" جعلت الفتاة تشعر بالرعب ، ما الذي فعلته ؟ "

وضع جيروم الضرف على المكتب ثم كتف ذراعيه امام صدره ينتظر الاجابة

" كنت اخطط لتركها تذهب فورا بعد التأكد من غسل يديها جيدا لكن فجأة اصبح تنفسي غير مستقر و تسارعت دقات قلبي و انتشر شعور التمزق الفظيع في انحاء جسدي بشكل مختلف و اكثر حدة لدرجة انني اعتقدت بأنها ستكون النهاية حقا هذه المرة ، مؤكد انها لا تزال مرعوبة لهذا تفادتني هذا الصباح "

اطلق جيروم تنهيدة طويلة ثم استرسل يعاتب :

" حالتك تزداد سوءا من فضلك توقف عن العبث بالسيف انت لم تعد كيران كينجي صاحب الثمانية عشر عاما الذي يهدد الجميع عندما يلوح بسيفه البلوري الضخم "

" ماذا افعل جيروم ؟ استسلم ؟ تريدني ان استسلم و اتركهم يعيثون فسادا ، هذا ما تريده ؟ لن افعل افضل الموت و انا احاول على التوقف الان ، لن اسمح لتضحيات الجميع بالذهاب سدا ، هل فهمت ؟ لن اسمح ، ابدا "

النظرات الحادة نفسها و العناد ذاته ، بالرغم من انها ليست المرة الاولى التي يفتح فيها جيروم هذا الموضوع الا ان الاجابة لم تتغير قط ، اذعن جيروم لإرادة سيده و اردف بيأس :

" لقد وصل ، الرد "

اشار الى الظرف الذي وضعه على المكتب ثم انحنى احتراما و سحب نفسه خارجا

' انا لم اشعر بهذا الخوف في حياتي ، لا اصدق انني بكيت حينها و صرخت طلبا للنجدة ، ما كان ذلك الهراء الذي قاله مجددا ؟ لا لا لا ، لا اريد تذكر شيء ، تبخري ايتها الذكرى المخيفة ، هش ، طيري بعيدا ، بعيدا ولا تعودي أبـــ '

{ اريد التهامك }

دغدغ صوت كيران الهامس من الليلة الماضية اذنيها ما جعل قشعريرة تسري على طول عمودها الفقري ، تصلبت سينا في مكانها تتمتم :

" مـ مصاص دماء "

" بــاقة يـــوم الاربــعاء وصــلـت "

دخلت ماري الغرفة تحمل بين يديها باقة من الورود الزهرية

" زوجك المزيف ملتزم بالعقد حقا لا اصدق ه‍- "

التفتت نحو سينا التي لم تحرك ساكنا كالتمثال عكس العادة ثم تقدمت نحوها ، سألت باستغراب :

" ما الخطب ؟ "

" مصاص دماء "

وضعت ماري الباقة على المكتب ثم تنهدت :

' الصبر يا الهي ، جن جنون المرأة '

" ما الذي قرأته هذه المرة ؟ على كل انها روايات خيالية ليست لها علاقة بالواقع لا تخافي "

حركت سينا رأسها نافية ثم قالت:

" كان هناك مقال قرأته ذكر فيه ان دوق اللقبين مصاص دماء اعتقد ان ذلك صحيح "

" اوه تعنين زوجك المزيف ، جميل ، وما الذي دفعك للاعتقاد بذلك ؟ "

تنحنحت سينا ثم فصلت شفتيها و قالت بصوت خفيض :

" حسنا انسطي البارحة لقد قال الكثير من الكلام المبهم كما انه عبر عن رغبته في التهامي "

" و ماذا بعد ؟ "

" ما الذي تقصدينه بماذا بعد اقول لك ان الرجل يريد التهامي "

" لهذا السبب قلتي بأنه مصاص دماء اليس كذلك ؟ "

اومئت سينا برأسها

" عزيزتي سينا ، حلوتي ، زهرتي ، لو كان الرجل مصاص دماء لكنت ميتة حتما ، جميعنا كنا كذلك"

" حقا ؟ "

اومئت ماري مؤكدة ثم سألت :

" و الان ، اين سأضع هذه الورود ؟ "

" لا يهم ضعيها في مزهرية ما علي تفقد هذه الدعوات و .. مهلا كم عددها ؟ "

رفعت سينا نظرها تنتظر رد ماري بفضول و ترقب :

" واحد ، اثنان ، ثلاثة .. اربعة عشر ، خمسة عشر وردة "

" خمسة عشر ؟ " فتحت عينيها على نطاق واسع

' ما الذي يعنيه هذا ؟ ، هل يحاول الاعتذار الان ؟ '

ابتسمت بخفة تحدق في الورود بشرود ما جعل ماري تستغرب خاصة بعد عدم استجابة سينا لندائها للمرة الثانية

" سينا " صرخت ماري مرة اخرى

" ماذا ، ماذا حدث ؟ "

انتفضت سينا من مكانها بفزع تنظر حولها

" ما سر هذه النظرات و الهالة المشرقة فجأة ؟ "

فركت سينا مؤخرة رأسها بحرج تتفادى تقاطع نظراتها بخاصة ماري ثم ردت :

" نظرة ؟، نظرات ؟ ما الذي تتحدثين عنه متى حدث ذلك ؟ "

قلصت ماري عينيها بشك و رفعت حاجبا

" الختم، تذكري ذلك "

بعد ان غادرت ماري تاركة سينا خلفها تفكر في كلماتها بجدية و تنظم الدعوات الكثيرة المبعثرة على مكتبها البني المذهبة جوانبه

' سينا يا كتلة السذاجة و البلاهة لا يمكن ان تغرك مثل هذه التصرفات ، اساسا الرجل مجبر على ذلك لان بينكما عقدا ولم يتكرم بذلك من تلقاء نفسه كما انه سيسحب ثمنه من مرتبك يا فتاة .. المرتب نعم اساسا انا لا يمكن ان اعجب به ، لست بائسة لهذه الدرجة ، لا '

" ما كل هذه الدعوات الان ؟ لم يكن احد مهتم بي قبل مدة "

تذمرت بانفعال

' كله بسبب تلك الشائعات التي تدور حولي ، يقولون بأنني حبيبة من النوع المذهل لأنني تمكنت من السيطرة على قاتل الامبراطورية ، الفهد الاسود '

" سيدة الفهد الاسود ، ما هذا اللقب ؟ "

' الشخص الذي استخدم جسده لإيقاف كيران كينجي من قتل نبيل في المأدبة الملكية كانت الارشيدوقة الجميلة '

" أنا ؟ واو ، حقا ؟ الم يصفني الجميع بالساحرة الشمطاء التي القت سحرها الاسود على كيران كينجي العظيم و جعلته كالخاتم في اصبعها ؟ لا يصدق ، و ايضا اليس هذا مبالغا فيه ؟ اي شخص كان سيتصرف بتلك الطريقة ام انهم يستمتعون برؤية الجثث تملء القاعة ؟ "

' و هناك ايضا ذلك المقال الذي يتحدث عن زواجنا بوصفه مثاليا .. '

" هذه مبالغة، من كتب هذا المقال ؟ اليس تابعا لجريدة تيم نيوز لعائلة بليغر ؟ واو ، كان من الجيد الاحتفاظ بذلك الرجل ، احسنت سينا ، اساسا لن يستطيع كيران النجاح بدوني "

' لنقل انه فجأة اصبح الجميع مهتما بالتعرف على المرأة من الاشاعات '

" لما هم فضوليون بشأني ؟ انا لست فضولية بشأني "

اسندت ظهرها على الكرسي ثم مالت برأسها الى الخلف تحدق في السقف بشرود

" كيران "

فجأة قفزت صورته امام ناظرها ، انتفضت سينا من مكانها ، حدقت في الدعوات الموضوعة جانبا لثواني ثم وجهت قوامها نحو الباب

" كيران سيرشدني حتما "

" كيران ، ذلك اليوم كان علي تقبيلك للحصول على نتيجة اكثر ارضاء الا تعتقد ذلــ

دلفت تنظر الى الغرقة الفارغة رافعة حاجبها باستغراب ثم تمتمت متسائلة :

" الى اين ذهب ؟ "

'طرأ شيء ما لأنه ليس معتادا على المغادرة في مثل هذه الساعة .. اذا هل علي انتظاره هنا ؟ '

تقدمت خطوتين نحو الداخل تجري مسحا شاملا بنظرها

' بالتفكير في الامر لم تتسنى لي فرصة التجول في جناحه الخاص ابدا ، قال ريوجان سابقا ان مساحته اكبر من بقية الغرف و هذا واضح ، لديه غرفة نوم منفصلة وحمام خاص ، منطقة للراحة بالإضافة الى شرفة كبيرة خلف مكتبه الابيض المزين بإطارات زرقاء ، و هناك ايضا .. '

" مكتبة .."

مررت اناملها على الكتب المرتبة على الرفوف العتيقة الملتصقة بجدار الشرفة

" الكثير من الكتب ، بالرغم من انني لا اطيق سماع عناوين معظمها .. لا بأس بطلب الاذن لقراءة البعض منها عندما اجد صعوبة في النوم "

اقتربت سينا من المكتب الكبير ثم القت جسدها على كرسيه تمرر نظرها على سطحه

" انه منظم جدا .. اريد عدة كتابة فاخرة مثل خاصته "

امسكت بالريشة الذهبية المزخرفة تتفحصها بحذر ثم اعادتها الى مكانها

" اوه ، لما هذا الظرف وحيد على السطح ؟ نسيه ربما "

امسكت بالظرف تقلبه بين يديها بفضول ، تستمع الى جانبها الخبيث

' افتحيه ،كيران لن يكتشف الامر ، اذا أعدته كما كان لن يكتشف شيئا .. '

اعترض جانبها الملائكي بحدة:

' لا سينا التطفل على حاجات شخص اخر ليس مقبولا .. '

قرار تـ ترحيل ؟

بدا واضحا ، العنوان اعلى الرسالة المكتوب بخط غليظ

' لا يمكن ، لالا '

سحابة من الاستغراب و الخوف اجتاحت صدرها ، خفضت بصرها ببطء تنظر الى نص الرسالة الذي بدا ضبابيا لها

ماليديا ، الوفد ، من اوستن ، ترحيل

تلك كانت الكلمات التي التقطتها حدقتاها المتذبذبتان اكدت فرضيتها

شعرت سينا بالضعف و تعثرت الى الوراء لولا المنضدة خلفها لكانت سقطت على الارض ، ومض وجه ميش المبتسمة امام عينيها ثم انفجر، نظرت حولها بصدمة وعندما التقت عيناها بخاصة كيران الواقف امام الباب قبضت على الرسالة بقوة

"مــ ما هذا ؟"

لحظة سؤالها لم يجد كيران ما يقوله ، تبخرت الكلمات فجأة و عقد لسانه يناظرها

" لهذا السبب لا ترد ميش على اي من رسائلي "

" هذا القرار افضل لكليكما "

" ماذا ؟ " خرجت من بين انفاسها

تقدمت سينا خطوتيه نحوه ، حملقت في العينين الزرقاوين الباردتين بعينيها المحمرتين غضبا و داخلها يصرخ :

' أ خــنـــقـــيـــه! '

رفعت سينا يديها و قبضت على ياقة قميصه ثم شدته بقوة نحوها، ارتجف صوتها عندما قالت :

" لماذا تفعل هذا بي ؟ تريد ان تثبت لي بأن خياراتي لعينة مثلي أعلم ، كيران انا اعلم لكن ميش .. لماذا ؟ "

صفعت صدره بقوة ثم استرسلت تنتحب بحرقة صارخة:

" ليست لديك ادنى فكرة عن ما ضحيت به للحصول على تلك الفرصة ليعيش ذلك الطفل بأمان بعيدا عنهم كيران لماذا تفعل هذا بي ؟ "

نظر كيران الى العينين الصفراوين الغارقتين في الدموع التي شقت كل واحدة منها طريقها نزولا كالشهب ، متخطية خديها المحمرين وصولا الى نهاية فكها ، في تلك الاثنان كان صعبا عليه الاحتفاظ بتعبير الوجه البارد ذاك لكن رغم شعوره الفظيع بالوخز في قلبه و بالرغم من ان داخله كان يتوسلها للتوقف ، لم يحرك ساكنا

لم يؤثر نحيبها و صرخاتها التي تكاد تفجر حنجرتها في تحريك ذلك الوجه الجامد ، حتى لكماتها التي كانت تحط على صدره الصلب لم تنفع ، استنزفت طاقتها و في اللحظة التي كانت ركبتاها على وشك تقبيل الارض

" سـيـ- "

" اياك .. أنا أحذرك"

ابعدت سينا يده عنها بعنف ثم صرخت بحنق :

" لا تفعل ، اكرهك ، اكرهك عندما تقوم بلمسي تجعلني اشعر بالقرف و الاشمئزاز من نفسي "

عندما دفعت بكتفها ذراعه تبعده عن طريقها مغادرة ، ارتد جسده ، وقف كيران بصدمة لثواني ثم اطبق جفونه ليسترد نفسه

' ما خطبك الان بروسبر كيران كينجي الم يكن هذا متوقعا اذا لما انت حزين '

رفع خصلات شعره عن جبهته ثم اعتدل جالسا على كرسيه يحدق في الرسالة التي انكمش طرفها

' حتى ان كانت ستكرهك ، تذكر ذلك جيدا '

" اللعنة "

تستمر دموعها في الانهمار و ترفض التوقف رغم محاولاتها في كفكفتها ، لم تكن قادرة عل مواصلة السير بتلك الخطى المترنحة غير المتزنة الا انها حاولت ابعاد الفستان عن طريقها و المواصلة لكن الالم الذي يخفق في رأسها بحدة زاد حالها سوءا ، استندت بيدها على الجدار و تابعت التقدم ببطيء ، لم تكن عيناها الضبابيتان مرشدا لها فواصلت تلمس طريقها وفور تحسسها للباب دفعته بكل ما تبقى لها من قوة لتسقط مفترشة الارض غير قادرة على الحراك ، لكمت بقبضتها صدرها بعنف ثم اطلقت انينا و اجهشت في البكاء مرة اخرى ، آهاتها تكاد تحطم سقف الغرفة فوقها

" انـــ - انتهى .. كل شيء " لكمت صدرها بعنف

في تلك اللحظة تردد صوت صارخ في ذهنها يحثها على الهرب ، ازاحت عن جبينها خصلة شعر تبللت بالدموع ثم حاولت الوقوف على قدميها لكنها و في كل مرة تحاول فعل ذلك تلتف ساقاها حول بعضهما البعض كطفل يتعلم المشي حديثا ، تعثرت و تعثرت و كادت تسقط على وجهها

" اللعنة .. علي اللعنة "

ضغطت قبضتيها الى ان ابيضت مفاصلها ثم لكمت الارضية بغضب مرارا و تكرارا تشتم نفسها و تتمنى الموت في سرها

" علي اللعنة "

- ايليا-

بالرغم من الزوبعة التي اجتاحت ذهنها و الالم الفظيع في رأسها الا انها سمعت صوت الضحك الهستيري في اذنيها بوضوح

-تعال-

-سأضمد جرحك -

أنهك جسدها تماما ، سقط كتفاها و تثاقلت جفونها ،كانت على حافة من الجنون ، تحدق في الفراغ بشرود ، رفعت يديها المرتعشتين اللتين تومضان بشعلة نارية تحترق و تتفاقم اشتعالا

- نعم هكذا -

- افعلها -

- انت بريء ايليا ، هم السيئون –

باستجابة تامة ، تستمع الى الصوت الشيطاني في رأسها كما لو كانت منومة تماما ، اختفى البريق من عينيها الصفراوين اللتين اصبحتا قاتمتين

" سـ سينا "

عندما رفعت سينا نظرها الى مصدر الصوت الصارخ شهقت الخادمة بفزع

" مـ ماري أنا .. مـ ميش .. "

بدل العينين الصفراوين المنعشتين لمعت العينان القرمزيتان المخيفتان بلون الدماء ، في تلك اللحظة سقط قلب ماري من مكانه تنظر بصدمة ، حركت رأسها غير مصدقة

" لا ، لالا .. سينا "

اسقطت ماري الصينية ارضا و اندفعت لإطفاء النيران التي بدأت تزحف ملتهمة السجاد

" عودي الى وعيك ، سينا "

صرخت بها ثم خطفت المزهرية على المنضدة الصغيرة ، رمت الورود جانبا ثم رشت الماء على ألسنة اللهب و لم تتوقف الى ان تأكدت من اخمادها تماما

حدقت بمسار النيران الكحيل بذعر للحظات ثم ألقت المزهرية جانبا و اسرعت نحو سينا

" كله بسببي ، أ-أنا مـ ماري .."

اطلقت سينا انينا ثم انفجر تبكي بحرقة متشبثة بثوب ماري بقوة ، لم تعلم ماري ما عليها فعله في موقف صعب كهذا ، كافحت بصعوبة الحرقة في عينيها و الرغبة في البكاء ايضا ثم اسقطت رأسها على كتف سينا المرتعش باستسلام

" لقد ذهب ، ا-انتهى .. استريحي الان "

تمتمت ماري بصوتها المختنق بينما تربت على ظهر سينا محاولة تهدئتها ، للحظة ما شعرت بأن انفاس سينا ستنقطع ، اقلقها ذلك بشدة لكنها لم تفعل شيئا ، انتظرت و شيئا فشيئا بدأت وتيرة تنفسها في التباطؤ و هدأت دقات قلبها الهائجة ، تنهدت ماري براحة لكنها جفلت بخوف في اللحظة التالية عندما شعرت بجسد سينا يصبح اثقل بين ذراعيها و رأسها يحط على كتفها فجأة

" آه يا طفلتي "

تنهدت ماري بأسى ثم خللت اصابعها في شعر سينا النائمة على كتفها

بعد دقائق و بمساعدة احدى الخادمات استطاعت ماري جعل سينا تستلقي على السرير ثم تحققت من تغطيتها جيدا و تأكدت من تنظيف الغرفة و اخفاء السجاد المحترق بعيدا ، بعد ان انتهت من ذلك اقتحمت جناح رئيسها

نظرت ماري الى الرجلين الواقفين امامها ببرود ثم قالت مخاطبة كيران

" انا لا اهتم بأهدافك وما الذي يجعلك واثقا جدا لدرجة انك تستمتع بإحزان شخص ما لكن ان كنت تريد الوصول الى ما تريده حقا فعليك ان تكسبها في صفك بدل اجهادها و تحطيمها ألست على حق ؟ ، شيئا اخر ، يفضل ان تستعد لأنه ان اصاب سينا مكروه ، ستفقدها و تفقد رأسك "

ذلك الجانب المخيف و الجريء من ماري آن أرعب جيروم الواقف جانبا ينظر الى الخادمة الواقفة بشموخ تتحدى و تهدد سيده دون خوف ، فكر في الامر مليا ، هو يذكر جيدا اللحظة التي انضمت فيها ماري للعمل في القصر قبل شهر من زواج الدوق ، كما انه يذكر جيدا ما قالته ذلك اليوم

{ لا تتوقع مني ان اتعاهد لك بالولاء ، في النهاية انا هنا لحماية ملكتي ، منك }

طوال الوقت كان هناك جدار فولاذي بين الخادمة و الدوق العظيم ربما لان الخادمة نشأت على الكره الشديد لأفراد الامبراطورية صغيرا كان ام كبيرا و ما زاد علاقتهما سوءا الان هو سينا ، الان اصبح ذلك الجدار اكثر صلابة بسببها

" و ايضا ، لا اعتقد انك تريد لشعبك ان يعيش السنوات السوداء مرة اخرى "

بالرغم من تصرف الخادمة الغير محبب الا انه فكر في ما قالته بجدية ، ستكون تلك فرصة جيدة للانقضاض ، لن يتردد ديلاس في تحريك القوات ان حدث شيء لسينا ، ليس لأنه يهتم لأمرها ، على الاطلاق ، سيكون ممتنا لكيران لأنه تخلص منها لكنه سيحارب بضراوة للحصول على جثتها ، الختم هو كل ما يفكر فيه و لإسكات شعبه سيقطع رأس الرجل الذي أذى الاميرة و بعد ان يذرف دمعتين و يلقي كلمة تعزية سيرتاح على العرش و يعبث بجنون

اخذ كيران نفسا طويلا ثم رفع يده لصرف الخادمين خارجا

حركته تلك جعلت ماري تستشيط غضبا و لقد ادرك جيروم ذلك

" اا حسنا اذا نحن سنخرج الان "

اعلن جيروم بارتباك ثم سحب ماري خلفه و اغلق الباب

" ما الذي تفعله ، جيروم انظر الي انفجر عليك حقا لا تتدخل ، ابتعد "

" مهلا ، مهلا ليس الان اقول لما لا نتفقد السيدة اولا حسنا هيا"

امسك جيروم يدها ثم سحبها خلفه غير مبالي لصراخها الرافض و تهديداتها

" جيروم افلتني ، اقسم انني سأشوه وجهك ان لم تفعل ، افلتني "

" حسنا ، حسنا لكن لنتفقد السيدة اولا "

" اوقف العربة "

لكن سيدتي ، نحن لم نصل بعد "

" قلت اوقفها "

بعد ان تلقى الحوذي الانذار الاخير سحب اللجام لتصدر بعدها الخيول صهيلا

بعد ان شعرت سينا بأن العربة استقرت ، استقامت من مكانها بصعوبة ثم ترجلت منها بعد ان فتح لها الحوذي الباب

" غادر "

بصوت متعب أمرت سائق العربة العجوز

" لكن سيدتي .."

عندما فصل شفتيه للاعتراض كانت نظرات سينا الخالية تماما من المشاعر له بالمرصاد ، اذعن العجوز باستسلام ثم عاد الى مكانه و حث بالسوط الحصانين على التحرك

راقبت سينا العربة الى ان اختفت عن مرمى نظرها تماما ثم نظرت حولها ، الطريق الترابية التي كانت تقف على احد جانبيها محاطة بالأشجار الكثيفة من الجانبين بدت خالية تماما ولا يبدو ان احدا سيمر عليها

تنهدت سينا ثم جلست على الرصيف الضيق للطريق تعانق جسدها بذراعيها

" جـ جيروم "

فور سماعه صرختها اقتحم الغرفة بقلب ينبض خوفا ، بحث عن ماري بناظريه

" لقد اختفت .. جيروم "

هرولت ماري باتجاه جيروم المتسمر امام الباب دون حراك ثم سحبته من ذراعه و صرخت بقلق لاهثة

" السيدة .. ليست في غرفتها "

" ماذا ؟! "

" امبراطورتي الغالية "

اشرق وجه الامبراطورة الموشوم بتجاعيد تأخذ مكانها الواحدة تحت الاخرى و تقوست عيناها فرحا

" شينايير "

هرولت نحو شينايير باسطة ذراعيها ثم عانقته بقوة

" حملي متى عدت ؟ "

بعد ان فصلت العناق بعثرت خصلات شعره تتفحصه بناظريها من رأسه الى اخمص قدميه

" انظر اليك ، اصبحت نحيفا "

كورت وجهه بيديها ثم اضافت بقلق

" الا يطعمونك جيدا ام ماذا ؟ "

" امي ، انا بخير حقا ، اساسا لم يكن لدي ما اقوم به غير الاكل و ايضا .. "

اخذ نفسا ثم اتبع :

" انظري ، انا هنا امامك الان ، يمكنك اطعامي و حشوي كالدمية القطنية ، هل ارتحت الان ؟ "

" ايها الشقي ، هل ديمتريوس على علم بعودتك ؟ "

اومئ برأسه

" نعم ، هو كذلك "

سقطت زوايا فمها بعبوس ثم صفعت كتفه و ردت:

" اتفقتما انتما الاثنان على ذلك ، ايها الشقي ، اتعلم كم خفت عندما توقفت عن مراسلتي "

" امي ، يا عزيزتي .."

قبلت شينايير جبهة والدته ثم اتبع :

" كنت استعد للعودة ان ذاك ، قلت لأفاجئكم ، هاه ؟ ما رأيك ؟ هل تفاجئت ؟

ضحكت الامبراطورة بخفة ثم ربتت على رأسه و ردت :

" تفاجأت ، كثيرا حقا "

فور خروجه من غرفة الامبراطورة الخاصة تنهد براحة ثم استوقف احد الخدم الذي قال فورا

" انها جاهزة ، سموك "

" حسنا "

اومئ شينايير برأسه ثم واصل المسير

لم يكن منظرا مألوفا ، على الاطلاق ، بالرغم من انه سبق و رأيت مشهدا مشابها له تلك الليلة لكنني اعتقدت و لا ازال اعتقد انني تخيلت ذلك لأنني كنت ثملا ، المرأة من تخيلي كانت مشرقة جدا و غريبة ، انا لا اريد لسائق العربة ان يقول عني مجنونا لكنني اراها ، انها هنا بالفعل ، جالسة على الرصيف ، تثير التربة بغصن رفيع ، ما الذي تكتبه يا ترى؟ انتابني الفضول الان

بعد ان فركت عيني للمرة الثالثة صرخت :

" اوقف العربة "

ثم فتحت الباب بسرعة

" صاحبة العينين الفريدتين "

رفعت سينا ناظريها باتجاه الصوت المبتهج

" المنحرف ؟ "

' حسنا لقد كان هذا مخيبا للآمال بعض الشيء '

" انت تخطئين حقا ، هل ابدو كمنحرف ؟ حقا ؟ "

" ما حدث ليلتها كان خطأ حسنا ، كنت مجبرا علـ .. "

توقف عن الكلام لأنها لم تبدو مستمتعة بالحديث معه و سماع تفسيره و تبريره ، اخفضت رأسها و واصلت الخربشة

" الن تغادر ؟ "

ماذا ؟

نضف شينايير حلقه ثم اضاف بروح نبيل :

" انا لن اترك سيدة جميلة وحدها هنا على الطريق ذلك خطير و .. "

" سيد منـ- "

" شينايير ، اسمي شينايير "

توسلها بنظراته لعلها تتوقف عن مناداته بذلك اللقب مجددا ، فهمت سينا ذلك ، اخذت نفسا طويلا ثم زفرت و قالت :

" سيد شينايير انا لست في مزاج جيد حقا ، يمكنك المغادرة ، السيدة الجميلة ستبقى هنا لأنها تريد ذلك لذا رجاء غادر "

" حسنا اذا "

ترجل شينايير من العربة ثم اخلق الباب و تقدم نحوها

" انه يوم جميل للجلوس على قارعة الطريق و المراقبة "

جلس بجانبها ينظر اليها بطرف عينيه بين اللحظة و الاخرى ، ساد الصمت بينهما و طال ، لم يكن شينايير قادرا على تحمل المزيد لان جفونه بدأت تصبح اثقل بالفعل كما اصبح يتثاءب كثيرا

" حسنا ، اعتقد ان هذا يكفي ، دعيني اسألك سؤالا سخيفا ، هل انت بخير ؟ "

نفت برأسها ثم ردت بصوتها المختنق

على الاطلاق " "

" هل يمكنني معرفة السبب ؟ انا لا اقصد التطفل لكن هذا سيساعدك على التحسن ان أفصحت ، انا لن اجبرك علـ- "

" لقد اقترفت خطأ "

فتح شينايير عينيه على نطاق واسع ، لم يتوقع هذا الرد السريع

" اي نوع من الاخطاء ؟ "

" اعلم انني لست شخصا جيدا لكنني على الاقل احاول ، وضعت خطتي تحملت كل شيء لكن في لحظة تحطم كل شيء و انهارت خططي لكنني لم استسلم اخذت نفسا طويلا و وضعت بعد عناء خطة اخرى حصلت على البديل لكن لا شيء يسير كما رسمته عقلي يكاد ينفجر ، استمر في ايذاء الجميع "

اختلط صوت البكاء بصوتها مجددا و انهمرت بقية الدموع العالقة على جفونها ، مسحت بكمها الطويل انفها ثم اتبعت :

" ليتني لم احاول من البداية "

رق قلبه لحال المرأة التي يرثى لها الجالسة بجانبه ، تنهد بحزن ثم اخرج منديلا ابيض حريريا من جيبه و ناولها اياه

" بالرغم من انني لم افهم أيا من ما قلتيه .."

ابتسم بخفة ثم اتبع معلقا :

" لو انك لم تحاولي سينتابك ندم شديد يلازمك طول حياتك ولن تستطيعي ترويضه "

" أتعتقد ؟ "

اومئ برأسه

" اذا ما الذي علي فعله الان ؟ "

" استراتيجية جديدة ، ان كان ما يحبطك شخصا ، ابحثي عن نقاط ضعفه "

"نقاط ضعف ؟"

اومئ شينايير برأسه ثم اضاف بحماس :

" من خلال ما قلته اتضح انك لم تدرسي الوضع جيدا و اسرعت الى التنفيذ و هذا خطأ ، عليك النظر جيدا و توقع اسوء النتائج ووضع حلول لها عندها لن تكوني ضحية ابدا "

" شينايير "

" نعم "

بعثرت خصلات شعرها ثم قالت متذمرة :

" تلخبط الوضع اكثر ، هذا الرأس لا يفقه شيئا اساسا ، نقاط ضعف و استراتيجية هل تستعد للقيام بانقلاب ام ماذا ؟ "

قهقه شينايير ضاحكا على ردها ثم رد :

" اذا .. هل علي البكاء ايضا ؟ "

سحبت سينا ماء انفها ثم ردت :

" لا ، لا حاجة لذلك "

تنهد شينايير ثم سأل سؤال اخر :

" اذا ، هل سنبقى على هذه الحال ؟ "

التفتت سينا نحوه وقد حطت امارات الانزعاج على محياها بالفعل

" سيد شينايير ، هل اجبرتك على البقاء معي يا ترى ؟ "

" اوه ، لا ، لا اقصد ذلك ، اعني ما رأيك في فعل شيء اخر ، لنأخذ فاصلا قصيرا ما رأيك ؟ لأنني جعت "

نظرت سينا الى الرجل الوسيم الجالس بجوارها يرمقها بعبوس و يتوسلها بنظراته ، ضحكت بخفة على تعبير الوجه اللطيف الذي يصنعه ثم ردت :

" و انا ايضا ، اذا هل تعرف مكانا جيدا لتناول الطعام ؟ لم يسبق لي ان تجولت في العاصمة لهذا .. "

قبل ان تنهي سينا ما ارادت قوله سحبها شينايير من معصمها بلطف و قال بحماس :

" اتبعيني ، اعرف مكانا جيدا ، سيعجبك "

لم يمهلها فرصة للقبول او الرفض ، سينا التي كانت تجر من قبل شينايير وجدت صعوبة في مواكبة وتيرته في البداية لكنها استطاعت بعد ان افلت يدها السير معه جنبا الى جنب باتجاه العربة ، في تلك الاثناء كان جيروم يركض متخطيا السلالم صعودا للطابق الثالث

" اعتقد انه علينا القلق الان "

عندما دخل جيروم لاهثا الى غرفة المكتب صارخا انتفض كيران من مكانه

" لماذا ؟ ما الامر ؟ جيروم ما الذي حدث تكلم "

" عاد الحوذي .. "

تنهد كيران براحة ثم فصل شفتيه للسؤال

"جيد ، أين سـ- "

" السيدة ليست معه "

الكلمات الثلاث التي قالها جيروم جعلت قلب كيران يسقط من مكانه ، شحب وجهه و تلاشت ابتسامته ، كما لو انه تلقى صفعة قوية خلخلت كيانه كاملا ، جمع الحروف بصعوبة ليقول بصدمة

" كـ كيف ؟ "

فسر جيروم :

" قال بأنها اصرت على مغادرته "

" جيروم ، الفتاة لم يسبق لها ان تجولت في العاصمة "

" وما ادراني اساسا انت من جعلتها تفر هاربة و .."

لحظتها ، توقع جيروم انه سيتم طرده و رأسه بين يديه بسبب رده هذا خاصة عندما التقت عيناه بخاصة سيده اللتين يتطاير منهما الشرر ، ضغط كيران قبضته بقوة ما جعل عروقه و مفاصله تبرز ثم اسقطها على المكتب محدثا صوت ارتطام عاليا تزامن مع صياحه بعصبية قائلا :

" لو لم تكن على صواب كنت .. اللعنة ! "

كتم جيروم انفاسه و انكمش في مكانه ينظر الى وجه سيده المتصلب للحظة ثم ابتلع ريقه بصعوبة و طأطأ رأسه يحاول تجنب نظرات كيران المرعبة التي تخترق جسده كالسهام ، بعدها لم ينتظر كيران ثانية اخرى ، انتشل سترته ثم هرول مسرعا نحو الخارج

' حالة الطوارئ يبدو ان سيدة الفهد الاسود تخلت عنه ، قضي علينا .. '

تنهد جيروم بأسف على سيده ثم وجه قوامه نحو الباب

' هل سيبحث عنها في ارجاء الإمبراطورية يا ترى ؟ سيستغرق ذلك وقــ .. مهلا ، الجو مضطرب قد تمطر في اي لحظة ، كيف نسيت ذلك ؟ وضعه حرج اساسا نزلة برد ستزيد الامر سوءا '

صفع جيروم جبهته بقوة ثم ركض خلف سيده لتحذيره

نظرت سينا حولها بذهول ثم علقت:

" لم اعتقد قط بأن بؤرة التطور تحتوي على مناطق شعبية كهذه "

شابك شينايير يديه خلف ظهره ثم سأل :

" اذا ، هذه مرتك الاول التي تتجولين فيها ؟ "

اومئت سينا برأسها و ردت :

" بلى، لم تتسنى لي فرصة لفعل ذلك "

" حسنا ، ما رأيك في ذلك المكان ؟ هناك "

اشار بأصبعه الى مطعم صغير في نهاية الشارع ثم اضاف :

" هل تحبين المعكرونة ؟ خاصته جيدة حذا "

اومئت سينا برأسها ثم ردت :

" اي شيء ، يمكنني تناول اي شيء "

ابتسم شينايير بخفة ثم قال :

" لنذهب اذا "

' قال شينايير ان علي الجلوس هنا و الانتظار بينما يقوم هو بالطلب'

توسدت سينا الطاولة الخشبية تحدق في السماء الملبدة بالغيوم

' يبدو انها ستمطر بغزارة اليوم '

لحظتها تناثرت زخات المطر بهدوء و خفة كما لو كانت السماء حزينة و تستعد للبكاء ، دغدغت رائحة التربة انفها و تسللت داخله ، تثاقلت جفونها فجأة و تلبسها النعاس ، حاولت مقاومة نفسها من النوم على صوت ايقاع الطبيعة المهدئ ، أغلقت عينيها تكبت رغبتها الملحة في البكاء

' ميش ..كوني سالمة ، ارجوك '

" حان الوقت لتناول الطعام "

استفاقت على صوت شينايير المتحمس ، وضع الصحنين على الطاولة ثم قطع بعض الفلفل الاخضر فوق المعكرونة و استعد لالتهام صحنه

" توقف "

جفل شينايير باستغراب ثم نظر الى سينا متسائلا عن سبب ايقافها له

" هناك طريقة مختلفة ، اعتدت في موطني على تناولها بتلك الطريقة "

" و ما هي ؟ "

" عليك ان تتناول كل خيط وحده و لا تقوم بقطعه "

سأل شينايير بفضول :

" ماذا سيحدث ان قُطع ؟ "

نظرت سينا حولها ثم همست:

" ستقصر مدة حياتك "

" حقا ؟ يبدو هذا جديا "

اومئت سينا برأسها مؤكدة ثم قالت :

" تناول الان "

سحبت خيطا من المعكرونة و قبل ان تضعه في فمها قالت محذرة :

" من الافضل ان تصدق بهذا "

لم تفارق نظراته سينا التي شرعت في سحب خيط المعكرونة بانتباه شديد بعد ان اتفق الاثنان على تناولها بتلك الطريقة التي بدت له غريبة جدا، و لأنه كان شاردا يحدق في ملامحها و يسحب خيط المعكرونة في نفس الوقت لم يدرك ان نهايته برزت بالفعل ، سحبه دفعة واحدة ، فأصيب بالاختناق و استرسل يسعل و يلكم صدره

انفجرت سينا ضاحكة عل حال شينايير و لم تدرك انها ..

" أوه، أنت لقد قطعته، خاسرة "

اشار شينايير بأصبعه السبابة نحوها ثم قهقه ضاحكا و هو يسخر قائلا :

" خاسرة ، تحديتني و خسرت "

ارتشف الماء من الكأس على يمينه ثم اضاف مازحا :

" يبدو ان حياتك ستكون قصيرة يا صاحبة العينين الفريدتين "

ضحكت سينا بخفة ثم ردت:

" من يدري، قد تكون كذلك بالفعل ، تناول وجبتك الان "

بالرغم من انها قالتها بطريقة مرحة الا ان شينايير شعر بأن هناك شيئا خاطئا ، انتابه الفضول لمعرفة مقصدها ، فصل شفتيه للسؤال لكنه تراجع في اللحظة التالية و اطبقهما مجددا ، قلب المعكرونة امامه كي تبرد

" لذيذ "

تعبير وجهها السعيد و خديها المنتفخين ، الطريقة التي تراقص بها كتفيها في كل مرة تضع فيها لقمة داخل فمها و الاصوات التي تصنعها متلذذة الطعام ،

طرقت بالملعقة الخشبية على الطاولة ثم قالت بينما تمضغ :

" هذه المعكرونة حقا .. رائعة "

رفعت نظرها الى شينايير الذي كان يحدق في وجهها ثم قالت :

" لا تقلها .."

سارعت في مسح فمها بيديها ثم سألت بحرج :

هناك شيء ما على وجهي ؟ "

صَمْتُ شينايير جعلها توقن بأن هناك شيء ما على وجهها بالفعل ، عاتبت نفسها في سرها

' احسنت سينا ، حقا انت رائعة ، حان الوقت لتضعي حدا لهذه الطباع ، صدم الفتى لدرجة انه لم يعد يستطيع الكلام '

ضحكت بارتباك ثم فصلت شفتيها للشرح

" أنا .. شيء ، في العادة أنـا .."

نضف شينايير حلقه ثم ابتسم و قال مقاطعا :

" لا يوجد شيء على وجهك "

مسح بالمنديل فمه ثم وضعه جانبا و اضاف :

أعتذر ، لقد كنت شاردا .. عيناك اسمحي لي بالسؤال هل انت الوحيدة التي تملك هذا اللون الفريد في عائلتك ؟ "

استغربت سينا

' لما هو فضولي جدا بخصوص لون عيني فجأة ؟ '

نظفت حلقها ثم ردت :

" نعم، يبدو انه كذلك، و ايضا هو ليس فريدا على الاطلاق ، يرتبط هذا اللون عادة بكل ما هو مشؤوم لذلك لا احد يعتبره فريدا ، على الاطلاق "

" مرتبط بكل ما هو مشؤوم ، اذا هل انت مشؤومة ايضا ؟ "

ارتشفت سينا من الماء بعد ان كادت تختنق ثم ضحكت بارتباك و قالت مازحة :

" من يدري "

" انت لن تصيبيني بسهام شؤمك أليس كذلك ؟ " سأل مازحا

قهقهت سينا ضاحكة ثم حركت الملعقة و قالت نافية:

" بالطبع لا "

فجأة و هما على تلك الحال ، دوى صوت الرعد و استرسلت السماء تمطر بغزارة ،راقبت سينا قطرات المطر تهطل على الارض ثم قالت :

" يبدو انها لن تتوقف قريبا ، علقنا هنا غالبا "

' بعد التفكير في الامر ، انها المرة الاولى التي اراها تمطر هنا في العاصمة '

" العربة قريبة من هنا لنجعلك تجربين شعور الركض تحت المطر اذا ، ما رأيك ؟ "

لمعت عينا سينا بحماس ، استقامت من مكانها بسرعة ثم قالت :

" لنفعل هذا اذا ، و الخاسر هو بيضة فاسدة ، ما رأيك ؟"

" حسنا "

وقف الاثنان جنبا الى جنبا ، تبادلا نظرات التحدي ثم نطق شينايير

" بعد الثلاثة .. واحد

" اثنان "

" ثلاثة "

رفعت سينا يديها فوق رأسها تحتمي بهما من المطر ثم اطلقت العنان لساقيها تركض مبتعدة عن شينايير

بعد ثواني من انطلاقها و لأنها لم تسمع وطئ اقدام شينايير التفتت خلفها لتفقده

" اوه ، شينايير .."

ضحكت سينا بشدة وهي تقول من بين ضحكاتها

" ما الذي تفعله ؟ لما لم تتحرك ؟ "

رفعت الخصلات المبللة عن وجهها ثم ضحكت ساخرة و اضافت :

"عليك الاسراع ، ان كنت لا تريد ان تصبح بيضة فاسدة "

بعدها استدارت و واصلت الركض

بعد ان تمكنت من الوصول اخيرا توقفت لتسترد انفاسها ، رفعت رأسها مغلقة عينيها لتسمح لقطرات المطر بغسل وجهها

" عندما تقف اسفل المطر حتى ان كنت تبكي لن يدرك احد انك تفعل "

عند سماعها وقع خطواته يصبح اقرب فتحت سينا عينيها وجهت نظرها الى شينايير الواقف على بعد ثلاث خطوات منها ثم اضافت:

" ما رأيك انت في ذلك ؟ "

ابتسم شينايير بخفة ثم فصل شفتيه للإجابة :

" بالنسبة لي ، لا اعتقد انه عليك انتظار هطول المطر للبكاء فقط لإخفاء ذلك عن الجميع لأنه قد لا يحدث ابدا "

اقترب منها بخطى بطيئة ثم اتبع:

هل انت قادرة على الانتظار طويلا ؟ الانتظار الى اجل غير معلوم ، كبت ذلك الالم الذي يتراكم و يصبح اكبر شيئا فشيئا كالغيوم الملبدة "

قشعريرة سرت على طول عمودها الفقري ، لم يكن سببها برودة قطرات المطر التي تحط على جسدها ، حدقت بفضول الى الشخص الذي تفصله عنها خطوة واحدة

' مخاوفه و آلامه ، حتى لحظاته المشرقة ، شعرت بأنني استطيع الولوج الى داخله بسهولة تامة ، شخص ساذج و مسترخي و غير مبالي ، بدا مكشوفا تماما ، لكنني خدعت ، تستمر الحواجز في الارتفاع لحماية روحه ، ذلك الكيان المضيء في الزاوية ، حواجز عديدة كل واحدة منها اعقد من السابقة '

' هل كان قناعا ؟ '

تَساءلَتْ

' هو بشري عادي ، اذا لما لا استطيع ابصار داخله ؟ '

" هل انت قادرة على ذلك ؟ "

سحبها سؤاله من دوامة افكارها لتتمكن اخيرا من النظر الى الرجل الواقف امامها ، وجها لوجه ، بتمعن ، خصلات شعره الشبيهة بأشعة الشمس في اشراقها التصقت بالبشرة القمحية و العينان الكبيرتان لم تجد سينا وصفا واحدا للون عيني شينايير ، احتارت ، هل تقول خضراوان مثل العشب ام زرقاوان مثل الماء وان اختارت بينهما تكون قد ظلمت لمسة الرمادي لون الضباب و العسلي

" زبرجد !"

" عفوا ؟ هل قلت شيئا ؟ "

" عيناك .."

ابتلعت ريقها ثم اتبعت بذهول عارم :

" مذهلتان "

ضحك شينايير على تعبيرها ثم سأل :

" اتريدين ان نتبادل ؟ "

رفرفت اهدابها و ارتفعت زوايا فمها ، صرخت بحماس دون تردد :

" أريد "

اومئت برأسها ثم اضافت :

" ادفع مبلغا اضافيا ان اردت "

اتسعت عيناه فجأة و هو على تلك الحال يحدق فيها ، رفع يده ببطء ، اراد التحقق ان كان الكائن الواقف امامه حقيقيا ، لمس بأصبعه ارتفاع انفها بخفة ثم ضحك في اللحظة التالية بعدها استدار و وجه قوامه نحو العربة

' ما كان هذا للتو ؟ '

فركت سينا انفها باستغراب ثم سارعت للحاق به

" اا شينايير ، انت لم تجبني بعد "

" ترتدي ملابس فاخرة و لديك عربة فخمة .. "

راقصت سينا حاجبيها ثم سألت :

" من يكون شينايير ؟ "

" أ-أنا .. "

تردد و هو يفكر

' لا يمكنني ان اخبرها الحقيقة ، قد ترفض رؤيتي مجددا ان فعلت و انا لا اريد ذلك '

" شـ شيء .. الامير الثاني أنا .. "

" صديق ؟ " تساءلت سينا

لمعت في عقل شينايير كذبة ، انطلقت الكلمات دفعة واحدة :

" نعم ، صديق الامير الثاني المقرب لهذا يسمح لي باستعمال عربته و ارتداء ملابسه انه كريم جدا "

فغرت سينا فمها ثم قالت بذهول :

"حقا ؟ انت تعرف الامير الثاني ؟ كيف يبدو ؟ "

رد شينايير بتفاخر :

" وسيم ، وسيم جدا لكن لا يسمح له بالخروج "

ذبلت زوايا فمها ، ردت بعبوس :

" مؤسف ، لطالما رغبت في رؤيته عن قرب ، انا من اشد المعجبين به ، منذ الصغر "

انتابه الشعور بالذنب فجأة ، ربما لان سينا هي الشخص الاول الذي يتحدث معه بعد سنوات طويلة من العزلة و ها هو ذا يكذب عليها

' معجبة ، لن يضر ان اطلعتها على بعض المعلومات .. حياة الامير الثاني '

نضف شينايير حلقه ثم قال :

" حسنا ، لأنك صديقتي الوحيدة سأطلعك على سر ، يخص الامير الثاني "

اقتربت سينا منه ثم همست بفضول :

" ما هو ؟ "

" في العادة الامير الثاني يتجول مخفيا هويته لذا لا تيأسي قد تلتقين به يوما ما " همس في أذنها

" حقا ؟ "

اومئ شينايير برأسه فصفقت سينا بفرح ثم قالت :

" أتطلع لذلك "

في تلك الاثناء كانت العربة تقف امام بوابة القصر الرئيسية بالفعل ، نظرت سينا مطولا الى المكان الذي تخطط لسحقه عن بكرة ابيه ثم اسقطت ملامح الغضب عن وجهها في اللحظة التالية ، ابتسمت و عبرت عن امتنانها :

" اشكرك على كل شيء شينايير ، كان شرفا لي لقائك "

و قبل ان تترجل من العربة بمساعدة الحوذي التفتت نحو شينايير و اضافت :

" أبلغ تحياتي للأمير الثاني "

لم يكن سائق العربة جاهلا ، علم ان سيده يخطط لشيء ما بإخفائه هويته عن تلك المرأة ، قال ناصحا :

" سمو الامير ، انها تنتمي لممتلكات كينجي الخاصة ، الافضل ان تستسلم "

شينايير الذي كان شاردا يراقب سينا و هي تركض مبتعدة شيئا فشيئا الى ان اختفت خلف الباب الثانوي للقصر بعد ان لوحت له مودعة ، رد :

" هل تعتقد ذلك برونو ؟ لا اضن ان كيران سيعترض على منحي خادمة من خدمه "

' بعد التفكير في الامر ..'

اخرج رأسه من النافذة ينظر الى سائق العربة بصدمة ثم قال :

" برونو لقد نسيت سؤالها عن اسمها "

" سينا "

لم تتوقف شفتاه عن التمتمة و صورتها تستمر في الظهور امام ناظريه و تتشوه بشكل فضيع بعدها ، حاول كيران طرد تلك التخيلات و اقناع نفسه بأنه سيجدها و ستكون سليمة لكن نظرات الجنود المرافقين اليائسة تجعله يستحضرها مجددا رغما عنه

" لا شيء "

" لا يوجد "

" نظيف "

تلك الكلمات كادت تفقده عقله

" هل سألتم المارة ؟ "

" حضرة القائد الامر صعب في مثل هذا الجو ، لن يستجيب احد "

نظر كيران حوله ، يقف وسط الطريق و حوله يركض الاشخاص جيئة و ذهابا بعشوائية ليحتموا من المطر الغزير ، صحيح ، لن يهتم احد بسماع قصته خاصة ان كان هو الطرف المذنب

" لا ، سنستمر.. سنستمر في البحث "

عكس الصوت الصارم الذي اعتاد الجنود سماعه ، نبرة صوته تلك ، بدى يائسا ، خطواته الثقيلة كما لو كان يحمل على كتفيه صخرة عملاقة ، ارتجفت حدقتاه خوفا و هو ينظر في جميع الاتجاهات كالمجنون ، بثيابه المبللة من رأسه الى اخمص قدميه ، خصلات شعره الملتصقة بجبينه و قطرات المطر التي شقت طريقها نزولا ، وصولا الى المحطة الاخيرة ، نهاية فكه لتقفز بعدها منتحرة

{ امنحها ايام أخيرة سعيدة }

قفزت صوت الرجل من ذاكرته مخترقا اذنيه فجأة فاعتصر كيران شفته السفلى بقوة ثم طأطأ رأسه بخزي ، تمتم :

" انا احاول ، ادوارد ، انا حقا .. "

اخذ كيران نفسا طويلا ثم رفع رأسه عاليا ، اغلق عينيه ببطء فبدأت ذكرياته القليلة معها بالتسابق

'لم تكن شخصا هادئا على الاطلاق ، القفز هنا و هناك ..'

' الجنون و اثارة الفوضى '

{ سيدة زجاجة }

' متهورة '

{ لنتزوج }

' لا يتم توقع تصرفاتها '

تحسس زاوية فمه يتذكر فعلتها التي جعلته مصدوما

' و فجأة و دون سابق إنذار يستيقظ حس المسؤولية داخلها '

{ لدي شرط .. في المقابل عليك ان تطلق صراحهم }

' قد تبدو شخصا واضحا جدا لكنها على العكس تماما .. '

{ انت خائف من الخروج .. كيران كينجي }

' ... غامضة '

في اللحظة التي خرجت فيها الشمس الخجلة من خلف الغيوم و وجهت اشعتها نحوه انتابه شعور غريب بالراحة

' لماذا اشعر بهذا فجأة ؟ '

بالرغم من الحيرة التي انتابته الا انه التفت نحو الجنود و قال :

" لنعد ادراجنا "

" ماذا ؟ "

تبادل الجنود نظرات الاستغراب يتساءلون

" ألم يكن قبل لحظات على حافة من الجنون لان زوجته اختفت ؟ "

راقبوا بأبصارهم قائدهم و هو يخطو متجها نحو العربة و كأن شيئا لم يكن و قبل ان يركب العربة القى نظرة على السماء التي بدأت تتضح

' ايتها الالهة، ان كنت حقا موجودة ، اتوسل اليك ، ارشديني لإيجادها ، عندها اقسم بشرفي انني سأبقى على عهدي ، سوف ابدأ مجددا ، بمسؤولية اكبر، حتى نهاية مهلتي '

' قلت ان تلك المرأة ستتسبب في هلاكه لكنه لا يسمعني ، هو ليس بكامل صحته حتى ، ان بقي على تلك الحال سيسقط ميتا حتما '

وقف جيروم امام الباب الداخلي للقصر يذرع جيئة و ذهابا و هو يفكر بقلق

يحمل بين يديه منشفة بيضاء

" هاه ، اخيرا "

هرول جيروم باتجاه العربة المتوقفة امام البوابة الرئيسية ، بعد ان ترجل كيران ناوله جيروم المنشفة و خطى برفقته نحو الداخل ، تنحنح جيروم ثم فتح حديثا :

" لقد عادت السيدة "

" حقا ؟ "

لم ينتظر كيران ردا مؤكدا من جيروم ، هرول نحو الداخل ، كانت وجهته معروفة حتى من قبل جيروم الذي تنهد مستسلما و توقف عن اللحاق بسيده

بعد ان تجاوز كيران السلالم نحو الطابق الثالث و حدد وجهته صادف ماري التي خرجت من غرفة سينا للتو

" كيف حالها ؟ "

بعد تردد نضف حلقه و سأل

"بخير ، انها تغط في النوم الان ، هل أوقظها ؟"

" لا، لا داعي لذلك، يمكنك المغادرة "

انحنت ماري بطاعة ثم سحبت نفسها

2022/08/19 · 69 مشاهدة · 6673 كلمة
جوليا
نادي الروايات - 2025