29 - الوصول إلى قلب المتاهة

الفصل التاسع والعشرون : الوصول إلى قلب المتاهة

أقلعت الطائرة أخيرا ، وشقت طريقها بثبات نحو سنغافورة ، بينما كانت المدينة تختفي شيئا فشيئا تحت طبقات السحب البيضاء .

جلس رين بجانب النافذة ، يحدق بصمت إلى السماء الممتدة بلا نهاية .

عقله مشغول بما ينتظره هناك...زيرو ، المدينة الجديدة، المهمة المجهولة .

" كل شيء يتغير ...حتى أنا "

ضغطت الجاذبية على جفنيه ، فغفا دون أن يشعر ، منهكا من العمل والسهر الطويل .

...

عندما فتح عينيه مجددا ، كان هناك شيء غريب .

ملاءة خفيفة تغطي جسده ، لم يذكر أنه جلبها أو طلبها .

همس لنفسه ، بنبرة باردة نصف مستيقظة :

-همم؟ لا أذكر أني وضعت هذه ...

وقبل أن ينهض ، وصله صوت هادئ من جواره :

-رين ، هل استيقظت أخيرا ؟

نظر بسرعة باتجاه الصوت ...واندهش .

أمامه ، مباشرة ....كان يوكيمارو جالسا ، ينظر إليه بابتسامة خفيفة .

-يو ....يوكيمارو ؟ متى جئت إلى هنا ؟ بل...متى ركبت الطائرة ؟!

وماذا تفعل هنا ؟

أجاب يوكيمارو ، بنبرة باردة كعادته ، مع لمسة خفيفة من العبث :

-هاااه ؟ تسألني سؤالا بديهيا كهذا ؟

بالطبع جئت لأرافقك ...

أنا شريك في هذه المهمة ، ولا تنس ...بما أن الأمر يتعلق "بزيرو " ،

فسأكون كظلك ، شبحك ، مرافقك الذي لا يفارق .

حول نظره بعيدا ، وكأن وجوده هنا أمر طبيعي ، ثم قال وهو يلمح أذنيه المحمرتين من الحرج :

-لم يرتح ضميري بتركك تذهب وحدك ...

ولهذا جئت ، كمرافق ، لا أكثر . لا تسئ الفهم ، فهمت؟

رن صمت خفيف بينهما ، تراقص في مساحات الهواء داخل الطائرة .

رين لم ينبس بكلمة ، لكن عينيه تأملت وجه يوكيمارو بهدوء ...

لأول مرة ، يشعر أن هذا الشبح البارد يظهر ملامح إنسانية ...صادقة .

غريب ...لم أر هذا التعبير من قبل على وجهه،

لكن ...لسبب ما ، أشعر براحة عميقة الآن لأنه بجانبي .

استدار إليه يوكيمارو وقال ، بنبرة هادئة وهو يسند رأسه للخلف :

-لا يزال أمامنا وقت طويل لنصل ....

نم قليلا ، مازلت مرهقا من العمل .

اغتنم هذا الهدوء ، لأن القادم ...قد لا يمنحك فرصة للراحة أبدا .

أمامك سيناريو فريد من نوعه ، يا رين .

ابتسم رين ، وأغمض عينيه ، مستسلما للنوم من جديد ، بينما بقي يوكيمارو يراقبه بهدوء ، وعيناه تحملان شيئا لم يقله بعد ...

ثم همس بصوت بالكاد يسمع :

-رين . ..

أعدك ، هذه المرة ...لن أسمح لأحد أن يلمس شعرة منك طالما أنا بجانبك .

بعد ساعات طويلة من التحليق في السماء .

وأحاديث متقطعة بين النوم والهدوء ،

أخيرا وضعت الطائرة جناحيها على أرض سنغافورة ، المدينة التي تنتظرهم كما لو كانت تعرف مسبقا من هم .

خرج رين ويوكيمارو من الطائرة بهدوء ، خطواتهما ثابتة ، والهواء يحمل نكهة بلد غريب ...ومهمة أكبر من أي شيء مرا به .

قال يوكيمارو وهو يتنفس بعمق :

-أخيرا ...وصلنا .

....

لكن لحظة خروجهم من بوابة المطار ، توقفت سيارة سوداء لامعة أمامهما .

حولها رجال ببدلات رسمية ونظرات حادة ، وكأنهم في انتظار زعيم دولة لا محقق .

تقدم أحدهم ، رجل في الثلاثنيات ، يقف بثقة ، وقال :

-هل أنت المحقق إيتاشي رين ...من اليابان ؟

أجابه رين بنبرة باردة ، دون أن يغير ملامحه :

-ومن تكون أنت ؟

فجأة رفع الجميع أيديهم بتحية عسكرية صارمة ، ثم قال قائدهم ، وهو يخرج بطاقة رسمية :

-أهلا بك ، سيدي المحقق .

نحن مبعوثون من أمن سنغافورة .

تم تكليفنا باستقبالك ...وحمايتك طوال فترة بقائك هنا . نعدك أننا سنكون على قدر التوقعات ، سيدي.

نظر إليهم رين بنصف استغراب ونصف ضيق :

-هاه ...أرجوكم ، توقفوا عن هذا .

انحنى القائد قليلا وقال باحترام :

-نعتذر ، سيدي .

فتح باب السيارة السوداء له ، وطلب منه الدخول بلطف . ركب رين دون تعليق ، بينما يوكيمارو وهو ينزلق إلى جانبه :

-ياله من استقبال مثير للشفقة ...أقصد ، مثير للاهتمام .

....

اصطفت السيارة أمام فندق ضخم وفخم ، ناطحت سحاب متلألئة وسط المدينة ،

وارتسمت على نوافذه أضواء المدينة الزرقاء .

ترجلوا من السيارة ، وأشار القائد إلى رين أن يتبعه .

-ستقيم هنا ، سيدي .

أتعلم ؟ لولا الصورة التي نملكها ، لما تعرفنا عليك ...أنت تبدو شابا صغيرا للغاية بالنسبة لسمعتك .

اكتفى رين بنظرة صامته ، ولم يرد .

وقف القائد أمام باب إحدى الغرف ، ثم فتحه وقال :

هذه هي الغرفة المخصصة لك ،

ارتح جيدا اليوم ، لأن الغد سيكون مزدحما للغاية .

الرئيس يود التحدث إليك شخصيا ،

سوف نأتي لأخذك في الصباح فور استيقاظك .

-حسنا قالها رين ببساطة ، ثم دخل .

....

الغرفة ...كانت فخمة لدرجة مذهلة للغاية .

أرضية لامعة ، أثاث راق ، شرفة زجاجية تطل على مدينة تتلألأ في الليل .

يوكيمارو وهو يدخل بخطوات بطيئة ، يتفحص المكان بعينيه المندهشتين :

-هاه ...يالها من غرفة .

المنظر وحده يستحق الرحلة .

أومأ رين دون أن يلتفت ، عيناه معلقتان على أفق المدينة ، ثم قال بهدوء ، كأنما يحدث نفسه :

-يبدو أن أحداثا ...حافلة بالإثارة تنتظرنا هنا.

سكون لحظي ...ثم نسمة باردة عبرة من الشرفة ، كأن المدينة همست لهما بشيء لا يفهم ...لكن يشعر .

2025/06/01 · 19 مشاهدة · 840 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025