الفصل 62 : رقصة العقول .

جلس رين على الكرسي المقابل ، عيونه لاتفارق مورين لحظة رفع مورين يده ببطء ، فرقعة أصابعه دوت في الغرفة ، وفجأة انطلقت موسيقى كلاسيكية هادئة من العدم ، كأنها تعزف من قلب الجدران المظلمة .اقترب خادم صامت ،وضع إبريقا صغيرا وصب الشاي بهدوء ، ثم تراجع إلى العتمة دون صوت .

ابتسم مورين ببرود:

-ما الأمر يا رين ؟ ألا تقبل ضيافتي البسيطة ؟

أجابه رين بابتسامة سامة ، صوته يقطر ازدراء :

-آسف ....لكن كما ترى أنا مقيد ، ثم إنني لا أرتاح لشرب الشاي مع أشخاص مثلك .مذاقه سيتحول إلى علقم ....مجرد وجودك يكفي ليفسده .

وضع مورين كفيه تحت ذقنه ،نظراته تتأمل خصمه:

-ياله من رفض وقح...وقاس .

ضحك رين بخفة:

-شكرا على المدح.

ارتشف مورين قليلا من الشاي، صوته ينضح بالسخرية: -إذا يا عزيزي رين، ألا تنوي الإجابة عن سؤالي ؟ منذ متى بدأت تشك بي ....أم منذ متى عرفت الحقيقة ؟

أجاب رين دون أي تردد ،بابتسامة باردة كأنها شفرة:

-سامحني ...لكن الحياة علمتني درسا ثمينا : لا أعطي معلومات مجانا أبدا .

أطلق مورين تنهيدة طويلة ، ثم قال بنبرة متصنعة :

-كما توقعت منك ...إذا ما رأيك بصفقة ؟ تبادل للمعلومات . تخبرني بما لديك ، وأخبرك بما لدي .هل يبدو هذا مناسبا لك الآن ؟

صمت رين لوهلة، ثم تنفس بعمق :

-حسنا ...بما أنك مصر ، سأعطيك بعضا مما تريد .في الحقيقة ...شككت بك منذ اللحظة الأولى التي التقيتك فيها. بل لم يكن شكا ...كان يقينا. أنت لست شخصا عاديا ، بل ظل يتحرك خلف الستار. يشد الخيوط في صمت .

قهقه مورين عاليا ، ضحكته تتردد بين جدران الغرفة وكأنها تهز الظلام :

-هه! يالك من لطيف ...

رمقه رين ببرود:

-والآن دوري . ماسبب إصرارك على إحضاري أنا بالذات إلى سنغافورة؟ وليس أي شخص آخر ؟

أجاب مورين وهو يراقب فنجانه :

-الأمر في غاية البساطة...أنت عبقري القرن .لقد أثرت اهتمامي لدرجة الهوس ، يارين . أنا معجب بك ...صدق أولا تصدق ، هذا هو الواقع .

ابتسم رين ابتسامة ساخرة، كأنها صفعة :

-يبدو ذلك ...لكن لسوء حظك ، أنا لست كذلك .

فجأة تغيرت نبرة مورين، صارت أكثر حدة صوته مشوب بجدية قاتمة:

-إذا ...قل لي ، ما السبب الحقيقي لشكك بي ؟

أجاب رين وهو يحدق مباشرة في عينيه:

-كما قلت لك ، قمت ببحثي الخاص .واكتشفت أنك من اقترحت إحضاري ...واصررت على ذلك.

رفع مورين حاجبه مستغربا :

-أهذا فقط ؟

ضحك رين بخبث، نبرته كسكين تدار على مهل :

-لا ....هذا ليس كل شيء. لقد ارتكبت خطأ فادحا ، يا مورين. حين قدمت أوراقي للقدوم إلى هنا ،لم أستخدم لقب والدي "إيتاشي" .بل كتبت "هيشيزوكا رين " .لا أحد يعرف لقبي الحقيقي ولا صلتي بوالدي . حتى صورتي لم أضعها .ومع ذلك ...أنت ناديتني بالاسم الصحيح منذ لقائنا الأول .ورجالك تعرفوا علي مباشرة .

تجمد الهواء بينهما .

مال رين بجسده قليلا للأمام ، عينيه تلمعان ببرود قاتل :

-قل لي ...أليس هذا كافيا لزرع الشك في قلب أي عاقل ؟ خاصة إذا كان المهتم هو "زعيم الغربان السود " بنفسه ؟

دوت ضحكة مورين مجددا ، هذه المرة أعلى وأشد وحشية ، ارتدت صداها في زوايا القاعة المظلمة :

-هاهاهاهاها !رائع! أنت ممتع حقا ...يارين!

انحنى رين قليلا إلى الأمام، عيناه تلمعان كأنهما تكشفان ماوراء الجدران :

-مورين ...أو بالأصح أوراروس...لدي سؤال جدي هذه المرة . وأريدك أن تعلم مسبقا : لن أقبل أي كذب .

أطرق مورين رأسه قليلا ، ابتسامة غامضة وهو يرفع يده بإشارة استرخاء :

-تفضل....هذا من حقك.

تردد رين لبرهة ، صوته خرج ثابتا لكنه مشبع بالحدة:

-ماذا فعلت بوالدي بالضبط ؟ فأنا أعلم جيدا ...أنك لست الزعيم الحقيقي للغربان السود ، أنت لم ترث المكانة ....بل اغتصبتها .لقد قتلت الزعيم الأصلي ، وسرقت مكانه .أليس كذلك ...أيها العميل السابق في الاستخبارات اليبانية، إيتو شين ؟ أم أنني مهطئ؟

للحظة ،ساد صمت خانق .

تغيرت ملامح " مورين " فجأة ، وكأن ستارا مظلما كان يلفه قد تمزق . انطفأت الابتسامة الزائفة من وجهه ، وبرزت قسمات رجل آخر ...أكثر قسوة ، وأكثر وحشية .

اتسعت عينا رين ، قلبه يخفق بسرعة ، لكنه ظل متماسكا . تردد صدى صوت منخفض ، مختلف عن نبرة مورين السابقة :

- ....آه .

رفع الرجل نظره إلى رين .عيناه تحملان خليطا من الذكريات القديمة والجنون :

-أنت ....تشبه والدك إلى حد يثير الريبة ، يارين ...إلى أي مدى ياترى ستفاجئني ؟ تماما مثل إيتاشي .

ارتعش الهواء بينهما كأنه على وشك الانفجار.

ضغط رين على قبضته المكبلة ، نبرته تسقط كرصاصة :

-إذا ....كان حدسي صحيحا ، أنت لست مورين، ولا اوراروس .أنت مجرد ظل قذر ....خائن ، قتل الزعيم وأخذ مكانه.

ضحك شين ببرود ، لكن ضحكته هذه المرة خالية من البهجة :

-خائن ؟هه....ربما. لكن ألا ترى أن العالم لا يتسع إلا للأقوياء ؟ والدك كان قويا ....لكنه كان مثاليا أكثر مما يجب . مثالية لا مكان لها في هذا المستنقع .فكان لا بد أن يختفي .

اشتعلت عينا رين بغضب مكتوم ، صوته حاد كالنصل :

-ستدفع ثمن كل كلمة ...وكل قطرة دم سفكتها .

اقترب شين قليلا ، وجهه على بعد أنفاس :

-اترى يا رين؟ لهذا أحبك ...لديك نفس النار التي كانت في عيني إيتاشي .لكن الفرق بينكما ...أنه اختار الموت من أجل مبادئه .أما أنت ؟ ستجبر أن تختار ...إما أن تحترق بها ، أو تستعملها لتحرق كل من أمامك .

2025/08/19 · 11 مشاهدة · 864 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025