مدينة جين لينغ واسعة الشهرة بتألقها الملكي، بوجود القصر الملكي لإمبراطور ليانغ في وسطها. بعد الخروج من بوابة النصر الجنوبية واتباع شارعٍ مائل من الطوب الأحمر، سيجد المرء نفسه أمام قصرٍ متألّق، مستقل ولكن يبدو في ظاهره كما القصر المهيب.

القصرُ ليس كبيرًا بصورة استثنائية، لكنّ خطأً فادحًا من شأنه أن يُرتكب لو أنّ امرأً استنتج مالك القصر من حجمه. كانت البوابة الرئيسية للقصر مُغلقة على مدار السنة. عُلقت أمامه لافتة سوداء صافية ذات حواف ذهبية. كُتب عليها، "قصر لي يانغ".

الأميرة لي يانغ، أخت الإمبراطور الوحيدة الحيّة، زوجة الماركيز نينغ.

بوسع كلُّ شخصٍ عمّرَ في العاصمة أن يتذكر بوضوح الاحتفال الفخم لزواج الأميرة الذي هيّجَ المدينة. الزوجُ الذي حدّق بعامة الشعب في أعلى بناء العنقاء يمكن وصفه بمنتهى الدقة ببطلٍ وحسناء. مرت أربعٌّ وعشرون سنة سريعًا، وبقيَ الزوجُ لطيفًا وعطوفًا. احتضنا ثلاثة أبناء وابنة، وكلٌّ منهم ذكيٌّ ومحترم. كانت هذه هي الأسرة النموذجية المثالية في أعين الجميع.

بمقتضى عادات العائلة الحاكمة، كان يجيب أن يقيم شي يو في قصر الأميرة بعد الزواج، وأن يُشار إليه بـ"الأمير القرين" عوضًا عن "الماركيز". لم توافق الإمبراطورة الأرملة الراحلة[1] على أن تفوّت الأميرة بهجة الحياة العائلية دون مراعاة مكانتها الرفيعة. وفقًا لرغبة الأميرة أيضًا، انتقلت إلى قصر الماركيز نينغ بعد زواجهما وتقدمت باحترام لائق تجاه والدها ووالدتها في القانون. كانت الأميرة ذات طبيعة مُبجّلة وفاضلة. أمرت الخدم بأن يشيروا إليها بالسيدة داخل القصر، وكانت صارمة في هذا الشأن مع خدمها هي بشكل خاص. لاحقًا، قُلّد شي يو بوسام لقاء أعماله البطولية العسكرية، مما جعله يسمو أعلى في الديوان الإمبراطوري. لكون الأميرة تجنبت لفت الانتباه دائمًا، أصبح الناس معتادين ببطء على رؤية العلاقة كـ"الماركيز" و"الماركيزة"، عوضًا عما كان يجب أن يكون " الأميرة" و"الأمير القرين".[2]

بُني قصر لي يانغ هذا حينما كانت الأميرة ذات خمسة عشر عامًا وقد تُرك مُهملًا منذ زواجها. شعرت الأميرة لي يانغ بأنّ من المؤسف ترك القصر خاليًا، لذا أمرت بأن تُرعى جميع أصناف النباتات والأزهار الفريدة هناك. القصرُ فوّاحٌ في مدارِ الليلِ والأيام، ويتمتع بكونه مَعلمًا جذابًا داخل العاصمة. كثيرًا ما تطلب المحظيّات الإمبراطوريات والسيدات النبيلات الحضور للتمتع بالمناظر الطبيعية أثناء مواسم الإزهار. ترتاح الأميرة هناك لبضعة أيام لتتقدم بالاحترام إلى بوذا، أو لترافق الإمبراطورة الأرملة الكبرى[3] الزائرة.

صادف أن والدتهما كانت تمكث في قصرها حينما عاد شياو جينغ روي وشي بي من رحلتهما.

في الصباح الباكر، امتثل الأخوان لأمر والدهما وذهبا لتحية الأميرة في قصر لي يانغ، ثم رافقا عربتها الملكية العائدة إلى قصر الماركيز نينغ. لأن الماركيز والماركيزة الأب والأم قد توفيا، لم تكن ثمة حاجة إلى الترحيب بهما. وجّهت الأميرة لي يانغ الاثنين بالعودة مباشرة إلى دارها المعتاد في المبنى الرئيسي من الفناء الداخلي.

مشت الجماعة على طول الرواق، مارين بالفناء الجانبي. زُرعت أشجار عبقة حلوة بمحاذاة الجدران، مما خلّفت بعضًا من البراعم المتأخرة وأريجًا دائمًا. تباطأت الأميرة لي يانغ، مستمتعة بالأريج المنتشر النسيم كما يظهر. في تلك اللحظة تمامًا، طاف همسٌ من القوتشين[4] نافذًا عبر الجدران. كانت الموسيقى مُبهمة حيث أنها أتت من بُعدٍ طويل، لكن النغمة كانت واضحة وحيوية، تنقل المستمعين برشاقة بعيدًا إلى عالمٍ أعظم.

"من يعزف القوتشين؟ إن العازف موهوب على نحوٍ بارز."

مال شياو جينغ روي ليسمع بشكل أوضح. وبعد لحظة، أجاب، "هذا صديقٌ لي. اسمه سو جي. عند دعوتي، أتى إلى جين لينغ ليستريح ويتماثل للشفاء. إنه يمكث في كوخ الثلج حاليًا."

"هل ترغب أمي في لقائه؟" سأل شي بي بسرعة.

ابتسمت الأميرة لي يانغ بلين. "بما أنه صديق جينغ روي، فهو تحت عنايتكما بطبيعة الحال. لمَ قد تكون هناك حاجة إلى لقائي؟"

"لكن من الصعب سماع الموسيقى جيدًا هنا. لمَ لا أطلب من سو القدوم إلى الفناء الداخلي ليعزف من أجل أمي؟" اقترح شي بي.

عبست الأميرة لي يانغ بشكل طفيف، لكن صوتها لا يزال لطيفًا. "بي، السيد سو هذا ضيفٌ هنا، وليس مغنيًا لاستدعائه هنا وهناك. لو كان الأمر مُقدرًا، فسأسمعه يعزف مجددًا. ولو أملى القدر بأوامره خلاف ذلك، فلا يمكن إلزام الأمر."

شعر شياو جينغ روي على نحوٍ مماثل للأميرة لي يانغ تجاه اقتراح أخيه، وكان منزعجًا بالأحرى. ولكن، لكون أمهما قد رفضت الفكرة بالفعل، قرر أن يبقى صامتًا. وبالطبع، لم تكن نية شي بي أن يكون وقحًا. إنه معتادٌ على أن يخضع الناس لرغبات أمه بسبب مكانتها المرتفعة، ولم يفكر حقًا في اقتراحه. احتقن وجهه بالدم من التوبيخ الناتج.

وصلوا إلى المبنى الرئيسي من الفناء الداخلي. جلست الأميرة لي يانغ في أريكة طويلة بجانب النافذة. كانت فطنة بحكم طبيعتها، ورأت عيناها المتسمتان بالتبصر أن ابنيها يظهر أن لديهما مسائل أخرى ليهتما بها، ولم تبقيهما لفترة طويلة. بعد قليلٍ من الثرثرة الفارغة، أرسلت الاثنين بعيدًا.

بسبب أحوال ولادته، مضى زمن منذ أن صرف شياو جينغ روي النظر عن حقه في لقب الماركيز، مصرًا على أن يرثه شي بي بدلًا عنه. بينما تقدم شي بي بالسن، أصبح واضحًا أنه كان أفضل من أخيه في الشؤون السياسية وإدارة العلاقات. للسنوات القليلة الماضية، انتدب الماركيز نينغ شي بي معظمَ الشؤون العائلية وجعله يكون الممثل في مناسبات هامة كثيرة. لذلك، كان شي بي تحت كومةٍ دائمة من العمل، واختفى حالما غادر الفناء الداخلي. وبالمقارنة فإن شياو جينغ روي العاطل استعجل إلى الكوخ الثلجي.

ترك مي تشانغ سو القوتشين وكان يقرأ تحت شجرة. رفع رأسه وابتسم بإشراق نحو مدخل الفناء حينما سمع خطوات أقدام متعجلة. انسابت بقعًا من ضوء الشمس بين الأوراق لترقص بنعومة على وجهه، مما جعل الابتسامة تظهر متلألئة إلى أبعد حد.

ابتسم شياو جينغ روي أيضًا، وقدم انحناءة طفيفة بتحية. سأل، "هل ارتاح سو جيدًا البارحة؟"

"هل ساورك القلق من أني لن أتمكن من النوم جيدًا؟" أشار مي تشانغ سو إليه ليجلب كرسيًا نحوه ليجلس. "لستُ صعب الإرضاء بشأن الأسرّة. لقد أطلت النوم بسبب بقائي ساهرًا، مفكرًا في ’الحدث الهائل‘ الذي تحدث يوجين عنه. قال فيليو أنك أتيت هنا في الصباح أيضًا؟"

"مممم." نظر شياو جينغ روي إلى الأرجاء، "أين فيليو؟"

"أوه، تركته يذهب ليلعب في الخارج بما أنها مرته الأولى في جين لينغ." أجاب مي تشانغ سو باعتدال.

تصبب شياو جينغ روي عرقًا من الذعر. رغم أن فيليو يعد طفلًا عقليًا، إلا أن مهاراته القتالية كمهارات خبير. يا لمي تشانغ سو من شخصٍ جسور، أن يسمح لفيليو بالذهاب للعب بهذه السهولة.

"لا تقلق، لن يسبب عزيزي فيليو أيّ متاعب." ابتسم مي تشانغ سو، كما لو أنه يقرأ ما يدور بخلد شياو جينغ روي. "بمهاراته، يمكنه أن يختفي بلمح البصر حتى لو تسبب بفوضى. لن يتمكن الناس من القدوم لتكدير هذا القصر."

"تعرف أني لست قلقًا على أن أُكدّر،" دافع شياو جينغ روي بابتسامة، "إنّ سو يلقي لومًا زائفًا علي مجددًا."

لم يجب مي تشانغ سو. بدلًا عن ذلك، طرق على الطاولة وقال، "بما أنك هنا، لمَ لا نتقاتل قليلًا في لعبةٍ من الجو؟"

وقف شياو جينغ روي فورًا وذهب إلى الداخل ليجلب مجموعةً من الجو. جهّز اللعبة على طاولة حجرية تحت الشجرة. بالرغم من أن مي تشانغ سو موهوبٌ بشكلٍ لا يُصدق، هو ليس مثاليًا، على الأقل ليس في مهاراته في الجو. يحظى شياو جينغ روي بإدراك ممتاز لقدراته من رحلتهما معًا. لقد تطلّب مقدرةً كاملة ليجبر مي تشانغ سو على العبس مفكرًا بعمق وينعم النظر في حركته القادمة ببطء.

بعد ثلاث جولات، كان مي تشانغ سو تحت هزيمةٍ ساحقة. ضحك شياو جينغ روي وهو يرتب فوضى الأحجار، "سو، رغم أنك لست سيئًا في الجو، إلا أن ليست لديك غريزة للعد. بوسعي باطمئنان التباهي بأنك لن تتمكن من الفوز ضدي مدى الحياة."

"لا تتغطرس الآن. انتظر وحسب حتى أعلّم فيليو، سيجعلك تبكي. إنّ ذهن فيليو ليس نبيهًا ومعقدًا كالآخرين، لكن تركيزه مذهل. من بين جميع من أعرف، لا يمكن مقارنة أحد به فيما يتعلق بذلك."

تجاهل شياو جينغ روي محاولته ليقي الوقار، ورفع رأسه لينظر للخارج. سأل، "أين أرسلت فيليو؟ لقد حلّ الظهر الآن بالفعل، ولم يعد."


———
[1] أم الإمبراطور.
[2] لإيضاح أي لبس محتمل: وفقًا للعادات، يجب أن يُنظر إلى الزوج كـ"الأميرة وزوجها"، مع نيل الأميرة المكانة الأعلى. ولكن، يُنظر إلى الزوج كـ"الماركيز وزوجته"، مع نيل الماركيز المكانة الأعلى.
[3] جدة الإمبراطور.
[4] آلة وترية نقرية صينية، دقيقة الصنع وجميلة الصوت.

2019/08/20 · 574 مشاهدة · 1255 كلمة
nourayu
نادي الروايات - 2024