوتٌ عميقٌ من فوقهم، وضحكةٌ عالية اخترقت السماء:

> "هاهاها، لم أتوقع أن أراكم بهذه السرعة!"

ظهر رجلٌ ذو شعرٍ أحمر كاللهب، وهالةٍ دمويةٍ كثيفةٍ تملأ السماء.

قال أحد الحضور بصوتٍ مرتجف:

"إنه هان تيان! سيد الدماء!"

وبينما تتقاطع أنظارهم، خرج رجلٌ خامس، وجهه هادئٌ وعيناه مليئتان بالحكمة، قال بصوتٍ منخفض:

> "يبدو أن القدر جمعنا مجددًا..."

ثم دوّى صريرٌ حادٌّ من السماء، تبعه ظهور طائرٍ عملاق، لونه أزرق كالجليد، وأجنحته تملأ الأفق.

نزلت من فوقه فتاةٌ ذات شعر رماديٍّ طويل وعينين زرقاوين صافيتين، ترتدي ثوبًا أبيض بسيطًا يلمع تحت الضوء.

كان في ملامحها هدوءٌ غريب، كأنها لا تنتمي إلى هذا العالم.

قالت الثعلبة ذات الذيول التسعة بابتسامةٍ ناعمة:

> "الآنسة سو شياو... لم نتوقع قدومك إلى هذا المكان المتواضع."

لكن الفتاة لم تجبها، بل نظرت إلى السماء وقالت بهدوء:

> "لا تنتظروا، لن تأتي... أنا هنا وحدي."

ساد الصمت للحظة، ثم أومأ الجميع احترامًا، واتجهوا معًا نحو مبنى ضخمٍ ذي سبع طوابق يلمع في الأفق كجوهرةٍ مضيئة، كأنه قلب المدينة الخالد.

---

2025/11/02 · 91 مشاهدة · 913 كلمة
ŻẸŘỖỖ
نادي الروايات - 2025