:

---

الفصل الثامن: بقايا الماضي

جلس وانغ فنغ في قاعةٍ يغمرها ضوءٌ خافت يتراقص فوق الجدران الحجرية، عيناه مغمضتان، وملامحه هادئة كمن يغوص في بحرٍ من التفكير. كان ينتظر خبر الجنود المئة الذين أرسلهم إلى المقبرة القديمة للبحث في أصل الناي الغامض.

لم يطل الانتظار.

تحرّكت ظلال تحت جدران القاعة، ومعها برز عشرة رجال بثيابٍ سوداء ووجوهٍ مغطاةٍ بالغبار. انحنوا أمامه، بينما اختفى الباقون عائدين إلى فضاء النظام.

تقدّم قائدهم بخطواتٍ ثابتة، ثم قال بصوتٍ خافتٍ يحمل رهبة: "سيدي، نفّذنا أوامرك. اقتحمنا المقبرة وعثرنا على غرفةٍ سرّية... وجدنا بداخلها بعض الأشياء الغريبة."

وضع أمامه كومة صغيرة على الطاولة: كسرة خشبٍ داكنة، شارة قديمة متآكلة، كتاب أسود، وعلبة صغيرة تتوهّج من داخلها حبة مضيئة.

مدّ وانغ فنغ يده بهدوء، متجاهلًا كل شيء عدا الكتاب. فتحه بحذر، فتدفّق منه عبيرٌ قديم كأنه نَفَسُ الماضي.

وفي الصفحة الأولى قرأ اسمًا منقوشًا بخطٍ متين: شي لين.

وبين الصفحات كانت هناك رسالة صفراء متآكلة، كتب فيها:

> أنا شي لين، الابن المقدّس لعائلة لين من منطقة نهر الفوضى.

جئت إلى منطقة العين الخالدة بحثًا عن حبة جسد الصقيع لأختي الصغرى.

لكن ملك السيف، ابن إحدى العائلات الكبرى، اختطفها ونصب لي كمينًا لقتلي.

تمتلك أختي جسد الصقيع المقدّس، جسدٌ نادرٌ يحمل طاقة يين نقية لا مثيل لها، ولهذا أراد ملك السيف تحويلها إلى فرن زراعةٍ يستعبدها ويغتصب طاقتها.

ختمت جسدها بتضحيةٍ من روحي، ولن يستطيع لمسها ما دامت لم تدخل عالم الملك الخالد.

إن حصل أحد على حبة جسد الصقيع المقدّس، فسيستطيع تحرير جسدها المقدّس، وعندها ستشعر عائلتي بها.

لكني فشلت... وذلك أكبر ندمٍ في حياتي.

– شي لين

أغلق وانغ فنغ الكتاب ببطء، وعيناه تلمعان بظلّ حزنٍ خافت.

قال بصوتٍ هادئٍ يحمل بين طياته الأسف:

"كم هو مؤسف... أن تكون النهاية كهذه."

ثم التفت نحو كسرة الخشب، رفعها أمام عينيه، وقربها من الناي الذي بحوزته.

في اللحظة التي لامست فيها القطعة جسد الناي، انفجر نورٌ ذهبيّ ساطع ملأ القاعة كلّها.

وحين خمد الضوء، ظهر الناي في هيئته الكاملة — ناي مقدّس من اليشم الشفّاف، تتلألأ على سطحه نقوشٌ ذهبية حيّة، وكأنها تنبض بروحٍ قديمة.

نظر إليه وانغ فنغ مطولًا، ثم همس: "شي لين... هذا الاسم..."

وبينما كان يغوص في التفكير، سمع في أعماقه صوتًا أنثويًا رقيقًا كنسيمٍ يعبر قلبه: "وانغ فنغ..."

تجمّد جسده، واهتز الهواء من حوله، فانفجرت منه هالةٌ مرعبة جعلت الجنود يخرّون على ركبهم، عاجزين عن رفع رؤوسهم.

الطاقة التي انطلقت منه كانت كأنها تذكير بوحشٍ نائم استيقظ بعد ألف عام.

> تنبيه من النظام — عد الى وعيك

تلاشى النور شيئًا فشيئًا، وتنفس وانغ فنغ ببطء حتى استعاد توازنه.

لكن فجأةً، ظهرت أمامه نافذةٌ مضيئة في الهواء:

> [مهمة النظام الجديدة: إنقاذ نسل عائلة لين]

المكافأة: الصعود إلى عالم الملك الخالد.

حدّق في الكلمات المعلّقة أمامه، الدهشة ترتسم على وجهه.

"مهمة حقيقية؟... والمكافأة صعود؟" تمتم بصوتٍ خافت، ثم رفع يده قائلًا بصرامة: "أقبل المهمة."

التفت بعدها إلى جنوده: "ابحثوا عن أثرٍ لملك السيف، لا تتركوا زاويةً في هذه الأرض دون تمشيطها."

مرّت ساعاتٌ قليلة، حتى جاء أحد الجنود راكعًا أمامه وهو يلهث: "سيدي، لقد وجدناه! ملك السيف يهاجم فتاة في أعماق الغابة الغربية!"

اختفى وانغ فنغ في لحظة، وخلال ثلاث خطواتٍ فقط طُوي الفراغ حوله وظهر عند حافة الغابة.

كان المكان مغطّى بضبابٍ ورديٍّ كثيف تفوح منه رائحةٌ عطرة تشبه عبير الأزهار المسحورة.

سأل بصوتٍ بارد: "ما هذا المكان؟"

أجاب الجندي بخوف: "سيدي... يبدو أن ملك السيف نصب فخًّا لفتاة، وهي الآن تقاتله بكل ما تبقّى من قوتها."

اختَرق وانغ فنغ الضباب بنظره، فرأى فتاةً بثوبٍ أبيضٍ ممزقٍ تقف وسط ساحةٍ تغمرها البتلات المتطايرة — سو شياو.

كانت تقاتل ملك السيف بشراسة رغم أن جسدها يرتجف والدماء تلوّث ثوبها.

ضحك ملك السيف بخبثٍ وهو يتراجع: "حتى بعد أن دسستُ فيكِ سمّ الغو الفطري، لا زلتِ قادرة على القتال؟ يا لها من عنيدة!"

لكنها لم تجبه، بل رفعت سيفها المضيء، وأطلقت ضربةً واحدةً كسرت الضباب من حولها وأجبرته على التراجع بعنف.

أدرك أنه فقد زمام المعركة، فحاول الهرب... غير أن الظلال التوت خلفه.

كان وانغ فنغ قد ظهر بالفعل.

مدّ يده ووضعها بهدوءٍ على كتف خصمه، فبدأ الفضاء يلتفّ حول جسده، وانكمش ملك السيف داخل ذاته حتى اختفى بلا صوت، بلا دم، بلا صرخة.

وقف وانغ فنغ ساكنًا، عينيه تتلألآن ببريقٍ قاتم.

لكن فجأة، شعر بحرارةٍ غريبة تسري في جسده، وأنفاسه بدأت تتثاقل.

الضباب الوردي من حوله اشتدّ، وتحوّل الهواء إلى عطرٍ مثيرٍ يلهب الدماء.

ظهرت من بين الأزهار ظلال نساءٍ شفافات يلتفن حوله، أصواتهن ناعمة، وإغواؤهن قاتل.

زمّ وانغ فنغ شفتيه: "نظام! ما الذي يحدث؟!"

> تحليل... هذه المنطقة مشبعة بمُنشّطٍ فطريٍّ نادر. احذر، الطاقة هنا قادرة على كسر توازنك الروحي.

صرّ على أسنانه محاولًا مقاومة الهيجان في جسده، لكن دفءًا لامس عنقه فجأة.

كانت أصابع ناعمة تلتفّ حوله، وصوتٌ أنثويّ متعبٌ يهمس خلفه:

"إن فقدتُ عذريتي بسببك... سأقتلك، ثم أقتل نفسي بعدك."

استدار ببطء، فوجد سو شياو خلفه، شعرها مبعثر، وعيناها تتوهجان بضوءٍ مقدّسٍ غامض... وشفتيها على بُعد أنفاسٍ منه.

---

2025/11/02 · 77 مشاهدة · 781 كلمة
ŻẸŘỖỖ
نادي الروايات - 2025