الفصل 50 : "الوهج القرميزي في مهد الظلال المهموسة ".
في لمح البصر وبينما لا يزال زيرو يحمل رين على كتفيه ، تسللت حولهما عتمة خانقة .لم تكن مجرد ظلمة ، بل ستار كثيف له ملمس كريه ، كأن الجحيم نفسه قد تنفس في المكان .
صوت رين داخله كان يصرخ:
"ما هذا ؟! لا أرى شيئا ....الهواء ...كأنه يخنقني ...."
وفجأة، عندما فتح عينيه ، كان مستلقيا في غرفته بفندق المدينة .
شهق :
"متى ....كيف؟!"
أنزله زيرو من كتفه دون أي كلمة ، لكن رين دفعه على الفور بعنف:
"قلت لك ، لا تلمسني مجددا! من أنت بحق الجحيم؟ لست شيطانا فحسب ...كأنك كيان من زمن منسي ..."
ضحك زيرو ضحكة غريبة ، مفرغة من الإنسانية ، تتردد في الغرفة كأنها صدى تهويدة جردت من الروح . رفع يده ، وغطى وجهه للحظة ، ثم انحنة برأسه للأمام ببطء قبل أن يتقدم بثقل نحو رين .
حاصره عند الجدار ، صفع راحة يديه على الجدار بجانب رأسه ، فحبسه في مكانه ، رفع ذقن رين بإصبعيه الباردين كالموتى ، وقال بصوت عميق ، بطيء ، وكل حرف فيه يتقاطر تهديدا :
" ألم أخبرك من قبل ؟ أريد تحطيمك ....يارين. تمزيقك .نزفك حتى تذبل .
أريدك أن تترك التحقيق، أن تهرب ، أن تختفي . فهذه ...نعمة ، هذه هديتي لك ."
اقترب أكثر ، يهمس في أذنه ، صوته كأنه سم :
" أنت أول بشري ...أول لعبة ...تجعلني أنغمس بهذا الجنون. من قبل ، كان مجرد نظر مني يسقطهم أرضا ، لكنك تنظر إلي بعينيك القاتلتين ...ولا ترف ."
ثم ، وهو يضغط بأصبعه على صدر رين :
" قلبك ...ياله من قلب نظيف ...شفاف .ها ستبقى كذلك ياترى ؟ أم أن سأنتزع منه نقاءه ؟"
رفع رين رأسه ، والبرودة في عينيه كالخناجر ، ثم قال بابتسامة متوحشة :
" دعني أراك تحاول ، يازيرو. "
امتدت ابتسامة زيرو بدورها ، حتى بدت كأنها انشقاق في وجهه الشاحب . أمسك وجنة رين ، واعتصرها بيده الشيطانية .
" رائع ...هذا هو رين الذي أعشقه .تلك الملامح ...الغضب ، التحدي ...كم أحب تمزيقها .
يالعبة القدر أي سحر جعلك تسليتي المفضلة ؟"
ثم همس فجأة ، صوتهويقطروحنانا شيطانيا :
" متعني أكثر ...اتفقنا ؟"
رن الصمت للحظة في الغرفة ...ثم اندفع زيرو، وأمسك بعنق رين فجأة ، ورفعه عن الأرض .
رين كان يختنق يلهث ، يحاول فك قبضة الموت ، لكن جسده المنهك لم يسعفه .
" نسيت شيئا ، يا رين ..."
همس زيرو بينما يزداد ضغط أصابعه :
" رهاننا . وهاهم ، أولئك الحشرات التي تجرأت على الاقتراب منك ، ستجعل مدة ملكيتي لكو....أطول . أنت لي وحدي .
لن أسمح لأحد ...أن يلعب بلعبتي غيري ."
ثم أسقطه . ارتطم رين بالأرض، يسعل بشدة ، محاولا استعادة أنفاسه . اقترب زيرو مجددا ، يضع يده بخفة على جبينه :
" حرارتك مرتفعة..... من أتعبك ؟تلك الوليمة ؟ سأحرص على تمزيقها أيضا ...عاجلا لا آجلا ."
نهض رين ببطء ، رغم الإنهاك ، وقال بصوت بارد حاد:
" اقترب منها ...وستكون نهايتك على يدي."
ضحك زيرو مجددا ، تلك الضحكة التي لا تحمل سوى الدمار .
" يالك من مجنون ...لكنني أحب ذلك فيك .لا تقلق ، لن ألمسها ...الآن .
لكن حين يحين الوقت ، سأسدل الستار على تلك الوليمة .
إلى اللقاء ، عزيزي رين....دعنا نرقص مجددا، في جولة أخرى من رقصة الظلام ."
ثم اختفى ، كما جاء ...وترك خلفه رائحة دخان ونذر خراب .
...
كانت الرؤية تتلاشى شيئا فشيئا أمام عيني رين ...كل شيء صار ضبابيا ، مشوها كلوحة تذوب تحت المطر . الحرارة تسري في جسده كحمم خامدة تستفز من تحت جلده .
" أصوات الغرفة تداخلت في أذنيه ...حرارة رأسه تضرب كطبول الحرب ...ثم ، ساد الصمت ."
-" سحقا...." ، تمتم رين بين أنفاس متقطعة، " أهذا وقتك ، أيتها الحمى ؟..."
ثم ترنح كغصن متعب ، قبل أن تهوي ساقاه أخيرا ، مستسلما لثقل الألم .وبينما كانت الظلال تتمطى في المرر ، فتح يوكيمارو الباب ، وقبل أن ينادي ، كانت صدمة المشهد تكفي .
-"رين !!"
ركض إليه ، واحتظنه قبل أن يسقط ، وملامح وجهه تحولت في لحظة إلى مزيج من الذهول والغضب والقلق .
-" أين كنت بحق الجحيم؟! لقد قلبت المكان بحثا عنك ؟" ، صوته كان أقرب إلى عواء يائس منه إلى عتاب .
لكن رين ...لم يجب .اكتفى بابتسامة باهتة واهنة ، ابتسامة تحمل ألف وجع وكأنها شبح ذكرى ، ثم مد يده المرتجفة ببطء، وأمسك قميص يوكيمارو من الخلف ، وكأنه يخشى أن يهرب من شيء ما أثمن من أن يقال .
" دعني ...أبقى هكذا قليلا ....يايوكي...." ، همس بها ، ثم أغمض عينيه، وغطى في نوم بدا كاستسلام طفل منهك للعتمة .
حمله يوكيمارو برفق غير متوقع، رغم القسوة التي كانت تجتاح ملامحه . وضعه على السرير بعناية جندي يخفي جروحه ، ثم وقف ، شيء ما تغير في ملامحه ...شيء ليس من هذا العالم .
الهالة التي انبعثت منه كانت أشبه بالظلال شيطان استيقظ من سباته . البريق في عينيه تحول إلى وميض دموي ، كأن الدماء ذاتها اشتعلت داخله . كانت عيناه كمرآتين تعكسان جريمة لم تقع بعد.
ثم بدأ ينظر حوله ، بدقة ، كصياد يشم رائحة فريسة لا تزال دافئة .
-" هذا الحظور ...." ، قالها بصوت خفيف ، أشبه بهمهمة خلف عاصفة ، " لم يكن طيفا ...بل كان زائرا غير مدعو ...ضيفا دخيلا ترك أثره قبل أن يختفي ."
فتح نافذة الغرفة . والهواء البارد اندفع إلى الداخل كصفعة . أنفه التقط شيئا ...أثر لا يرى ، لكنه يشعر . الظلام كان أثقل من المعتاد ، وكأن شيئا ...أوشخصا ....لا يزال يراقب من بعيد .
" لقد دخل أحدهم هنا ....وربما كان يقف بجانب رين حين كنت أبحث عنه ..."
صمت .
ثم ارتسمت على فمه ابتسامة شيطانية مقلقة ...ابتسامة من يعرف أن العدو قد اقترب ، وأنه لا يملك النية للتراجع .