الفصل 019 : مهمة بحث فاشلة.
---------------------------------
واصل (أورين) البحث عن أي شيء قد يدله على علاقة (دايفيد) بأبناء عشتروت، بدأ بحثه في حقيبة قد وجدها فوق طاولة خشبية صغيرة في ركنية غرفة الإنتظار ولم يجد داخلها شيئاً مهماً سوى أوراق وملفات. ذهب إلى غرفة نوم الآنسة (ويلسون) وبحث في أحد الخزانات الصغيرة ووجد عصب عينين أبيض في الدرج الأول وقال في نفسه:
(هل هذا عصب عينين؟ هذه ليست للنوم... يالها من فتاة شقية هاها).
خرج يائساً رغم أنه لم تمر حتى 5 دقائق كاملة، حتى خرج من غرفة النوم ودخل إلى غرفة التدريس الخاصة، الغرفة التي تُدَرس فيها الآنسة (ويلسون) الطلاب من مدارس أخرى كل يوم أحد، وأيضاً الغرفة التي يدرس فيها (أورين) كاستثناء من بين جميع الطلاب الذين يدرسون معه في نفس المدرسة. فوجد حاسوب محمول مفتوح فوق الطاولة، وبدأ يبحث عن أي ملف مثيرة للشبهة في سطح المكتب، ولكنه لم يجد شيئاً له علاقة بأبناء عشتروت، حتى أن بعض من سجلات البحث محذوفة من المتصفح. فبدأ يعتقد بأنه لربما كان مخطئاً حول الأمر بأكمله وبأن كل ذلك مجرد مصادفة لا غير.
ظل (أورين) يفكر طويلاً حتى قرر التوقف عن البحث، فخطرت بباله فكرة التجسس على محتويات حاسوب الآنسة (ويلسون) قليلاً. كان يبحث عن أي صور مثيرة لها ولكنه لم يجد شيئا من ذلك ما عدى الواجبات المنزلية، الإختبارات ونتائج طلابها. فدخل ليرى نتائج كل المواد الطلاب الذين تدرسهم الآنسة (ويلسون).
(اللعنة، لورين تبدل جهدها حقا، نتائجها جيدة كنتائج جودي، وهذا شيء جيد، لأنني نادرا ما أراها تدرس....)
(هممم، كما هو متوقع من جودي، هي الوحيدة التي حصلت على A+، هذا مبهر....)
(واو، جاك البدين أيضاً لديه نتائج جيدة في كل المواد. هاهاها، تقريبا جميع المواد. لقد حصل على D في التربية البدنية. ويجب عليه أن يدرس قواعد الصرف النحو أكثر....)
(لنرى نتائج توم.. هاهاهاها هذا بشع جداً! وأنا الذي كنت أظن أن نتائجي سيئة! إذهب واقرأ كتاباً، رأسك فارغ هاها! ...)
(هممم.. ياسمين .. مثير للإهتمام.. نتائجها سيئة أكثر مما توقعت... D- في الرياضيات والتاريخ. حتى أنها راسلت ريبيكا على الإيميل لتطلب منها زيادة في النتيجة! هذه المعلومة لا تقدر بثمن! أنا متأكد من أنها ستفيدني عندما تصبح تلك العاهرة متكبرة معي ....)
(أوه هاهم مقالاتنا حول "فلاسفة العصر الحديث".. أنا متأكد أنني كنت سأكتب مقالة أفضل... حسنا لما لا أبدل مقالتي بمقالة جاك البدين، فهو جيد في مادة التاريخ..)
قام (أورين) في الأخير بتغيير مقالته بمقالة جاك البدين لأنه جيد جدا مادة التاريخ، ولم يكترث لأنه يسرق جهود الآخرين. وبعد ذلك أمضى وقته وهو يرى ماذا يوجد في سجلات بحث الآنسة (ويلسون) بدون هدف واضح، بعد أن قرر إيقاف عملية بحثه عن علاقة (دايفيد) بأبناء عشتروت.
***
في المدرسة كانت (جودي) والآنسة (ويلسون) في الفصل، وقد أنهت شرح الدرس الذي يتحدث عن دولة كوريا.
ريبيكا: "لم يتم توقيع أي معاهدة سلام أبداً، والكوريتان لا زالتا في حالة حرب."
بعد أن أنهت الآنسة (ويلسون) جملتها كانت (جودي) تمثل بأنها مذهولة ومتحمسة ولكنها في الحقيقة ليست كذلك. وكانت تعتقد بأن الآنسة (ويلسون) لازالت ستشرح لها المزيد، حتى تراجعت وتوجهت ببطئ نحو باب الفصل ومن ثم قالت: "حسنا، عليّ أن أذهب الآن (جودي)، ولكن يمكن أن نكمل غدا إذا أردتِ!"
رفعت (جودي) يديها وهي تطلب من الآنسة (ويلسون) أن تنتظر حتى لا تُحبَط مهمة (أورين)، ولكن الآنسة (ويلسون) فتحت الباب وخرجت بصمت، وحين وصلت إلى الممر قالت ل(جودي): "اعتني بنفسك!" ومن ثم ذهبت في حال سبيلها نحو منزلها مباشرة.
أخذت (جودي) تلعن هذا الموقف، وأخرجت هاتفها من حقيبتها حتى تراسل (أورين) وتحذره، وقالت له في الرسالة:
-كن حذرا! إنها في طريقها إلى المنزل!-
وبينما تنتظر رده عليها وهي قلقة، (أورين) منغمس في حاسوب الآنسة (ويلسون) وغير مبالي، وقد نسي بأن عليه أن يخرج قبل أن تأتي معلمته، بعد أن تخلى عن مهمة البحث الغبية تلك.
***
كان (أورين) لا يزال في منزل الآنسة (ويلسون) بعد مرور وقت طويل منذ أن دخل إلى منزلها، وكان منغمسا في مشاهدة الفيديوهات المقترحة على اليوتيوب، وابتسامة غبية مرسومة على وجهه. حتى سمع صوت مفاتيح تفتح باب المنزل وتحولت ملامحه من ملامح استمتاع إلى ملامح شخص معرض لأن يتم كشفه من طرف أستاذته، بعد أن دخل بدون إذنها إلى منزلها.
فأخد يسب ويلعن نفسه، لأنه دائما ما يكون شارد الذهن خصوصا في المواقف غير المناسبة، حتى أنه كان يعتقد بأن لا زال لديه بعض الوقت حين دخل إلى موقع يوتيوب ليرفه عن نفسه قليلا في المنزل الخاطئ.
دخلت الآنسة (ويلسون) إلى المنزل وصاحت مخاطبة خطيبها (دايفيد) بأنها قد عادت، لأنها تعتقد بأنه موجود بالمنزل ينتظرها حتى تعود ليقضوا بقية اليوم مع بضعهم البعض. حتى أنه من المفترض أن تقرأ الآنسة (ويلسون) رسالة (دايفيد)، لكن (أورين) أزال تلك الرسالة من الطاولة في غرفة الإنتظار عند دخوله إلى المنزل، مما سيجعل علاقة الآنسة (ويلسون) بخطيبها معرضة للإنفصال. وبعد ثوان معدودة وجدت عصب العينين على السرير في غرفة نومهم فكانت تتسائل:
"همم؟ لماذا عصب العينين موجود على السرير؟"
كان (أورين) يسمع كل شيء وهو متجمد في مكانه في غرفة التدريس، حتى تذكر أمر تَركِه لعصب العينين في المكان الخطأ. فبدأ يسمع قهقهة تصدر من الآنسة (ويلسون) وهي تتكلم بنبرة صوت خاصة، تتحدث بها فقط مع خطيبها، فقالت: "هل تريد اللعب، أيها الفتى الشقي...؟ حسنا..."
قام (أورين) من مكانه بسرعة وخرج من الغرفة واختبئ وراء حائط غرفة التدريس. ولكن الآنسة (ويلسون) المسكينة التي لا تعلم بأن من يوجد بالمنزل ليس خطيبها (دايفيد)، بل طالبها (أورين) بحد ذاته. كانت في مكان ما بعيدة عن مكان تواجد (أورين) ومن ثم تحدثت بصوت مرتفع:
"أووه لا... لا أستطيع رؤية أي شيء... ماذا سوف أفعل الآن..."
ضيق (أورين) عينيه وهو يضحك في نفسه لأنه يرى لأول مرة الآنسة (ويلسون) تفعل شيئاً منحرفاً وبالرغم من أن الأمر أعجبه ولكنه فكر بعقلانية وقرر استغلال الفرصة والهروب. بدأ يمشي على أصابع قدميه بدون أن يلتفت نحو جانبيه، بعد أن خلع حذائه حتى لا يصدر صوتاً قد ينبئها بمكان وجوده. ولكن الشيء الغير متوقع وهو أنه سمع صوت الآنسة (ويلسون) تخاطبه من الجهة اليسرى بعد أن وصل إلى غرفة الإنتظار، وبعد أن كان قريبا جدا من الوصول إلى باب المنزل. فقالت له:
"إلى أين أنت ذاهب أيها الصبي الكبير؟"
استدار (أورين) إلى يساره فوجد الآنسة (ويلسون) جالسة على الكنبة وهي مرتدية لعصب العينين وأيضاً كانت يديها موضوعة خلف ظهرها وهي مقيدة، وتبدو من بعيد وكأنها ضحية إختطاف. عندما رأى (أورين) ذلك المنظر بلع ريقه من شدة روعة وجمال معلمته، وهي مقيدة بتلك الطريقة المثيرة.
فكان (أورين) صامتاً، وفكر بأن يتحدث ويغير صوته إلى صوت شبيه بصوت (دايفيد) حتى لا تكشف الآنسة (ويلسون) أمره. لكنه تخلى عن تلك الفكرة لأنه اعتقد بأنها فكرة غبية جداً. وبعد وقوفه في مكانه بدون حراك، تحدثت الآنسة (ويلسون) مجدداً، فقالت:
"(دايفيد)، لقد وعدتني بأنك سوف تعاملني كالملكة اليوم. وأنا آمل أن تحافظ على وعدك...يجب عليك أن تبذل جهدك اليوم حتى ترضيني."
بعد ذلك رفعت رأسها نحو الأعلى ودفعت شفتيها نحو الأمام ويبدو أنها تطلب من (دايفيد) أن يقبلها. اقترب (أورين) ببطئ بعد أن أعجبته الفكرة، فقرر معاملة أستاذته كالملكة كما أرادت. كانت الآنسة (ويلسون) تنتظر ردة فعل من طرف الشخص الذي تعتقد بأنه خطيبها، وقرب (أورين) رأسه أمام وجهها وأنفاسهم تتضارب وكل منهم يشعر بأنفاس الآخر، فقام مباشرة بتقبيلها قبلة فرنسية طويلة، مما جعل خدَيّ الآنسة (ويلسون) محمرتان فقالت بطريقة مثيرة :
"أ-أجل هكذا... أستطيع أن أرى أنك متلهف لهذا أكثر مني.."
فبدأت الآنسة (ويلسون) تطلب المزيد من الطلبات المثيرة، فكر (أورين) بعد ذلك بأنه قد خاطر كثيراً حتى يقبلها بدون أن تكشف أمره، لكنه قرر إكمال ما بدأه مفتخرا بشرفه كرجل لا يرفض مثل تلك الطلبات. طلبات لا تأتي إلا مرة في العمر.
بعد مدة شعرت الآنسة (ويلسون) بشيء غير مألوف، وهو شيء لا يقوم به خطيبها (ديفيد) معها أبداً، فطلبت منه أن يتوقف بصرامة، ومن ثم قالت:
"حسنا، حسنا، لن أقول بأن هذا لم يعجبني ولكن ما الذي يحدث هنا؟ اللعبة تتمحور حول عدم القدرة على الرؤية، ولكن بمقدورك أن تتحدث، أنت تعلم بهذا؟"
حينها قرر (أورين) عدم إكمال هذه اللعبة الخطيرة وأسرع نحو الباب وهو يخطو على أصابع قدميه، وشعرت الآنسة (ويلسون) بأنه يبتعد عنها وكأنه يهرب ونادته باسم خطيبها (دايفيد) وهي مستغربة، وبينما وصل (أورين) إلى الباب وقام بفتحه حتى يخرج، فكت يديها المقيدتان ومن ثم رفعت يدها اليسرى حتى تزيل عصب العنين من عينيها لترى ماذا يحدث. ومن حسن حظه أنه خرج وأغلق الباب قبل أن تستطيع أن ترى كل شيء.
كانت الآنسة (ويلسون) بعد ذلك تشعر بخيبة أمل وهي لا تصدق أن ذلك حدث حقاً، معتقدة بأن خطيبها (ديفيد) قد تركها مجدداً وخرج من المنزل.. فهي تكره تلك الأفعال حيث يقوم بها.
خرج (أورين) أخيرا من شقة الآنسة (ويلسون) وغادر المبنى إلى الشارع وهو يلهث، متفاجئاً مما حدث.
يفكر كيف كان الأمر قريبا جداً حتى تكشفه الآنسة (ويلسون) في منزلها مستغلاً عدم قدرتها على الرؤية وهو يمثّل على أنه خطيبها حتى يحظى بفرصة معها، وهو فخور بأنه دائماً ما يعيش على الحافة ولا يسقط!
كان يتمشى ببطئ معتقدا بما أنه قد خرجت من هناك فقد نجى، ليتوجه مباشرة إلى المنزل مهرولاً، حتى يستعد لحفلة يوم الغد.
والشيء الذي لم يفكر به (أورين) وهو أن الآنسة (ويلسون) قد نزلت أيضاً إلى الخارج وهي تتبع (أورين) الذي تعتقده بأنه خطيبها لأنه قد نسي شيئاً يخصه، محدثتاً إياه قائلة:
"عزيزي! لقد نسيت..." لكنها لم تكمل كلامها بعد أن تفاجأت بوجود (أورين) أمام المبنى. و سمع صوتها خلفه: "(أورين)؟"
توقفت حواسه وشعر بحرارة تسري في جسمه لأنه في تلك اللحظة ظن بأنه قد إنتهى. على الرغم أنه كان يبدو عليه الخوف والهلع، لكنه لم يترك خوفه يسيطر عليه.
فسألته: "ماذا تفعل هنا؟"
استدار إليها ببطئ بينما يفكر في كذبة سريعة ليغطي عن سبب وجوده هناك..
رغم فشله في التمثيل ببراعة في بعض الأحيان، لكنه تصرف سريعاً فمثَّل وكأنه متفاجئ أيضاً من رؤيتها، وقال لها:
"اهمم... (ريبيكا)! يالها من مصادفة! لقد رأيت للتو خطيبك يخرج. لوح لي بيده ولكن كان يبدو أنه على عجلة من أمره. قال بأن لديه مكالمة طارئة في العمل."
ريبيكا: "أوه أنا أرى ذلك."
ظل (أورين) يكذب ويكذب حتى يخرج نفسه من ذلك الموقف. فأخبرها بأنه قد عاد للتو من المكتبة، وبأنه متجه نحو المنزل للمزيد من الدراسة. والشيء الذي كان يتوقعه (أورين) قد نجح، فقد كانت الآنسة (ويلسون) سعيدة وهي تُظهر تلك الإبتسامة الجميلة التي لم تكن قط قبل أن تفتح باب المبنى وتقابل (أورين).
فقالت له: "هذا هو فتاي! ولكن تذكر بأن تحصل على قسط من الراحة، أيضاً!"
"أجل، نعم! بالطبع. حسنا، سأراك غدا! إلى اللقاء!"
ودعوا بعضهم البعض وذهب (أورين) في حال سبيله وهو سعيد بأنه أخرج نفسه من ذلك الموقف الخطير بنجاح.
يتبع..