" ماذا لديك ؟ راسبيتن "
زفرت الامبراطورة نفسا ثم عقدت حاجبيها بألم بينما تدلك صدغيها محاولة تهدئة الصداع الذي غزى رأسها
انحنى المعني بعباءته السوداء احتراما ثم رد :
" انه تحت السيطرة حاليا لكن دفاعاته ستنهار قريبا "
اقام ظهره ثم اتبع :
" هل ما زلت على قرارك يا صاحبة الجلالة ؟"
عندما لم يجد سوى الصمت جوابا واصل قائلا:
"صاحبة الجلالة ، هل يخيفك بقائه على قيد الحياة الى هذه الدرجة ؟ "
" لم يكن صائبا من البداية ، قرار صنع حامل السيف المقدس "
" لماذا تعتقد جلالتك ذلك ؟ "
"حتى ان كانت تلك النبوءة حقيقية ، ابقاء كيران على قيد الحياة سيشكل تهديدا كبيرا للإمبراطورية لأنه ان فكر في التحرك لن يستطيع شيء ايقافه حتى ان كان ذلك يستلزم موته ببطء "
" لا يبدو ان جلالتك تثق بسموه ؟ "
" ديميتريوس ساذج و جبان بما يكفي للاستسلام ، فقط استمر في المراقبة "
" كما تأمرين يا صاحبة الجلالة "
انحنى راسبيتن بطاعة بعد أن تلقى الاذن للانصراف ثم و وجه قوامه نحو الباب وعلى وجهه ابتسامة ماكرة اختفت و صاحبها خلف باب القاعة العتيق
فور اختراقه لنافذة الغرفة ، سُلط شعاع الشمس على عينيه ، رفرفت اهدابه السوداء ثم عُقد حاجباه قبل ان يميل برأسه الى الجانب الاخر فتسقط خصلات شعره الداكن الشبيه بريش الغراب على الوسادة
يُفرق جفونه باتساع بسيط ، بدت الرؤية ضبابية في عينيه الصافيتين لبرهة لكنه واصل رفع جفونه ببطء الى ان انكمشت كليا
استيقظ اخيرا ، استغرق الامر بعض الوقت حتى يعود الى وعيه حدق في السقف بشرود للحظة قبل ان يقاطعه صوت تنفس رقيق فأدار رأسه بذهول نحو مصدره
ينتشر الشعر الطويل بلون الغروب على نطاق واسع مثل السحابة ، اخذ نفسا عميقا عندما رأى المرأة النائمة بين ذراعيه ، رمش كيران بعيون متسعة مثل رجل مخمور ، لم يمنعه ثوب نومها الرقيق من الشعور بكل شبر من عظام ظهرها الضيقة وراء جلدها الناعم اللين
"مـ ما الذي حدث ؟!"
بعدها سرعان ما ادرك انه يحتضنها بحيث لا يسمح لها بالتنفس بأريحية ، سحب ذراعه على عجل ثم تجمد في مكانه ينظر اليها باستغراب و حيرة عارمة
" ا-انها ..نائمة بعمق حقا"
قرب يده ببطء بعد تردد و قام بإبعاد خصلات الشعر التي تغطي وجهها بحذر ، رموشها افتح قليلا من لون شعرها ، تتساقط مثل الريش المبلل
تتبع كيران بأطراف اصابعه جبهتها المستديرة وصولا الى نهاية جسر انفها ، مرر ابهامه على شفتيها الطويلتين اللينتين فدغدغت انفاسها اللطيفة اصابعه
انكمش وجهها بانزعاج من لمساته ،غمغمت:
" ماري ، فقط القليل بعد .. سأنهض "
صفعت يده ثم تقلبت الى الجهة الاخرى لتواصل نومها بلامبالاة تاركة كيران وسط حالة من الذهول يتساءل
'كيف لها أن تنام عميقًا هكذا بلا خوف بجانِب رجلٍ مُحتال؟!'
' لكن صدقا .. تبدو ظريفة جدا '
عندما شعر بزوايا فمه ترتفع و شفاهه تُمَطُّ سحب نَفْسَهُ من التيار الذي كاد يجره ، حث نفسه بإلحاح:
" لا تهذي ، عد الى وعيك ، عد الى وعيك "
انحرف وجهه و هو يسحب جسده بعيدا عنها ، لحظتها شعر بنسيج البطانية يلامس جلده مباشرة
' ما هذا ؟! '
ليهب بعدها نسيم عليل من النافذة المواربة و يتسلل اسفل البطانية فيلامس ساقيه العاريتين ، قشعريرة خفيفة هزت جذعه العلوي المكشوف
' ما الذي حدث بالضبط ؟ كل ما اذكره هو انني كنت ثملا و.. '
نظر الى سينا بعيون متسعة و فاه فاغر للحظات ثم حرك رأسه نافيا
' لا، لالا مستحيل لم اكن قادرا على الحراك حتى كيف لي ان .. '
بلل ريقه الجاف باللعاب ثم تمتم :
" ان علم ادوارد .."
صفع جبهته بقوة ثم اعتصر شفته السفلى بين اسنانه و اتبع :
" سوف يمزقني حتما ! "
ألقى نظرة فاحصة على المحيط حوله ثم عقد حاجبيه " ك-كيف وصلت إلى هنا ؟! " اخذ نفسا عميقا ثم اغلق عينيه يحاول تذكر شيء ما من ما حدث البارحة لكن لا شيء سوى شاشة سوداء فارغة
فتح عينيه ثم التفت نحو سينا ' مؤكد أنها تعلم تفصيلات الحادثة أو ايا كان ما حدث لكن .. لكن هل علي ايقاضها حقا ؟ ' حدق في شخصيتها النائمة للثواني ثم و بعد تردد فصل شفتيه
" سـ سينا "
هز كتفيها بلطف " سينا استيقظ " أنتظر كيران ايا من ردود أفعالها لكن عندما لم تستجيب لندائه وضع بعض القوة في يده
" همم .. "
فصلت جفنيها الثقيلين على مضض و جفلت من الضوء الساطع القادم من النافذة ما سبب لها صداعا شديدا ، حاولت فتح عينيها ببطء و نظرت اليه بعيون شبه مغلقة
" كـ كيران ؟ "
" اعتقد ان علينا ان نتزوج رسميا الان "
اطلقت انينا متألمة بينما تعتدل جالسة و تمسك رأسها الذي يخفق بيدها
" ماذا ؟ ما الذي تهذي به منذ الصباح كيران ؟ "
تأففت بانزعاج ثم اعتدلت جالسة على السرير تتثاءب
" لا تقلقي انا سوف اتحمل المسؤولية كاملة "
تجعدت جبهتها و عقد حاجباها ؛ يستمر ألم رأسها الذي يخفق بشدة كما لو ان شخصا ما يدق مسامير على جمجمتها رغم ذلك رمقته سينا بعين واحدة مفتوحة نسبيا ثم علقت :
" مسؤولية ؟ "
بالرغم من انه قرأ عقدة الجهل و عدم الفهم بين حاجبيها الا انه واصل قائلا :
" في الليلة الماضية ، انا .. اعني نحن حدث بيننا- "
" مهلا ! "
رفعت يدها تستوقفه ثم اتبعت :
"قطعت نومي فقط لتسمعني نصوصك الخيالية ؟ "
لكمت صدره بقوة ثم صرخت بعصبية :
" بالكاد غفوت قليلا ، انت كنت تحتضر ، بالكاد استطعت التعامل مع ذلك وكل ما لديك لتقوله هو الهراء؟! "
"مهلا ! ماذا ؟! "
" و ايضا .. هل تعتقد ان الحصول علي بتلك السهولة ؟ "
نفخت سينا الهواء لإبعاد خصلة الشعر عن مرمى نظرها ثم أضافت :
" برأيي عليك ان تخاف على نفسك اكثر ، حقا "
تراجع كيران نحو الخلف ثم سحب البطانية الى رقبته
" كـ كيف ؟ ما الذي يعنيه هذا ؟ "
ضحكت ساخرة على التعبير الذي صنعه ثم ردت :
" لا ترتعب، لم يحدث شيء ، لست مولعة بجسدك اساسا "
" اذا لما أنا عاري تماما؟!"
" حدث شيء .. " تثاءبت ثم اتبعت : " انت كنت تعاني من انخفاظ في درجة الحرارة لذلك كان علي اتخاذ اجراء سريع لإبقائك دافئا "
"عن طريق تعريتي؟ "
" لما تتحدث كما لو انك الوحيد الذي لا يستطيع تقبل ذلك ؟ بدل ان تكون ممتنا انت .. اتعلم ، كان علي ان اتركك تهلك "
"ماذا ؟ "
زفرت نفسا بحنق ثم رفعت خصلات الشعر عن وجهها و قالت :
" انت كيف تجاهلت مثل تلك الحالة المستعصية لست افهم ؟ "
" ما الذي تتحدثين عنه ؟ "
اعرب كيران عن عدم فهمه مقصدها فزفرت سينا نفسا بغضب ثم ردت :
" كيران لا تلعب بأعصابي لان قدرتي على التحمل معدومة ، تكلم، هل كانت تلك السجائر السبب ؟ "
انتظرت بصبر ردا على سؤالها ، وواصلة قراءة ملامحه لعلها تكتشف شيئا من الحقيقة التي يخفيها لكن بلا جدوى ،تنهدت بخيبة ثم ارجعت خصلات شعرها نحو الخلف و اعتدلت في جلستها مقابلة له
" حسنا انظر.. "
لعقت شفتيها و واصلت بنبرة هادئة متفهمة:
" اعلم اننا اتفقنا على عدم التدخل في حياة بعضنا البعض لكن الامر يختلف الان لأنك حامل السيف المقدس "
استطردت بجدية :
" انت حقا تجهل تماما مسؤوليتك ، اتعلم ، لو انني تأخرت فقط قليلا كنت ستهلك ، ليس فقط انت كل فرد من الامبراطورية صغيرها و كبيرها حتى اصغر حشرة "
اتبعت معاتبة بصوت شجي ممتلئ بالحزن :
" انت كيف تتصرف بلا مبالاة او مسؤولية؟! "
" انت كيف .. لو انني تأخرت .. فقط لثانية اخرى "
راقب كيران ثورانها المفاجئ باستغراب ، طريقتها في الحديث ، نبرة صوتها المتعبة و تنفسها المتقطع ومع ذلك كان هناك سؤال واحد يترد في ذهنه
' لماذا حقيقة كوني حامل السيف المقدس تهمها لهذه الدرجة ؟ '
" انت ليست لديك ادنى فكرة عن الفساد .. الفساد الذي سأسببه "
عقد حاجبيه بعدم فهم ثم علق " تسببينه؟"
سحبت سينا ماء انفها ثم قالت متجاهلة نظراته المستفهمة بفضول و التي تطالبها بالشرح
" مـ معالج من المستوى الثاني او الثالث كان سيفي بالغرض .."
اخذت نفسا متقطعا ثم زفرته و اتبعت :
ذلك الشخص الذي تفقد حالتي ذلك اليو- "
"راسبيتن ؟! "
اومئت برأسها و قالت :
" اليس معالجا رسميا اذا لما لم يفعل شيئا ؟ ام انك لم تقم بإخباره ؟ هو سيكون قادرا على علاجك ببساطة لأنه تخطى المستويات الثلاث بالفعل "
" اذا .."
فتح كيران عينيه على نطاق واسع ثم تمتم استنتاجه :
"طوال الوقت ، كان يماطل ؟!"
" من الذي يماطل ؟ "
انتظرت سينا بصبر الرد على سؤالها لكنها لم تجد سوى الصمت جوابا ، مجددا ، تنهدت ثم عقدت حاجبيها بانزعاج و صرخت بعصبية
" لا تتمتم كلامك تحدث بصوت مسموع "
التفت كيران نحوها ثم سأل بجدية :
"افهم من كلامك ان اي معالج من المستوى الثاني او الثالث قادر على علاجي ؟"
اومئت سينا برأسها مؤكدة
" ما المستوى الذي اجتزته ؟ "
" المستوى الثاني ، استغرق تعلمي وقتا لأنني لم اكن جزءا من البرج ، لقد قام ابي بتعليمي كل شيء تقريبا"
" والدك ؟ "
" والدي بالتبني ، عمل كساحر في البرج قبل ان يستقيل ، أيا يكن هذا ليس موضوعنا ، انت كيف .."
" كان ذلك الاجراء الوحيد المتاح .."
ارتدت شفتها السفلى ، قبل ان تتمكن حتى من طرح السؤال مجددا بدأ كيران في الافصاح فجأة دون سابق انذار
" بالرغم من ان السنوات تمر الا انني لم اعتد ، الامر فضيع ، حقا "
التفت كيران نحوها ، عيناه اللتان كانتا مختبئتين اسفل خصلات شعره حالك السواد المتساقط على جبهته كشفتا عن ألم دفين
" ذلك الالم فضيع حقا "
كرر بصوت مختنق مؤكداثم اتبع :
" كان علي تعاطيها حتى اتمكن من الوقوف بشكل مستقيم .."
بالنسبة لسينا نبرة صوته و هو يكافح لقمع العواطف التي تهدد بالظهور و انكماش وجهه كانت كافية لإثبات صدق تجربته
" بغض النظر عن المقابل الذي دفعته كنت اعلم ان الحدود قريبة لكنني لم اهتم لأنه لم يكن لدي خيار ، لم يكن هناك مجال للتوقف و لم تتاح الفرصة لذلك "
" لكن .. "
مررت سينا نظراتها القلقة على جسده ثم اتبعت :
" تدفق المانا في جسدك متذبذب و معظم القنوات عاطلة ، يدك مشوهة تماما و نظام تدفق الطاقة في جسدك يستغيث "
" كان علي التخلص من الفائض و تنظيم المانا في جسدي "
" مـ ما الذي تعنيه بتنظيم ؟! "
رفعت سينا حاجبيها و وسعت عينيها ثم قالت بصوت مرتفع :
" هذا ليس تنظيما انت تسربها ، تسرب الكثير منها "
" مـ ماذا ؟! "
قهقه كيران ضاحكا كمن سمع للتو نكتة مضحك و قال مُكذّبا :
انت تمزحين ؟ هذا هراء ، يستحيل ان يكون ما تقولينه صحيحا "
نفت سينا برأسها ثم شرحت :
" فقدانك للشهية و ارتخاء جسدك المفاجئ لو انك كنت تنظمها حقا هل كنت ستحصل على مثل هذه الاعراض ؟ "
' كيف علمت بكل هذا ؟! '
شحب وجهه ، اراد كيران السؤال عن المصدر الذي علمت منه التفاصيل عن حاله ، فصل شفتيه لكنه واصلت صفعه بالحقائق
" كان ذلك سيفلح لو ان نظام التدفق كان سليما لكنه عاطل تماما ، انت كنت تسلم نفسك للموت ببطء ، رباه من الذي ملئ رأسك بهذا الجنون ؟ "
سكتت للحظة ثم استرسلت بعد ان تذكرت شيئا ما
" ذلك اليوم ، انت قلت بأن لمسك لي يساعدك على الشفاء ، أنا أيضا شعرت بالغرابة حينها ، لكن بمجرد التفكير بأن ذلك الشعور بتلك الفظاعة .. انت لما لم تفعل ؟ كان عليك لمسي ، المسني! "
فتح كيران عينيه باتساع بسيط ثم ضحك في اللحظة لتالية و قال :
" ماذا ؟حقا ؟!"
رفرفت اهدابها بسرعة و تدحرجت حدقتاها جيئة و ذهابا فور ادراكها للسوء الفهم الذي علقت فيه
" أ-أعني .. انا .."
نظفت حلقها بحرج ثم اشاحت ناظريها بعيدا عنه و ردت متلعثمة :
" كان عليك اخباري ، في النهاية انت حامل السيف المقدس .. يـ يمكنني وضع بعض التنازلات "
" لما ستفعلين ذلك ؟ "
" ما الذي تعنيه بذلك ؟ كيران انت تجهل تماما مدى اهميتك "
اقترب و نظر في عينيها ثم صرح :
انا لا اؤمن بتلك النبوءة " ثبتت سينا حدقتيها على خاصته ثم ردت : " لكن عليك ذلك "
" لماذا ؟ "
" عليك ان تؤمن بها كيران "
' النظر الى هاتين العينين العنيدتين حقا ..'
تراجع ، تنهد كيران ثم ابتسم بخفة و قال باستخفاف و نبرة ساخرة :
" حسنا ، اعطني سببا وجـيها لذ- "
قبل ان يتمكن حتى من انهاء جملته باغتته ، لكمت سينا ذراعه بكل ما تملكه من قوة ثم صرخت بحدة :
" عليك ان تؤمن .. كل شيء ، حقيقي "
بعدها اطلقت تأوها ثم امسكت ذراعها وسط استغراب كيران و تمتمت :
" تلك هي الطريقة الوحيدة للحفاض على سلامة الجميع "
" ارجوك .. صدق " امالت رأسها و توسلت بنظراتها ثم اشاحت وجهها بعيدا فور شعورها بالدموع تهدد بالانهمار ، سارعت في أبعاد اللحاف عن جسدها ثم استقامت ووجهت قوامها صوب الباب
" و ايضا لا تضغط على ذراعك كثيرا لان ذلك مؤلم "
اراد كيران السؤال عن السبب لكنه عندما فصل شفتيه كانت سينا قد غادرت بالفعل ، مشت على طول الرواق وصولا الى غرفتها ، دفعت الباب ثم دخلت الغرفة تترنح بتعب لتفاجئ بماري التي استرسلت تمطر عليها بالأسئلة الكثيرة
" اين كنت ؟ لقد قلقت حقا ، قال جيروم انك ستقضين الليلة في جناح الدوق الخاص ، هل حدث ذلك حقا؟"
اومئت سينا برأسها
" احزري ماذا .. "
خطت سينا نحو السرير ثم اتبعت بإحباط :
" بروسبر كيران كينجي العظيم هو حامل السيف المقدس "
" ماذا ؟! كنت اعتقد أنها مجرد اسطورة "
القت سينا جسدها المنهك على السرير ثم عانقت ساقيها و تمتمت :
" يبدو ان العد التنازلي لفنائي بدأ بالفعل "
بعدها أغلق عينيها و اتستسلم للنعاس الذي اثقل جفنيها
مجددا .. انت كنت تنظر الي بازدراء ..
عندما وقع نظري على هيئتك اضطرب داخلي، بدوت ضخما بالنسبة لشخص منبطح على الارض ، قطع رأسه و ترك على الارض الرطبة ساكنا ، ابعدت بمقدمة سيفك الملطخ بالدماء التي تكاد تحول الى الاسود خصلات الشعر عن وجهي عندها تمكنت من رؤيتك بالكامل
في اللحظة التي دنوت فيها مني ، و طوال الثواني التي كنت واعية فيها واصلت النظر الي بازدراء ، رأيت ذلك في عينيك الزرقاوين المظلمتين و وجهك المكفهر ملطخ بالدماء ، ابتسامتك الساخرة و تعبير الاشمئزاز و القرف ، لحظتها اردت ان اخبرك بأنني لست المذنبة لكنني لم استطع ذلك ، كما لو انه قدر لي ان اراقب فقط ، اراقبك وانت ترفع قدمك ثم تسحق وجهي بلا رحمة ، اقسم انني شعرت بمعالم وجهي تسحق بوحشية ولم يكن هناك مجال للمقاومة، انت كنت المنتصر طوال الوقت .. طوال الوقت
" رباه! "
شهقت بقوة ثم انتفضت من مكانها هلعة ، تئن محكمة قبضتها على الجانب الايسر من صدرها غير قادرة على اخذ نفس بسيط ، الهواء المختنق في صدرها يرفض الارتفاع لمواصلة دورة الشهيق و الزفير ، الدموع التي تجمعت في الجفون المتورمة انهمرت بغزارة بينما ثبتت نظرها على بقعة تحدق فيها بعينين جاحظتين
" مـ مجددا .." لا تزال صورته عالقة في ذهنها تعرض امام ناظريها " انه حقيقي .. لم يعد هناك شك في ذلك " تشبثت بشعرها بقوة وغرزت اضافرها في فروة رأسها بينما تصرخ و ترتجف بهستيرية " حقيقي .. انا اموت " " ا-انا .. أموت " تستمر صورة كيران الدموية من الحلم تحوم في عقلها ، تدور و تدور دون توقف ، و لقد كان ذلك كافيا لإيقاظ الصوت الشيطاني بداخلها الشبيه بفحيح الافعى ، مجددا
يمكنني ان اخلصك منه ايليا
هيا اسمح لي ، اعلم انك تريد ذلك بشدة
هيا ايليا
اذا عليك ان تستسلم للموت بينما هو يحصل على كل المجد
" لا ! .. انا اريد ذلك ايضا .. انا اريد ، اريد .."
" سينا .. هل انت بخير؟ سمع الجميع صراخك من الـ " عندما اقتحمت ماري الغرفة جفلت ثم تسمرت في مكانها ، سرب الخوف كل الطاقة من ساقيها ما جعلها تشعرت بالخدر فيهما لكنها قاومت
" سـ سينا "
بعد ان استطاعت فك عقدة لسانها دفعت ساقا للتقدم ، هرولت باتجاه سينا التي كانت تصفع وجهها بقوة و اطراد و دون توقف و صرخت : " سينا توقفي !"
ابعدت ماري يدي سينا عن وجهها المتورم المحمر ثم كبلت معصميها لكن سينا استمرت تنتفض و تصرخ
" حقيقي .. حقيقي "
حررت سينا يديها من قبضة ماري ثم بدأت تنتف شعرها بقوة لتجعل من الشعر المتشابك حولا اصابعها يصبح اكثف
" سينا .. "
نظرت ماري بقلة حيلة الى الحالة التي آلت اليها سينا غير مدركة بأن الدموع التي اغرقت عينيها انهمرت بغزارة ، احتارت وهي تفكر في حل ما رغم معرفتها التامة بأن ما تبحث عنه غير موجود ، عندما خلصت الى تلك النقطة رفعت ذراعيها ، لفت ماري ذراعيها حول جسد سينا الذي ينتفض بهستيرية و عانقتها بكل ما تملكه من قوة ثم دفنت رأسها بين رقبتها و كتفها
" ارجوك .. سينا توقفي "
توسلت و قاومت المرات العدة التي قامت فيها سينا بدفعها بعيدا و لكمها بعنف مرارا و تكرارا وواصلت تضيق العناق اكثر فاكثر. مع مرور الوقت تباطأت وتيرة تنفسها و سكنت شيئا فشيئا " لماذا .. لماذا بدا حقيقيا جدا هذه المرة ؟ "
عند سماعها للصوت الخافت الابح تراجعت ماري ببطء ، كورت وجه سينا بيديها المرتعشتين ثم ابتسمت و قالت مطمئنة :
" لا بأس ، لقد ذهب "
انكمش وجه سينا بألم ، سقطت زوايا فمها و ارتجف ذقنها " انا خائفة .. خائفة جدا "
اسقطت سينا رأسها على كتف ميش و اطلقت العنان لنفسها ، استرسلت تنتحب بحدة
" خائفة جدا .. "
ربتت ماري على ظهرها و مسدت باليد الاخرى شعر سينا الفريد
" هذا صعب .. ماري انا لا استطيع "
تمسكت سينا بملاءات السرير بقوة ثم صرخت باكية :
" تلك مجرد كذبة ، ليس سهلا ابدا ، لم ولن اعتاد ابدا ماري "
كورت ماري وجه سينا بيديها ثم مسحت الدموع المنهمرة على خديها و قالت :
" انت تعلمين انك بطلة ، قال والدك ذلك اليس كذلك ؟ "
اومئت سينا برأسها و قالت بنفس متقطع
" لكن .. لكن انا اريد ان اعيش ايضا .. اريد ان اكبر و اشيخ ايضا ، كشخص عادي .. اريد ان احيا "
انفجرت مجددا تبكي بحرقة و تصرخ :
" اريد ان احيا " تمسكت بقوة بكتفي ماري و صرخت " ابي انا لا استطيع هذا "
" ابي ارجوك "
كانت تلك الكلمات التي استطاعت حبالها الصوتية ايصالها قبل ان تأخذ اجازة ، اجتاح جسدها الاجهاد و التعب بسبب انهيار المشاعر ، لم يكن هناك المزيد من الطاقة لاعالة نفسها ،ارتخى جسدها مع الشعور بثقل رأسها يكاد ينفجر من كثر الصداع، أسقطت راسها على كتف ماري و حدقت بعيون ذابلة رطبة الى بقعة ما على الجدار بشرود
" قال ابي انني المسؤولة الوحيدة على ارواح الكثيرين و اصر على ابقاء ذلك في ذهني "
قالت سينا بصوت ابح مهضوم الاحرف بالكاد يسمع ثم رفعت رأسها و نظرت الى ماري
" لسبب ما كان واثقا .. واثقا بأنني لن اخذله "
مسحت سينا دموع ماري بكفيها ثم ابتسمت و عبرت عن امتنانها
" شكرا لك ، ماري "
سحبت ماري ماء انفها ثم كفكفت الدموع المتبقية و قالت :
" اعتقد انه من الافضل لك التخلي عن العقد الان .. خاصة بعد اكتشاف هذه الحقيقة المفاجئة "
" لا .. هناك الكثير من الامور التي علي معرفتها " استقامت من مضجعها و كافحت الدوخة التي اعترتها فجأة ثم خطت باتجاه الحمام بحذر، نظرت الى انعكاسها على المرآة مذهبة الجوانب ثم فتحت صنبور الماء " الكثير من الارواح .. الكثير " ذكرت نفسها ثم دنت من الحوض ، حدقت في المياه العذبة التي تتدفق لبرهة ثم اغترف منه و غسلت وجهها المحموم بعدها انتشلت المنشفة و جففت بها وجهها
" ماري ، الان هلا احضرت لي الفستان الابيض المزين بحبات الفراولة الحمراء من فضلك، اريد تجربته "
" اوه! حـ حسنا ، ماذا عن شعرك ؟ "
" سأفكر في ذلك بعد الحصول على حمام منعش "
" هل انت متأكدة من انك ستكونين بخير ، ألا تحتاجين لمساعدة ؟ "
" ابدا "
بعد سماعها للصرخة المحذرة جمعت ماري الملاءات ثم حملتها و غادرت الغرفة
في تلك الاثناء و بعد دقائق من مغادرة جيروم لجناح سيده عاد مجددا رفقة الشخص الذي طلب منه احضاره ، الرجل الذي كان يرتدي رداء اسود دخل الى الغرفة " كاميل " رفع المدعو كاميل غطاء الرأس ليكشف عن ملامحه الفريدة ، الشعر الابيض الناعم خفيف يتساقط على جبهته الصغيرة و زوج من الاعين الكبيرة شديدة السواد كالزيتون و بشرة سمراء داكنة لامعة .انحنى احتراما ثم اعتدل في وقفته و فصل شفتيه "سموك ، هل هناك خطب ما سيدي؟" نهد كيران ثم استدار بعد ان كان واقفا يطل من النافذة و رد : " يوجد كاميل .. يوجد " " فهمت " حدق كاميل في الارضية لبرهة ثم رفع حدقتيه مجددا " قال ان الامبراطورة طلبته لأمر مهم ، مهمة ربما ، لكنه لم يفصح عن التفاصيل"
رفع كيران حاجبا ثم زم شفتيه و علق " تقول مهمة اذا ؟ "
اومئ كاميل برأسه مؤكدا و راقب كيران يعتدل جالسا على كرسيه
" حسنا ، يمكنك الانصراف "
انحنى بطاعة ثم استدار و غادر
" وقت العمل "
جلست سينا على الكرسي و بدأت ترتيب الفوضى من اوراق و وثائق مكدسة على المكتب بينما تتذمر
' أنا لماذا اترك هذه الفوضى دائما لماذا ؟ ' تأففت و واصلت ابعاد الاوراق جانبا إلى أن وقع نظرها على شيء زغبي اسود " اوهاه ! " تراجعت خطوة نحو الخلف بفزع تربت على صدرها " م-ما هذا ؟ " حدقت بالشيء الاسود لثواني ثم استجمعت شجاعتها و مدت يدها تتلمسه
أوه! شعر مستعار ؟ "
نظرت الى الاعلى محاولة البحث في ذاكرتها عن ذكرى ترتبط بهذا الشيء ، فكرت داخليا
' اين ؟ اين رأيت ..صحيح ، لقد استخدمته ذلك .."
فتحت عينيها على مصراعيهما ثم صرخت :
" ذلك اليوم ! "
' إلهي العزيز ! '
صفعت سينا جبهتها بقوة ثم تمتمت :
" سحقت الرجل "
"ما الذي يفترض ان يعنيه هذا؟ اشرحي بكلام مفهوم "
" تبين انه تعمد ذلك حتى يستطيع حماية ميش "
" حقا ؟! "
اومئت برأسها
" جيد ولما انت متوترة ؟ "
" الا تذكرين ، لقد نشرت العديد من الاشاعات عنه ذلك اليوم ، حطمت سمعة الرجل اكثر ، ما الذي سأفعله ؟ ان علم بأنني الفاعل سينتهي امري "
" صحيح "
"انا لا اريد لهذا العقد ان ينتهي بهذه السرعة"
"لاكون صادقة لو انني كنت مكانه كنت طلقتك حتما "
حقا ؟
اومئت ماري برأسها
" اه أموالي " ربتت سينا على صدرها ثم خاطبت ماري
" فكري معي في حل ، ان عاملته بلطف سينسى ذلك و لن يعاقبني "
" صدقا ، لا اعتقد ان امثاله يتنازلون و يتجاهلون الاخطاء الكبيرة حتى المرأة التي احبها بجنون عندما اقترفت خطأ بسيطا طارت ، تفهمين ما اعنيه ،اليس كذلك ؟ انت لا تريدين ان نتحدث عن مكانتك بالنسبة له " "
آه معك حق ، ما الذي علي فعله إذا ؟ "
عضت سينا شفتها السفلى بقوة ثم توسلت ماري بنظراتها لإيجاد حل
" حاولي تطبيق خطتك، من يدري قد يلين قلبه الحجري "
" يلين طبعا ، يلين ، انا بنت حلوة ستجعل قلبه يلين طبعا طبعا " أدلت بثقة ثم تحولت في اللحظة التالية قضمت اضافرها بتوتر ثم قالت بقلق
" لكن ماذا لو لم يلن ؟ "
مررت ماري ابهامها على رقبتها ثم همست :
" سيقضى عليك " " آه يا قلبي " تخيلت نفسها مربوطة الأطراف تنتظر لحظة قطع رأسها فانتشرت قشعريرة باردة ارتعش على أثرها جسدها بقوة ، حركت رأسها بسرعة تطرد تلك التخيلات ثم صرخت : " يلين، يجب أن يلين ! " رفعت يديها عاليا ثم توسلت : " إلهي الحبيب إجعله يلين ارجوك " و لقد أتاها الرد ، إذ فور انتهائها ارتفع صوت قرقرة معدتها ، أسقطت سينا نظرها على بطنها ثم قالت : " اعتقد انها إشارة ، إشارة ل .. مهلا ! بعيدا عن هذا كله ، لما تأخر الطاهي ؟ "
" انها الجمعة "
" واو حقا؟! لم أكن اعلم ذلك ماري و غدا السبت أتعلمين ؟ " فهمت ماري الهراء الساخر الذي قالته تنهدت ثم قالت :
" يوم الدوق .. اليوم الذي يطبخ فيه طعامه بنفسه "
" حقا ؟! لم أكن أعلم هذا "
رفعت ماري أحد حاجبيها
" أنا جادة لست أسخر هذه المرة "
زمت شفتيها ثم قلصت عينيها بخبث و قالت :
" هذا جميل .. جميل جدا، انها الاشارة "
" معذرة ؟ لم افهم "
استقامت سينا من مكانها ثم تحركت باتجاه ماري ، ربتت على كتفها و قالت
" لا تهتمي ، حسنا ؟" غمزت ثم اتبعت " سأصلح كل شيء "
بعدها غادرت في تلك الأثناء كان جيروم يقف أمام الباب ، اخذ نفسا ثم طرق الباب " اوه! جيروم ، هل هناك خطب ما ؟ " استرق جيروم النظر الى الغرفة باحثا عن شيء ما ثم سأل :
" السيدة ، اين هي ؟ "
" قـ قالت بأنها ستتفقد المطبخ لأنها جـ- "
" ماذا ؟" صرخ جيروم ثم اتبع : " لكن سموه هناك ، وهو غاضب جدا ، اتيت لتحذيرها من اقحام انفها "
تبادل جيروم و ماري نظرات الخوف لثواني ثم اندفعا نحو الخارج مهرولين باتجاه المطبخ
' لن انكر انها فتحت عيني على العديد من الامور المبهمة ، ما قالته عن العقار المهدئ هل كان ذلك صحيحا ؟ قال راسبيتن بان علاجي امر مستحيل لكنها فعلت ذلك ، هل كان يتهرب من معالجتي ؟ ام ان ديميتريوس .. اللعنة ، هذا معقد ، هناك قطعة ناقصة ، احد الطرفين يكذب ، لا اعتقد ان سينا ستجني شيئا من ذلك كما انها قامت بمعالجتي حتى ديميتيوس ليس لديه سبب .. اعتقد ، تبا ! اين الخطأ ؟ '
" رباه، يبدو مركزا تماما "
عندما انتبه كيران للصوت الهامس خلفه افاق من دوامة افكاره ، رمق سينا التي كانت تتسلل خلفه من فوق كتفه ثم التفت نحوها و كتف ذراعيه امام صدره و قبل ان ينبس ببنت شفة
تجمدت سينا في مكانها كلص تمت الاطاحة به و تحججت بارتباك :
" مــ ماء "
اومئ برأسه ثم استدار مواجها اياها بظهره و عاد لتقطيع اللحم
' لا اعتقد انه علم بعد .. ام انه فعل ؟ '
نظفت سينا حلقها ، شابكت ذراعيها خلف ظهرها ثم اقتربت ببطء منه ، فكرت في طريقة لفتح حوار معه
" اذا .. كيف تشعر ؟ "
" اشعر بالخدر في ذراعي بين الحين و الاخرى " رد كما لو كانت إجابته جاهزة تنتظر فقط السؤال ، استغربت سينا ذلك لكنها تناست ذلك و تفحصته بنظراتها
" هل .. هل قمت بتغيير الضماد ؟"
" امم .. ماذا عن خاصتك ؟"
رد بينما يقوم بقلب المكونات على المقلاة
" اوه! يدي ؟.. انها بخير ليست سوى بعض الخدوش الطفيفة ليست بشيء يدعو للقلق "
" جيد "
"يبدو انك جائعة سوف اسكب لك الـ- "
" لا !"
تشبثت بذراعه فجأة ثم صرخت :
" كيران هناك ما اريد قوله "
وضع الملعقة الخشبية جانبا ثم التفت نحوها و سأل :
" ما الخطب ؟ "
" في الحقيقة أنا .. لقد اقترفت خطأ "
" خطأ ؟ " رفع كيران أحد حاجبيه ثم رمقها بنظرة حادة
" حسنا ، ان ضميري يؤنبني اساسا ، يكفي ، لا تنظر الي بتلك الطريقة "
تراجعت خطورة نحو الخلف ثم اتبعت :
" اعلم ، ماري لديها حق ، لقد بالغت حقا ، اعترف بذلك ، لكن انت ايضا كيران .. كنت السبب في ذلك "
" ما الذي تقولينه ؟ "
" شيء، أنا .. اوهاه ! "
نظرت الى السكين الضخم بين يديه ثم ابتلعت ريقها و نظرت حولها الى المكونات المرصوصة على سطح العمل ثم خطفت عبوة صغيرة و صرخت :
" مـ ملح !"
مدت العبوة ثم اتبعت بصوت معتدل مع ابتسامة مشدودة :
" اعلم انك تحتاجه .. متأكدة من انك تحتاجه "
اخذ كيران العبوة من يدها مع تعبير الاستغراب على وجهه ثم قام برش القليل، راقبها بريبة وهي تتجول في المطبخ و تتحسس كل شيء من اواني الطبخ النحاسية المعلقة على الجدار الى خزانة التوابل
" هل تحتاج هذا ؟"
" ماذا عن هذا ؟ "
" كيران الملح ؟"
نفى برأسه للمرة المئة ثم استنشق بخشونة يحاول كتم غضبه
" لا تريد؟ ، حسنا "
وضعت العبوة في مكانها ثم أخرجت أخرى و قالت :
" ماذا عن هذه ؟ بالحديث عن هذه ما هذه ؟ "
" سينا ما خطبك اليوم ؟ "
القى سؤالها بعصبية فجفلت بفزع ثم تراجع و عاد لتقليب المكونات و تقطيع الخضار
استمرت سينا تحوم حوله و تعرض عليه التوابل و تسأله عن المكونات مشتتا انتباهه ما جعل غضبه يتراكم و عندما فتحت فمها
" كيران هذا- "
" اللعنة توقفي !"
انتفض جسدها بفزع ما جعلها تفقد السيطرة على العبوة الممتلئة بمسحوق احمر اللون فانسكب على وجهها و تسرب الى عينيها
" عـ عيناي ! " صرخت متألمة فوضع كيران ما بيده جانبا و التفت نحوها
" من يدخل انفه في عبوة الفلفل الاحمر و اللعنة سينا ؟ "
صرخ كيران معاتبا ثم تقدم نحوها
" لقد افزعتني ، انت افزعتـ .. عيناي تحرقانني"
" تعالي الى هنا دعيني انظر .. سينا "
تراجعت خطوة نحو الخلف
" أنت .. انت السبب .. أ-أنت "
واصلت سينا التراجع في كل مرة يقوم فيها كيران بالتقدم خطوة نحوها كما لو كانت خائفة من العقاب صارخة :
" عـ عيناي تؤلمانني ! "
" لا تفركيهما!" صرخ كيران محذرا ثم هرول نحوها
" لكنه يحرق كثيرا .. جدا "
كبل معصميها بيديه الكبيرتين ثم صرخ:
" توقفي عن ذلك .. سينا ! "
" لكنه يحرق .. يـ يحرق كثيرا "
شتم داخليا ثم سحبها خلفه باتجاه المنضدة بجانب الشرفة ثم اجلسها على الكرسي
" انتظري هنا "
أمر ثم غادر للحظات ، لم تستطع سينا سماع شيء بعدها سوى الهدوء لدقائق لكنه سرعان مع تلاشي فور اصطدام شيء ما بالطاولة فجفلت
" سينا "
" هاه ؟ "
" ابكي ، ابكي بشكل جميل "
" ماذا؟! " صرخت
" سيساعد ذلك على تدفق الدموع ، ثقي بي ، فقط فكري في اكثر الامور السيئة التي حدثت لك "
' امور سيئة ؟ ذكرياتي الاكثر سوءا؟ '
لم تكن سينا بحاجة للتفكير المطول ، كما لو انها كانت تنتظر تلك الفرصة بفارغ الصبر و منذ زمن طويل ، امام ناظريها عرض ، اكثر مشهد لم تستطع تقبله عصف بذهنها
[ نهاية طريقنا ، سينا ]
استطاعت سينا سماع تلك الكلمات ، النبرة الجافة ،الخالية تماما من أي عاطفة ، مجددا في اذنيها ، الالم نفسه يعصر قلبها كما لو كانت المرة الاولى
سقطت زوايا فمها بعبوس ثم ارتجف ذقنها و برزت شفتها السفلى
" أتعلم .. دائما مربيتي دورثي كانت محقة ، قالت المرأة : "سينا توقفي على الثرثرة الرجال لا يحبون النساء الثرثارات يسأمن منهن " و لقد كانت محقة ، ماذا حدث؟ الرجل الذي .."
حاولت ابتلاع الغصة و استعادة صوتها الذي انقطع فجأة ثم اتبعت :
" ... الرجل الذي امسكته بإحكام انزلق و هرب ، افلت من يدي ، هرب و طار ، ذهب بعيدا ، ماذا افعل ؟ ماذا افعل انا الان ؟ "
" كل شيء مشوش ، خطواتي التي درستها بانتباه الواحدة تلوى الاخرى .. "
شيئا فشيئا بدأ صوتها في الارتفاع ، ابتلعت انفجار الدموع التي استرسلت تنهمر بغزارة و واصلت سينا انتحابها بالرغم من ان صوتها استمر في التقطع و انفاسها ايضا
اتبعت قائلتا :
" كل شيء .. عدت الى الصفر مجددا "
" بسببه انا عدت الى نقطة البداية اللعينة "
" هو لا يدري كم كان ذلك صعبا "
" لا يدري كم من الافعال المجنونة ارتكبت لأتخطى كل شيء و أصل اليه وبدل الاطمئنان على سلامتي و مواساتي قام برمي جانبا كخرقة بالية "
" بسببه لم يعد الطريق واضحا بعد الان "
" كل شيء ضبابي و-"
" كان هذا عملا جيدا "
" ماذا ؟ "
فتحت عينيها ببطء عندها بدت الرؤية ضبابية مضطربة كلوحة مختلطة الالوان لم تكتمل
" انت .."
شيئا فشيئا مع مرور الوقت و ببطء بدأت دموعي المنسكبة تجف ، في تلك اللحظة شعرت بأن الزمن تباطء فجأة ، وجهه القلق و انفاسه التي كانت على الاغلب السبب في جفاف مجرى الدموع ، لا تزال عيناي تحرقانني و جفوني كذلك ربما بسبب الدموع الساخنة التي كانت تنهمر فيعلو شعور الحرق و اللسع اكثر فأكثر
لكن ما اجهله حقا هو السبب .. السبب الذي جعلني اعلق على مظهره ، انامله الرطبة التي تلامس وجهي مع كل حركة دائرية يقوم بها حول عيني بعناية و انتباه شديد و تلك الابتسامة ..
في النهاية و بعد محاولات لتبريد جفونها المشتعلة هدأت الحرارة و خمدت ، مرر كيران ابهامه على رموشها ثم ابتسم و قال :
" تلك ليست نهاية العالم "
' كيران حقا .. كيران حقا لديه ابتسامة واسعة جذابة تُظهر صفي اسنانه البيضاء و تتقوس عيناه الصغيرتان و .. '
" هاه ؟ "
استفاقت من شرودها و راقبته وهو يرفع الاغراض من فوق الطاولة
" عندما يهجرك شخص ما ، تلك ليست نهاية العالم "
كتفت ذراعيها امام صدرها ثم رفعت احد حاجبيها و ردت :
" لا تتحدث عن ذلك لأنك لم تكن قط الطرف الذي يُهجر "
ابتسم بخفة
"من قال ذلك ؟ تيم نيوز ام .. "
نقر على ذقنه مفكرا ثم اتبع :
"بارلينغتون؟"
بالرغم من ان ابتسامته التي ختم بها كلامه كانت ساخرة في المقام الاول الا ان سينا كانت على يقين من أنها رأت طيف ابتسامة حزينة على وجهه قبل ان يستدير
" اذا انت .."
" ليس كل ما تعرضه الصحف صحيحا هم يهتمون اكثر بالجانب السيء من الحدث، حتى ان كان بسيطا و لا يكاد يذكر هم يقومون بتضخيمه، الصدق و المصداقية يكاد يكون منعدما كل ما يهم هو البحث عن ما يرضي القارئ فترتفع المبيعات ، انا لا اتحدث عن ما هو سيء فقط حتى الاخبار الجيدة تخضع للتضخيم "
"لهذا السبب انت لا تظهر في المؤتمرات الصحفية كالشخصيات البارزة الاخرى " تمتمت استنتاجها
" اولا، لدي جدول عمل مزدحم طوال الاربعة و العشرين ساعة ، ثانيا لست محبوبا لدى العامة و بالتالي سيحرفون ما اقوله في كل الاحوال، ثالثا .."
كما لو ان ما يريد قوله لامس فجأة جزءا حساسا منه ، أطبق كيران شفته و ابتلع جملته المجهولة ، و عندما طال صمته نطقت سينا مُذكرةً :
" ثالثا ؟ "
نظرت سينا بعيون متسعة فضولية تترقب ما سيقوله
" لما انت مهتمة بهذا ؟ "
نقر على جبهتها فتأوهت
' لعين '
ثم فركت موضع الألم بينما تشتم كيران في سرها
" حسنا لا تكمل، بدل ذلك .." اشاحت ناظريها بعيدا ثم أضافت :
" أ-أنت .. هل انت غاضب ؟ "
"حسنا ، لأكون صريحا علي ان اكون غاضبا ، غاضبا جدا ، لكن حاليا .. ليس لدي الاذن لفعل ذلك "
" إذن ؟ ما الذي تقو- "
كرد على حركته المفاجئة تراجعت سينا نحو الخلف فاصطدم ظهرها بالكرسي و نظرت بعينين واسعتين الى وجهه القريب
" بدل ذلك ، لما تعتقدين دائما بأنني سأؤذيك ؟ "
استند بيده اليمنى على الطاولة و باليسرى على الكرسي يسجنها بين ذراعيه ثم اتبع :
انت دائما ترتجفين عندما انظر اليك اشعر بأنني شخص خطير و مرعب ، هل عليك ان تشعريني بذلك دائما ؟
لماذا تعتقدين بأنني سأؤذيك طوال الوقت ؟
لست اعلم ، انت تعبث هنا و هناك ترتكب جرائم شنيعة ببساطة تماما كما تتنفس ، قال جيروم انه ليس عليك ان اقلق او اخاف منك لكن الان انت حامل السيف المقدس
نعم ، اعتقد ان هذا سيحسن صورتي لك
ليس لي .. ليس لي تحديدا، ستتغير صورتك لدي الجميع لكن ليس لدي
لماذا ؟
' ببساطة لأنك الشخص الذي سيضع حدا لحياتي وانا لا استطيع الاعتراف بذلك لأنني جبانة و لا اريد الموت الان '
لم تستطع سينا قول ذلك الا داخليا ، اخذت نفسا ثم فتحت فمها
انتما الاثنان! ما الذي تفعلانه ؟!
التفت الاثنان نحو مصدر الصوت حيث يقف جيروم و ماري و على وجهيهما نظرة لا تبشر بالخير
تم الامساك بنا لآننا لم نفعل شيئا لكن بالنسبة لماري و جيروم كان ذلك جرما لا اصدق انهما اتفقا حقا اتفقا على جعلنا غير متفقين
انت تسيئين الفهم ، لم يحدث شيء ، حقا وايضا يجب ان أتفق مع رب عملي
عن طريق اللمس ؟
انت لا تفهمين لقد كان يساعدني
" سينا ، انا مكلفة برسم حدود لتلك العلاقة ، انت عليك ان تبقي بعيدة عنه "
" ماذا ؟ مكلفة "
" الا يكفيك معرفة أنه حامل السيف المقدس ، إن عرف حقيقتك ستهلكين "
" سأهلك في كلتا الحالتين حتى إن كان يجهل حقيقة من اكون" صرخت سينا ثم اتبعت بنبرة يائسة
" في النهاية و مهما فعلت علي حمايته .. حمايته ليقتلني مستقبلا ، انا ليس لدي خيار حقا ، ليس لدي خيار سوى التمثيل و تغيير جلدي كالسحلية حتى لا اثير شكوكه "
ام انك تريدين مني ان اركض نحوه و اقول بلا مبالاة يا كيران مفاجأة انا غريمك ، انا المختار
القدر فوض ذلك ، انا سأموت بينما عليه هو البقاء على قيد الحياة و التأكد من حدوث ذلك ، مهما كلف الامر
صكت ماري اسنانها ثم تمتمت بحنق
" ليته يهلك، ليت نزلة البرد التي اصابته تسوء فيهلك "
" ماذا ؟ هل اصيب بنزلة برد ايضا ؟! "
' انا لم ادرك حتى متى بدأت في الثرثرة ، كان ذلك وشيكا ، تلك المرأة حقا .. لما أستمر في تبرير موقفي لها ؟'
" اذا .. ما الذي كنت تريد قوله ؟ "
أخرجه الصوت المخاطب من شروده فانتبه كيران للرجلين الواقفين امامه
" نفقات بانشي و ابنها و .. " زفر نفسا بتعب ثم اتبع : "و الجدة "
" حقا ؟! اعتقدت انه عند عودتي ستكلفني بدفن جثة زوجتك المزعومة ، خاب ضني " تجاهل كيران ثرثرة غريغور ثم قال : اعلم انكما عدتما للتو لكن هلا تكفلتما بذلك ؟
بالطبع ،لا بأس ، لكن هل انت متأكد من انك بخير ؟ سأل جيرارد
" اعتقد انني اصبت بنزلة برد لا تهتما "
دلك صدغيه ثم اتبع :
" من سيلتقي بالجدة ؟ "
" سألتقي بالجد لكن لدي شرط " تطوع غريغور
" ما هو؟ "
انها تعد فطائر لذيذة اسمح لي بالبقاء لبعض الوقت ، لن استطيع تركها بما انها تعتبرني حفيدها ، انت تعلم "
" حسنا غريغور ، لك ما تريد "
اومئ كيران برأسه موافقا ثم التفت نحو جيرارد
" جيرارد ؟ "
" سوف اهتم بالأمر "
انحنى الفارسان بطاعة ثم خطى الاثنان بخطى واسعة متناسقة مغادرين و سرعان ما اختفيا خلف الباب
' تبا ، ان جسده بالكاد يتعافى ، لم يكن ينقصني سوى نزلة البرد هذه '
راقبت سينا من بعيد جيروم و هو يغادر الجناح ثم انتظرت الى ان اختفى تماما ثم استجمعت شجاعتها و توجهت الى مكتبه ، وقفت امام الباب لبرهة ثم نظرت حولها للتأكد من ان لا احد في الجوار ثم و بعد تردد فتحت الباب بحذر و دخلت بهدوء
بخطوات بطيئة و حذرة اتجهت نحو الغرفة ثم توقفت على عتبة الباب و بحثت بناظريها عنها
' انه نائم '
نظرت الى الارتفاع على السرير ثم اقتربت بصمت ، جلست القرفصاء تحدق في وجه كيران بتمعن تقتفي ملامح وجهه بأصبعها
' كم هو جميل عندما يغلق فمه ، حسنا هو جميل في كلتا الحالتين لكنه عندما يثرثر بالهراء يصبح مزعجا '
انت جميل جدا عندما تغلق فمك اتعلم ؟"
" حقا ؟ "
سأل بصوت ناعس ثم فتح كيران عينيه كاشفا عن الزرقة التي كانت مختبئة قبل لحظات ، فأومئت سينا برأسها
" جيد "
نقر على جبهتها ثم اضاف:
" خصم عشرة بالمئة "
" ماذا ؟! لماذا ؟! "
" تلك إساءة سينا كينجي، الا تذكرين .. " فرك عينيه ثم اتبع "شروط العقد "
" أو ! وو هذا ليس .. انا لم اقصد ، كيران انا "
اعتدل جالسا على السرير ثم قرب وجهه من خاصتها و سأل :
" ما الذي تريدينه ؟ "
" لا شيء ، انا فقط .. اتفقدك "
" جيروم لا يعلم بأنك هنا أليس كذلك ؟"
ضحكت سينا بخبث ثم همست:
" لقد تسللت الى هنا ، لم يرني "
سحب ماء انفه ثم رفع خصلات الشعر المتدلية عن عينيه و قال بصوت متعب ابح :
" أنا مصاب نزله برد ، انت لا تريدين ان تصابي بها ايضا "
" انا بالفعل لدي طريقة فعالة لعلاجك ، اتريد ان تعرف ؟"
" ما هي ؟ "
" اولا لنجعلك تأكل هذه البرتقالة و بعدها ستقفز كالثور"
رفع كيران أحد حاجبيه " ثور؟ "
تنحنحت ثم ضحكت بارتباك بعد ان دركت الوضع، ابتسمت ابتسامة واسعة ثم حاولت لاصلاح الموقف
" ثور .. ثور متحضر جميل "
" الاعتراض لا يوجد دعني اقوم بدور الزوجة الموهوبة الان ، انظر كم هي جميلة مثلي "
امسكت البرتقالة بكلتا يديها ثم رفعتها و قربتها من وجهها
" برتقالة كبيرة و جميلة مليئة بالعصارة ستساعدك على التحسن "
' انها تتصرف كما لو انها تَعرض لإعلان اشهاري ' غطى كيران فمه محاولا كتم ضحكته بينما يراقبها وهي تكافح لتقشير البرتقالة
" انت تضغطين عليها ستتسخين "
" لا انا متحكمة بالرغم من ان القشرة صلبة و ترفض التقشر "
هاه رأيت اتسخ فستانك الان
نبرة صوته المعاتبة
انت لماذا لا تستمعين
" برتقالة عنيدة " عبست ثم تحججت : "لكنها البرتقالة"
توقف ، توقف ، دعي عنك ، أعطني
اا لا يمكن انت المريض
لا بأس سينا ، اعطني
ما دمت مصرا .. خذ
مدت صحن البرتقال بعبوس ثم ناولته السكين و راقبته و هو يقشر البرتقالة ثم يرشق الشوكة في قطعة البرتقال ثم مدها له
" خذي "
" لي ؟!" اتسعت عيناها بدهشة ثم رفضت بحدة : " لا لالا انا لا اريد انت عليك ان تأكلها كي تتحسن "
" لا بأس خذي هيا "
" كيران "
" انا مصر ، خذي "
بدل ان يكون كيران الشخص الذي يتم الاعتناء به ، اصبحت سينا تلتهم قطع البرتقال التي يقوم كيران بتقشيرها متناسية الهدف الاساسية من وجودها هنا و هو اراحة كيران
" منعشة! "
ابتسم كيران بخفة على تعبيرها ثم علق
" يبدو انك تستمتعين بتناول شقيقتك "
" شقيقة ؟ "
عقدت حاجبها باستغراب
" البرتقالة "
" آآ لسنا من نفس الام غالبا "
" لهذا السبب "
اومئت سينا برأسها ثم حدقت في شخصيته متفحصة
"لما تحدق بي هكذا ؟ انت تفطر قلبي حقا أليست مجرد نزلة برد اذا لماذا تبدو كما لو انك تحتضر؟"
انكمش وجهها بحزن
" يكفي ما جعلتني اشعر به البارحة ، لقد كنت خائفة حد الموت "
" هل حقا ؟! "
" لست مستعدة لاتخاذ قرارات اخرى ، انا في نقطة الصفر اساسا لا اعتقد انني استطيع المواصلة ان اختفيت "
"انا شخص مرهف الحس لعلمك ،ابكي بسرعة و .. "
" اشكرك على انقاذي ، بصدق"
"ماذا ؟!"
"ستكون الامبراطورية مدينة لك ، اميرة أوستن .."
"مهلا ، توقف ، توقف ما الخطب ؟ انت .."
ابتلعت اللعاب بتوجس ثم اضافت :
" انت تخيفني "
"... كما سأكون ايضا ، بالرغم من انك اقترفت خطأ بمعالجتك لهذا الشخص الذي لا يستحق لكن- "
" آآ سأغادر ، انا لا استطيع تحمل هذا "
انتفضت سينا من مكانها ثم هرولت مسرعة نحو الباب
" ألم تقل انك ستحصل على الختم بثقة .. "
توقفت فجأة ثم استدارت و اتبعت :
" اذا افعل هيا ، اين ثقتك و غرورك ذاك ؟ اعد شريكي حالا يا هذا ! و ايضا . ."
كتفت ذراعيها امام صدرها و واصلت:
" انا لن اقدم اي تنازلات اخرى ، عليك المرور من خلالي ان اردت الحصول على الختم "
تردد صدى صوت سينا ثم ساد الصمت قبل أن يبدده صوت مألوف ، دخيل و غير متوقع
" سموك "
فتحت سينا عينيها على نطاق واسع ثم فغرت فمها و نظرت إلى كيران بينما تحرك شفتها وتشير إلى مدخل الغرفة
" جيروم .. انه جيروم "
' قضي علي ! '
"ما الذي سأفعله ؟ ما الذي سأفعله ؟ "
' استطيع سماع صوت خطواته يصبح اقرب '
ذرعت في الغرفة تأرجح حدقتاها جيئة و ذهابا بتوتر بينما تفكر في مكان للاختباء ثم توقفت فجأة و نظرت إلى كيران
" تنحى جانبا " همست
" ماذا؟ " راقبها كيران تهرول ناحيته ثم تبعد اللحاف لتنزلق بعدها تحته بعدها دخل جيروم الغرفة و رأى كيران مستلقيا على ضهره يتوسد كفه
" جيروم ، هل هناك خطب ما ؟ "
" شرابك "
أشار جيروم إلى القدح على الصينية ثم وضعه على المنضدة و نظر في ارجاء الغرفة بريبة بعدها سأل :
" هل غادرت الغرفة ؟ "
تنحنح كيران ثم رد :
" لا ، لما تسأل ؟ "
ثبت جيروم نظره على الصحن الذي اكتشف وجوده قبل لحظة ثم رفع حدقتيه ثم اومئ برأسه و قال :
" حسنا "
بعدها استدار و غادر الغرفة ثم الجناح عندها رفعت سينا اللحاف عن عينيها ثم سألت بهمس :
"هل ذهب ؟ "
التفت كيران نحوها و نظر بشرود إلى العينين الصفراوين الكبيرتين اللتين تطالعانه و تنتظران الإجابة
" كيران "
"هاه ؟ همم .. ذهب "
زفرت انفاسها براحة ، ابعدت اللحاف عن جسدها ثم قفزت من السرير و هرولت مسرعة نحو الباب
" اعتني بنفسك حسنا ؟ "
لم تنتظر سينا ردا من كيران و أسرعت في مغادرة الغرفة
" كان ذلك وشيكا "
زفرت نفسا ثم التفتت و نظرت بعينين جاحظتين للهيكل الواقف امامها
" يا له من مفاجأة "
" ج-جيروم !"
ابتسم جيروم بتكلف ثم رد
" نعم انا "
اسقط ابتسامته
"ما الذي تخططين له ؟"
نظفت سينا حلقها ثم ردت :
" كما قلت ، انا معالجة من واجبي مراقبة المريض "
" مراقبة ؟ حسنا ، يمكنك الذهاب "
راقبها تبتعد عن مرمى نظره الى ان اختفت ثم تنهد و تمتم :
" هذه المرأة .. اي نوع من النساء هي ؟ "
" لقد قمت بتسوية جميع الامور العالقة .. "
عندما لم تجد لويز سوى الصمت ردا تقدمت خطوتين نحو الامام ثم وضعت الوثيقة على المكتب ، دون لمسها حتى حدق ديمتريوس في الورقة على مكتبه لم يكن بحاجة للسؤال عن ما تكون هذه الوثيقة لان العنوان المكتوب بخط غليظ اكد تخميناته تماما
بعد برهة من الصمت القاتل تحدث ديميتريوس بهدوء
" هل هو صعب ؟ النظر الى وجهي كل يوم ؟ "
فتحت لويز عينيها باتساع بسيط ثم رفعت ناظريها و حدقت في سحنته
" مـ معذرة ؟ "
صك اسنانه بقوة ثم رفع رأسه و نظر في عينيها مباشرة و اتبع قائلا :
" هل الامر مقرف بالنسبة لك ، النظر الى هذا الوجه ؟ "
" صاحب الجلالة ما الذي- "
" اللعنة توقفي عن التظاهر "
اسقط قبضته على سطح المكتب بقوة ثم صرخ ما جعل عروقه تبرز
" فقط .. توقفي عن محاولة اقناعي بأنني الموهوم الوحيد " حاولت لويز التحكم في الرجفة التي اعترتها ثم ردت ببرود :
" عليك ان تقتنع بذلك لأنها الحقيقة "
" حسنا .. ماذا عن الوقوع في حبي ؟ هل الوقوع في حبي صعب لهذه الدرجة ؟"
رفعت ناظريها و حدقت في وجهه لكنها سرعان ما خفضتهما و أدلت :
" هـ هذا لصالحك .. انت .. انت ستدرك ذلك قريبا "
" انا ادرى بما هو في صالحي ، بقائك بجانبي في صالحي لويز "
تقدم نحوها إلى أن اصبح اقرب بما يكفي لسماع تنفسها الذي حاولت جعله يبدو طبيعيا قدر الإمكان
" انت وعدتِ .. وعدتني بأنك ستقفين بجانبي دائما "
تمايلت عيناه الرماديتان و تشوه وجهه بألم
" انت قلتِ بأنك لن تتركي جانبي ابدا لويز "
تمسك بيدها وتوسل
" لويز .. اخبريني "
امسك ذقنها بلطف فاستجابت لويز لرغبته و رفعت رأسها برقت عيناها الزرقاوان الدامعتان ، في اللحظة التي لمحت فيها ملامحه شعرت بالحرقة في عينيها و الدموع ترتفع ، ضغطت شفتيها بقوة للإبقاء على تعبير الوجه البارد و عدم السماح للدموع بالانهمار و بعد ان تمكنت من قمع عواطفها نطقت بهدوء :
" توقف "
تأففت ،قلبت حدقتيها بتململ ثم ابعدت يده و عقدت ذراعيها امام صدرها و اتبعت :
" العقد الذي كان بيننا انتهى ، غير ذلك .. "
استدارت ثم وجهت قوامها نحو الباب و قبل ان تدير المقبض رمقته من فوق كتفها و اضافت :
" انا لن اضيف شيئا و لن ارد على اي من الهراء الذي قلته " ا
كفهر وجهه و تشكلت عقدة بين حاجبيه ، صر على أسنانه ثم رفع حدقتيه و حملق في شخصيتها
" انا لن اوافق على هذا ابدَا ، أتسمعينني ؟ ابدَا "
صرخ ديميتريوس ثم رمى وثيقة الاستقالة على الارض ، مسح وجهه بخشونة محاولا احتواء غضبه ثم تمتم بشفاه مرتجفة
" لن افعل ذلك .. لن افعل ذلك ابدًا "
بعد ان اغلقت الباب لحبس صراخه في الداخل انهارت ، قرفصت على الارض و عانقت جسدها الذي يأبى التوقف عن الارتجاف بذراعيها ، ربتت على كتفيها وتمتمت مواسية نفسها
" لا بأس .. ا-انت قمت بعمل جيد ، لا بأس "
بعدها كفكفت الدموع المنهمرة بكفيها بسرعة ثم استقامت و اسرعت في الابتعاد