الفصل الواحد والأربعون : دخان وسط الحقيقة
صراخ ...فوضى ....ودماء
كأن العالم انهار فوق المدينة .تصاعد الدخان من المبنى المحطم كأفعى سوداء تبتلع السماء ، والروائح المعدنية والبارود تغمر الهواء ، بينما أصوات سيارات الإسعاف والإطفاء تعزف لحن الذعر في كل الجهات .
وقف رين وسط الفوضى ، نظراته متصلبة ، تحيطه السيارات المحطمة وصرخات الناس المصابين ، بينما بقع الدم متناثرة كلوحة سريالية على الإسفلت .
رفع يده ببطء ومسح بعض الغبار عن وجهه ...ثم قال ببرود قاتل :
" يالها من فوضى عارمة ...كان يمكنني إيقاف هذا."
اقترب يوكيمارو من الخلف ، مد يده ، عيناه تلمعان بالقلق ، وصوته مزيج من الحذر والحرص :
" قم ، رين ...لا يمكننا البقاء هنا . ليس الآن ."
أمسك رين بيده ونهض ، ثم هز كتفيه وهو ينفض الرماد عن بدلته السوداء ، ناظرا حوله ببرود مميت .
في تلك اللحظة . توقفت سيارة رسمية بسرعة .فتح الباب بقوة ونزل منها المفتش جونز بخطوات ثقيلة .وصوت حذائه يخترق الفوضى ، كأنه إعلان عن وصول العدالة .
ركض نحو رين، وقبض على كتفيه بقوة .
" أيها المحقق! هل أنت بخير؟! هذه الجروح ...هل أصبت ؟!"
رمش رين بعينين مبهوتتين من الاهتمام المفاجئ .
" أنا بخير ...مجرد خدوش ، لا تقلق علي ."
تراجع جونز بخفة ، وكأنه شعر بالحرج ، ثم تأهأ وابتعد قليلا ، يعيد رسم ملامحه الصارمة على وجهه.
لكن رين لم يترك الأمر يمر بصمت ، قبض على معطفه بقوة وغمغم بمرارة :
" هذا خطئي ...لو أنني تحركت أسرع ...ربما كان بالإمكان منعه ."
اقترب منه جونز مجددا، ووضع يده على رأس رين كأنما يربت على طفل خائف، لكن صوته كان ثقيلا بالحزم :
" توقف . هذه ليست غلطتك . لا تحمل نفسك وزر هذا الانفجار . من يستحق اللوم ...هو الوحش الذي خطط لكل هذا .
رين ، بشفاه ترتعش بين سخرية وغضب ، قال :
" منذ متى وأنت تجيد مواساة الآخرين ؟! أهذه كلماتك ، أم استعرتها من رواية رومانسية؟ "
شعر جونز بأن الدم يغلي في عروقه ، فصرخ :
" وأنا الذي حاولت أن أكون محترما معك لمرة ! لكن يبدو أنني كنت أحمقا . أنت لست سوى فتى مدلل !"
ثم أشار بإصبعه إلى الفندق :
" عد إلى غرفتك يارين، قبل أن تفسد كل شيء . عقلك مشوش ، ولن ينفعنا هذا في التحقيق ."
وقف رين بثبات ، وعيناه صارتا مثل جمرتين تحت الثلج .
" إن تهربت الآن ، لا تأت لا حقا وتقول إنني كنت ألهو بينما النار تشتعل حولك ...ياسيد المفتش ."
تبادل الاثنان نظرات مشتعلة ، كما لو أن الحرب على وشك أن تبدأ بينهما ، ثم استدار رين دون أن ينطق بكلمة إضافية ، وتبعه يوكيمارو بصمت ، وعيناه تتأملان المشهد الكارثي كأنهما تحفظان كل شيء للذكرى .