الفصل الخامس عشر : إختطاف
كانت الغرفة التي وضع فيها رين أنيقة إلى حد مبلغ فيه ، رغم كل شيء. لم يشعر رين بالطمأنينة ...بل شعر كأنه سجين في قفص ذهبي .
جلس على الأريكة ، واضعا كوعيه على ركبتيه. وعينيه محدقتين في نقطة فراغ على الجدران . داخل رأسه ، كانت الأفكار تتصارع كدوامة هوجاء . يعرف جيدا أن الشريحة التي ورثها عن والده تحمل معلومات تفوق التصور _ أسماء ، مواقع ، تحركات ... إن سقطت في الأيدي الخطأ ، ستكون الكارثة .
كان يعلم أن لا أحد غيره يعلم مكانها الحقيقي ، لا كيوشيرو ولا وكالة الاستخبارات نفسها ، حتى أولئك الذين يثق بهم لم يطلعوا عليها . فقط والده .....والآن هو.
رنت صمته صفارة إنذار عالية . نهض رين فورا حواسه مشدودة ، نظر من نافذة صغيرة فشاهد دوريات الآمن تندفع في الممرات الخارجية . في اللحظة التالية، أغلقت الأبواب إلكترونيا .
فجأة ، انطلق صوت خافت من فتحة التهوية، يرافقه دخان أبيض بدأ يتسلل إلى الغرفة .
" غاز .....؟" همس رين، وعيناه تتسعان .
ركض نحو خزانة الحمام الصغيرة وسحب منشفة ، بللها سريعا بالماء ولفها على فمه وأنفه . لكنه أدرك أن الغاز ليس عاديا . رؤيته بدأت تضعف، وتوازنه خانه . سقط على ركبتيه. كأن الأرض تهتز من تحته .
آخر ما رآه قبل أن يغيب عن الوعي كان ظلا غامضا يفتح باب غرفته رغم الإغلاق الإلكتروني ، يتحرك بخفة كطيف .
بعد لحظات فتح رين عينيه على ضوء خافت ينبعث من مصباح يتدلى فوق رأسه . الهواء كان مشبعا برائحة رطوبة وصدأ . حاول النهوض ، لكنه شعر بثقل في جسده يداه كانتا مكبلتان بسلسلة حديدية .
تلفت حوله .كانت الغرفة أشبه بقبو قديم ، بلا نوافذ ، جدران عارية ، والأرضية مغطاة بالغبار .
" أين أنا ؟.... كيف أخرجوني من هناك ؟" تمتم ، فمه جاف وحلقه يؤلمه .
سحب نفسا عميقا ثم زفر ببطء . رغم كل ما حدث ، لم يكن خائفا .
" إذا كنتم تظنون أن هذا سيجعلني أتكلم ... أنتم لا تعرفون إيتاشي رين ."
ابتسم بخفة ، رغم الجرح في زاوية فمه ، وقال :
العبو لعبتكم . لكن تذكروا....أنا ورثت عن والدي أكثر من مجرد شريحة ."
فجأة فتح الباب ببطء ، صوت المفصلات الصدئة كأنه أنين قديم ....وطأ الأرض شخص طويل ، يرتدي معطفا داكنا يخفي ملامحه ، لكن عينيه كانتا تلمعان في العتمة كجمرتين تحت رماد .
اقترب منه بخطوات باردة ، حتى وقف أمام رين تماما.
مد يده وأمسك وجه رين بإصبعين ، رفع دقنه ببطء وقال بصوت عميق متهكم :
" كم تشبه والدك ....."
ضحك ضحكة خافتة ، كأنها صفير خبيث يخرج من جوف الغراب .
" لكن عينيك لا تحملان قسوته ....فقط التمرد ، والتمرد سهل كسره ."
حدق رين فيه ، بالرغم من الأعياء ، وعيناه تشتعلان احتقارا .
بصق على وجهه وقال بصوت خافت :
" يالك من غراب قذر ."
صمت الزعيم لوهلة ...ثم انحنى بجانبه ، واقترب من أذن رين وقال :
" والدك سرق منا شيئا لا يقدر بثمن ...لكنه نسي شيئا واحدا ، أن الغربان لا تنسى ."
قبل أن يكمل كلامه ، اندفع أحد رجال المنظمة إلى الداخل مسرعا. وقال بلهجة متوترة :
أيها الزعيم ! فرق الآمن تقترب .... الطائرات بدون طيار فوق المبنى ، لا وقت لدينا !"
سادت لحظة صمت ، ثم تحرك الزعيم بخطوات ثابتة نحو الظل ، وقال بهدوء قاتل :
" انقلوه إلى الكنيسة .... المكان الوحيد الذي لا يجرؤ أحد على دخوله . ليس بعد ما حدث هناك ."
رمى نظرة أخيرة على رين قبل أن يغادر ، ثم أردف :
" فلنبدأ تطهير الذاكرة ....من هنا ستبدأ الحقيقة ."
.....
غطى الظلام المكان من جديد ، بينما يسحب رين بين أروقة سرية ، تغرقان في دوار جديد... نحو المجهول.