---

الفصل:9 حادث جميل

تدفق الضباب الوردي من أعماق الغابة كأمواجٍ من حلمٍ غامض، كان كل ما حول وانغ فنغ يتحول إلى لوحة ضبابية يختلط فيها الضوء بالظل، والهواء برائحةٍ حلوةٍ غريبة تُثقل الأنفاس وتُربك الحواس.

وقف في مكانه، أنفاسه تتلاحق، وعيونه تحدّق في الأفق البعيد حيث تلاشت ملامح العالم. وفي تلك اللحظة، أحسّ أن شيئًا أكبر من الإدراك البشري يتسلل إلى أعماقه، كصوتٍ خافتٍ يناديه من داخل كيانه.

تقدمت سو شياو من بين الغمام، ملامحها باهتة كأنها طيفٌ من ضوء، وعيناها المتوهجتان بعتمةٍ ناعمةٍ تلمعان كنجمتين في بحرٍ من الغموض.

كانت خطواتها مترددة، جسدها يرتجف، وصوتها المبحوح اخترق الصمت قائلةً:

"لا تقترب... الضباب سام... إنه يعبث بعقلي... قد أؤذيك."

لكنه لم يتوقف.

تقدم نحوها ببطء، كمن يسير في حلمٍ لا يمكن كسره، ورفع يده برفقٍ ليمسك بكتفها قبل أن تنهار أرضًا.

حين لامسها، ارتجف جسدها بالكامل، وكأن طاقةً خفية عبرت من روحه إلى جسدها في لحظةٍ خاطفة، فرفعت وجهها نحوه، والتقت عيناهما في صمتٍ ثقيلٍ مملوءٍ بما لا يُقال.

نظراتهما امتزجت، الزمن توقف، والضباب المحيط بدأ يدور حولهما كدوّامةٍ من ألوانٍ متراقصة، حتى خُيّل لوانغ فنغ أن الأرض والسماء انصهرتا في تلك النظرة.

ثم، دون وعيٍ منها، اقتربت أكثر، وأنفاسها لامست وجهه، وشفتاها تردّدتا لحظة، قبل أن تلامسا شفتيه قبلةً قصيرةً، عميقةً، صامتةً، لم تكن سوى صرخةٍ مكتومةٍ من روحٍ أنهكها الخطر والحنين.

وفي اللحظة التي التقت فيها أنفاسهما، انفجر الضوء.

الضباب انكمش إلى نقطةٍ واحدةٍ ثم تلاشى، ودوّى في ذهن وانغ فنغ صوت النظام، باهتًا متقطعًا:

> "تحذير… انهيار في طاقة الفضاء… خطر اقتراب كيانٍ معادٍ… تفعيل النقل الاضطراري إلى فضاء النظام… الآن!"

اختفى كل شيء.

---

حين فتح وانغ فنغ عينيه، كان محاطًا بضوءٍ أزرق صافٍ ينبض كالنجوم.

أرضٌ شفافة تمتد بلا نهاية، وجدرانٌ من طاقةٍ متلألئة تحيط بالمكان.

لكن ما سلب أنفاسه لم يكن المشهد الخيالي — بل الجسد الهادئ الملقى على ذراعيه.

كانت سو شياو بين يديه، مغمضة العينين، وجهها ساكن كزهرةٍ بيضاء تفتحت بين الضباب.

شَعرها الطويل انساب على صدره كخيوط الحرير، وأنفاسها الضعيفة تتردد قرب قلبه.

ظل يحدّق فيها بصمتٍ لا نهائي، كأن كل ما في الوجود توقف ليتركه مع هذا الجمال الغامض.

تمتم بصوتٍ خافتٍ متردد: "هل... ما زلتِ على قيد الحياة؟"

لكن قبل أن يمدّ يده ليتأكد، اهتز الفضاء فجأة، وظهر أمامه سيفٌ ضوئيّ ضخم خرج من العدم، مندفعًا نحوه بسرعةٍ مرعبة.

رفع وانغ فنغ ذراعه، لكن الضربة اخترقت جسده دون أن تؤذيه — كانت شفافة، بلا أثر.

نظر نحو مصدر السيف، وهناك... رأى سو شياو واقفة، والدموع تتلألأ على خديها، تنظر إليه بعينين متقدتين بالكراهية.

"أنت السبب!" صرخت بصوتٍ مرتجفٍ يتخلله الألم، "كل هذا بسببك!"

حاول أن يرد، لكن صوته اختنق.

أمسكت سيفها من جديد وهاجمته، مرةً تلو الأخرى، دون توقف.

لكن السيف كان يمر من خلاله بلا أثر — داخل فضاء النظام، لا يمكن لأحدٍ أن يؤذي الآخر.

جلس بهدوءٍ وسط عاصفة محاولاتها، وقال ببرودٍ غامض: "انتهي الأمر... هذا العالم لا يخضع لقوانين القتل."

لكنها لم تصغِ، واستمرت في هجماتها الهوجاء حتى أنهكها التعب، ثم انهارت على الأرض، أنفاسها متقطعة، والدموع لا تتوقف.

مرّت لحظات صمتٍ طويلة قبل أن يصدح صوت النظام:

> "لقد تجاوز المستخدم وانغ فنغ المدة المسموح بها داخل الفضاء.

عقوبة: احتجاز المستخدمين الاثنين لمدة ثلاث سنوات زمنية داخل فضاء مغلق."

ارتجّ المكان من حولهما، وتحول النور الأزرق إلى سكونٍ بارد.

رفعت سو شياو رأسها بصدمةٍ وهي تصرخ:

"ثلاث... سنوات؟!"

ابتسم وانغ فنغ بخفةٍ متعبة وقال: "الفضاء غير مستقر... الخروج الآن يعني الموت. علينا الانتظار."

لم يخبرها بالحقيقة الكاملة. لم يقل إن النظام كان يختبره، وإن تلك الحادثة لم تكن صدفة.

ولم يقل إن بقاءها معه كان مقصودًا منذ البداية.

---

مرت الأيام الأولى ثقيلة.

كانت سو شياو تهاجمه بلا توقف، تقذفه بالكلمات واللوم والغضب.

لكنه لم يردّ. كان يكتفي بالصمت، كمن يحمل ذنبًا لا يريد الدفاع عنه.

ثلاثة أيامٍ متتالية هاجمته بعشوائية، لكنها فشلت في كسر هدوئه.

وفي اليوم الرابع، جلست بصمتٍ في زاوية المكان، تنظر إليه نظراتٍ مترددة لا تعرف إن كانت حقدًا أم حيرة.

وبينما الأيام تمضي، تحوّل الغضب إلى صمتٍ، والصمت إلى فضول.

صارت تراقبه عن بعد، وهو يتأمل النظام، يتدرب بصمت، أو يجلس في تأملٍ عميقٍ تحت الضوء الأزرق الذي يغمر المكان.

عامٌ كامل مرّ على هذا النحو.

وفي نهايته، حصل وانغ فنغ على مكافأة النظام — قتل ملك السيف، وصعد إلى عالم الملك الخالد.

حينها فقط لاحظت سو شياو التغيّر الرهيب في طاقته، ذلك الوهج الذي يلفّ جسده كأن داخله نجمٌ مشتعل.

في العام الثاني، خفّ عداؤها.

صارت تكتفي بالكلمات الباردة، أحيانًا تسأله بصوتٍ خافت، وأحيانًا تكتفي بالصمت الطويل قربه.

أما هو... فبدأ يشعر بشيءٍ مختلف.

كلما نظر إليها، أحسّ بقلبه يضطرب.

هي نفسها التي كرهته يومًا، لكنها الآن تشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة... غامضة، جميلة، صعبة المنال.

ومع مرور الوقت، صار حضورها يملأ الفضاء أكثر من أي طاقةٍ أخرى.

كانت عيناها، رغم برودتهما، تخفيان دفئًا خافتًا، وكأن خلف الجليد نارًا تنتظر أن تُوقظ.

في العام الثالث، تغيّر كل شيء.

لم تعد تهاجمه، ولم تعد تبتعد عنه.

كانا يتحدثان أحيانًا عن الماضي، وأحيانًا عن الخروج.

لكنه لم يخبرها أنه لا يريد المغادرة بعد، لأنه يعلم أن الرحيل يعني نهاية كل ما بينهما.

---

وفي اليوم الأخير من السنوات الثلاث —

جلس وانغ فنغ بصمتٍ في وسط الفضاء، وعيناه تراقبان البوابة التي بدأت تتكوّن من الضوء.

كانت تلك لحظة الخروج.

لكن قلبه كان مثقلاً، وكأن شيئًا ما بداخله يرفض الفراق.

اقتربت سو شياو بخطواتٍ هادئة، ترتدي رداءً أبيض يعكس وهج الطاقة المحيطة.

قالت ببرودها المعتاد:

"انتهى الوقت... فلنخرج."

ابتسم، لكنها كانت ابتسامة حزينة.

أراد أن يقول شيئًا، أن يوقفها، لكنه لم يجد الكلمات.

بينما كانت تتجه نحو البوابة، التفت حول خصرها يدان قويتان.

تجمدت في مكانها، وشعورٌ غريب اجتاحها.

دقات قلبها تسارعت بشكلٍ جنوني، وعندما استدارت —

رأته، عينيه تغمرانها بنظرةٍ لم ترَ مثلها من قبل: مزيج من الحنين، والحب، والخوف من الفقد.

همس بصوتٍ مبحوحٍ كأنما خرج من أعماقه: "لا أستطيع... لا أريد أن ينتهي هذا الآن."

قبل أن تردّ، شدّها نحوه.

اقترب حتى تلامست أنفاسهما، والعالم من حولهما بدأ يذوب كأنه حلمٌ يتلاشى.

ثم، دون كلمةٍ أخرى، قبّلها.

قبلة لم تكن عن رغبة، بل عن وداعٍ، عن امتنانٍ، عن كل ما لم يُقال في ثلاث سنوات.

شعرت سو شياو بارتجافةٍ تجتاح جسدها، حاولت أن تبتعد، لكنها توقفت.

لم تفهم لماذا، لكنها استسلمت لتلك اللحظة، وعيونها أغمضت ببطءٍ كأنها تسلّم نفسها لشيءٍ أعمق من المنطق.

وعندما انفصلا، كان الضوء قد غمر كل شيء.

البوابة فتحت، والفضاء بدأ يتداعى حولهما.

قالت بصوتٍ خافتٍ لا يسمعه إلا هو: "يا أحمق... لماذا الآن فقط؟"

ابتسم، ثم أطلق سراحها.

وبينما غابت في وهج البوابة، تمتم بصوتٍ بالكاد يُسمع:

"لأنني لم أكن أملك الشجاعة قبل اليوم."

اختفى النور، وعاد الصمت.

لكن في أعماق فضاء النظام، بقي أثر تلك القبلة معلّقًا بين الخلود والقدر —

قبلة وداعٍ من روحين جمعتهما الصدفة، وفرّق بينهما القدر

---

2025/11/03 · 81 مشاهدة · 1079 كلمة
ŻẸŘỖỖ
نادي الروايات - 2025