"أحيانا ، لاتحتاج أكثر من نظرة ... لتدرك أن الظلال تراقبك ، وأنك التقيت بالشر دون أن تدري ."

الفصل الثالث: لقاء

في الظلال

كانت السيارة تشق شوارع طوكيو كالسهم ، تتلاعب بالزحام كراقصة محترفة ، وصافرة الإنذار تصرخ بشراسة لتفسح الطريق. العالم في الخارج بدا عاديا ، أنوار المتاجر تلمع ، الناس يواصلون حياتهم كأن شيئا لم يكن... لكنهم لم يعلموا أن زاوية مظلمة في قلب شيبويا قد تحولت إلى مشهد من الجحيم.

وصلت السيارة إلى زقاق ضيق ، محاصر بشريط الشرطة ، تعج المكان بصافرات متقطعة وهمسات رجال الأمن ، بينما رائحة الدم والرماد المحترق تتسلل في الهواء، تخنق الأنفاس وتثير الغثيان .

نزل رين من السيارة بخطى سريعة ، ملامحه جامدة كالجليد ، لكن عينيه كانتا تشتعلان بترقب... وكأن جزءا منه انتظر لحظة كهذه .

وما إن وصل إلى مسرح الجريمة حتى تجمد .

الجثة أمامه لم تكن كأي ضحية سابقة . جسد ممدد على الأرض ، الرأس مثقوب برصاصة أصابت منتصف الجبين بدقة قاتلة ، كأن القاتل كان قناصا محترفا . لكن الرصاصة لم تكن أكثر مايثير الذعر.

همس المفتش ، وهو يحدق بالجثة بصدمة :_"يالها من جريمة ... وحشية وشينيعة... "

انحنى رين بهدوء ، ارتدى قفازيه وبدأ في فحص الجثة .

قال بصوت منخفض يقطر برودا :_"هذا الأسلوب... مختلف تماما عن الجرائم السابقة ."

بطن الضحية كان ممزقا بعنف ، الاحشاء مبعثرة حول الجسد بطريقة فوضوية ، كأن وحشا مفترسا مزقه بلا رحمة ، الدماء رسمت لوحات سريالية على الجدران والأرض... وفي قلب الفوضى ، كانت التفاحة المعتادة حاضرة . لكن هذه المرة لم تكن موضوعة بجانب الجثة ... بل مغروسة في صدرها ، يثبتها خنجر عتيق يخترق القلب.

اقترب رين أكثر ، عيناه تضيقان .

داخل فم الضحية ، وضعت زهرة حمراء بعناية ... زهرة الموت.

قال بهدوء قاتل _"القاتل ... يستعرض جريمته بفخر".

رد المفتش كيوشيرو بقلق : _"كل جريمة أفظع من سابقتها ... وكأننا لا نواجه إنسانا ، بل وحشا ."

أومأ رين دون أن يرد ، كان ذهنه يدور ... شيء ما في هذه الجريمة يختلف. شيء يتكلم. لقد بدأ القاتل يبعث برسائل من خلال جثته .

قال المفتش أخيرا : _"هل نعود اذا إلى المركز حتى تصل التحاليل ؟"

رد رين وهو لايزال يتأمل المكان : _"اذهبوا أنتم ... سأبقى هنا . أريد فحص المكان مجددا... خطوة بخطوة ."

"ابتسم رين بخفة ، وكأن ابتسامته تحمل شيئا غير مريح :

_"لا ، لا تقلق . أنا معتاد على الظلام ."

غادر الفريق، تاركين رين وحيدا في الزقاق الصامت ، لايسمع سوى أنفاسه، وضوء مصباح مهترئ يتأرجح فوقه.

بدأ يتحرك ببطء ، يتفقد الأرض ، الجدران، آثار الدم . كان يبحث عن شيء ... لايراه لكنه يشعر بوجوده .

وفجأة...

قشعريرة باردة اخترقت جسده كما يخترق البرد العظم . إحساس غريب... وكأن عينين تراقبانه من العدم . رفع رأسه فورا، يحدق في العتمة أمامه، قلبه ينبض بقوة ، أنفاسه تتسارع .

ثم رآه.

شخص يقف هناك ، على بعد خطوات قليلة منه فقط .

يرتدي رداء احمرا قرمزيا قاتما ، طويلا يخفي ملامحه بالكامل . لم يكن يتحرك ، فقط وقف كأنما انبثق من الظلام ذاته.

ثم .... بدأ بالتصفيق.

تصفيق بطيء، صوته يتردد على جدران الزقاق كأنها صدى من عالم آخر .

فجأة قال بصوت غليظ مرعب :_"لقد بدأت اللعبة الان ، ايها المحقق الصغير ...."

صمت لثوان .... ثم تابع بنبرة باردة :

_"أرجو أن تستمتع بها ."

لم يمنح رين وقتا للرد . في لحظة ، تلاشى داخل الزقاق، كأنه انصهر في العتمة، لا صوت، لا ظل.... لاشيء.

وقف رين متجمدا . عيناه واسعتان ، قبضته تنغلق بشدة.

همس لنفسه بذهول :_"هل كان... هو القاتل ؟لايمكن .... لا.. لا يوجد أي مخرج سوى من جهتي ... أيعقل أن مارأيته لم يكن إنسانا؟ وما الذي قصده باللعبة؟"

قبض على فكه بشدة ، عينيه تتقدان بتحد جديد .

لقد أصبحت القضية شخصية الآن . واصبحت اللعبة أكثر إثارة ....

...."تركه وسط الزحام ، لكن شيئا ما في تلك النظرة الأخيرة أخبره ... أن هذا اللقاء لم يكن صدفه. بل بداية لشيء مظلم قادم ."

2025/04/29 · 28 مشاهدة · 645 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025