الفصل الخامس والعشرون : عيون في الظلام

كانت عقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل حين أغلق رين آخر ملف على حاسوبه ، تنفس بعمق ، ثم نهض من مقعده متجها نحو الباب . تبعه يوكيمارو بصمت ، متأبطا يديه خلف رأسه. وكأن الليلة لا تحمل شيئا أكثر من طريق هادئ إل. المنزل .

خرجا معا إلى شوارع المدينة الخالية ، والمطر ينساب على الأرصفة كأنفاس نائمة .

رن صدى خطواتهما في الفراغ ، ثم توقفت فجأة .

رين همس دون أن ينظر خلفه :

-هل شعرت بذلك ؟

بوكيمارو ، وقد اختفت ابتسامته :

-نعم ...هناك من يتبعنا منذ عدة دقائق .

في لحظة ، استدار رين عند الزاوية بسرعة ، كصياد يغلق الفخ .

المجهول ، مدفوعا بالخوف من فقدان الهدف ، لحق بهما فور ا....

لكنه لم يتوقع أن يستقبله ظل مباغت ، ولكمت سرعة في البطن ، سقط على إثرها أرضا .

رين أخرج مسدسه. ثبته على رأس الرجل ، وقال ببرود قاتل :

- من أنت ؟ ولماذا تتبعني ؟ إجابتك تحدد مصير حياتك .

إن كنت موافقا على الكلام ، أومئ برأسك .

الرجل أومأ ببطء ، وقال بصوت مهزوز :

-اسمي زيد وكلفت بالتحدث إليك فقط .

رين ، وهو يحدق بعينيه المليئتين بالريبة :

-حسب مظهرك وطريقتك في الكلام ، لست من اليابان .

أنت ...من سنغافورة ، أليس كذلك ؟

زيد فتح عينيه بدهشة :

كيف عرفت ...؟ إذا الشائعات عنك صحيحة .

لا تهمني الشائعات ، قل لي ماذا تريد ؟

ابتلع زيد ريقه وقال :

الأفضل ألا نتحدث هنا ...عيون كثيرة تراقبك .

-ولماذا أثق بك ؟

إن لم تصدقني ...افحص جيب سترتي الأيسر .

رين يسحب الهوية ببطء ، ينظر إليها ، تجمدت نظراته للحظة .

هوية عميل استخبارات سنغافوري .

ضغط بقدمه على الحائط بقوة ، صدى الضربة دوى في الزقاق .

زيد يرتعش قليلا :

-أرجوك ...لا حاجة للتهديد .

-لا ، بل هناك حاجة ، فأنا لا أحب المفاجآت ... هل ننتقل لمكان آخر ....لتعذيبك ؟

اقترب يوكيمارو وهويضحك :

يارجل ...أنت مخيف كمت أنت دومت حين تصبح جادا .

كدت تسقط قلب الرجل المسكين من مكانه !

رين ينظر إليه بنظرة حادة :

ماذا قلت ؟

يوكيمارو يستدير فورا :

لا شيء ...أبدا !

رين يعيد سلاحه إلى مكانه ، يرمق زيد بنظرة طويلة ثم يقول :

-...الآن تكلم ، لكن تذكر ...

خطأ واحد ، وسأعتبرك أنت الجريمة القادمة .

....

في شقة قديمة شبه مظلمة ، لا تضيئها سوى مصباح وحيد يتدلى من السقف بصوت طنين خافت ...جلس رين على الكرسي الخشبي ، ساق فوق الأخرى ، ويده تستند إلى خده. يحدق في زيد بنظرة باردة كأنها تكشف أفكاره وتخترق صدره .

زيد جلس مقابلا له ، وجهه شاحب ، وشفتاه جافتان ، يتصبب عرقا وهو يفكر :

يا إلهي ...حياتي كلها تعتمد على كلماتي الآن ...

لماذا أن من بين الجميع ؟ لماذا أرسلوني لهذه المهمة ؟!

اقترب يوكيممارو من رين وهو ينفث ضحكة خفيفة :

هاي ، رين ... خفف من ملامحه قليلا ،

الهالة التي تنبعث منك تشبه وحشا مفترسا ينتظر فريسته لتهتز قليلا ثم يفتك بها .

رين أطلق تنهيدة طويلة ، ثم قال دون أن يغير وضعية جلوسه :

-إذا ...هل نبدأ الحديث ؟

واعلم ...إن لم يعجبني ما سأسمعه ، فأنت تعرف جيدا ماذا سيحدث .

زيد ، وهو يشد حزام سترته كمن يستعد للإعدام :

-حسنا ....سأعرفك بنفسي .

أنا زيد روي ، عميل سري من قسم الاستخبارات في سنغافورة .

تم تكليفي بمهمة سرية تتطلب الحديث معك تحديدا ...بعدما سمعنا عنك تلك التقارير.....

" عبقري القرن " صائد الغموض " ، الذي لم تغلق له قضية واحدة "....

في الحقيقة ...أود أن أقدم اعتذاري لما بدر مني سابقا ...

رين يقاطعه بصوت حاد وبارد :

-اختصر.... وادخل في صلب الموضوع مباشرة .

زيد يتنحنح ، يتماسك، ثم يقول بعينين ثابتتين :

-حسنا ....

ما سأخبرك به ... سيغير كل شيء .

لكني بحاجة إلى تأكيد واحد فقط قبل أن أبدأ ....

صمت للحظة ، ثم أردف :

-هل ما زلت ...تعتبر زيرو قضية مفتوحة ؟

رين لم يجب . لكنه رفع عينيه ، وشيء ما في ملامحه تغير فجأة .

زلزال داخلي ....لم يظهر إلا في ومضة عين سريعة .

يوكيمارو همس بدهشة :

-رين....؟

رين نهض ببطء وقال :

-تحدث ...

زيد يفتح فمه ليتكلم ....

2025/05/27 · 22 مشاهدة · 692 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025