42 - رسائل من دماء الفارس الأسود والقلب الساقط

الفصل الثاني والأربعون : رسائل من دماء الفارس الأسود والقلب الساقط

عاد رين إلى الفندق بصمت، كل خطوة يخطوها كانت ثقيلة كأنها فوق ذاكرته . خلع سترته ، دخل الحمام ، وأغلق الباب خلفه ، الماء الدافئ ينهمر على جسده ، لكنه لا يطفئ حرارة المشهد في رأسه ....الانفجار، الدماء، الصرخات.

خرج بعد وقت ، مرتديا قميصا أسود فضفاض وبنطال نوم .رمى نفسه فوق السرير ، غارقا في الصمت .عيناه تحدقان في الفراغ ، والظلام يبتلع زوايا الغرفة .

" سحقا...سحقا...لو لم أتحرك ...لو لم أتحدث ..."

شد الغطاء بعنف كأنما يعاقب نفسه ، والألم يصرخ داخله بصمت .

فتح باب الغرفة بهدوء .يوكيمارو دخل وهو يحمل كوبا صغيرا من شاي البابونج ، وعيناه تمتلئان قلقا.

اقترب بهدوء ، صوته خافت ودافئ :

" رين...هل أنت نائم؟ أحضرت لك شاي البابونج ...

يساعد على تهدئة الأعصاب ، جربه قبل أن يبرد ."

وضع الكوب بهدوء على المكتب ، ثم جلس على طرف السرير بجانبه . نظر إليه للحظة قبل أن يقول :

" هيا ...دعني أعقم لك الخدوش ، لا يكفي غسلها بالماء فقط ."

رين ببرود :

" دعك مني يوكي ."

يوكيمارو بشيء من الإصرار :

" رين ...إذا لم أفعلها الآن ، فقد تصاب بالتهاب .أو ...أسوأ."

وفجأة ، صرخ رين، لأول مرت بصوت انفجر من أعماق روحه :

" قلت لك ...دعني !"

تجمد يوكيمارو للحظة ، عيناه اتسعتا بدهشة . ثم نهض رين ، شعره مبلل ، وجهه مشوش ، وقال بصوت خافت :

" أنا آسف...لم أقصد الصراخ ، فأنت لا ذنب لك ."

ابتسم يوكيمارو ابتسامة خفيفة حملت في طياتها تفهما عميقا :

" لا بأس ، يارين...أعلم أنك لست بخير الآن ."

ثم أمسك بيد رين وبدأ بتعقيم جرحه ، بهدوء ورفق . عندما وصل إلى خده ، تذمر رين :

" هذا مؤلم ...."

ضحك يوكيمارو:

" تحمل ...أو اعتبره عقابا لك لأنك تهمل نفسك ."

وبصوت أكثر رقت :

" رين ...ما الذي يثقل كاهلك ؟ أنت ...شخص واجه أشياء أعظم من هذا ، أليس كذلك ؟"

ساد صمت .ثم خفت أنفاس رين ، انحنى للأمام ، وضع رأسه بين راحتيه ، وكأنما العالم كله انكمش داخله .

" عندما رأيت تلك الطفلة تصرخ ...وأمها ملقاة تحت السيارة ، غارقة في دمائها .. رأيت نفسي . عدت لذلك اليوم ...يوم وجدت أمي في الحمام ، وقد أنهت حياتها ."

يوكيمارو شهق خافتا ، نظر إليه بعينين تمتلئان حزنا .

" لكنني لم أبك .كنت ....مصدوما .وكنت ألومها .تركتني وحدي "

" أنا تلك الطفلة ...فكانت تبكي بحرقة ، وتذكرت أنها ستترك وحدها ، بسببي ."

اقترب يوكيمارو أكثر، جلس قبالته ، ثم ، رفع رأس رين بلطف ، ونظر إلى عينيه الزرقاوين :

" رين...هذا ليس خطأك. أنت تعلم ذلك. لا تدع أشباح الماضي تسرق قوتك ."

ثم نقره بخفة على جبينه مبتسما :

" فرين الذي أعرفه ، لا يسمح لشيء كهذا أن يحطمه ."

ضحك رين بخفة، بينما يضع يده على وجهه ، يخفي تلك الابتسامة المرتجفة :

" يالي من أحمق ...لكن شكرا ، حقا ."

ابتسم يوكيمارو، وعيناه تتلألآن

رين :

" لكن لا تعاملني كطفل الآن ...فهمت ؟"

ضحك يوكيمارو:

" أنت من جعلني أبدو كالأم هنا !"

ثم ، فجأة ساد لحظة هدوء غريبة . نظر رين إلى يوكيمارو، وبنبرة ناعمة قال :

" شكرا لأنك هنا ، يوكي. "

اتسعت عينا يوكيمارو، وتوردت أذناه بخجل :

يوكي ؟

" آه ...لا شيء .فقط ...كوب الشاي ...أعتقد أنه قد برد سأعيد تسخينه ."

تحرك ليقوم، لكن رين أمسكه من ياقة قميصه من الخلف ، وقال بخفوت :

" دعك من الشاي ...وابق بجانبي ، فقط ."

جلس يوكيمارو مجددا، ابتسامة على وجهه :

" هل تخاف من الوحدة ؟"

رين:

" ربما "

يوكيمارو ضاحكا

" ظننتك ستنكر الأمر ."

أسند رين رأسه على كتف يوكيمارو، وأغمض عينيه ، كأن كل الألم في صدره هدأ للحظة .

" سأكون جشعا الليلة .. وأطلب منك أن تبقى هنا ."

رفع يوكيمارو رأسه ، ينظر من النافذة إلى السماء المتلألئة بالنجوم . ثم تمتم :

" يالها من ليلة جميلة ...."

أو مأ رين بخفة : أجل

هدأ الجو في الغرفة . رين مستلق على السرير رأسه على كتف يوكيمارو، والسكينة تخيم كان العاصفة انتهت ...ولكنها كانت مجرد هدنة قصيرة.

وفجأة ، وقع نظر رين على شيء غريب في الزاوية .

كان هناك ظرف أسود. موضوعا بدقة على الطاولة الخشبية بجانب الشرفة ، كأنه كان ينتظر أن يكتشف.

نهض رين بسرعة .صوته حاد :

" ماهذا ؟!"

اقترب من الظرف لم يلمسه فورا ، بل حدق فيه للحظة، بعينين لا تفوت تفصيلا واحدا .

نظر يوكيمارو على الفور نحو الطاولة بدهشة :

" ظرف أسود ؟!لم أره من قبل ...متى ...متى تم وضعه هناك ؟!"

فتح رين النافذة بهدوء ، نظر خارجا إلى الشرفة لاشيء ، لا حركة . لا أثر لأحد .

" يوكي ...هل يعقل أن أحدهم ...تسلل إلى الغرفة ؟"

" هذا مستحيل...لا يمكن لأحد أن يدخل دون أن أشعر به ...أو ربما ...."

أمسك رين الظرف بيده، أحس بلمسه الغريب ، كان باردا ، جلديا بعض الشيء ، لا يحمل أي عنوان ، لا ختم ، لا شيء ....فقط اسم مكتوب بخط يدوي فخم: " إلى رين ".

وبصوت منخفض بينما يحدق في الحروف ." مجرد اسمي ...لا أكثر ".

فتح الظرف ببطء .

وفجأة .....

سقط شيء .

شهق. يوكيمارو

" آه !شيء ما سقط !"

انحنى رين قليلا والتقط ماكان داخل الظرف . كانت ورقتي لعب .

واحدة حمراء ، مرسوم عليها قلب مقلوب ومخترق بسهم . مشبعة بدم طازج على أحد أطرافها ، دم يبدو حديثا ....كأنها خرجت توا من جسد لجثة ما .

أما الثانية فكانت تحمل صورة فارس أسود على حصان مغطى بالدروع ، نظيفة لكن مشروخة في المنتصف بشرخ دقيق .

مد يوكيمارو يده ولمس الورقتين بحذر :

" رين...هذا ليس لعب أطفال ...هذه رسالة ، بل تهديد واضح ."

قلب رين الورقتين، نظر إلى ظهر كل منهما .

على ورقة الفارس الأسود ، عبارة مكتوبة بخط حاد :

" خطوتك التالية ....ستحدد من يسقط بعدك ."

أما ظهر ورقة القلب الساقط ، فكانت الرسالة أكثر استفزازا :

" هل ستبقى قلبا نابضا ...أم تسقط مثله ؟"

ساد الصمت .

ببطء ، ارتسمت ابتسامة متوترة على وجه رين ، تلك الابتسامة التي لا يعرفها سوى يوكيمارو...ابتسامة المحقق عندما يشم رائحة التحدي الحقيقي.

"لا أعرف بعد ما يريده 'سيد 'هذه اللعبة ...لكن هناك شيء واحد متأكد منه ..."

أدار الورقتين بين أصابعه وقال بابتسامة قاتمة :

" لقد تجرأ على اللعب معي ...و سيندم على ذلك ."

نظر يوكيمارو إليه ، عينيه الحمروتين تعكسان بريق الحماس والغضب في آن واحد . ثم ابتسم :

" هذا هو رين الذي أعرفه ...عندما يستنزف ، تتحول كل الحسابات ."

أعاد رين الورقتين إلى الظرف ، ثم قال بهدوء :

" ليبدأ اللعب إذا ."

2025/07/08 · 10 مشاهدة · 1095 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025