الفصل الثاني عشر : الصمت الذي يسبق العاصفة
رن جرس المنبه ، لكن رين كان مستيقظا بالفعل. لم يغف سوى دقائق بعد رحيل يوكيمارو المفاجئ ، وصوته مازال يتردد في أذنه .
جلس على سريره ، شعره مبعثر ووجهه يحمل مزيجا من الحيرة والإرهاق ....كان يشعر أنه رأى طيفا من ماض نسيه، لكنه لا يعرف لماذا يبدو يوكيمارو مألوفا ....أو لماذا لا يستطيع أن ينسى عينيه الدمويتين.
ذهب إلى النافذة . كان النهار الرمادي يكتسح الشوارع ، والبرد يعصف بها كأفكاره تماما . ارتدى معطفه وغادر المنزل دون وجهه واضحة .
في الطريق. كانت خطاه بطيئة ، مترددة ، إلى أن وجد نفسه أمام مكان لم يكن يقصده : قبر والديه.
وقف هناك ، يحدق في شاهد القبر طويلا . ثم جلس ، وأخرج شيئا صغيرا من جيبه : مفتاح صدئ ، نحاسي اللون .
" أخبرتني أنه سيفتح الحقيقة يوما ما، أليس كذلك يا أبي ؟"
همس ، بينما عينيه تلمعان بشيء يشبه الحنين والغضب .
اقترب أكثر " أمي ....بنبرة كسيرة ،" لم أرك بعد ذلك اليوم ، تركتني بصمتك في ذاك الحمام .....وتركت دماءك وشعري مبللا بذلك المشهد ".
ارتجف صوته ، لكنه تمالك نفسه.
" أنا لم أنس ، فقط ...كنت أهرب ."
و بينما كان في طريق العودة ، استشعر أن أحدا ما يراقبه . التفت أكثر من مرة ... لا أحد.
لكن ، وعلى سطح أحد المباني ، وقف ظل طويل جانب جدار مائل . كان وجهه مخفيا خلف قناع أسود ، يتحدث من خلال جهاز لا سلكي :
" الهدف استعاد نشاطه....كما توقعت السيد ( كراون ) ."
صوت آمر من الطرف الآخر :
" استمر بالمراقبة . لا تتدخل . ايتاشي رين سيعيدنا لما نبحث عنه .... دون أن يعلم ."
كان الليل قد استقر تماما عندما دخل رين منزله . لا ضوء سوى بصيص خافت يتسلل من عمود إنارة في الخارج ، كأن المدينة قررت أن تخفي نفسها خلف ستار الظلال .
ألقى مفاتيحه على الطاولة دون أن ينظر ، ومر بجسده المتعب إلى المطبخ . سكب لنفسه كوبا من الماء ، شربه ببطء ، ثم توجه إلى نافذة تطل على زقاق ضيق . التوتر في صدره لم يهدأ منذ مغادرته مركز الشرطة .....وكلمات كيوشيرو ما زالت ترن في أذنه .
عاد بخطاه الثقيلة إلى غرفته ، جلس على الكرسي أمام مكتبه ، أشعل المصباح . أوراق مبعثرة ، دفاتر تحريات قديمة ، وملف واحد بقي مغلقا لثلاث سنوات _ كتب عليه بخط يد والده :
" الغربان السود : ملف خاص ."
حاول نسيان هذا الاسم ، لكنه لم يستطع . الآن ، كل شيء يوحي أن الماضي قرر الانبعاث من رماده .
لمس الملف بأطراف أسابعه لكنه لم يفتحه .... لم يكن مستعدا بعد . وبينما يستند برأسه إلى الجدار ، أغلق عينيه ، يتنفس ببطء ... فحدث مالم يتوقعه.
ظرف خفيف على نافذته .
فتح عينيه بحدة . ثلاث طرق متتالية ، هادئة ، مدروسة . نهض ببطء وتوجه إلى النافذة ....لا أحد .
لكن كان هناك ظرف أسود معلق بشريط رفيع عند المقبض من الخارج .
فتحه على الفور .
ورقة واحدة ، خالية إلا من سطر وحيد :
" نحن نراك ، يا وريث الأعجوبة الزرقاء . ولم نغادر أبدا ."
وفي أسفل الصفحة . ختم قديم .... رسم غراب بأجنحة ملتفة كأنها تحترق .
تراجع رين خطوة إلى الوراء ، قبض على الورقة بيديه المرتجفة بقوة ، ورفع رأسه نحو الأفق ....لكنه لم يعد يرى الليل ، بل شيئا أعمق :
عتمة الماضي ،تعود أخيرا .