الفصل الرابع : صفقة مجهولة

ركض رين نحو مركز الشرطة ، خطواته تسبق أفكاره ، كأن شيئا ما يطارده من الداخل ، دفع باب المكتب بقوة فاهنزت الملفات على الطاولة ، ليقابله المفتش كيوشيرو بابتسامة بالكاد تخفي قلقه:

_"لقد عدت... هل انتهيت من التفقد ؟ وصلت في الوقت المناسب فالتحاليل ظهرت للتو ."

لكن رين لم يبادل الابتسامة . عيناه كانت تتقدان بقلق ، ويده مشدودة بقوة كأنها تقاوم رعشة داخلية .

_"نعم ، لكن.... علي إخبارك بشيء . شيء غريب ."

تلاشت ابتسامة المفتش فورا ، كأن حدسه قرأ سطرا غير منطوق . اقترب بخطوة بطيئة ثم قال بجدية :

_"قل ما عندك ."

تنهد رين ، جلس ببطء وكأن ثقلا سقط على كتفيه ، ثم بدأ يسرد كل شيء ... الزقاق ، الشخص الغامض ،التصفيق ، الكلمات الغريبة، والاختفاء المريب تحت الظلال الحمراء .

صمت ثقيل خيم عل المكتب. قطعته همهمة المفتش المرتعشة :

_"أ... أنت متأكد مما رأيت ؟"

_"أعرف كم يبدو جنونيا ، لكنني متيقن . أنا لم أتوهم ، كان...هناك ."

ردد المفتش كلماته كأنه لايصدق نفسه :

_"قال ... لقد بدأت اللعبة ؟"

أومأ رين ، نظر إلى الأرض بعينين غارقتين في دوامة التفكير :

_"وكأن هذه الجرائم ... ليست سوى تحد مريض بالنسبة له ."

_"لكن ...ما الهدف ؟ ولماذا ؟

_"لا أدري . لايوجد نمط محدد بين الضحايا ... الأعمار ، الجنس، الطبقات الاجتماعية ... لا رابط واضح ."

همس المفتش :

_"يعني أنه يقتل عشوائيا ...."

_"أو للمتعة فقط ."

تجمد المفتش، ثم همس كمن اكتشف شيئا مرعبا :

_"اي وحش يفعل هذا ؟"

_"ليس وحشا فقط . إنه عبقري ...يلعب بعقولنا وكأننا بيادق في رقعة شطرنج."

ساد الصمت مرة أخرى ، ثم أكمل رين بنبرة أكثر حزما :

_"علينا إبقاء هذا سرا الآن ، لايجب أن يخرج شيء من هذا المكتب ."

أومأ المفتش :

_"معك حق . فوضى الشارع ستكون آخر ما نحتاجه ."

بقي رين يتفحص نتائج التحاليل ، لكن لاشيء . كأن القاتل تعمد تركهم عميانا

رفع المفتش عينيه إلى رين، بدا عليه التعب أكثر من أي وقت مضى :

_"عد إلى البيت الآن ، الإرهاق واضح على وجهك ،"

_لكن..."

_"لا نقاش ، هذا أمر إن لم ترتح ، سأطردك بنفسي."

تنهد رين ، واستسلم على مضض:

_"حسنا ... لك ذلك ."

خرج إلى الشارع ، الليل تجاوز منتصفه ، والمدينة مغطاة بلحاف ثقيل من السكون. لكن الهدوء لم يكن راحة... كان ثقيلا ، خانقا ، كأن شيئا ما يترقب.

وفجأة....

كسر هدوء الليل بخطوات خفيفة تتقافز خلفه ...ثم

همسة واهنة ....

تنادي اسمه :

_"رين ..."

توقف ، نبضات قلبه تسارعت بجنون ، تردد والتفت بسرعة. والعينان تمشطان الظلام.

ثم .... خرج من الظلمة شخص .

شعر ذهبي يتراقص تحت ضوء القمر الخافت ، عينان حمروان قرميزيتان تلمعان كأنهما من جمر . لم يكن بشريا تماما . ولم يكن شيطانا تماما . كان شيئا بينهما.

قال رين بصوت حاد :

_"من انت ؟ وكيف تعرف اسمي .؟

اجب بسرعة ...

اقترب الغريب بخطوات هادئة ، وابتسامة مائلة على وجهه:

_" أنا... يوكيمارو . سررت بلقائك ، يارين "

_" ما الذي تريده ؟"

أمال رأسه قليلا ، وصوته كان اقرب إلى نغمة غناء :

_" أريد ... عقد صفقة ."

صمت رين، الحذر يشتعل في عينيه :

_"أنا لا أعقد صفقات مع أشباح الليل ."

ضحك يوكيمارو ضحكة قصيرة ، كأنها خرجت من رجل يعرف النهاية قبل البداية :

_" صفقة قد تنقذ حياتك ... أو تنهيها ."

تقدم خطوة أخرى ثم همس :

_" أريدك أن تجد شيئا ... وسأعطيك في المقابل معلومات عن القاتل ."

ارتجف رين، وعيناه اتسعتا:

_" أنت .... تعرفه ؟"

لم يجب يوكيمارو . فقط ألقى ورقة صغيرة على الأرض ثم تراجع ، وانصهر مع الظلال كما لو أنه لم يكن موجودا .

لكنه ترك صوته يتردد في الفراغ:

_"أنا في انتظارك .... يا عزيزي رين ."

تجمد رين في مكانه ، غارقا في مزيج من الصدمة ، والريبة ، والخوف.

أمسك الورقة بيد مرتجفة وعيناه تحدقان فيها بشرارة ... ثم رفع بصره نحو العتمة .

هل كانت هذه مجرد بداية ؟ أم أنه على وشك الغوص في أعماق أكثر ظلمة مما تخيله ؟

2025/04/30 · 21 مشاهدة · 665 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025