الفصل السادس : الياكوزا
غادر رين المكان بخطوات متثاقلة ، وكأن اللحظة التي عاشها مع يوكيمارو مازالت تمسك بأنفاسه . كان الهواء البارد يصفعه في وجهه، لكن لاشيء في الكون استطاع أن يطفئ النار التي اشتعلت في داخله . صدى كلمات يوكيمارو ظل يتردد في أعماقه كطعنة لم تندمل :
" أنت الثمن الذي دفع لرؤيتك مجددا ...لا أحد يستطيع رؤيتي سواك ."
ركب سيارته بصمت . لم يشتعل المحرك مباشرة ، بل أغمض عينيه بشدة ، يحاول أن يطفئ فتيل الصراع المشتعل في رأسه . لحظة ، ثم فتحها فجأة بعينين كأنهما اشتعلتا إدراكا :
" لا وقت للاختبار ... يجب أن أتحرك الآن ."
لكن لم يعلم أن خطوته القادمة ستدفعه مباشرة نحو وكر الظلام .
في الجانب الآخر من مدينة شيبويا ، داخل أحد الازقة التي لا يجرؤ ضوء القمر على التسلل إليها ، وقفت مجموعة من الرجال ببدلات سوداء أنيقة ، تحمل طياتها سمية الموت . على أذرعهم وشم لتنين أزرق يمتد كالافعى ، يلوح كعلامة ملعونة .
الصمت كان سيد المكان، لكنه لم يكن صمتا فارغا ...بل كأن الهواء نفسه يتحاشى أن يصدر صوتا .
إنهم عائلة هيرانوشي ....أخطر عائلات الياكوزا في العالم الإجرامي .
في منتصف الطريق ، وقف رجل طويل القامة ، شعره الرمادي الطويل يتمايل مع الرياح ، وعيناه كالسكاكين . شينو . أحد قادة الفرع المحلي . بجانبه فتاة شابة بشعر بني طويل ونظرة حادة ....أوكو ، شقيقته .
قال شينو بصوت منخفض كأنه همس جليدي :
" يبدو أن هناك من اقترب من الحقيقة ...أكثر من أي أحد آخر . إيتاشي رين ، إذا ؟"
أوكو : أجل يا أخي ."
شينو : " إذا سنظطر لتواصل معه . يبدو مثيرا للاهتمام ."
في صباح اليوم التالي ، كان رين يقف أمام نافذة مكتبه في مركز التحقيقات ، شاردا ، كأن عقله مازال عالقا في العاصفة التي خلقها يوكيمارو.
صوت المفتش خلفه : رين .... لدينا قضية جديدة قد تهمك .
رين يلتفت ، يحاول إخفاء اضطرابه .
المفتش : جثة وجدت في الميناء رقم 12 منذ أسبوع ، وهناك شيء غريب ... وشم تنين أزرق على يد الضحية اليمنى . تماما كوشم عائلة هيرانوشي ...من المافيا .
عينا رين اتسعتا بدهشة. همس لنفسه :
" تنين أزرق ....؟ مستحيل . ماعلاقة هذا بزيرو ؟"
وفجأة ، سقط ظرف غريب من فوق مكتبه . لم يكن يتذكر رؤيته من قبل ، التقطه. قلبه ينبض بشدة . فتحه بحذر .
كان محتواه كالآتي :
" يشرفنا التواصل معك ، أيها المحقق إتاشي رين . نحن عائلة هيرانوشي من الياكوزا . ندعوك إلى المجيء إلى هذا الموقع لمناقشة أمر يخصك أيضا . نرجو أن تلبي دعوتنا إذا كان الأمر يهمك ."
رين قرأ السطور، ثم التفت إلى المفتش.
رين :" عائلة هيرانوشي .... أخطر مافيا في العالم الإجرامي .
نفس وشم التنين الأزرق الموجود على الجثة .... يالها من صدفة مثيرة ..."
المفتش بقلق : " أيعقل أنك ستذهب إليهم ؟ ! تعلم جيدا من يكونون ..."
رين بثبات : أعلم ...لكن الرسالة واضحة . يريدونني وحدي .
قد يكون هذا هو الخيط الذي نبحث عنه . يبدو أن لامفر من ذلك .
المفتش : خذ بعض الضباط معك . على الأقل .
رين بعينين مشتعلتين : لا ... يجب أن أذهب بمفردي .
في الليل ، كان رين يسير داخل زقاق مهجور، الأضواء الخافتة تتراقص كأرواح ضائعة ، الجدران المتسخة تحكي قصصا لا يجرؤ أحد على سردها .
رين بهمس : " الياكوزا ....ههههها ههه. هل أنا فعلا على وشك الدخول إلى هذا المستنقع ؟ هل أصبت بالجنون أخيرا ؟"
وصل إلى مستودع قديم . قبل أن يطرقالباب، انفتح تلقائيا بصوت صرير حاد، كأن المكان يستقبل ضيفا طال انتظاره .
في الداخل ، وقفت أوكو بنظرة ثابتة وذراعين معقودتين بجانبها شينو ،عينيه تلمعان بتهديد مكبوت .
أوكو بهدوء جليدي : يسرنا أنك لبيت دعوتنا ، أيها المحقق إتاشي رين .
رين نظر إليها نظرة باردة، ثم إلى شينو وقال بحدة :
" ما الذي يدفع عائلة من القتلة للتحدث إلي ؟"
شينو قبض على يديه بقوة لكن أوكو وضعت يدها على كتفه لتمنعه من الرد .
أوكو بابتسامة خفيفة : نريد مساعدتك في القبض على القتل المتسلل .
رين رفع حاجبه ، الشك يملأ عينيه .
شينو بهدوء يحمل تهديدا : بالمقابل سنكافئك بسخاء .
رين بحدة : وما علاقتكم بزيرو فجأة ؟
أوكو انفجرت غضبا :
" لانه قتل والدنا ولن نغفر له هذا أبدا !"
رين ببرود وضحكة ساخرة : ههههه....هههه. إذن تطلبون من محقق أن يساعد عائلة قتلة في انتقامهم ؟
هل أصابكم الجنون أخيرا ؟
شينو تقدم، لكن أوكو أو قفته مجددا .
شينو بغضب : وما المشكلة ؟ أليس هذا يصب في صالحك أيضا .
رين بنبرة حادة : " أنا لا أبحث عن الانتقام ... بل عن العدالة . هدفي وهدفكم ليس واحد ، ولهذا لست مهتما بمساعدتكما ."
ظننت أن بمجيئي هنا سأجد شيء مثير للاهتمام ..
لكن كنت مخطأ للأسف .
استدار ليغادر .
شينو بصوت غاضب متفجر : " كما تريد .... لكن إن وقفت في طريق إنتقامنا ، ستدفع الثمن ."
لذا استعد جيدا ... "ايتاشي رين ."
رين توقف للحظة. ثم التفت بعينين لا معتين بالتحدي :
ها... " سنرى ذلك ، إذا ....."
غادر رين المكان تاركا خلفه أوكو وشينو يحدقان فيه ... بهالة إمتزجت بالهواء تملؤها رائحة الخطر .