" اعتقدتُ أن لدينا اتفاق! "
فور اقتحامه للقاعة اندفع بخطى واسعة سريعة باتجاه كيران الذي استدار بعد أن كان ينظر إلى الأفق من النافذة، عقد حاجبيه ثم قال :
" ما الذي تتحدث عنه ؟! "
" انت لا تعلم ... ما كان سيحدث لو أنني تأخرت، فقط لثانية، واحدة فقط "
" أنا لا افهم، ما الذي تتحدث عنه ؟! "
اندفع و امسك ياقة كيران ثم قال بحنق :
" أنا المخطئ ، كان علي أن ارفض ذلك العرض من البداية، انت لم تكن لتحميها قط ، شخص اناني مثلك يفكر فقط في نفسه و الختم "
أبعد كيران يدي الثائر عنه بقوة ثم صرخ :
" اغلق ذلك الفم اللعين قبل أن أمزق حنجرتك و اجلس لنتحدث كالعقلاء لأنه ليست لدي أدنى فكرة عن ما تتحدث عنه "
نظر إلى كيران فالكرسي الذي يشير إليه ثم سحب نفسا عميقا و زفره ببطء بعدها رمى بثقله على الكرسي
" مهما حصل علي كيران أن لا يعرف ما حدث "
خاطبت الخادمة ثم شرعت تتردد في الغرفة جيئة و ذهابا بقلق و توتر في تلك الاثناء ترجل كيران من العربة ثم خطى مهرولا نحو الداخل، و بعد أن تخطى الباب الثانوي فالسلالم وصولا إلى الطابق الثالث ، كانت وجهته واضحة تماما في ذهنه ، اتجه بخطوات قليلة وواسعة ثم توقف أمام باب بني اللون للحظة
في طريقه كان كل ما يفكر فيه و يرجوه هو أن يكون ما سمعه غير صحيح ، فكر كيران في الأمر وهو واقف امام الباب ، فكر في نسبة صدق ما قيل له،
' ليس لذلك الشخص دافع للكذب '
كلما تذكر ذلك خفق قلبه بعنف اكبر و اضطربت أنفاسه ، حاول طرد جميع الأفكار من ذهنه ثم سحب نفسا عميقا و زفره ببطء بعدها دفع إحدى دفتي الباب و دلف نحو الداخل
نظر إلى المرأتين اللتين تناظرانه بعيون متسعة ثم أشار الى ماري فانصرفت ، اقترب كيران خطوة أخرى، تفحص سينا بنظراته من رأسها إلى أخمص قدميها ثم فجأة! ثبت نظره
ارتخى جسده و شعر بالخدر في ساقيه و جسده أصبح ثقيلا لا تقوى ساقاه على حمله ، اختنقت انفاسها في صدره و اصبح الهواء ثقيلا و يؤلم رئتيه ، رفع يده ببطء " عنقك! " اشار الى رقبتها بيد مرتعشة و اتبع " ما أصاب عنقك؟ "
" كيران اهدأ "
" ما الذي حدث ؟ كيف .. أنتِ وعدتني "
" ک-كيران اهدأ أنا أعلم بأنني أخطأت ، اعترف بهذا لكن ... لقد حدث كل شيء بسرعة أنا حتى لا افهم شيئا و ال- "
ماذا لو اصابك مكروه ؟ صرخ بعصبية "ماذا لو أنه لم يلحق بك ، من كان سيسمع صراخك في موقع البناء المعزول ذاك!
" يلحق بي ؟! كيران كي- "
" قلت بأن علي حمايتك و أصررت على ذلك، إذا لماذا؟ لماذا تغادرين بدون مرافق ، لماذا؟ لماذا تستمرين في تجاهل من تكونين ، انت لما لا تأخذين ذلك على محمل الجد ، مكانتك الان هي اخطر مما تعتقدين لماذا تتعاملين مع ذلك باستهتار ؟ "
صاح في تشنج مقاطعا ثم خطى خطوة أخرى و ضغط كفيه على كتفيها
" ما الذي كنت سأفعله لو اصابك مكروه؟ نظرت سينا إلى العينين الزرقاوين المرعوبتين " كيف كنت و اللعنة سأتعامل مع الوضع ؟ كيف كنت سأوضح ذلك له، اي حجة كنت سألفق ؟! "
" حجة ؟! كيران ما ال-"
أبعد يديه ثم تراجع خطوة نحو الخلف، سحب نفسا عميقا ثم قال :
" من الآن و صاعدا، لا يسمح لك بمغادرة القصر تحت اي ضرف، حتى إن كان يحترق، إلى أن أذن لك بذلك ... أنا لن أسمح بحدوث هذا مجددا " حرك رأسه يمينا و يسارا و نظره لا يزال مثبتا عليها بينما يتراجع بخطى ثقيلة نحو الخلف " لن أسمح ابداً! "
قبل أن تتمكن حتى من فصل شفتيها للاعتراض استدار كيران ثم خطى بسرعة باتجاه الباب و اغلقه بعنف ما جعلها تنتفض فزعة
تركت سينا متخشبة في مكانها، وسط ضجة أفكارها و تأنيب ضميرها، تعتصر شفتها السفلى بين أسنانها محاولة حبس دموعها و منعها من الانهمار
" لماذا اصبحت المخطئة فجأة ؟ "
" لأنك كذلك ، أنا حقا لا افهم السبب الذي جعلك تتخلفين عنا " ردت ماري بعد ان دخلت الغرفة و أغلقت الباب خلفها
" قلت لك بأنني توهمت رؤية اخي ادوارد لذلك استمرت في ملاحقة ذلك الشخص ثم فجأة وجدت نفسي اقف وحيدة وسط بقعة اجهلها تماما "
" بربك! ما الذي سيجعل ادوارد يظهر فجأة ؟ "
" لست ادري!" صرخت سينا
" و ايضا سينا .." ابتلعت ماري ريقها ثم اتبعت : "ربما هو لم يعد موجودا من الأساس "
" لا! هو حي!" اعترضت صارخة بعصبية ثم اتبعت بنبرة أقل حدة :
" اخي ادوارد حي ماري، أنا متأكدة من ذلك .. صدقيني "
توسلت سينا بنظراتها لكن فور قراءتها لملامح ماري تراجعت نحو الخلف تتلمس السرير خلفها ثم دنت ببطء و جلست على الأرض تسند ظهرها للسرير و تعانق ساقيها بينما تتمتم :
"هو حي ، أخي ادوارد حي، صدقيني .. أرجوك!"
أنه اليوم الثالث، بعد تلك الكلمات الأخيرة التي قالها كيران لم اسمع صوته ابدا و لم تتسنى لي فرصة رؤيته الا في قاعة الطعام ، أردته أن يفتح الموضوع مجددا لكنه لم يفعل و لم اكن لأفعل ايضا، لكن رغم ذلك من الجيد التفكير في أنه يتناول طعامه بانتظام
حتى إن تصادفنا في الرواق فجأة استمر في تجاهلي ،انا اعلم أنني أخطأت لكن لما تهمه سلامتي لهذه الدرجة؟ أنا حقا لا افهم و لم افهم ايا من ما قاله ، حجة؟ وذكره لشيء ما عن الشخص الذي لحق بي، أنا لا افهم ... مهلا! هل هذا يعني أن كيران يعرف هوية الملثم! بالضبط! ال-
بسبب استمرار في التفكير و انقطاعها عن الوسط من حولها لم تكن سينا منتبهة ما جعلها تتخطى إحدى درجات السلم فاختل توازنها
' هذا سيكون مؤلماً '
اغلقت سينا عينيها بقوة وكل ما كانت تفكر فيه هو عدد الكسور المؤلمة التي ستحصل عليها ، في ذات اللحظة التفت ذراع قوية حول خصرها ثم سحبتها نحو الخلف ما جعلها تفتح عينيها على مصراعيهما
" أنت لما لا يمكنك البقاء لثانية واحدة بسلام؟! "
ايقظ صوته المعاتب العالي عقلها المصدوم فرفعت رأسها و حدقت في وجهه
" ک-كيران! "
لا تزال تشعر بضغط ذراعه القوية حولها
" لما ترتكبين الأخطاء دائما ؟! لما علي أن اقلق بشأنك في كل لحظة؟! "
أنه منزعج ، منزعج و غاضب جداً ، استطعت ادراك ذلك من تلك العقدة بين حاجبيه و عينيه المحمرتين اللتين ترمقانني بنظرات قاسية حادة، و الوجه المتصلب منتفخ الاوداج ، أستطيع الشعور بصدره يرتفع و يهبط بسرعة مواكبا وتيرة أنفاسه المهتاجة
أسقطت سينا نظرها ثم ردت بهدوء :
" أنت لست مجبرا على فعل ذلك، ان كنت ستستمر في قول هذا اذا لا تفعل "
" تقولين ذلك كما لو أن الأمر سهل " صرخ " كما لو أنني قادر على فعل ذلك ببساطة، أنتِ مثل الشوكة التي تخزني و تجعلني غير مرتاح ... لا يمكنني التنفس بسلام حتى، بسبب هذا الشعور أنا .."
انت ماذا ؟! لم تستطع طرح السؤال الا داخليا، حدقت فيه بعيون فضولية و حاولت استقراء ملامحه لعلها تدرك تكملة كلامه لكن بدل الرد
" تبا! "
شتم ثم اشاح كيران نظره بعيدا و سحب ذراعه بعدها تخطى السلالم بسرعة تاركا إياها خلفه
نظرت سينا في المرآة إلى انعكاسها و هي ترتدي فستانا احمر طويل و ضيق ، ذو أكمام طويلة، يكشف عن كتفيها بعدها امسكت المشط و شرعت تسرح شعرها الذي فضلت تركه ينسدل خلف ظهرها ، هذبت غرتها التي غطّت جبهتها و لفت الخصلتين المتمردتين على جانبي الوجه خلف أذنها، في تلك الاثناء دخل جيروم إلى الغرفة
" هناك شيء مهم علي إبلاغك به " قال ثم اتبع :
" لقد طرأ أمر عاجل فجأة ولقد طُلب مني أن أخبرك بهذا ، هل ستكونين على ما يرام وحدك ؟ "
" أوه! أحقاً ؟! "
شعرت بحرقة في عينيها و انتابتها رغبة ملحة في البكاء رمشت بسرعة و لعقت شفتيها و ضغطتهما كمحاولة منها لحبس دموعها و رغم العاصفة الهوجاء التي تعصف داخلها الا انها ابتسمت ردت بثقة :
" بالطبع ، لا تقلق جيروم، سأكون امرأة و رجلا في آن واحد "
" جيد "
' هي حقا بارعة في تزييف كل شيء لكنها ستنفجر عاجلا ام آجلا'
راقبها وهي تخطو مبتعدة باتجاه العربة ثم تنهد و عاد إلى أشغاله ، في تلك الاثناء نظرت سينا إلى هيئة الشخص ضئيل الحجم الواقف أمام العربة
" سيدتي " رفع الغطاء عن رأسه ثم اتبع : " أرجو أن لا تمانعي في أن أكون مرافقك الليلة "
ابتسمت سينا ثم ردت :
" على الاطلاق ، مايك "
مدت يدها و بمساعدة الفارس ركبت العربة ، ساد الصمت و استمر مايك ينظر إلى سينا بين اللحظة والأخرى كمن لديه بالفعل كلام في جعبته و بعد تردد فصل شفتيه
" سيدتي، هل انت بخير ؟ "
انتبهت سينا لمايك الجالس مقابلا لها الذي ينظر بعيون قلقة ثم ابتسمت و ردت :
" بخير، لا تقلق "
" لا اعتقد أن على سيدتي أن تقلق ، السيدة كاثرين ليست بذلك السوء و بمجرد اجتياز هذا الاختبار ستكون السيدة قادرة على الإدلاء بصوتها بأريحية "
كانت سينا بالفعل على علم بكل تلك الأمور لأن مربيتها أكدت على ذلك كثيرا عندما كانت صغيرة لكنها أرادت أن تضع خبرتها جانبا ، قالت متصنعة التعجب :
" اذا .. هذه ليست مجرد حفلة شاي عادية ! "
" بالضبط ، ايضا يمكنك القول بأن الفوز بقلب السيدة كاثرين يعتبر التذكرة الذهبية لدخول الأوساط الاجتماعية "
" اوه! " تفاجأت سينا من معرفة مايك بهذه الأمور ، قالت : "كيف لك أن تعرف كل هذا ؟! "
" شقيقاتي يتحدثن عن مثل هذه الامور في العادة "
" شقيقاتك؟! لديك شقيقات ؟! كم عددهن ؟ "
" ثمانية "
" ثمانية! " فتحت عينيها باتساع " واه! إن هذا حقا رائع، اعتقد أن علي لقائهن في اقرب فرصة "
"سيتشرفن بذلك حقا سيدتي "
بعد مدة توقفت العربة ، ترجلت سينا منها بمساعدة مايك، تأملت سينا العقار بإعجاب و دهشت من حجمه الكبير و تصميمه الفريد ما جعلها تتذكر بعض الأمور
بعد التفكير في الأمر، زوج الأرملة كاثرين كان مهندسا معماريا و هذا التصميم هو أحد تصاميمه المشهورة كما شاع في تلك الفترة أنه كان هدية لزوجته بمناسبة ذكرى زواجهما الأخيرة لهما معا قبل أن يقتل في ظروف غامضة
" سيدتي؟ "
استيقظت سينا من دوامة أفكارها على صوت مايك المنبه ثم خطت رفقته نحو الداخل ، فور تخطيهما للبوابة انتابها شعور غير مريح ، امتزج القلق و الخوف معا مشكلين سحابة ثقيلة تضغط على صدرها ، بسبب ذلك لم تدرك سينا أنها تضغط بقوة على يد مايك ما جعله ينتبه لذلك
" لا داعي للقلق سيدتي، أنا لن أسمح بحدوث شيء لك ، أعدك "
ابتسمت بإشراق ثم ردت :
" سأعتمد عليك إذاً "
تم توجيهها من قبل أحد الخدم إلى القاعة و فور وصولهما إليها قالت سينا
" يمكنك البقاء هنا ، سوف اكمل ما تبقى بنفسي "
" لكن سيدتي- "
" لابأس مايك ، سأكون بخير "
ابتسمت و ربتت على يده التي تمسك خاصتها تطمئنه ثم افلتتها و دلفت إلى الداخل ، فور دخولها حصلت سينا على انتباه جميع الحضور الجالسين على الكراسي المحيطة بالطاولة البيضوية يتأملونها بصدمة ، ابتسمت سينا بلباقة ثم ألقت التحية " مساءكم سعيد " ثم سارت و جلست على أحد المقعدين الفارغين لحظتها نقرت المضيفة بالملعقة على ابريق الشاي ثم قالت :
" أعيروني جميعا انتباهكم للحظة رجاءً ، اريد تقديم ضيف مهم انضم لنا للمرة الأولى "
نظرت السيدة كاثرين إلى سينا ثم ابتسمت و قالت :
" الدوقة المنتظرة ، ضيفتنا الشرفية، دوقة كينجي ، بروسبر سينا كينجي رحبو بها رجاءً "
فور ختام السيدة كاثرين لكلامها التفت الجميع نحو سينا و انهالت عليها عبارات الترحيب
" أنه لشرف لي أن انضم اليكم ، اشكرك سيدتي على دعوتك المشرفة "
" لأكون صادقة اعتقدت بأنك ستأتين رفقة كيران " ردت كاثرين
" بالفعل، نحن اتفقنا على ذلك معا لكن في اللحظة الأخيرة طرأ أمر عاجل فاضطررت للقدوم بمفردي ، ارجو أن لا يكون هذا مخيبا للآمال "
" على الاطلاق ، من الجيد أنه لم يحضر على الأقل سنستطيع التعرف على بعضنا البعض و الحديث بأريحية دون ضغط "
' لنقم بإعادة صياغة هذا الكلام كالتالي : بما أن كيران غائب ستكون هذه فرصة جيدة لتجاوز الحدود' نظرت سينا إلى الوجوه الجديدة ' هؤلاء النسوة لن يترددن في قول أي شيء '
تنهدت ثم ابتسمت و ردت :
" اتفق معك "
نظرت إلى قدح الشاي الموضوع أمامها باشمئزاز
' زنجبيل ! إلهي '
" لقد اتفق الجميع على تجربة هذه النكهة ، يمكنني تغييرها إن أردت "
" لا ، لا بأس "
' لن أطيل القعود هنا على أي حال '
" و الآن ، إن لم يكن سؤالي ثقيلا هل يمكن للسيدة أن تعرفنا عن نفسها قليلا ، سمعت أن سعادتها تنحدر من عائلة ملكية عريقة في أوستن ، هل هذا صحيح ؟ "
" بلى، أنا- "
" سابقا! " نظرت سينا إلى صاحبة التعليق المفاجئ و الفض ثم فصلت شفتيها
من قال ذلك، اعتقد أن الآنسة جاهلة لبعض الحقائق التي تصدرت صفحات الجرائد مؤخرا " علقت لويز فجأة ما جعل لوتي تعقد حاجبيها بعدم فهم
اضافت السيدة كاثرين بينما تنظر إلى سينا :
" تم تنصيب بروسبر كيران كينجي كأرشيدوق ووصي على أوستن مؤخرا ، هذا يعني أنها الأرشيدوقة الآن "
بعدها أدركت أنني لم اكن الشخص الوحيد الذي انضم للمرة الأولى ، عرفت كاثرين الجميع على لورا ، الشابة صاحبة الانجازات الكبيرة رغم صغر سنها، أذكر أنني سمعت عنها ، المرأة التي اختارت أن تكون فارسة رغم معارضة الحميع لها و تهديدهم
كيف ستتزوجين اذا؟
الدور الوحيد للمرأة هو الحب و الزواج ، الحفاظ على العائلة ، تربية الأطفال ، لن يختار أحد ارسال ابنته إلى الجامعة للتعلم لأن ذلك سيقلل فرصها للزواج و نعم، لا احد يريد زوجة متعلمة ، في البداية اعتقدت أن هذا منتشر فقط في أوستن لكن بعد النقاش حول ذلك تبين أن حتى نساء العاصمة الإمبراطورية العظيمة لا يزلن يعانين من الشيء ذاته ، لا يزال فعل كهذا يبدو غريبا
لورا اختارت أن تضحي بتلك الفرص و سمعتها بين أفراد عائلتها مقابل التعليم ، يمكن القول بأنها اولى سياقة انثى أعلن عنها و عرفها العامة ، وهي بالفعل ترأس مدرسة لتعليم الفروسية للإناث في عمر السابعة عشرة
ابتسمت سينا ثم قالت :
" أنا حقا ممتنة لأنني اخيرا استطعت لقائك ، بالرغم من صغرك انت حققت بالفعل الكثير من النجاحات ، كيف يمكنك إدارة مدرستك الخاصة وحدك؟ أنا حقا معجبة بذلك"
ابتسمت لورا بخجل ثم ردت :
" أنا حقا اتشرف بهذا النوع من الثناء ، صاحبة السعادة"
أنت تستحقينه ، ارجو أن لا تمانعي أن أكون إحدى تلامذتك "
لمعت عينا لورا بسعادة
على الاطلاق! سيدتي أنا حقا سيشرفني ذلك حقا "
" ليس من الطبيعي أن تقاتل النساء " قال روبرت ماغوينثي مع ابتسامة ساخرة فنظرت سينا إلى لورا التي طأطأت رأسها بحرج ثم فصلت شفتيها و قالت :
" ليس من الطبيعي ايضا أن يكون شخص ما غبيًا بحجم طوله .." التفتت نحو روبرت ثم ابتسمت بلباقة و اتبعت :
" اوه! ها انت ذا "
حاول جميع الحضور كتم ضحكاتهم عن طريق تغطية أفواههم بعد الرد المفاجئ في تلك اللحظة راقبت سينا ملامح وجه روبيرت المكفهر برضا ، بعدها و لتلطيف الجو المتوتر تحدثت السيدة كاثرين و اقترحت السيدة كاثرين القيام بجولة في الدفينة الزجاجية الكبيرة ، فور دخولها اول ما وقع نظرها علبه هو التمثال الذي يتوسط النافورة العملاقة، نظرت سينا بإعجاب حولها الى العرض الفاخر للأثاث الراقي و الورود و النباتات الفريدة ، و استمعت بانتباه إلى حديث كاثرين عن قصة كل قطعة على حدا بعدها اتجه الجميع عائدين إلى مقاعدهم
قبل أن تجلس انتبهت سينا للون الشاي المختلف عن السابق و الصحن الذي وضعت عليه حلوى الخطمي المفضلة لديها
ما هذا؟ هل تم تغييره ؟!
اختلست سينا النظر الى أقداح الضيوف الآخرين
غريب ، أنها ذاتها لم تتغير! من قد يفعل هذا بخاصتي اذا ؟ هل هو مسموم ؟!
حدقت في الشاي بتعبير قاتم لكنها سرعان ما استعادت وعيها على الوسط من حولها
" بالمناسبة .." نظرت كاثرين إلى الرجل الجالس على يسارها ثم إلى المرأة بجانبه و اتبعت :
" موريس ، ماذا عنكما ؟ متى ستقرران توثيق علاقتكما ؟ "
" في الحقيقة نحن لم نفكر في ذلك بعد ، بالنسبة لي لا أمانع ذلك لكنني سأنتظر إلى أن تأذن ليليان بذلك أولا "
" رجل نبيل" أثنت كاثرين
" هناك ايضا تلك الشائعات التي مؤخرا حول كون جلالته يبحث عن عروس ، هل تعتقدين أن هذا صحيح لويز؟ " قالت امرأة أخرى فالتفت الجميع إلى لويز
نظرت سينا إلى لويز و تساءلت داخليا
لويز ! لما لويز بالذات و فجأة ؟! و ايضا لما أصبح ذلك مهما فجأة ؟ كما لو أن السؤال متعمد و يتقصدن لويز خصوصا
عكس سينا التي كانت الأسئلة تتردد في رأسها ارتشفت لويز من قدح الشاي خاصتها ثم ردت بهدوء و رسمية :
" لنرجو جميعا أن يكون هذا الخبر صحيحا في النهاية هو ملكنا و علينا دعمه "
" صحيح "
وما خطب تعبير الخيبة هذا على وجوههن الآن؟ يبدو انهن لم يتوقعن هذا النوع من الأجوبة ، حسنا، لكن ما الذي كنت يتوقعنه اذا ؟!
لأفكر في ذلك ، لويز لم تكن سوى حارسة شخصية لجلالته و ظهرت معه رسميا عند تتويجه ، قضى الاثنان فترة من الزمن معاً أيعقل أن يكون هناك شيء ما بينهما حقا؟!
" ليليان سمعت أن صحتك سيئة منذ فترة ، أرجو أن تكون بخير "
" ليس بالأمر الجلل ، أنا بخير "
" أن لا تتعبي نفسك و تفكري في الأمور بشكل متكرر من اجل صحتك ، فكري فقط في الحاضر والمستقبل السعيد " قالت المركيزة
" سأفعل " ردت ليليان بابتسامة : " اشكرك على قلقك سيدة باشلار "
" بعد التفكير في الأمر ، لا اصدق أن كيران تجاوز كل شيء ببساطة ، كنت افكر مؤخرا في ذلك ، هل كان ذلك حقيقيا من البداية ؟ " تدخلت جيزيل ابنة المركيزة باشلار فردت عليها إحدى الشابات قائلتا :
" اتفق معك ، العلاقة بين كيران و ليليان بدت مثالية، لقد حزنت لحدوث ذلك حقا "
" حزنت أيضا لذلك ، أرجو أن تكون ليليان العزيزة قد تجاوزت تلك العلاقة السامة بسلام "
" أكثر ما يتعب نفسية المرء هي علاقاته السامة ، أرجو أن ينتقم الرب لك و لقلبك و يمنحك السعادة "
" لا حاجة لذلك ، يبدو أن الرب قد انتقم منه بالفعل "
التفتت النسوة نحو سينا يرمقنها باشمئزاز ما جعلها تعض شفتها السفلى محاولة كتم ضحكتها التي تنذر بالخروج
لعينة!
امرأة قبيحة!
بائسة!
عديمة الكرامة!
افعى!
بغض النظر عن تلك الكلمات التي تتردد في نفوسهن و رغبتهن في احراجي انتابني الفضول لمعرفة الحقيقة حقا ، هل كان كيران حقا الطرف السام في تلك العلاقة ؟ لا اعلم لما أشعر بهذا لكن سيبدو مظهرهن مضحكا إن تبين أن كيران هو الطرف المظلوم
مجرد التفكير في ذلك و تخيلها لوجوههن جعلها في غاية السعادة ، تنهدت ثم رشقت الشوكة في حلوى الخطمي و اسقطتها داخل القدح ثم ارتشفت منه مستمتعة بالطعم الحلو
بعدها بدقائق استأذنت سينا للذهاب الى الحمام لغسل يديها الدبقة فقادتها إحدى الخادمات الى هناك ، بعد أن اغتسلت و في طريقها للعودة انتبهت لوجود أحدهم يتجول بشكل مريب في الظلام ، فجأة! التفت الرجل ذو الملامح المألوفة
موريس!
لم تكن سينا الوحيدة المتفاجئة فقد نظر خطيبها السابق بعيون متسعة أيضا لكنه سرعان ما اسقط ذلك التعبير ثم دفع ساقا للمغادرة لكن ...
امسكت سينا معصمه تستوقفه فانكمش وجهه بألم ، استغربت سينا ، سارعت في إبعاد يدها ثم أسقطت نظرها على يده الملفوفة بالضماد المدنس بالدماء
" أنت كيف.. مهلا! "
ومضت صورة منفذها أمام ناظريها فاتسعت عيناها، حدقت في وجهه
" كان انت .. ذلك الشخص "
أبعد موريس يدها ثم قال :
" ما الذي تهذين به ابتعدي عن الطريق "
" توقف عن تجنبي انا اعلم انه انت ، ذلك الشخص الذي اوقفني عن استعمال قواي، حتما كان انت في النهاية هم قلة من يعرفون بخصوص قواي ، توقف عن الانكار "
اعترضت طريقه و اضافت :
" موريس انا اعلم انك تتعمد ذلك "
" ابتعدي "
" لماذا قمت بإنقاذي اذا ؟! "
اخذ نفسا عميقا ثم زفرته و رد ببرود
" كان خطأً ..." كتف ذراعيه أمام صدره و اتبع : " كما انني شخص نبيل لن اترك ابدا امرأة تتعرض للتهديد، كنت سـأفعل المثل سواء كان الشخص انت او غيرك لذا سمو الدوقة هلا تبتعدين عن طريقي فأنا لا اريد ان يسيء احد فهم الامور ، لدي بالفعل امرأة رائعة بجانبي "
انذرت الحرقة في عينيها بارتفاع الدموع رغم ذلك دحضت سينا
" كاذب! "
تقدم خطوتين نحوها ثم قال مؤكدا على كل كلمة :
" من الصغر ، انت لم تكوني شيئا بالنسبة لي ، كنت مجرد عائق وضعه ابي امامي، انت لا تعلمين قدر المعاناة ، كم كان ذلك صعبا النظر الى وجهك ، هذا الوجه القبيح طوال تلك المدة ، فقط اختفي من امامي، أيتها المسخ! "
أمالت رأسها بانكسار ثم حدقت فيه بعيون متجمدة مصدومة
" م-مسخ! "
مدت يدها و تمسكت بذراعه
" انتظر! أنت لا يمكنك ال- "
صك أسنانه بقوة ثم استدار بسرعة و دفع يدها عن ذراعه فاصطدمت قبضتها بغلاية الشاي الساخنة الموضوعة على المنضدة جانبا فسقطت على يدها
تأوهت سينا بألم ثم نظرت اليه بعيون جاحظة ، ارتدت شفتها السفلى بدهشة
" إلهي! "
سارعت لويز نحو سينا ثم امسكت المناشف و شرعت تجفف يد سينا التي لم تتوقف عن الارتجاف
لحظتها نظر موريس إلى سينا المتألمة ثم إلى الفوضى التي تسبب بها بعيون متجمدة ، ارتجفت يده لكنه تدارك ذلك و قام بقبض يده ثم استدار مغادرا
مقارنة بشعور اللسع الذي ينتشر في يدي الآن، ما شعرت به .. الألم في قلبي افظع ، افظع بكثير، تماما كما لو أن جزءا في داخلي تحطم ، تحطم إلى قطع غير قابلة للجبر لوهلة شعرت بأن الزمن توقف وانا على هذه الحال متخشبة، صوت الطنين في أذني يأبى أن يتوقف و الدموع متحجرة في عيني ، الغصة تؤلم حلقي كما لو أنني ابتلعت قطعة من الزجاج ، اريد ان اتنفس ! أنا اختنق!
، أنا أدركت ، أدركت أن الشخص ... الشخص الذي لطالما اعتقد بأنني اعرفه أكثر من نفسي ... أنا خدعت!
" السيدة لم تعد بعد "
قال جيروم بعد أن اعترض طريق كيران الذي عاد للتو إلى قصره
" ماذا ؟! "
" قلت أن علي إبلاغك في حال عودتها ، هي لم تعد "
التفت كيران و نظر إلى الأفق حيث انتشر اللون البرتقالي
' لقد أوشكت الشمس على الغروب بالفعل ما الذي يجعلها تتأخر هكذا ؟! '
لم يجد كيران نفسها الا يهرول باتجاه العربة التي ترجل منها قبل لحظات و رأسه تغزوه الاحتمالات الكثيرة ، كررت لنفسه محاولا تهدئة قلقه
هي بخير ، بخير لن يصيبها مكروه اساسا ، هي ذكية يمكنها التعامل مع المواقف و ...
لاحظ كيران العربات بعد أن غادرت ساحة العقار و دخلت الطريق الرئيسي تسير في الاتجاه المعاكس له
' مع احتساب الوقت الإجمالي .. غادر الجميع قبل ربع ساعة من الآن! اذا ما الذي جعلها تتأخر كل هذا الوقت ؟! ما الذي ...
فور توقف العربة دفع كيران الباب ثم قفز منها و بخطى سريعة شق طريقه كمن يسابق الزمن لكن فجأة!
" كيران "
توقف مكانه كمن سلطت عليه تعويذة جمدته ، بالنسبة لكيران و في ذاكرته الصوت الأنثوي الذي ناداه للتو مألوف جداً ارتبط بالعديد من الذكريات التي تتسابق أمام ناظريه ، تنهد كيران ثم استدار :
" أنا آسفة "
نظر إلى ملامح المرأة النادمة ثم سأل :
" لما تعتذرين ؟ "
" أنا مدركة تماما بأن ما قمت به خاطئ لكن كيران أنا حقا لم اختر فعل ذلك ، أنا لم اقصد التلاعب بمشاعرك و- "
" طعنك في ظهرك ، هذا ما تريدين قوله أليس كذلك ؟ "
" كيران ارجوك ا- "
" حسنا ، قلت بأنك كنت مجبرة على فعل ذلك ، من أجبرك ؟ "
لم يمهلها فرصة للرد ، واصل قائلا :
" شخص ما اكبر شأنا مني ، شخص قريب منك لدرجة أنك نفذت أوامره بحذافيرها ، سأجده .. سأجد ذلك الشخص و سأجعله يندم "
استدار ثم رمقها من فوق كتفه و أضاف :
" بغض النظر عن كل ما حدث بيننا ، اعتقد انه عليك أن تنس الأمر و بدل الاعتذار امنحي نفسك معروفا ولا تظهري امامي مجددا لأنه لا يمكنك قتل شخص ما و الاعتذار على ذلك ، انت قتلتني! ليليان "
طأطأت رأسها بخيبة ثم قالت :
إن كنت هنا من أجلها فهي في الداخل ، تتلقى العلاج "
عقد حاجباه و تجعدت جبهته " علاج!؟ " ثم لم ينتظر كيران اي شرح ، اندفع نحو الداخل و عقله يختلق الكثير من التخيلات و الاحتمالات السيئة
" سينا! "
عندما داخل كانت سينا تنزل السلالم بمساعدة السيدة كاثرين، اتسعت عيناها فور وقوعها على هيئته و افترقت شفتاها
" أوه! لم اعتقد قط بأنك ستأتي بهذه السرعة " تحدثت كاثرين و ابتسامة واسعة تزين ثغرها لكن كيران تجاهل ذلك و هرول باتجاه زوجته ثم كور بيديه وجهها و طاف بناظريه أنحائه
" ما الذي حدث ؟! أبعد خصلات غرتها ثم اتبع : لما عيناك محمرتان ؟! هل بكيت؟ "
" مجرد حادث بسيط ، سقطت غلاية الشاي على يدها ما تسبب في حروق على مستوى يدها ، لا داعي للقلق ، تلك ليست بحالة خطيرة "
اسقط كيران نظره على يد سينا الملفوفة بالضماد ثم رفع رأسه و حدق في المرأة الستينية الواقفة بعيون متسعة غاضبة
" حادث " ضحك بسخرية " ولا داعي للقلق تقولين ؟ "
صرخ بفضاضة " سيدة كاثرين، عندما قررت إقامة حفلة شاي من البداية كان عليك أن تضعي في الحسبان أن أي فرد قمت بإرسال الدعوة له هو بالفعل تحت مسؤوليتك بصفتك المضيف، هل انا محق ؟ و الان انت تقولين بأنه مجرد حادث ولا شيء يدعو للقلق ، كيف أمكنك قول هذا ببساطة ؟! "
" كيران " همست سينا ثم امسكت يده و توسلته بنظراتها لعله يتوقف ، بعدها التفتت نحو السيدة كاثرين و قالت :
" اعتذر عن ذلك ، هو فقط قلق ، استمتعت كثيرا اليوم، اشكرك على دعوتي و أرجو أن تتاح لي فرصة أخرى لتبادل أطراف الحديث "
" ما الذي تقولينه ؟! "
" كيران ، رجا- " سدت الغصة مخرج صوتها و اغرقته فابتلعت ريقها ثم قالت : " ارجوك ، فقط لنعد الى المنزل لا اعتقد أنني سأتحمل البقاء هنا لوقت أطول "
أعطاه جسدها المنهك تحذيرا باحتمالية انهيارها إن اصر أكثر فاستسلم و امسك يدها
" حسنا ، لنغادر "
راقب كاثرين الزوجين وهما يغادران باتجاه العربة ، يدا بيد و عندما وقع نظرها على ظل احدهم منعكس على البلاط سألت :
" في غيابنا ، هل اقترب شخص ما من القاعة ؟ "
فكرت الخادمة ثم تقدمت خطوة أخرى و اجابت :
" اعتقد أنني رأيت البارون كروسا يفعل ، نعم "
" حسنا .." رفعت كاثرين يدها " يمكنك الانصراف "
انحنت الخادمة بطاعة ثم انصرفت إلى أشغالها ، واصلت كاثرين التحديق في العربة التي تهم في المغادرة من البوابة الرئيسية تفكر
' ما الذي يحدث بين هؤلاء الثلاثة؟ '
" لماذا اوقفتني ؟ " قال بعصبية
" لأنه لم يكن خطأها بل خطأي، لا يمكنك لوم شخص ما على خطأ لم يقترفه "
تنهد كيران ثم رد : " لكن من المفروض أن تكون مسؤولة عنك كأي شخص هناك "
" من وضعت نفسي في ذلك الموقف كيران "
" ما الذي تقصدينه ؟ "
انتظر كيران الرد على سؤاله لكنه لم يجد سوى الصمت جوابا، تنهد ثم رفع خصلات الشعر عن مرمى نظره و اتبع
" كان علي أن لا اتركك هناك وحدك بينهم " توقع ردا لكنه لم يحصل عليه
" سينا ، سينا هل تسمعينني ؟ "
" اه .. اسمع اسمع ، أنا فقط أشعر بالاختناق و .."
راقب كيران محاولتها لفتح النافذة بنفاذ صبر ثم اقترب منها و فتح النافذة و جلس بجانبها
" على مهلك ..مهلا! " نظر مدققا " هل تبكين؟! "
التفتت نحوه و نظرت اليه بعيون متسعة مغطاة بغشاء شفاف جعلته اضواء الشوارع المنعكسة على زجاج النافذة يتلألأ ببريق ذهبي
" لا .. لا أنا "
تناوبتا على إخماد تلك الرجفة و ارتعشت شفتاها المفصولتان و ذقنها ، نفت سينا برأسها ثم قالت بصوت مهتز
" لا أنا فقط .. "
تجمعت الدموع في عينيها فأغمضتها كي لا تفيض ، عضت شفتها السفلى بأسنانها محاولة حبس دموعها و رمشت بسرعة محاولة صرفها و منعها من الانهمار ، قاومت سينا الرغبة الملحة في البكاء و حاولت السيطرة لكن
" هل كان عليك فعل هذا لجعلي ادرك خطأي ؟ "
" ماذا ؟ "
" هل كان عليك ... " لكمت صدره و صرخت " هل كان عليك أن ترمي بي هناك فقط لتجعلني أدرك كم أنني شخص سيء و اناني ولا يفكر في عواقب أفعاله ؟!
" ما الذي تقولينه ؟! "
" كيران انت ليست لديك أدنى فكرة عن ما تسببت به "
صرخت
انهارت أعصابها و بدأت تلكم بيديها صدره ، بكت و بلغ صوت نحيبها و أنينها عنان السماء و اشتدت ضرباتها المتكررة على صدره و تسارعت مع تسارع وتيرة أنفاسه المحترقة
" دعني ابشرك ، لقد فزت ، انت محق ، أنا لست سوى شخص بائس باحث عن الحب ، يرتكب الأخطاء في سبيل ذلك "
في تلك الحال لم يكن كيران قادرا على التفكير في فعل ما، غير قادر على إجراء حركة ، اقشعر بدنه و هو ينظر إليها تلكمه بيدها المحترقة كما لو كانت سليمة ما جعله يتساءل عن مقدار الالم الذي تشعر به ، استنتج أن ما تشعر به فضيع لدرجة أنها لا تبالي بألم يدها المصابة
انكمش وجهه بألم كما لو كان صاحب العلة ثم همس متوسلا:
" توقف! "
لم تستجب سينا فصرخ :
" سينا! "
امسك يدها المتضررة ما جعلها ترفع رأسها و ترمقه بعينين ملتهبتين محمرتين متشبعتين بالغضب، الحقد و الالم
نظر إلى العينين الذهبيتين اللتين تطالعانه بقسوة، تلك النظرات التي لم يعهد مثيلا لها طوال فترة بقائهما معا، انتبه كيران لقطرات الدمع التي لا تزال عالقة في رموشها و جفونها المتورمة ، مسالك الدموع المتشعبة كالشهب لم يجف بعد
" اهدئي " توسل
" أنت سيء! " ضغطت بأصبعها على صدره تتهمه " بسببك أنا الآن، حرفياً ... اموت من الداخل ببطء! "
" بسببك ..." خارت قواها و تحولت ضرباتها من لكمات الى تربيت خفيف سرعان ما توقف و يدها على صدره
" أنا اكرهك! بروسبر كيران كينجي " قالت بصوت متهالك بالكاد يسمع
" أنا حقا ... أكرهك بشدة! "
تسلل الصوت الخافت الأبح إلى أذنيه ثم شعر فجأة بثقل جسدها المرتخي و رأسها على صدره ، انتابه الشعور بالخوف لكن فور سماعه لصوت تنفسها الرقيق تنفس الصعداء ثم عانق جسدها بذراعه بقوة ، أسند رأسه إلى كتفها و استمع الى الاصوات في عقله التي تعاتبه بقسوة و تلومه
' بسببك دائما يتأذى الآخرون ، بسبب شجعك و طمعك ، هي لم تذنب ، لكنك أذيتها ، آلمتها ، جعلتها تعاني ، هي محقة ، أنت سيء! أنت فضيع جداً! '
ببطء بدأ يغرق في ظلام أفكاره مستسلما لتلك الاصوات و قبل أن يزداد الأمر سوءاً توقفت العربة ، فتلاشت الاصوات و استيقظ ذهنه ، نظر إلى سينا النائمة بين ذراعيه لثواني ثم و بعد لحظات ، ترجل كيران من العربة يحملها بين ذراعيه و خطى نحو الداخل وسط حشد الخدم المبعثرين الذين يطالعون بنظراتهم المستفهمة ، صعد السلالم و اتجه إلى غرفتها ، دخل ثم وضعها برفق على السرير، هذب بأصابعه خصلات غرتها و مرر إبهامه على رموشها الرطبة فخديها بعدها انحنى كيران و اقترب منها إلى أن تلامست جباههما ثم اغلق عينيه و تنفس بعمق
" انا حقا آسف! آسف جدا لكوني لعينا! "
بعدها و فور مغادرته دخلت ماري رفقة خادمتين أخريين إحداهن تحمل المناشف القطنية و الأخرى تحمل وعاءً مملوءً بالماء