الفصل 58 : تحت ضوء القمر

في المساء، جلس رين أمام شرفة الفندق المطلة على المدينة، بينما كانت الغرفة خلفه غارقة في ظلام صامت .الهواء الليلي كان باردا، والسماء فوقه مرصعة بالنجوم ، لكنها لم تكن كافية لتشتيت أفكاره الثقيلة . أسند خده على كف يده، عيناه الزرقاوان كانتا تحملان بريقا باهتا من الحيرة .وشيئا من البرودة التي لم يعرف لها مصدرا .

فجأة ، وضع أمامه كوب قهوة دافئ ، تصاعد منه بخار خفيف كأنما يعيد شيئا من الدفئ للمكان . رفع رين نظره ليرى يوكيمارو واقفا أمامه بابتسامة هادئة.

قال يوكيمارو بلطف:

-" أخيرا، نظرت إلي يارين....فيما كنت شارد الذهن طوال هذا الوقت؟ "

تنهد رين ببطء، وأدار وجهه بعيدا:

-" لاشيء. "

جلس يوكيمارو إلى جانبه، وأمال رأسه قل:

-" أنت لاتجيد الكذب أبدا ، يارين .ناديتك ثلاث مرات قبل أن أضع الكوب أمامك ، ولم تجب ."

ساد صمت قصير بينهما، قبل أن يرفع يوكيمارو عينيه نحو السماء قائلا :

-" القمر مكتمل الليلة ....يالها من ليلة جميلة. "

ألقى رين نظرة خاطفة على ملامح يوكيمارو وهو يرفع الكوب ، وفي داخله فكر للحظة :

" لم انتبه من قبل....لديه رموش طويلة بهذا الشكل...عيناه تشبهان الياقوت ، يلمع فيهما لون دموي قاتم ، وكأنهما تخفيان حكايات لا تروى ."

لاحظ يوكيمارو نظراته وقال بابتسامة جانبية:

-" إلى متى ستحدق في وجهي ؟....ماذا ، هل وقعت في حبي بالفعل؟ "

سعل رين بخفة، متجنبا النظر إليه :

-" احتفظ لنكاتك التافهة لنفسك. "

لكن على الرغم من ذلك، تسللت ابتسامة طفيفة إلى وجهه وهو يتمتم :

-" فقط ....كانت عيناك تبدوان جميلة جدا تحت هذه السماء، كأنهما حجر كريم مفقود. "

اتسعت عينا يوكيمارو بدهشة خفيفة، وارتفع الاحمرار إلى أطراف أذنيه ، قبل أن يهمس :

-" لقد قلت الشيء نفسه ....في ذلك الوقت أيضا ."

توقف رين عن الشرب ، ونظر إليه مستفهما :

-" ماذا ؟!"

-" لاشيء....على أي حال، يارين، هل أنت بخير؟ "

-" وما الذي تقصده؟ "

-" أقصد ماحدث اليوم ."

أشاح رين بيده ببرود :

-" إن كنت ستتحدث بالهراء ، يايوكي، فالأفضل أن تصمت ."

ضحك يوكيمارو ضحكة خفيفة، ثم قال بصوت هادئ:

-" أنت دائما هكذا يارين....غير صادق مع مشاعرك .تبني جدارا بينك وبين الآخرين ، وتعتمد على نفسك وحدك ."

رفع رين حاجبه بسخرية:

-" هاه ...أنظر من يتحدث. إقامة الروابط مع الناس أمرا لا يعنيني ، ففي النهاية ....جميعهم سيرحلون ويتركونك .لهذا ، أفضل أن ابقى معزولا على أن أكون مهجورا ."

غطى يوكيمارو فمه بكفه ليكتم ضحكته :

-" لكنني أعلم أنك فتحت جزءا من قلبك لجونز ، أليس كذلك ؟"

-" وماذا تريد مني ؟ ربما ....لكن هل تتوقع أن أبقى بجانبه وأبكي طوال الوقت ؟"

ابتسم رين، وفي عينيه شرارة حادة :

-" كل ما يمكنني فعله ...لا ، بل كل ما يجب علي فعله ....هو الإمساك برأس الحرباء ، والتأكد أن موته لن يكون بلا معنى ."

أو مأ يوكيمارو برضا :

-" هذا هو رين الذي أعرفه. لكن تذكر...هناك أمر واحد يجب أن تعرفه ، يارين. أنا لن أختفي واتركك ، لذلك عليك أن تعتمد علي قليلا ...اتفقنا ؟"

-" كلامك كان قاسيا ، كما تعلم...أيها الأحمق. "

ارتشف يوكيمارو من كوبه ،ثم سأله :

-" بالمناسبة ، يارين ....ماهي الورقة التي التقطتها من مسرح الجريمة وأخفيتها عن الجميع ؟"

أطلق رين زفرة بطيئة ، وعيناه تلمعان ببرود :

-" إذا ، كنت تعلم منذا البداية ."

ابتسم يوكيمارو بثقة:

-" ومن تظنني يارين؟ بالطبع أعلم ."

اقترب منه بهدوء ، حتى كادت أنفاسه تلامس أذن رين، ثم همس بصوت منخفض يحمل ثقل الأسرار :

-" كل حركة تقوم بها ...أعلمها أكثر مماتتصور ، عزيزي رين ."

2025/08/12 · 11 مشاهدة · 586 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025