الفصل الخامس والثلاثون : وثيقة الظلال

وقف رين بجانب النافذة ، وقد انعكست أضواء المدينة الخافتة على زجاج الشرفة . نظر إلى الأسفل بنظرة حادة ، ثم قال بصوت هادئ ، لكن يحمل أمرا واضحا :

-يوكيمارو...حاول التسلل إلى الصيدليه. أريد أن تجلب وثيقة تثبت شراء دواء الإسهال ، ونوعه بالتحديد ."

توقف يوكيمارو عن العبث بحافظة معدنية صغيرة كان يقلبها بين أصابعه، ثم رفع حاجبه وقال بنبرة متذمرة :

-" هاه ؟ ولماذا يجب أن أفعلها أنا ؟ أنت تكلفني بالكثير حقا هذه الأيام. "

ابتسم رين ببرود وهو لا يزيح نظره عن الخارج : -" لأنك ...شبحي ، بالطبع. ولست بحاجة لخروجي من هنا في ظل مراقبتي المستمرة . ستكون أنت الوسيلة الأسهل والأسرع ."

ثم أدار جسده قليلا واتكأ على زجاج الشرفة، عينيه لا تزالان تحدقان في الحراس المنتشرين بالأسفل .

-"كما يبدو ...هناك أعين ترصدني باستمرار . إنهم حراس تابعون لأحد الطراف . يقومون بالتبليغ عن كل حركة أقوم بها ."

أومأ يوكيمارو رأسه ببطء، وقد ظهرت على وجهه علامات التركيز :

-" أجل، لا حظت ذلك، نظراتهم...حركاتهم...حتى تنفسهم ،يصرخ بأنهم يراقبونك ، ياللرداءة ...حتى في التمثيل هم هواة ."

ضحك رين ضحكة خفيفة بالكاد تسمع : - " لذلك أنا ممتن ...لوجود شبح إلى جانبي ."

كانت ابتسامة خفيفة قد ارتسمت على وجهه البارد ، لكنها كانت صادقة...بطريقة غريبة .

توقف يوكيمارو فجأة ، وحدق في وجهه رين بصمت . عينيه الحمروان اتسعتا قليلا ، كما لو أنه رأى شيئا غير مألوف .

-" رين...ما الأمر ؟"

استدار يوكيمارو على الفور دون أن يلتقي بعينيه : -" لا شيء. فقط ...هذه أول مرة أسمعك تنطق بكلمة ' شكر ' لي . من شخص ...متصلب المشاعر مثلك . لهذا صدمت قليلا، لا أكثر. "

رمش رين ببطء ، ثم قال بسخرية : " هاه..."

وقف يوكيمارو لثوان ، صامتا . ثم قال بهمس خافت ، وهو يمرر يده على عينيه كأنما يريد مسح فكرة لا يريدها أن تظهر :

-" يالي من أحمق ...جشع ".

ثم مال على الحائط ، وقال وهو يبتعد : - " أنت أحمق ، رين ....أحمق حقا ."

ودون أن ينتظر ردا ، قفز من الشرفة إلى الظلال ، كمن يتلاشى في الفراغ ، تاركا خلفه هواء مقلقا كأن شيئا أكبر بكثير قد بدأ يتحرك .

...

عاد يوكيمارو إلى الغرفة بخفة، كأنما خرج منها للحظات فقط .

رفع رين حاجبه ببطء، وقال: -" هاه ؟ ألم تذهب للتو ؟ كيف عدت بهذه السرعة ؟"

أجاب يوكيمارو بابتسامة مغرورة وعيونه تتلألأ بثقة: " الأشباح لا تحتاج إلى إذن عبور...كما تعلم ، عزيزي رين ."

ابتسم رين بسخرية: أرى ذلك .

اقترب يوكيمارو وألقى بحافظة صغيرة على الطاولة الزجاجية: الوثيقة كما طلبت . اسم الصيدلية ، نوع الدواء ، وموعد الشراء ، إنها تؤكد زيارته المتكررة ."

التقطها رين بنظرة ثاقبة : - جيد الآن ....دعنا تبدأ بأول خطوة من لعبتنا ."

حدق فيه يوكيمارو بشك : - " رجاء ، لا تقل لي أنك ...

ابتسم رين، ابتسامة مريبة خبيثة: أجل حان وقت اللهو قليلا ...مع حارسنا الصغير .

ضحك يوكيمارو بخفة، وقال: أنا أشفق عليه فعلا ، لا يدري ما ينتظره ...."

صباح اليوم التالي - مقر الشرطة ، سنغافورة

دخل المفتش جونز بخطوات متوترة وهو يحمل أوراقا ويصر على وجهه، ثم قال غاضبا :

-" سيد مورين، بحق السماء...لماذا جلبت شخصا مثله إلى سنغافورة ليساعدنا في التحقيق؟ إنه بلا فائدة تذكر ! كل ما يفعله هو الدوران حول أول ضحية ، كأنها الجريمة الوحيدة التي حدثت ! ألهذا دعينا لمساعدته ؟"

أخذ نفسا حادا ، ثم أردف : إنه يضيع الوقت ...يلهو ...يتجاهل التعليمات. يستحيل أن أتعاون مع شخص كهذا ."

رد مورين بصوته الهادئ العميق : أتفهم قلقك ، أيها المفتش جونز...لكن عليك أن تتعاون معه . لدينا وثائق رسمية ، وسيرته الذاتية تثبت من هو. رين لم يلقب ب' عبقري القرن ' من فراغ .

فجأة ...انفتح الباب بانفجار هادئ.

دخل رين بخطوات باردة، ونظرته تحمل مزيجا من الملل والتهديد.

-" ما الذي يدفعكم للصراخ مثل الغربان الجائعة في هذا الصباح الباكر ، أيتها العجائز الخرفة ؟ لقد مزقتم طبلة أذني ، بحق ."

تجمد الجميع .

مورين، بابتسامة دبلوماسية: - صباح الخير سيد رين . كيف حالك؟

استدار رين إليه ببطء، ونظر إليه نظرة ثلجية : " لما تسألني عن أحوالي ...وأنت تعرفها بالفعل عبر الفئران التي زرعتها لمراقبتي ؟ أليس كذلك ....سيد مورين؟ "

ابتسم ابتسامة باردة، كأنها ابتسامة ملاك في جنازة .

أحمر وجه جونز من الغضب، وصرخ : - أيها الوغد ! كيف تجرؤ على مخاطبة السيد مورين بهذه الوقاحة ؟ ألم تعلمك تربية والديك الأدب ؟!

نظر إليه رين باستخفاف ، وقال: " وأنت ؟ ألم يعلموك في المدرسة ألا تقاطع حديث الآخرين ؟"

جونز صارخا : لقد طفح الكيل ! لسنا هنا للهو. بينما أنت ....تتمسك بقضية من الماضي ! جريمة وقعت منذ شهرين ! لا طائل من نبشها! "

اقترب رين بخطوتين فقط ، ثم قال وهو يضحك بهدوء غريب :

-" هل أنت أحمق ...أم تتظاهر ؟ من قال أنني كنت ألهو؟"

جونز ساخرا: ههه، لا تقل اي أنك اكتشفت المجرم الآن ؟ "

ابتسم رين ، تلك الابتسامة المزعجة التي تسبق العاصفة ، ثم قال :

-" ولماذا علي أن أجيب على سؤالك ، يا ...جونز ؟"

جونز وقد بدأ الغضب يضرب وجهه: " سيدي مورين، ألم أقل لك ؟ صبي مدلل ، يلهو هنا وهناك ! أعده لأحضان والديه ! "

رن صوت رين عاليا وهو يصفق :

-" رائع ...رائع . يبدو أن العجوز جونز لا يعرف الفرق بين اللهو ...والتحقيق الحقيقي ."

ثم استدار مغادرا ، وقال بهدوء: " كنت أنوي أن أكشف لكم المجرم هذا الصباح ...لكن يبدو أن لا فائدة من ذلك الآن ."

هم بالخروج .

مورين بسرعة: انتظر ، سيد رين ! أرجوك ، تقبل اعتذاري عن وقاحة المفتش جونز ....من فضلك ...دعنا نستمع لما لديك ."

توقف رين عند الباب ، ثم استدار ببطء شديد.

-" إذن ...فلنبدأ مسرحيتنا الحقيقية ."

2025/06/11 · 26 مشاهدة · 951 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025