الفصل 60 : "ظلال الموت "
حل صباح اليوم التالي.
السماء بدت رمادية قاتمة، كأنها قطعة قماش سميكة تخفي الشمس وتمنعها من بث أي دفء .
جلس رين أمام المرآة، يرتدي بذلته السوداء ببطء، لكن ملامحه لم تكن مهيأة للحداد ،بل للغرق في هاوية من التفكير القاتم .
اقترب يوكيمارو بخطوات هادئة ، ثم نقر بإصبعه على جبين رين بحدة :
-إلى أين وصل شرود عقلك هذه المرة؟ إن لم تمنح دماغك راحة ستستهلك شبابك قبل أوانه .
أبعد رين يده بلا مبالاة، عينيه تائهتين في المرآة :
-قلت لك ...أنا بخير .
ضحك يوكيمارو فجأة وهو ينظر إلى عنق رين :
-بخير ؟ هل هذه طريقة جديدة لربط ربطة العنق ؟ أم أنك قررت خنق نفسك بنفسك ؟
زفر رين ببرود، لكن يوكيمارو اقترب ،مد يده وعدل الربطة برفق . عيناه الحمراء الداكنة لمعتا بقلق غريب :
-لسبب ما ...أشعر أن اليوم ثقيل . قلبي منقبض ، وجسدي يقشعر بلا سبب . لن أكون معك في الجنازة...لذا انتبه لنفسك ،رين.
رفع رين حاجبه ساخرا :
-هل صرت تقلق علي الآن ؟
ابتسم يوكيمارو ابتسامة حزينة ، عيناه تفضحان اضطرابا دفيئا وهو يشد على ربطة العنق :
-وماذا لو قلت "نعم " ...بل نعم ، أنا قلق . أكثر مما أستطيع احتماله .
تأمل رين عينيه للحظة، ثم رفع يده وربت على رأسه بقسوة متعمدة :
-لا تطل الحديث ، سأذهب الآن .
لكن يوكيمارو أمسك ياقة بذلته فجأة، أصابعه ترتجف وهو يحدق فيه بصرامة لم يسبق أن أظهرها :
-رين... عدني أنك لن تتحرك وحدك .إن واجهتك مشكلة، اتصل بي فورا .لاتتهور .خصمك ليس بشرا ، إنه أشبه بالشيطان ...لا ، بل هو الشيطان نفسه .
صمت للحظة ، ثم أكمل بصوت متقطع :
-إن تصرفت بمفردك ...لن أسامحك أبدا .ولن أسامح نفسي كذلك .لذا ...عدني ، يارين .
التفت رين ببطء ،وعيناه الزرقوان كالجليد تخترقانه ،ثم قال ببرود ممزوج بسخرية لاذعة :
-حسنا ، هذا وعد ...يا أمي .
احمر وجه يوكيمارو وهو يصرخ :
-أنا لست والدتك ، كف عن مناداتي بذلك !
ابتسم رين ببرود وهو يشيح بوجهه :
-لكنك تقلق علي مثل أم يابانية تقليدية .اعترف ، اعترف ، أنا لست طفلا .
ضحك يوكيمارو أخيرا ، لكن ضحكته هذه المرة حملت ظلا من المرارة :
-ربما ...لكن حتى هذا الطفل ، لو أردت إنقاذه ، سأطير بأجنحتي حتى تحترق .
صفع ظهر رين بخفة ثم خطا نحو الباب :
-لدي مهمة مهمة علي القيام بها ...من أجلك .انتبه لنفسك ، اتفقنا ؟
رمقه رين بنصف ابتسامة، ثم زفر ببرود :
-حسنا ...فقط اذهب ، أيها المزعج .
غادر رين الفندق بعد لحظات من خروج يوكيمارو.
عند الباب كان السائق الشخصي بانتظاره ، انحنى قليلا وهو يفتح له باب السيارة :
جلس رين بهدوء داخل السيارة ، وصوت السائق يتردد عبر المرآة :
-هل ترغب بالمرور على مكان ما قبل التوجه إلى مراسم الجنازة ؟
أجابه رين ببرود متحجر :
-لا .اذهب مباشرة .
مرة الدقائق صامتة كجنازة غير معلنة، حتى توقفت السيارة. ترجل رين، ليجد أمامه مشهدا أكبر مما تخيله : الحشد مكتظ ، الضابط مصطفون بصرامة ، وجوه حزينة ، أصوات مكبوتة ، ورغم أن المفتش جونز لم يكن من النوع الذي يكون صدقات ، إلا أن احترامهم له بدا واضحا . حتى بعض الوجوه من كبار الشخصيات حضرت ،في صمت ثقيل .
اقترب منه بعض الضباط بانضباط عسكري:
-طاب يومك، سيدي المحقق.
رد بتحية مقتضبة ، ثم تابع سيره .
بينما عمت لحظة صمت مهيبة ، اقترب رين من القبر .في يده إكليل من الزهور البيضاء .جثا على ركبتيه أمام شاهدة القبر ، وضع الإكليل ،ثم مد أطراف أصابعه ليمس الحجر البارد ،وعيناه الزرقوان تلمعان بين حزن وحزم :
-رغم أنك كنت صعب المراس ...إلا أنك كنت طيب القلب .أعدك ، يا جونز ، أن أكمل ما ائتمنتني عليه .لم ترحل وحيدا ....فقد كنت لعائلتك الثانية هنا ، وستبقى كينونتك محل احترام .
رفع يده بتحية عسكرية باردة، ثم وقف وغادر القبر بخطى ثابتة .لكن حدسه كان أسرع من حزنه ....عينيه مسحتا المكان بسرعة :
-كما توقعت ....هناك من يراقبني . اثنان إلى اليسار، واحد قرب السيارة ،ثلاثة عند اليمين ...لا ،أكثر من ذلك .المكان بأكمله أشبه بفخ ....بنظراتهم القاتلة وحدها يمكنني أن أجزم : خطوة خاطئة ...والجميع هنا سيلقى حتفه .
وفجأة ...
وقف مورين أمامه مباشرة، ابتسامة خبيثة على شفتيه كأنها سكين خفية :
-أراك هنا يا رين .
ارتسمت على وجه رين ابتسامة باردة كالجليد :
-تقول هذا رغم أن عينيك لم تفارقاني منذ لحظة وصولي .
ضحك مورين بخفة متعمدة :
-آه ، حقا ؟ لم أنتبه لذلك .
تحولت ملامح رين فجأة إلى حدة جارحة :
-مورين...هل كنت تعتبر جونز صديقا ؟
تأمل مورين في عينيه للحظة طويلة، قبل أن يرد بصوت متلاعب :
-من يدري ؟
زفر رين ساخرا ، صوته مشبع بالاحتقار :
-لا أظن ذلك .ليس من شخص يبتسم بهذه النشوة في يوم جنازته .أنت لاتستحق لقب "صديق " .الأصح أن يطلق عليك ...وغد حقير .
اقترب مورين خطوة، ثم همس عند أذن رين بنبرة مسمومة ، تحمل من الوحشية أكثر مما تحتمله الكلمات :
-أجل، أنا وغد... وغد سيريك قريبا ما تعنيه الكلمة .أراك قريبا ،عزيزي رين .
اتسعت عينا رين للحظة، قبل أن يختفي مورين وسط الجموع كما لو ابتلعه الظل .
رفع رين يده ، شعر بقطرات باردة .الغيوم الرمادية انخفضت أكثر ...السماء تستعد للبكاء .
-لم اتوقع أن يحدث الأمر بهذه السرعة ....
لكن حين التفت حوله ، كانت الحقيقة واضحة : محاصر .رجال كثر يطوقونه بصمت .خطواتهم متزامنة .نظراتهم مسلطة عليه كالخناجر .
تقدم أحدهم ، نبرته مشبعة بالتهديد :
-تفضل معنا ، سيد رين.
ابتسم رين بخبث ،وعيناه كجمرتين تحت الغيوم:
-آه ....يبدو أن لا خيار آخر لدي ، أليس كذلك ؟
....
لمزيد من التفاصيل والمعلومات تابعو صفحتي على الانستغرام @minamino7404 ☺️