وقفت بنايةٌ شاهقة خارج بوابة الطائر القرمزي لقصر جين لينغ. شُيّدت وفقًا لطراز العائلة الحاكمة بعوارض مزخرفة وبلاطٍ متألق. سُميت هذه البناية الاحتفالية "العنقاء". منذ عهد الإمبراطور الثالث، أُقيمت كل الاحتفالات كالزواج وبلوغ سن الرشد ضمن العائلة الحاكمة لليانغ هناك بينما تُلُقّيت التهاني من قبل آلاف المواطنين. ومع أنّ الأميرة ني هوانغ ليست ذات قرابة مباشرة بالإمبراطور، فأعمالها المشهورة لا مثيل لها، وكان اسمها المرموق ذائع الصيت. لاقت عمومًا شرفًا عظيمًا يفوق بنات الإمبراطور في البلاط الإمبراطوري. هذه المنافسة لزوجها أُقيمت بطبيعة الحال في بناية العنقاء.

قبل شهر، أمر الإمبراطور إدارةَ البناء بإقامة منصة في الميدان الضخم أمام بناية العنقاء. تُحيط بالمنصة حلقةٌ من خيامٍ ملونة من الصوف الدمشقي لتجلس تحتها طبقة النبلاء. المسؤولون العاديون وآخرون ذوو أهمية سيجلسون متفرقون خارج مجال الخيام. وبالنسبة إلى عامة الشعب، فسوف يُستوقفون بالطبع خارج المبنى الخاضع للحراسة. لن يتمكنوا من حضور المناسبة الفخمة، ولا يسعهم سوى الانتظار عن بعد لآثار أخبار بينما يثرثرون ليزيلوا الضجر.

رغم أن الأشخاص الذين يمكنهم رؤية المنافسة بأكملها شخصيًا قلةٌ في العدد، فأهمية هذا الحدث غنية عن البيان. حتى أن لنا أن نقول أن الأعين اليقظة للعالم أجمع موجهة نحو المنصة خارج بوابة الطائر القرمزي، منتظرةً ابتداء هذه المنافسة الأشد إثارة.

سيتمكن المنتصر من نيل أصعب امرأة تُخضع في العالم، ولكنها أيضًا الأبرع.

عائلة الماركيز نينغ هم بالطبع ضيوف تحت الخيام ذات الصوف الدمشقي بمكانتهم. خطط الجميع في الأصل إلى الذهاب لرؤية هذا الحدث الهائل معًا، ولكنّ شياو جينغ روي كان مترددًا حيال إحضار مي تشانغ سو إلى مناسبة عامة كهذه بسبب التعقيدات المتزايدة من اليومين الماضيين. كان منغمسًا بالحيرة. الرجل المعني بالأحرى لم يكترث بمأزقه. لم يُظهر مي تشانغ سو اهتمامًا بالحضور، ولا أبدى نيته في البقاء. بالمقابل، كما لو أنه يشاهد عرضًا، راقب شياو جينغ روي وهو يخطو إقبالًا وإدبارًا عابسًا بتأمل، وولّى بقية اهتمامه في تسلية فيليو بسعادة.

"ماذا تفعلان؟ لقد تأخر الوقت كثيرًا وأنتما لم تغادرا بعد حتى!" تلي هذه الشكوى طبعًا ابن أخ الإمبراطورة، يان يوجين. ارتدى زيًا جديدًا بنفسجيًا باهتًا، وزيّن شعره بإكليلٍ فضّي، باديًا وسيمًا للغاية. وقف في مدخل كوخ الثلج ونادى بجراءة، "أسرعا! في غضون ساعة، حتى الإمبراطور سيبدأ بمغادرة جناحه. علامَ تضيعان الوقت؟"

تنهد شياو جينغ روي، "كنت أناقش فكرة الحضور اليوم."

"بالطبع سنحضر! لن يحين دورنا على المنصة اليوم، لكننا اشتركنا، فيجب على الأقل أن نذهب لمراقبة خصومنا المستقبليين."

"لست أتحدث عني. أتحدث عن سو—"

"من باب أولى أن يذهب سو. إن لم تكن ستحضر سو إلى حدثٍ هائل كهذا حتى، إذن فما التسليات التي ستأخذه إليها في العاصمة؟"

"أنت لا تفهم..." بقي تعبير شياو جينغ روي مفعمًا بالغم. شرح مشاكل الليلة الماضية على وجه التقريب وأكمل، "كل الأشخاص المهمين سيتواجدون في هذا النوع من المناسبات. من يدري ما سيحدث لو حضر سو؟"

أمال يان يوجين رأسه وفكر للحظة، ثم ضحك. "إذا كان ذلك هو الحال، فهذا سبب إضافي للذهاب. إذا جعلتَ سو يبقى في كوخ الثلج، فلا يمكنك أن تضمن أنّ ولي العهد والأمير يو لن يأتيا للزيارة لاحقًا ببعضٍ من الأعذار. وحينها، ستكون فوضى مشوشة حيال من جاء أولًا ومن جاء أخيرًا، من قال ماذا ومن أهدى ماذا. إنها الفرصة المثالية اليوم أمام الحشد لكي يقابل سو كل شخص يحتاج إلى مقابلته. ويمكنه أن يستغل هذه الفرصة ليعبر عن عدم اكتراثه بالتعيين. بهذه الحالة، لن يتمكن أي أحد من قول أي شيء عن كونه الأول في الوصول إليه. سيكون الأمر ملائمًا أكثر من أجل المستقبل."

توقف مي تشانغ سو عن تعديل عصابة رأس فيليو. رفع رأسه ومنح يان يوجين نظرة إعجاب. هذا السيد الشاب لم تعجبه المكائد، لكنه يستطيع أن يرى بوضوح جوهر الموضوع. لا يمكن للمرء أن ينكر موهبته الفطرية.

"ما قلتَه معقول." لم يحب شياو جينغ روي أن يفكر في هذا التحايل السياسي أيضًا، ولم يفكر فيه لصباحٍ كامل إلا من أجل مي تشانغ سو. آلمه رأسه لمدة من الوقت، لذلك هذه الكلمات من يان يوجين أقنعته فورًا. شعر جسده كله بالارتياح أكثر. "هل علينا أن نغادر بعدما ينهي سو أي تحضيرات يتطلبها؟"

"لا داعي." وقف مي تشانغ سو، تسنده يد فيليو. "فيليو وأنا لسنا نتقدم بالزواج، فما الحاجة إلى التأنق؟ هيا بنا. لا بد أن شي بي متعب من الوقوف بالخارج أيضًا."

"إه؟ كيف عرفت أن شي بي بالخارج؟ لم أذكر ذلك للتو، هل فعلت؟" كان يان يوجين متفاجئًا جدًا.

"خمنت." ابتسم مي تشانغ سو ببساطة، وغادر كوخ الثلج أولًا. كان شي بي بالفعل ينتظر تحت شجرة صفصافٍ عريقة خارج الفناء. عجل إلى الأمام ليحيي المجموعة حينما رآهم يخرجون.

"سو، فيما يتعلق بقبل ليلتين، لقد كانت غلـ—"

"لمَ نتكلم أكثر عن الموضوع؟" كانت ابتسامة مي تشانغ سو خفيفة ورقيقة، دون ذرة غضب. "لم أنزعج. فلا ينبغي أن تتأثر بذلك أيضًا."

التقت أعين الاثنين وابتسما، وبالفعل لم يتحدثا أكثر عن الموضوع. من ناحية، أكنّ شياو جينغ روي حبًا أخويًا عميقًا لشي بي. ومن ناحية أخرى، أضمر احترامًا عظيمًا لمي تشانغ سو. فعندما رأى أنه لا ضغينة بينهما، شعر كأنما الغيوم السوداء قد تفرقت. كان سعيدًا بصورة ملحوظة لكون الجو قد عاد إلى السلام الذي رجاه، وغمرته الابتسامات.

ركبوا عربة خيل إلى بوابة الطائر القرمزي، التي كانت بالفعل تعج بالناس حينما وصلوا. تقريبًا كل كبار المسؤولين والنبلاء في العاصمة قد اختلطوا هنا. كان الجميع مشغولًا بتبادل التحيات والدعابات مع كل عائلتهم، وأصدقائهم، وزملائهم. اهتاج المكان كالسوق. حجبت المجموعة مي تشانغ سو بينهم، ورحبوا بالناس دون توقف من حولهم. لم يخف وابل التحيات قليلًا إلا حينما وصلوا منطقة الخيام.

لم تُنصب الخيام ذات الصوف الدمشقي لآل يان وآل شي في المكان نفسه. ولكن، الماركيز نينغ وسمو الأميرة لي يانغ كانا كلاهما يرافقان الإمبراطور فوق بناية العنقاء. لذا، أتى يان يوجين ليجلس مع المجموعة، قائلًا كلما زاد العدد زاد المرح. لم يكن فيليو يظهر ويختفي كالعادة. في المقابل، بقي قريبًا من جانب مي تشانغ سو وحدق إلى كل شخصٍ اقترب. أشعرت هالتُه الجليدية الأسياد النبلاء الثلاثة الذين بقربه بالقشعريرة في أبدانهم.

حينما كان الوقت يدنو إلى الظهر، دُقّ الناقوس الذي في أعلى بناية العنقاء فجأةً، طانًّا تسع قرعاتٍ طوال وخمسًا قصار لإعلان حضور الإمبراطور. حلّ صمتٌ فوري تحت البناية، لا يقطعه سوى صوت مسؤول الاحتفالات موجّهًا الملأ لينحنوا إلى الإمبراطور.

حينما يحدق المرء إلى الأعلى من حلقة الخيام ذات الصوف الدمشقي، سيرى حقلًا من المراوح العظيمة، والتيجان اللؤلؤية، والأردية الدمشقية وراء سياج بناية العنقاء. فضلًا عن الاستنتاج الذي ينص على أن الإمبراطور لا بد أن يجلس خارج البناية الرئيسية وفقًا للموضع، كان مستحيلًا أساسًا التعرّف على أي أحد بوجهه. الحالة مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص الجالسين فوق البناية، الذين يستطيعون رؤية كل شيء بوضوح من الأعلى.

قاد مسؤول الاحتفالات المتنافسين الخمسين الأوائل إلى الأعلى على المنصة. انحنوا إلى الإمبراطور، وأُعلن اسم كل شخص قبل أن ينزلوا من المنصة. نُظّموا ورُتّبوا زوجًا زوجًا بالقرعة. وأخيرًا، ابتدأت المنافسة رسميًا.

لم يكن مي تشانغ سو ماهرًا في القتال بسبب صحته. ومع ذلك، بوصفه زعيمًا لأكبر عشيرة في العالم، فهو واسع الاطلاع إلى درجة كبيرة بالمدارس المتنوعة لفنون القتال. أجاب بأناة عن كل الاستفسارات من الفتيان الثلاثة في الخيمة المشتركة. ورغم أن المنافسة على المنصة لم تكن مذهلةً بعد، فالجو داخل الخيمة كان مفعمًا بالنشاط.

بمجرد ما انتهت الجولات الثلاثة الأولى، أوّل الزوار العديدين المُترقّبين قد وصل.

ما أدهش الجميع هو أن هذا الزائر المعيّن كان شخصًا غيرَ متوقعٍ تمامًا.

2019/08/28 · 480 مشاهدة · 1138 كلمة
nourayu
نادي الروايات - 2024