الفصل 54 : الصمت الأخير

ما هذا الشعور الغريب الذي يجتاحني فجأة؟

استعاد رين ما حدث قبل قليل: اصطدامه بزيد ، ذلك الإحساس المبهم حين لامس يده، ثم محاصرة الرجال مباشرة بعده ....نفس الإحساس تسلل إليه حين لمس معصم أحدهم ...لم يكن هناك نبض .

لم يكن هذا مجرد توتر ...كان شيئا أعمق، أشبه بتحذير .

أخرج هاتفه بسرعة...رسالة فائتت من جونز.

" تعال فورا ، هناك أمر نحتاج أن نناقشه ."

رفع رين حاجبيه ببطء .

" الآن فقط ؟ بعد كل ما حدث ؟ هل هذا محض صدفة ...أم كان كل شيء مخططا له ؟"

شيء ما لم يكن طبيعيا ، وكأن كل الأحداث تهدف لأمر واحد...إبعاده .

علت ملامحه جدية باردة ، ومن دون أن ينطق بكلمة ، انطلق راكضا بكل سرعته .

ركض يوكيمارو خلفه مباشرة، متفاجئا .

-" رين! ما الأمر؟ لماذا تركض هكذا؟ "

-" لدي إحساس سيء ...أقرب إلى نذير شؤوم ...هناك شيء سيحدث ، بل ...قد حدث بالفعل ."

دخل رين إلى مركز الشرطة وهو يلهث ، أنفاسه متقطعة، العرق يتصبب من جبينه بغزارة كأن جسده يستجيب لهلع داخلي .

اقترب من أحد الضباط :

-" أين المفتش جونز؟ أجبني بسرعة! "

تردد الضابط للحظة :

-" أعتقد أنه في مكتبه ...لكنه لم يخرج منذ مدة."

لم ينتظر رين أكثر، اندفع راكضا نحو مكتب المفتش ، وهناك، كان ضابط آخر ينادي خلف الباب المغلق :

-" سيدي جونز؟ هل أنت بخير ؟"

أتسمعني ...؟

اقترب رين منه :

-" هل هو بالداخل ؟"

-" لقد مضى وقت طويل وأنا أناديه ، لكنه لا يجيب . والباب موصد بإحكام ."

تقلصت ملامح رين وهو يضغط على قبضة الباب .

" أرجوك ...لا تجعل شكوكي صحيحة ..."

حاول فتحه لكنه كان مغلقا بالفعل . نظر إلى الضابط بجانبه :

-" تراجع ...لا خيار آخر أمامنا سوى كسر الباب ."

ركله بكل قوته ...مرة أخرى ... حتى انفتح الباب بقوة ، لينكشف المشهد الذي لم يكن يرغب برؤيته .

جثتان ممددتان على الأرض ، ساكنتتان كأنهما نائمتان في جحيم صامت .

صرخ الضابط فجأة :

-" أ- أليس هذا السيد جونز ؟! ومن الشخص الآخر ؟! "

اقترب رين بسرعة، رغم أن قلبه كان يرفض التصديق .

ركع على ركبتيه ، فحص نبضهما ، دون أن يتكلم .

كانت رائحة الدماء تملأ المكان ، تلتصق بأنفاسه ، وكأن الجدران نفسها تراقب بصمت قاتل.

هز رأسه ببطء ، ثم قال بصوت بارد ، عميق :

-" لقد فارقا الحياة ..."

وقف ببطء، نظر إلى الضابط :

-" أخبر الجميع فورا ...يبدو أننا أمام جريمة ...في غرفة مغلقة ."

...

كان المكان يعج برائحة الدم ، أرضية الغرفة ملوثة بلون الحياة المسفوك ، أما الجسد الملقى على الجانب فقد بدأ ينزف بثبات من خاصرته اليسرى .

اقترب " يوكيمارو " من " رين " ، متأملا الجثة الممدة بصمت .

قال بنبرة جادة:

" أليست هذه الجثة لذلك العميل الاستخباراتي؟...من كان يراقبك يومها ؟"

أجاب رين دون أن يشيح عينيه عن الجثة:

" أجل ...إنها لزيد .تلقى طعنة قاتلة في أسفل البطن ، في نقطة حيوية . النزيف كان كافيا لإنهاء حياته ."

تجاوز رين الجثة الأولى وتوجه نحو جثة " جونز " الملقاة على الأرض، عينيه تلتقطان التفاصيل بدقة .

" ما هذه البقعة على سترته ؟..." همس لنفسه ." وهذه الرائحة ...قهوة ؟"

انحنى وأمسك بذقن جونز ، فتح فمه ، ثم داخل عينيه بتفحص ، قبل أن يلتقط يده ويدرس ما تحت أظافره .

" آثار دماء ...واضحة ."

وفجأة. رصد شيئا يطل من الجيب الداخلي للسترة ، مغلفا بدم جاف .

سحب الورقة بعناية، وما إن رأى محتواها حتى اتسعة عيناه .

" بطاقة لعب ...مرة أخرى ."

صمت للحظة ، ثم أضاف بصوت خافت :

" ملكة البستوني...الملكة الصامتة ."

وفي أسفل الورقة ، بخط مألوف ، كتب :

" الصمت فضيلة...وأحيانا عقوبة ."

عقد حاجبيه .

" إنه نفس الخط الذي وجد على الورقتين السابقتين ..."

نهض رين وتوجه نحو جثة" زيد " القريبة من النافذة .

ألقى نظرة سريعة . لا أثر لبطاقة هنا.

اقترب أكثر ، انحنى ، وبدأ بفحص ملابسه .

" هناك رائحة خفيفة ...بالكاد تشم ....نفس الرائحة ."

أزاح ياقة القميص ، مد يده ببطء نحو عنقه ، ليلمس آثارا دقيقة .

" خدوش صغيرة ...لكنها موجودة .رقبته ....باردة بشكل غير طبيعي ."

دقق في يديه ، شفتيه ، عينيه ، واصابع قدميه .

" لا أثر للإزرراق ...غريب ."

على النقيض من ذلك ، لاحظ أن جثة " جونز " بدأت تظهر علامات إزرقاق على أطراف أصابعه ، رغم دفء جسده .

توجه آلى النافذة. كانت مغلقة بإحكام ، لا أثر لكسر أو اقتحام ولا حتى بصمات أو خدوش توحي بمحاولة دخول .

استدار بسرعة نحو أحد الضباط وقال بنبرة آمرة :

" أنت هناك ، قم بفحص جميع كاميرات المراقبة فورا، وأطلب من كل الضباط الموجودين تقديم تقارير مفصلة عما كانوا يفعلونه عند الظهيرة ."

ثم أضاف ، وهو يثبت نظره في عيني الضابط :

" وإذا رصد أي وجه غريب ...لا أريد أن يغادر المبنى دون علمي ."

2025/08/03 · 9 مشاهدة · 805 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025