" حين تتلاشى الخيوط وتغرق الحقيقة في الظلام ...يعود من لا يخشى مطاردة الأشباح."

الفصل الثاني : العائد

مرت ثلاث ليال بعد الجريمة العاشرة....

ثلاث ليال لم تعرف فيها شيبويا طعم النوم.

العناوين العريضة للصحف والهواتف تصرخ

:

" القاتل المتسلسل يضرب من جديد _ الشرطة عاجزة !"

" رمز التفاحة يرعب المدينة !"

"متى تكون الضحية القادمة ؟"

لكن بعيدا عن كل هذه الضوضاء ، في حي عند أطراف شيبويا .

كان هناك بيت ..... في العتمة .

رجل يجلس على الأرض ، وملف ضخم موضوع أمامه .

ملف ملطخ بالحبر والدم والذكريات .

لا أحد يذكره في ملفات الشرطة ،

لكنه في الماضي ......

كان يلقب ب " عين الشبح "

توقف عن التحقيق بعد حادثة ما.

حادثة ....لا يتحدث عنها أحد .

ولا يجرؤ أحد على سؤاله بشأنها .

رنة خافتة قطعت الصمت .

رفع الرجل الهاتف، لم يقل شيئا .

جاء الصوت من الجهة الأخرى ، ثقيلا. مألوفا :

-" هل مازلت تتذكر كيف تقرأ الدم ؟"

صمت ........

ثم رد بنبرة باردة :

-" هل مازلت تتذكر كيف تطلب المستحيل ؟"

ضحكة قصيرة خرجت من الهاتف .

ثم الصوت نفسه قال :

-" كيوشيرو بحاجة إليك ."

ساد الصمت مجددا .

ثم أغلق الهاتف .

وأخيرا وقف .....

فتح درجا صغيرا داخل الحائط ، أخرج منه شيئا مغلفا بالقماش الأسود .

كشفه .....فظهر خنجر صغير ، يشبه تماما ذاك الذي يغرس في التفاحات .

نظر إليه طويلا ، تمتم :

-" إنه ....هو "

كانت الأجواء داخل مركز الشرطة مشحونة . الملفات تتناثر على الطاولات وأصوات الضباط ترتفع بتقارير لاتضيف شيئا جديدا، الجميع كان ينتظر الشخص الوحيد الذي قد يمتلك مفتاح هذا اللغز المستحيل ، المباحث أصبحت في مأزق حقيقي، وكل الأمل معقود على شخص واحد فقط .

وفي صباح اليوم التالي ، توقفت سيارة سوداء أمام باب المركز ، وكان وصولها كأنما يحمل معه طاقة غريبة.

ترجل منها شاب في العشرينيات ، طويل القامة ذو شعر كراميل ناعم يلامس عنقه ، وعينين بلون زرقة السماء الصافية ، ولكن خلفهما كان هناك غموض عميق، يبدو وكأنهما تخفيان ألف قصة لم ترو بعد ، كان يمشي بثقة ، دون تكلف ، وكأن خطواته تعرف الطريق إلى الحقيقة دائما .

دخل المركز، وفي اللحظة التي وقع فيها المفتش كيوشيرو عينيه عليه ، ابتسم لأول مرة منذ أسابيع . كانت ابتسامة تحمل الكثير من الذكريات .

المفتش "بنبرة دافئة وخفيفة :

"لم ارك منذ مدة طويلة ، يارين... كيف حالك ؟"

رين (بنصف ابتسامة وهو يزيح خصلات شعره عن عينيه ):

"بخير، رغم انني تمنيت لو كان لقاؤنا في ظروف أقل دموية ".

كان رين محققا سابقا، اشتهر بقدرته العجيبة على فك أعقد الالغاز ، يملك عقلا تحليليا خارقا ، وشغفا لا يقاوم بالتحدي والغموض، لكنه اختفى عن الاضواء قبل ثلاث سنوات لأسباب غامضة لم يعرفها أحد ، والان يعود من الظلال .

الضابط بدهشة خفيفة :

"هل هذا هو المحقق الاسطوري الذي تحدث عنه المفتش ؟

أليس يبدو أصغر سنا بكثير؟"

المفتش كيوشيرو (مبتسما بغموض):

"قد لايبدو كذلك ، لكنك سترى مايستطيع فعله قريبا ،"

ثم اتجه المفتش ورين إلى مكتبه ، حيث جلس المفتش في كرسيه ، ووجهه مرهق من الليالي الطويلة بلا إجابات ، نظر إلى رين وقال:

"لم اتوقع أن تلبي طلبي ، فقد اختفيت عن الانظار منذ فترة طويلة ."

رين بصوت حاد ونظرة جادة :

"وكيف لا ألبي طلب معلمي السابق ؟"

المفتش مبتسما :

"هذا من دواعي سروري يافتى ."

لكن عيني رين لم تبتعدا عن المفتش ، وكأنهما تقرآن ملامحه أكثر مما يستمعان إلى كلامه .

المفتش كيوشيرو يدخل صلب الموضوع مباشرة :

"لاريب انك سمعت عن الجرائم المتسلسلة التي ضربت المدينة ، لقد زاد عددها مؤخرا ، وخاصة في أيام المناسبات ."

تنهد ، ثم تابع بصوت فيه رجاء دفين :

"أعلم أنك ابتعدت عن التحقيق لفترة ، لكن ارجوك ، أريدك أن تحقق في هذه القضية ، أنت الشخص الوحيد الذي أثق بقدرته على كشف هذا اللغز "

رين بهدوء وثقة :

"هذا من دواعي سروري ، صلني بكل ماتملكونه من معلومات عن الجرائم السابقة ، وماتوصلتم إليه حتى الآن. "

المفتش كيوشيرو ينظر إليه بجدية :

"نعم ، ستصلك كل الملفات . لكن لكي أكون صريحا ، لا تتوقع أن تجد شيئا مفيدا ، فالقاتل لايترك أثرا خلفه ، كأنه شبح "

جلس رين على طاولة ، تحيط به كومة من الملفات والصور ، وعيناه تلتهمان التفاصيل بلا توقف ، كل صفحة كانت تحمل وجعا مختلفا ، موتا غامضا لايشبه الاخر ، وكأن القاتل يبدع في صنع بصماته

لكنه لاحظ شيئا ... شيئا يتكرر بصمت مثير للريبة .

"تفاحة "

تفاحة مغروسة عند الضحية ، مغطاة بالدم ، توضع دائما بعناية قرب الحنجرة ، كأنها توقيع . رغم وحشية الجرائم ، التفاحة كانت دائما نظيفة ... هادئة ... مغروسة بدقة كأن يدا فنية وضعتها لايد قاتل .

وبينما كان رين يحدق في صورة ضحية حديثة ، سمع فجأة صوت الباب يفتح بعنف .

دخل ضابط شاب ، يلهث بسرعة وكأنما قطع المدينة ركضا .

الضابط بصوت مبحوح متوتر :

"سيدي المفتش! هناك... هناك جريمة جديدة ... وقعت قبل دقائق فقط. هذه المرة في أحد أزقة مدينة شيبويا المظلمة ...لكنها مختلفة ... بطريقة أكثر شناعة مما نعتقد ... كأن وحشا ... لا إنسانا هو من قتل الضحية ."

رين رفع عينيه عن الملفات ، ببطء لكن بحدة وكأن شيئا داخله اشتعل فجأة .

نظرته تغيرت ، صارت أكثر برودة ، وحدة ، كما لو أن قطع اللغز بدأت تتحرك .

رين (بصوت عال جاف ):

"أيها المفتش !"

المفتش ينظر اليه بقلق :

"أجل يارين ، فلنسرع ،"

لم ينتظر رين أمرا آخر . نهض من مكانه ، دافعا الكرسي للخلف بقوة ، ثم اندفع خارج المكتب بسرعة ، يتبعه المفتش والضابط ، كأنه يسابقون الوقت نفسه قبل أن ترتكب جريمة أخرى .

في الأروقة ، كان صدى خطواتهم يتردد ، ورين لايلتفت ، لا يسأل فقط يتجه نحو اللغز بشرارة ، كأنما يسمع نداء لايسمعه أحد سواه.

2025/04/27 · 40 مشاهدة · 950 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025