الفصل 61 : البحر المظلم.

فتح أحد الرجال باب السيارة بإيماءة متحفظة ، صوته خافت :

-تفضل، سيد رين.

دخل رين دون أي ارتباك، كأنه يعرف مسبقا ما ينتظره .جلس بهدوء ، وعيناه شاردتان خلف ابتسامة باردة .

في داخله كان صوت خافت يهمس:

-آسف يايوكيمارو...يبدو أنني مضطر للإخلاف بوعدي .سامحني .

اقترب قائد الفريق منه :

-رين -سما ، من فضلك ، ارفع يديك .

رفع رين يديه دون مقاومة، فقام الرجل بتكبيلهما بإتقان ، ثم أضاف بلطف مبالغ فيه:

-والآن، أرجو أن تدير رأسك قليلا .آسف ، سنضطر لحجب بصرك .لا أريد أن تنزعج.

وضع قطعة قماش سوداء على عينيه .تنهد رين عميقا ،ثم ابتسم ابتسامة ساخرة :

-سؤال واحد فقط.

-تفضل، سيد رين.

-لماذا تعاملونني بكل هذا الاحترام؟ ألست مجرد رهينة في أيديكم؟

تردد الرجل لحظة قبل أن يجيب بنبرة مرتبكة :

-آسف إن بدا الأمر غريبا ...لكنها أوامر واضحة. نحن مأمورون أن نحضرك دون أي أذى ...وإلا سنلقى حتفنا .

ضحك رين بخفة ، صوته يقطر سخرية :

-لهذا السبب جعلتم كل من حضر الجنازة رهائن غير مدركين ؟حتى لا تتركوني أي خيار آخر سوى الانصياع ؟

انحنى الرجل قليلا كأنه يطلب الصفح :

-نعم ...كان علينا فعل ذلك .وإلا لما جئت معنا بسهولة .أنت ذكي ...وسريع البديهة. تماما كما وصفك الزعيم.

توقف رين ، ارتفعت حاجبيه :

-كما وصفني ....الزعيم ؟

-أجل .الزعيم يكن لك إعجابا شديدا .حين يذكر اسمك ...يبتسم ولا يكف عن مدحك .

ابتسم رين ببرود، وقال بصوت منخفض كطعنة :

-يبدو أن زعيمكم هذا ...وغد منحرف .

ارتبك الرجل :

-و ...وغد؟

أكمل رين بابتسامة أكثر جمودا:

-بل جبان أيضا، أن يستعمل طريقة خبيثة لجلب شخص واحد ...ألا يعني هذا أنه يهابني أكثر مما يعجب بي ؟

اتسعت عينا الرجل :

-م....ماذا ؟

اقترب رين منه قليلا رغم القيد والعصابة على عينيه ، صوته صار كهمس شيطاني :

-طالما طلب منكم زعيمكم أن تعاملوني بهذه الطريقة....فهذا لا يعني سوى شيء واحد...أنكم ميعا في قبضتي ، ولعلمكم فقط ...لقد أتيت معكم بإرادتي الخاصة .لو أردت ....لكنتم الآن جثثا هامدة في الطريق .

ارتجف جسد قائد الفريق فجأة ، عرق بارد سال على جبينه . في لحظة ،شعر وكأن ملايين السكاكين تخترق جسده .هالة رين القاتلة اجتاحت المكان ، ثقيلة ،خانقة، أكثر رعبا من أي شيطان عرفه . بالكاد استطاع أن يلتقط أنفاسه .

-( مستحيل....هذا الشاب ...أخطر من الزعيم نفسه! )

توقفت السيارة أخيرا .

فتح الرجال الأبواب بهدوء شديد، كأنهم يخدمون أميرا . نزل رين ، وامتدت يد قائد المجموعة لتدله :

-سيدي .دعني أرافقك كي لا تتعثر .

أبعد رين يده ببرود :

-لا حاجة...أستطيع المشي وحدي .

خطا خطوات ثابتة، وبابتسامة ساخرة تمتم مع نفسه :

-لا أرى شيئا ...لكن أشم رائحة الملح .أسمع ارتطام الأمواج ...أصوات طيور النورس ...نحن في الميناء إذن .

قادوه للصعود إلى سفينة ضخمة ، أصوات سلاسل حديدية وصرير المعدن تملأ الأجواء .

وما إن استقر على سطحها حتى اهتزت الأرضية تحت قدميه مع زئير المحرك .

تنهد رين، ابتسم بخفة ، وصوته ينضح استهزاء :

-أهذا صوت محرك ؟ ....لا تقل لي أنني على متن سفينة .إلى متى سيستمرون في حماقتهم هذه؟

ارتفع صوت طرق خافت على الباب:

-دق....ددق ...سيدي ، لقد جلبنا السيد رين كما طلبت .

رد لم يأت . الباب نفسه هو من أجاب، إذ انفتح تلقائيا مصدرا زئيرا معدنيا منخفضا كأن الغرفة تبتلع الداخلين إليها .

دخل الرجل المرافق بخطوات حذرة ،أزال قطعة القماش التي تحجب عيني رين ، ثم انحنى قليلا قائلا :

-سيدي ، المهمة اكتملت .

واستأذن بالمغادرة سريعا ، كأنه يخشى أن يظل في المكان لحظة إضافية.

فتح رين عيناه ببطء الرؤية لا تزال مشوشة .

الغرفة أمامه كانت واسعة بشكل مهيب ، غارقة في الظلال ،لا ينيرها سوى بقعة ضوء وحيدة تسقط على طاولة مستديرة أنيقة يتوسطها كرسيان متقابلان .البقية ؟ فراغ مظلم عميق ، صدى أنفاسه يرتد من الجدران وكأن المكان يمتد بلا نهاية .

فجأة...دوى وقع خطوات .ثقيلة، بطيئة ،تخرج من أحشاء الظلمة ، يرافقها صدى يتكسر في أرجاء القاعة .

ابتسم رين ابتسامة باردة، حادة كالخنجر ،وفي عينيه بريق جمر مشتعلة :

-إذا ...حان الوقت .هل أناديك "زعيم الغربان السود " يا مورين ؟ ...لا ، بل الأصح أن أناديك باسمك الحقيقي .....أوراروس ؟

خرج الرجل من الظلام ،نصف وجهه غارق في العتمة ، النصف الآخر مضاء بخيوط الضوء المتساقط من السقف .

ابتسم ابتسامة لاتخلو من خبث ، صوته ناعم كسم بطيء :

-يسرني لقاؤك مجددا ...عزيزي رين .

اقترب خطوة أخرى ، الكلمة تتدحرج من فمه بثقل :

-إذا كنت تعلم ...كما توقعت منك .

جلس مورين على الكرسي المقابل ، وأشار لرين بيده كدعوة .

ابتسم كمن يستمتع بمسرحية أعدها بنفسه :

- ما رأيك إذن ؟ هل أعجبتك المفاجأة التي أعددتها لك ؟

2025/08/18 · 12 مشاهدة · 756 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025