الفصل السابع والعشرون : تحالف الظلال
في صباح ربيعي مشمس ، تسللت خيوط الشمس بخجل بين نوافذ طوكيو العالية ، رين لم يرفع بصره إليها قط .
خطواته كانت سريعة ، باردة ، متجهة مباشرة نحو مقر العمليات الخاصة .
فور دخوله ، استقبله أحد الموظفين بانحناءة سريعة :
" سيد رين ...إنهم ينتظرونك في غرفة الاجتماعات ."
اكتفى رين بإماءة صغيرة وتابع سيره نحو الغرفة .
وقف أمام الباب ، طرق ثلاث طرقات رتيبة ، ثم دخل قائلا :
" صباح الخير "
في الداخل ، كانت الغرفة مشبعة بجو من الترقب .ثلاثة رجال ينتظرونه خلف طاولة طويلة من الزجاج الداكن . من بينهم " أوساكا " المعروف بهدوءه ، والسيد " جين " الذي يحمل دوما ابتسامة خادعة، ورجل آخر يدعى " مورين ، نظراته حادة ، لا ترمش .
أشار جين إلى المقعد أمامهم :
" اجلس رين ."
جلس رين دون أن يتفوه بكلمة .
قال جين وهو يتقاطع أصابعه أمامه :
" أنت تعلم سبب حضورك . "
أجاب رين ببرود ووضوح :
" أجل .. لكن لا أظن أنكم أخبرتموني بكل شيء بعد . لا أرى سببا واضحا يدعو اليابان للتدخل المباشر والتعاون مع سنغافورة ، مالم يكن هناك ماتخفون ."
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه جين ، لكنها لم تكن لطيفة .
" يالك من شاب حاد الذكاء ،" قال بنبرة هادئة ، وأنا ، صدقا ، لا أحب سريعين البديهة مثلك ."
رد رين بابتسامة باردة تسخر من كل شيء :
" وأنا لا أحب من لا يستطيع مجاراتي بالكلام ....يبدو أننا متساويان في الكراهية ."
انفجر جين ضاحكا ، ضحكة صاخبة كسرت جمود الغرفة .
" هاهاه ، يالك من فتى مسل ! نسخة طبق الأصل عن والدك ....ريون . تشبهه في العيون ، في لامبالاتك ...وفي وقاحتك ."
صمت للحظة ثم استطرد :
" إذا ، لندخل في صلب الموضوع . سبب التعاون بيننا وبين شرطة سنغافورة بسيط ، في الظاهر : زيرو . ذلك القاتل اللعين الذي زرع الرعب في اليابان لأشهر ، عاد ليطل برأسه ...هذه المرة من نافذة سنغافورة ."
صمت جين ، قبل أن يضيف بنبرة أعمق :
" لكن كما توقعت ...هذا ليس السبب المباشر ."
تابع جين ، نبرة صوته انخفضت :
" قبل أيام وجد اثنان من رجال الدولة ، أحدهما ياباني ، والآخر من سنغافورة ، مقتولين في الوقت ذاته . كل في غرفة منفصلة ، نفس الخنجر. نفس التفاحة . نفس الطابع الدموي ."
تبادل الجميع نظرات صامتة ، وكأن الهواء ثقل فجأة .
" ومن هنا " ، أكمل جين ،" لم تعد القضية تخص سنغافورة وحدها ...بل أصبحت قضية دولية . وأنت ، يارين ، أصبحت جزاء منها الآن ، شئت أم أبيت ."
ابتسم رين ابتسامة باهتة ، لكنها لم تكن عادية ، كانت مشحونة بمزيج غريب من التحدي ، السخرية والتهديد ....
همهم بصوت منخفض :
" ياله من تهديد ...ممتع منك أيها العجوز جين . يسرني أن أقبل دعوتك ...ولو على مضض.".
رد جين بنفس طويلة ، وملامح تعبر عن امتعاض متعمد :
" كنت أظن أنني لن أرى شخصا مزعجا مثل ريون مرة أخرى ...لكن يبدو أنني كنت مخطئا . لقد ظهرت نسخته الثانية ....وأكثر عنادا للأسف ."
شرارة خاطفة من التوتر اشتعلت في الهواء ، تشبه رعدا مكتوما قبل العاصفة . كأن حربا صامتة بدأت للتو ، دون أن تعلن .
أجاب رين ببرود :
" يبدو أنك كوفئت على سلاطة لسانك الطويل ، ولهذا تتحدث بثقة . كن ممتنا ، فأنا أضيع وقتي الثمين معك بدلا من فعل أشياء أكثر فائدة ...كالنوم مثلا ."
ساد الصمت للحظة ....
صمت ثقيل ، كثيف ثم تلاشى التوتر تدريجيا معلنا نهاية مواجهة باردة .
أخذ جين نفسا عميقا ، ثم قال بنبرة رسمية :
" حسنا ....استعد للمغادرة ستكون طائرتك جاهزة بعد أسبوع . لقد أنهينا كافة الترتيبات مسبقا ."
نهض رين من مقعده ببطء . ثم أدار ظهره .خطواته تتجه نحو الباب . دون أن ينظر لأحد ، وأطلق تعليقه الأخير بصوت خافت لا يخلو من التهكم :
" يالكم من عجائز خرفة ...تحركون الأحداث من خلف ظهري دون استشارتي ، وكأنني قطعة على رقعة شطرنج . لكم ، لحسن حظكم ، اللعبة هذه المرة بدة مثيرة .
خرج ، وأغلق الباب خلفه بصوت هادئ ، لكنه كان يحمل وقعا ثقيلا في النفوس .
ظل جين ينظر إلى الباب للحظات ، ثم رفع عينيه نحو السماء عبر النافذة ، وابتسامة واسعة تشق وجهه.
تمتم لنفسه :
" يبدو أن ابنك قد كبر ، يا ريون ....وورث عنك كل ما يثير الصداع .