الفصل الرابع والعشرون : لا يوقف الشيطان إلا شيطان مثله
كان صباح اليوم التالي دافئا بنسمات خفيفة تعبر زجاج النوافذ . ارتدى رين سترته السوداء ، وخرج متوجها نحو مركز الشرطة . دخوله كالمعتاد ، صامتا ، مهيبا ،لكنه هذه المرة قابل بتحية رسمية من عدد من العناصر ، حتى أولئك الذين لم يكن يتحدث إليهم من قبل .
بينما كان يتقدم في الرواق. اقترب منه ضابط شاب وقال باحترام :
" سيدي ، المفتش كيوشيرو يطلبك في مكتبه ."
أومأ رين برأسه وتوجه بخطوات ثابتة إلى المكتب ، طرق الباب بخفة ، ثم دخل.
في الداخل ، كان كيوشيرو جالسا إلى المكتب يتصفح بعض الملفات. وإلى جانبه كان يجلس رجل بملامح حادة ونظرات باردة ....أوساكا ، أحد كبار مسؤولي الاستخبارات .
رين بنظرة حذرة : ألقى التحية ...ماذا يفعل رجل من الاستخبارات هنا ؟
أوساكا بابتسامة ساخر : كما توقعت . مازلت غير مرحب بي ...باردكعادتك ، رين .
كيوشيرو مقاطعا الحديث مغيرا للجو : دعونا نبدأ الشجار باكرا ....رين ، كيف أمضيت يوم عطلتك ؟ هل صفا ذهنك قليلا ؟
رين ببرودة : " بقدر ما يسمح به ظلكم الثقيل في رأسي ... لكنني افترض أن هذا اللقاء ليس من أجل الحديث عن الإجازات ."
أغلق كيوشيرو الملف ببطء ونظر إليه بنظرة جادة ، بينما تبادل نظرة سريعة مع أوساكا .
أوساكا : " حسنا ، لن أطيل عليك . لقد تم اتخاذ قرار رسمي .... وتم تعيينك المسؤول عن ملف زيرو ، وملا حقته ."
رمش رين بخفة ، لم يتفاجأ ، بل بدت ملامحه وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة .
أوساكا متابعا : لا أحد غيرك يمتلك نظرة كافية لفهمه ، أو التنبؤ بخطواته . أنت الوحيد الذي عبر جزءا من فوضى عقله ...الوحيد الذي تحدث معه كند .
صمت للحظة. ثم أضاف كيوشيرو بنبرة جادة :
" رين نحن لا نضغط عليك ....لكن زيرو أعلن رسميا كمجرم من الدرجة الأولى ، وسنتخذ كل الإجراءات الممكنة لإقافه . من اليوم ، الأمر بيدك ."
لف الصمت المكان ، قبل أن يرسم رين ابتسامة خفية ، تلك التي كانت مزيجا من الحماس والتحدي والجنون الخفي .
"شرف لي ....فلا يوقف الشيطان. إلا شيطان مثله ."
ارتسمت على وجه كيوشيرو نظرة فخر هادئة ، أما أوساكا. فاكتفى بتنهيدة قصيرة ، وكأنه يدرك أن شيئا أكبر بكثير قد بدأ للتو ...
...
غرق رين فورا بين أكوام الملفات والبيانات المتناثرة على المكتب . عيناه متعبتان . وصدى الضغط على مفاتيح الحاسوب يتكرر كنبض قلب متعب .
اقترب منه صوت مألوف ، هادئ كنسمة مسائية :
" يبدو أنك غارق في العمل ... هل تنوي الزواج من الملفات ؟"
رفع رين رأسه بحدة ، نبرة صوته تحمل مزيجا من الإرهاق والانزعاج :
" كم مرة علي أن أقول لك ألا تتسلل خلفي كالشبح ؟!
ابتسم يوكيمارو بخفة ، بينما أجاب بنبرة بريئة :
" لم أتسلل ...أنت فقط كنت منغمسا كليا وكأن العالم اختفى ."
قطب رين حاجبيه ثم حدق به بنظرة مشككة :
" لا تقل لي أنك دخلت من النافذة مجددا ؟"
رمق يوكيمارو الأرض متجنبا نظره ، خداه يحمران قليلا . يهرش رأسه بحرج:
" حسنا ....النافذة كانت مفتوحة . لا أستطيع مقاومة الدخول الدرامي ."
رن كف رين بخفة على جبينه ، ثم تنهد :
" لماذا أتيت "؟
جلس يوكيمارو بجانبه دون دعوة ، مد رجليه للأمام بتراخ ،نبرته تميل للجدية المرحة :
لأساعدك طبعا .
رين : لا أحتاج مساعدتك ، إبتعد قليلا هذا عمل جدي .
تغيرت نبرة يوكيمارو فجأة ، بنبرة درامية مبالغ فيها :
" يالك من لئيم ! ألم تقل إننا شركاء في الإمساك بزيرو !؟ لقد جرحت مشاعري الرقيقة ! ثم ... لا يمكنني ترك صديقي الأحمق يتخذ من العمل زوجة له . أين الوقت لنفسك ؟"
تنهد رين ، مسح عرق التعب من جبينه ، ثم قال بابتسامة :
" حسنا ...لكن الأجدر بك أن ترني مهارتك بدلا من الثرثرة ."
وقف يوكيمارو ، مد يده بتحد :
" أوه ، سترى . مهاراتي ستدهشك لدرجة أنك ستتوسل إلي لأبقى بجانبك !"
ضحك رين بخفة ، وفي تلك اللحظة. خف عبء التحقيق. ولو قليلا ...كأن حضوره أزاح ظل زيرو ولو مؤقتا .