"ثمة لحظات لا تحدث في الزمن ، بل تقع خارجه ...وهناك تبدأ الحكاية ."

الفصل الخامس : الفجوة الزمنية

مرت الايام ثقيلة . لا لسرعتها كما يظن الآخرون بل لأنها كانت تمر على رين محملة بعبء لا يفارقه . بدا وكأنه يسير داخل غيمة رمادية ، شارد الذهن ، عاجز عن استيعاب مامر به.

وفي أحد الايام ، وبينما كان جالسا يحدق في فراغ لا نهائي بعينين زوجاجيتين ، اقترب منه المفتش وقد لا حظ اضطرابه .

"ما الأمر يا رين؟ لما تتنهد هكذا ؟ تبدو وكأنك في حيرة ... أرجوك لا ترهق نفسك كثيرا ."

أجاب رين بابتسامة خفيفة بالكاد ترسم على وجهه :

"لا تقلق ، سيدي المفتش ... أنا بخير ."

لكن الحقيقة كانت شيئا آخر.

هل أخبره بما حدث ؟ لا ...لا يمكن. كلام ذلك الشخص كان واضحا . يجب أن تبقى هذه المحادثة بيننا، وكأنها صفقة سرية .

ثم حدق في الفراغ ، وعيناه تنضحان بالحرية.

أيعقل أن يكون كلامه صحيحا ؟هل يجب علي الذهاب ؟ ربما ...ربما أجد طرف خيط يقودني للجاني ... لا خيار آخر أمامي .

حسم رين قراره ، تنهد ونهض .

المفتش كيوشيرو والقلق يرتسم على وجهه:

"إلى أين أنت ذاهب ، وانت بهذه الحالة ؟"

أجابه رين ، بابتسامة تملؤها الإثارة :

"هناك عمل...يجب إنجازه بسرعة ."

"إذن ...انتبه لنفسك ، اتفقنا ؟"

رين :

"حسنا ."

.....

توقفت سيارة رين أمام مبنى مهجور ، توارت معالمه تحت ظل السماء الرمادية . ترجل بهدوء ، خطواته كانت حذرة ، ومع كل خطوة يقترب فيها من الداخل ، كانت ضربات قلبه تتسارع .

وفجأة ، ما إن تجاوز العتبة ، توقف مكانه دون حراك . عيناه اتسعتا كأن الزمن نفسه قد تجمد داخله .

الخيوط الحمراء كانت طويلة ، متدلية ، تملأ المكان وتتشابك بخيوط سوداء رقيقة ، وكأنها شباك نسجها شيء غير مرئي . تروس ضخمة وأخرى صغيرة منتشرة في الأرجاء ، متوقفة عن الدوران منذ قرون .

ضوء القمر المتسلل من الشقوق القديمة في الجدران ، كان يعكس سحرا مرعبا على المشهد جعل المكان يبدو وكأنه قطعة من حلم غامض أوصفحة مفقودة من رواية خيالية ، كاكابوس لم يكتمل بعد.

"ما هذا المكان ...بحق الجحيم ؟ هل أنا في حلم ؟ لا...لا يبدو جزءا من هذه المدينة . هل صرت أهلوس إذا ؟

وقبل أن تكتمل أفكاره ، انبعث صوت من بين الظلال ، بصوت هادئ وغامض :

"كنت أعلم أنك ستأتي ، رين ... أنا مسرور جدا بمجيئك ."

تجمد رين لوهلة ، ثم قبض على يديه وتقدم بخطى صارمة ، عيناه تشتعلان بالحدة والشك :

"أنت ...م هذا المكان بالضبط ؟ أين أنا ؟ بل ....ماتكون أنت؟"

كان يوكيمارو واقفا في الظل ، بابتسامة ساخرة تعلو وجهه . تقدم بخطى بطيئة ، وصوته يحمل غموضا ساحرا :

"أهلا بك ، رين ...هنا، حيث تتشابك خيوط الزمان والمكان ....وتتوقف التروس عن الدوران . أهلا بك في الفجوة الزمنية ."

ثم ابتسم ابتسامة عريضة :

"أليس هذا المكان...في غاية الجمال؟"

صرخ رين بغضب :

"كفى هراءا هات ما عندك بسرعة ! لم آت للاستمتاع بهذيانك ."

ظهرت لمحة حزن على وجه يوكيمارو ، لكن سرعان ما أخفاها.

"آه رين ....دائما غير صبور . لا بأس . سأخبرك ...لكن بطريقتي الخاصة . لذا انتبه جيدا لما سأقوله . فقد لا تصدق ما ستسمعه ."

" الشخص الذي يقف خلف كل هذا ...هو مجرم يطلق على نفسه اسم زيرو ."

تغيرت ملامح رين . ضاقت عيناه بشك ، وصوته خشن :

"زيرو ؟ من هو ؟ ولماذا يفعل هذا؟ ما مبتغاه ؟"

أجاب يوكيمارو بجدية ، وهو ينظر نحو التروس المتوقفة :

" زيرو ليس قاتلا عاديا . إنه يبحث عن الاثارة ...عن المتعة في القتل . يختار خصومه بعناية ، ثم يسعى لتحطيمهم . وأنت أصبحت جزءا من لعبته ، الآن يارين ."

قبض رين يده ، والأسى يمتزج بالغضب في صدره .

" هذا جنون...لكن كما توقعت ، استنتاجاتي لم تكن خاطئة ."

"بالفعل . لا دوافع شخصية . بالنسبة له . الأمر مجرد تحد ."

وفجأة ، أمسك رين بكتف يوكيمارو بعنف :

" وماذا عنك ؟ ما علاقتك بزيرو ؟ ولماذا اخترتني أنا ؟"

أبعد يوكيمارو يده برفق ، ونظر إليه بهدوء :

" لأنك شخص ...استثنائي . لا أحد يستطيع رؤيتي غيرك . ووجودك هنا...خير دليل على ذلك . فالناس العاديون لايمكنهم العثور على هذا المكان ."

رين ببرودة وغضب :

"هل تستفزني الان ؟"

يوكيمارو بألم :

" أعلم أن الأمر يصعب تصديقه . لكن هناك أشياء ...لاتدرك بالعين المجردة، رين.

أنت من القلائل الذي يرون...ماهو مخفي. "

صمت رين ، ثم سأله بصوت منخفض :

" إذا ...ما الشيء الذي فقدته ؟"

تراجع يوكيمارو خطوة ، وجهه غمره حزن عميق ، وضع يده على صدره وقال :

" الوفاء . ذلك الشعور الثمين ...لقد سرقه زيرو مني ."

ترددت الكلمة في ذهن رين ، الوفاء .

وتحت ضوء القمر ، كانت عينا يوكيمارو اللامعتان تعكسان الألم :

" بسببه ... خنت أعز أصدقائي . دمرت كل شيء ."

هبت نسمة باردة . تمايل شعره الذهبي ، وبريق مؤلم ظهر في عينيه .

رفع يوكيمارو نظره إليه ، وعيناه القرمزية تشعان بشيء من الرجاء:

"لأنك ...تشبهه كثيرا، رين بل في الحقيقة ... أعتقد أنك هو ."

تراجع رين خطوة ، نحو الوراء ، قلبه ينبض بجنون.

" هذا مستحيل ... أنا لا أعرفك حتى ."

ابتسم يوكيمارو بحزن :

" أعلم ...لكن فقدانك في الماضي ...جعلني عالقا هنا. تكفيري عن خطأي وحنيني لرؤيتك مجددا ... هو الثمن الذي دفعته .

ولهذا ... أنت الوحيد القادر على رؤيتي ."

سكن المكان.

نبضات رين كانت تتسارع ، وعقله يرفض تصديق ماسمعه .

قال بصوت خافت :

" آه....."

فقال يوكيمارو بهدوء وألم :

" أرجوك ... صدقني ."

أخذ رين نفسا عميقا. رفع رأسه .

" سأقبل عرضك. لكن لا تظن أنني أثق بك ."

ابتسم يوكيمارو ، بغموض :

" كما هو متوقع منك، رين ."

رين ببرود :

" أنت ماتزال غريبا بالنسبة لي...وإن حاولت خداعي ، ستندم على ذلك ."

ضحك يوكيمارو بصوت خافت :

" حسنا، حسنا... إذا هل نبدأ لعبتنا الآن ؟"

استدار رين وغادر المكان ، تاركا يوكيمارو واقفا وحده ، وملامح الحزن تعلو وجهه ، كأنها تخفي حكاية أليمة ... لم ترو بعد.

2025/05/01 · 20 مشاهدة · 994 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025