الفصل الاول : شبح

كانت شوارع شيبويا غارقة في صمت غير مألوف ، كأن المدينة التي لا تنام قررت أن تختنق بصمتها .

أضواء الإعلانات العملاقة مازالت تومض ، لكنها بدت باهتة، خافتة ، وكأنها تعكس الخوف الذي بدأ يتسلل في أرواح السكان .

المطر لم يتوقف منذ ساعات ، يهطل كأنه يحاول غسل المدينة من خطيئة لا تغتفر.

لكن الرائحة ....

رائحة الدم كانت أقوى من كل شيء.

وييييييوووه...وييييييوووه.....

صوت صافرات الشرطة يمزق هدوء الليل.

تقترب عربات الدورية واحدة تلو الأخرى ، أضواؤها الزرقاء والحمراء تنعكس على البرك التي شكلها المطر ، كأن المدينة تبكي .

في زقاق ضيق خلف محطة "شيبويا 109" ،يقف جمع من رجال الشرطة خلف شريط كتب عليه : " ممنوع الدخول ."

تجمع المارة رغم المطر، يحملقون برعب ، بعضهم يصور بهواتفه. والبعض الآخر تراجع وهو يتقيأ .

كان الجسد مشوها ، مقطعا بطريقة أقرب إلى الطقوس منها إلى القتل .

الوجه بلا ملامح تقريبا ، مشوه ومحفور عليه شكل غريب .... أقرب لابتسامة ملتوية .

لكن ماجعل الجميع يصمت ، يهمس، ويرتجف ... كانت التفاحة.

تفاحة حمراء قانية ، وضعت بعناية على صدر الضحية .

في قلبها ، مغروس خنجر صغير _ شفاف كأنه من زجاج ومغلف بالدماء الطازجة .

كأن أحدهم أراد أن يقول شيئا .... بلا كلمات .

اقترب رجل ببدلة سوداء ، مبللة بمطر الليل .

عيناه نصف مغلقتين، سجائره لا تشتعل أبدا ، ومع ذلك دائما يدخن .

المفتش كيوشيرو.

الرجل الذي لا يبتسم ، ولايثق بشيء.

بجانبه وقف ضابط شاب، يتنفس بصعوبة ، يخفي ارتجاف يده خلف المعطف .

قال بصوت خافت :

-"هذه ...هي العاشرة ، سيدي . "

التفت كيوشيرو ببطء نحوه ، رفع حاجبه قليلا .

-" في هذا الشهر فقط ؟"

أومأ الضابط :

-"نعم ....كلها بنفس النمط. جثث مشوهة ، وتفاحه ...بنفس الخنجر ."

حدق كيوشيرو بالتفاحة ، ثم تمتم كأنما يحدث شبحا يعرفه :

-" هو لايقتل فقط...هو يرسل رسالة ."

أخرج دفترا صغيرا من معطفه ، فتحه على صفحة فارغة ، ثم كتب :

" الرقم 10-التفاحة تبتسم من جديد ."

ارتفعت فجأة ريح باردة ، كأن أحدهم مر للتو خلفهم لكن لم يكن هناك أحد.

وقف الضابط بجانب كيوشيرو ، ينظر إلى الجثة ثم إلى التفاحة وكأنها تحدق فيه .

ابتلع ريقه ، وقال بصوت خافت :

-"هذا القاتل...كالشبح ياسيدي . لا بصمات ، لا آثار أقدام ، لا كاميرات تلتقطه .

فقط... هذا الرمز اللعين ."

أشار إلى التفاحة المغروسة في قلبها الخنجر .

-كل زاوية يزورها يترك خلفه الموت.

إذا استمر هذا ... الفوضى ستبتلع شيبويا ."

لم يرد كيوشيرو على الفور .

ظل ينظر إلى الجثة بعينين جامدتين كأنهما تراقبان شيئا لا يراه أحد ،

ثم قال بصوت منخفض ، غليظ كالرصاص :

-" لا أحد يقتل بهذا الشكل ... دون أن يرغب بأن يرى ."

نظر إليه الضابط باستغراب :

-" لكن لا أحد رآه. "

أدار كيوشيرو وجهه ببطء ، ابتسامة بالكاد ترى شقت شفتيه :

-" لأنكم لا تعرفون أين تنظرون ."

ثم رفع رأسه نحو مبنى مظلم. نوافذه تتناثر عليها قطرات المطر كدموع متحجرة .

-"الأشباح لا تختبئ ...الأشباح تطارد ."

توقف للحظة ، وصوت الرعد يهدر بعيدا.

ثم أردف بنبرة عميقة :

-"لكنني أعرف شخصا ...يستطيع إمساك هذا الشبح ."

تجمد الضابط في مكانه ، وكأن جملة المفتش حملت وزنا أكبر من العاصفة ذاتها .

-" شخص؟ من تقصد؟"

كيوشيرو لم يرد، بل التفت ببطء وأخذ يمشي بعيدا عن مسرح الجريمة.

ثم دون أن يلتفت ، قال :

-" لكن قبل كل شيء...

سأجعله يعود إلى المكان الذي بدأ منه كل شيء."

توقف لحظة ثم همس لنفسه كأنما يتحدث مع ماضيه :

-" إلى مسرح الجريمة ."

هدأ المطر فجأة ...

ثم سمع الجميع فرقعة قوية - ضوء أحد أعمدة الشارع إنفجر دون سبب.

كأن المدينة بدأت تتنفس رعبا جديدا .

في مكان ما ، خلف الزوايا المظلمة ...

كانت هناك تفاحة جديدة تزرع .

2025/04/27 · 132 مشاهدة · 623 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025