الفصل الرابع عشر : أهداف غير مرئية
في إحدى الغرف الواسعة ذات الجدران الزجاجية العاكسة ، اجتمع كبار رجال وكالة الاستخبارات ، تحيط بهم شاشات تعرض صورا وتحركات بدقة مريبة . طاولة بيضاء فاخرة تتوسط المكان ، يعلوها مجسم ثلاثي الأبعاد لرين إتاشي ، تتحرك حوله إشارات حمراء ، وكأنهم يدرسون هدفا لا بشرا .
قال أحدهم بصوت حاد :
-" بدأ الغربان يتحركون .... جميع تحركاتهم تشير إلى هدف واحد فقط ."
رد آخر وهو يقلب في ملف ثقيل :
" رين ايتاشي ... الابن الوحيد لذلك العميل الذي اختفى بعد اختراق قاعدة بياناتهم قبل 17 سنة ."
سكت الجميع . ثم تكلم رجل يبدو أنه الأكثر سلطة، عيونه غارقة في الظلال خلف نظراته :
لقد كنا نحميه دون أن يشعر ....لكن الوضع تغير الآن . إنهم يقتربون منه ، ولأول مرة ...نحن لا نعلم من يتبع من ."
أغلق الملف وقال بصرامة :
" أصدرو الأمر . ينقل فورا إلى الموقع الآمن تحت الحماية القصوى ."
في الخارج ، في أحد الأحياء السكنية الباردة ، كانت الأمطار قد توقفت. لكن الغيوم لاتزال ثقيلة كأنها تخفي شيئا .
رين كان يسير في الممر المؤدي إلى منزله. نظراته شاردة . وخطواته بطيئة وكأنها تقاوم الأرض .
حين اقترب من مدخل العمارة . توقفت سيارة سوداء فخمة بصمت مثير . نزل منها رجلان ببدلات رسمية داكنة ، يحملان سماعات أذن ، وتحيط بهما هالة من الجدية والغموض .
تقدم أحدهم بخطوات محسوبة ، ثم انحنى قليلا باحترام :
-" السيد ايتاشي رين ؟ نحن هنا بناء على أوامر مباشرة من مركز الاستخبارات . نطلب مرافقتك إلى مكان آمن ."
رفع رين حاجبه ، ونظر إليه باستغراب مصحوب بقلق :
مكان آمن ؟ هل أبدو وكأنني في خطر ؟
أجابه الآخر بلهجة هادئة لكنها مشددة :
"بل أنت الخطر ذاته سيدي . الرجاء مرافقتنا فورا . لن نكرر الطلب ."
الطريق كان طويلا . المدينة أصبحت ضبابا من خلف زجاج السيارة المظلل ، بينما رين يحدق بصمت ، تفكيره يتصادم مع عشرات الاحتمالات .
بعد ساعة ، توقفت السيارة أمام مبنى زجاجي ضخم. بلا أي شعارات ، كأنه غير موجود على الخريطة . الباب انفتح تلقائيا ، وكان بانتظاره نفق طويل بإضاءة زرقاء خافتة ، وكأنهم يدخلون إلى بعد آخر .
وصلوا إلى غرفة فاخرة ، أنيقة التصميم ، ذات جدران ناعمة بلون رمادي مطفأ ، وسجاد غامق يمتص الخطى . كانت الغرفة مجهزة بكل شيء ... أريكة جليدية ، شاشة كبيرة ، أدوات ترفيه، وحتى ثلاجة صغيرة .
لكن رين لم يكن مرتاحا .
دخل قائد مهيب ، ببدلة رسمية تحمل شعار العمليات الخاصة. رجل خمسيني يدعى " الجنرال إيندو " . كان وجهه قاسيا. لكن نظراته تحمل بعدا آخر .
" رين ....نحن آسفون لأننا لم نتدخل من قبل لكن ما نملكه الآن من معلومات ، جعل من وجودك ....أولوية آمن قومي ."
قال رين بهدوء خطير :
" أنتم لم تحموني ....أنتم كنتم تنتظرون أن أصبح لغزا آخر ، مثل والدي ."
رد الجنرال بصوت متزن :
لقد حاول والدك اختراق أخطر منظمة عرفناها . الغربان السود لا يرحمون ، وقد اكتشفنا أنه سرق شريحةCCp تحتوي على قاعدة بيانات لعملائهم ...نعتقد أنها وصلت إليك دون أن تدري ."
-" وهل تعتقد أنني أملك شيئا لا أعرفه ؟"
-" ربما لا تتذكر ، لكنهم يعرفون . وبحثون الآن عنك ".
صمت رين للحظة ، ثم قال وهو ينهض ببطء :
-" إذا كانوا يطاردونني ....فلن أهرب . لكن تذكر شيئا ، جنرال ...."
توقف أمامه مباشرة ، ونظر في عينيه بحدة :
-" أنا لست كوالدي . أنا ....أسوأ ."
خارج الغرفة ، أحد العملاء يراقب الشاشة، ثم ينقل اللاسلكي إلى فمه :
تم إتمام نقل الهدف . الوضع تحت السيطرة ."
ثم همس لنفسه بصوت بالكاد يسمع :
-" لكن ماذا لو كان الهدف ... هو الفوضى ذاتها ؟"