الفصل الثامن : حين تبكي السماء

كان المطر لا يزال ينهمر ، يغسل سطح المبنى كأنما يحاول محو أثار المواجهة ، الرياح تعصف ، وتصفر بين النوافذ المهشمة ، بينما جلس رين على الأرض ، قطرات الماء تنزلق على وجهه المبلل ، تختلط بالعرق أو ربما ...بشيء آخر لايريد الاعتراف به .

ضرب الجدار بقبضته بعنف، فارتد صدى الألم في عظامه ، وهمس من بين أسنانه بصوت مشحون :

" سحقا له ....."

ترددت كلمات زيرو في رأسه كصدى متكرر ، كأنها وشوشات شيطان لا تريد الرحيل .

" ألا ترى ذلك الجزء فيك الذي يوافقني ؟ حتى ولو كرهتني ؟"

رن في أذنه صوت غريب .... همسة قريبة ،دافئة بشكل مرعب :

" يبدو أنه أفلت منك مجددا ، أيها المحقق ".

تجمد رين ، التفت بسرعة ، ودفع الشخص للخلف بقوة دون تفكير . كان. ذلك يوكيمارو ، واقفا بهدوء ، وابتسامته كعادته ..... مشوبة بالغموض .

قال رين بحدة وهو يحاول تهدئة نبض قلبه :

" متى وصلت ؟!"

يوكيمارو رد بابتسامة ، وعيناه تلمعان بشيء لا يمكن قرائته :

" منذ البداية ."

تسارعت أفكار رين داخله ، نظر إليه بتركيز .

" كيف اقترب مني دون أن أشعر؟ هل كنت غافلا لهذه الدرجة ؟ أم أنه ...ببساطة ، ليس عاديا ؟"

قطع صمته وسأله بجفاف :

" أجبني ، من يكون زيرو حقا ؟"

ابتسم يوكيمارو ، ابتسامة لم تكشف عن شيء سوى ظلال رمادية :

" أخبرتك بالفعل .... إنه يبحث عن المتعة . والآن ، أصبحت أنت مركز لعبته . لأنه يجدك ... ممتعا ."

ضحك رين ، ضحكة بلا بهجة :

" يريد أن يلعب ، إذا ؟"

اقترب يوكيمارو منه ببطء ، نبرة صوته خافتة ولكنها تقطع الهواء كالسكاكين :

" رين .....مارأيك أن نصبح صديقين ؟"

تردد رين ، نظر إليه بعينين تضيقان بشك :

ولماذا أكون صديقا لشخص مثلك ؟

تغيرت ملامح يوكيمارو للحظة ، ابتسامة حزينة تشق وجهه الهادئ :

" آه ، رين .....كلامك يؤلمني .....كم أنت قاس . ألسنا في نفس القارب ؟"

رين ، وقد بدأت نبرة الإثارة تسري في صوته :

" يبدو أننا كذلك ."

فرح يوكيمارو وفجأة ، بدأ يدورو حول رين كطفل وجد لعبة جديدة :

" أهذا يعني أصبحنا صديقين ؟ أليس كذلك ؟"

أجابه رين بنبرة ساخرة وخفيفة :

" ابتعد عني . متى قلت ذلك ؟"

ضحك يوكيمارو :

" هل ابتسمت لتوك يارين ؟"

ثم فجأة سأله :

" بالمناسبة ، هل وجدت الشيء الذي تبحث عنه ، يايوكي ؟"

تجمدت ملامح يوكيمارو لثوان ، ثم ظهرت ابتسامة أخرى ، لكنها هذه المرة....غريبة ، حزينة ، مكسورة :

" لا...ليس بعد . لا زلت أشعر بفراغ في جزء من قلبي ."

نظر إليه رين بتساؤل حذر :

وما الثمن الذي دفعته لتشعر بذلك مجددا ؟"

حدق يوكيمارو فيه طويلا ، ثم همس :

" أن يمحى وجودي . لا أحد يذكرني .... لا أحد يراني ....إلا أنت ، يا رين . لأنك .... شخص مميز جدا بالنسبة لي ."

صمت رين ، نظراته أصبحت باردة :

عدنا إلى الهراء مجددا ؟

مر الألم على ملامح يوكيمارو كوميض ، ثم تنهد بخفة : حسنا ....هل نذهب ؟

لكن رين لم يتحرك . ظل يحدق فيه ، ثم قال في نفسه :

لماذا كلما اقتربت من هذا الشخص ... أشعر بذلك الفراغ في قلبي ....ديجافو ؟ أم شيء أعمق ؟

ساد صمت قصير بينهما ، لم يكن صمت راحة ، بل صمتا يضج بالأشياء غير المقالة ، بالأرواح المبتورة ، والمصائر المتشابكة .

خطى رين ببطء نحو حافة السطح ، حيث مايزال المطر يهطل كأن السماء تبكي نيابة عنهم جميعا. نظر إلى المدينة تحت قدميه ، الأنوار البعيدة ، والظلال التي تتحرك بلا معنى. وقال بنبرة أقرب للهمس :

"يوكيمارو .....هل تظن أننا نصبح مثلهم بمجرد أن نطيل النظر في الظلمة ؟"

يوكيمارو كان يقف خلفه مباشرة ، صامتا ، وكأنه تمثال حي .

" بل أظن أن الظلمة لا تغيرنا ....بل تكشفنا ."

أدار رين رأسه ببطء نحوه ، ولم ينبس ببنت شفة . لكن شيئا ما في عينيه تغير ، نظرة رجل يرى إنعكاسه في مرآة مكسورة .

فجأة ، أخرج يوكيمارو ساعة جيب قديمة من جيبه ، فتحها وأدارها نحو رين . كانت عقاربها لا تتحرك .

"هذه توقفت في اليوم الذي اختفى فيه اسمي من هذا العالم ."

سأل رين بهدوء :" ولماذا مازلت تحتفظ بها ؟"

يوكيمارو بابتسامة باهتة : " لأنها الشيء الوحيد الذي يذكرني أنني كنت يوما شخصا له ماض ....ومكان ."

اقترب رين أكثر ، وعيناه تركزان على الساعة ، ثم همس :

" غريب ... أشعر وكأنني رأيت هذه الساعة من قبل ."

ارتجف وجه يوكيمارو لجزء من الثانية ، ثم أغلق الساعة بقوة وقال :

" ربما التقينا من قبل يا رين ..... قبل أن تسقط أقنعتنا ، وقبل أن يبتلعنا هذا العالم ."

أراد رين أن يرد ، أن يسأل ، أن يصرخ ، لكن صوت البرق مزق الأفق فجأة ، ومعه عاد الصمت .

ثم قال يوكيمارو وهو يتراجع خطوة للوراء :

" أنت تقترب من الحقيقة يارين .... لكن الحقيقة مثل المرآة المكسورة .... كلما نظرت فيها ، جرحت نفسك أكثر ."

ثم التفت ونزل عبر السلم ، تاركا رين وحده تحت المطر ، مع المدينة والساعة والشك .

رين نظر إلى السماء ، همس لنفسه :

" أي نوع من اللعبة هذه ؟ ومن أنا فيها ؟ لاعب ؟ أم ورقة مكشوفة ؟"

لكن السماء لم تجب.... فقط واصلت البكاء .

2025/05/06 · 19 مشاهدة · 876 كلمة
Amina Mino
نادي الروايات - 2025