" كيف تشعرين الآن؟ "
سألت ماري التي دخلت للتو حاملة صينية الإفطار، حدقت سينا في شخصيتها و هي تخطو باتجاه الطاولة ثم تثاءبت و ردت :
" شعور كالبراز! "
إنه كذلك حقا ، عندما استيقظت هذا الصباح شعرت برأسي اثقل من العادة كما لو كان مصنوعا من الفولاذ و الصداع الشديد يخفق كما لو أن أحدهم بات يدق مسامير على جمجمتي
كافحت للجلوس رغم مزاجي المعكر تماما كالجو اليوم و الشعور الغريب اسفل بطني، شعور التمزق المؤلم اسفل بطني كما لو أن داخلها ممتلئ بحصى مدببة ملتهبة ، و أطرافي تؤلمني كما لو أنني تعرضت للضرب المبرح ، رغم ذلك لم اهتم كثيرا و أبعدت اللحاف عن جسدي المتقلب ثم زحفت و شرعت في الجلوس على السرير لترويض الدوار الذي يعصف بي ، زفرت انفاسي حوالي خمس مرات و بعد أن شعرت بحال افضل قليلا استقمت واقفة ثم سكبت القليل من الماء لإخماد الجفاف الشديد في حلقي و ارتشفت القليل قبل أن يقع نظري على المصيبة
حدقت بعيون متسعة في بقعة الدماء على الفراش
" م-ما هذا؟! "
ثم أسقطت نظري بسرعة على ثوب النوم الملطخ بالدماء
" لا! لالا .. أ-أنا .. أنا اهتممت بهذا مسبقا ! كيف؟! "
أغلقت عيني و أخذت نفسا عميقا ثم فتحتهما ببطء على أمل أن يكون كل ذلك وهم أو هلوسة لكن
" لا تزال هنا! "
تراجعت خطورة نحو الخلف ثم امسكت رأسي و أغلقت عيني بقوة
" لا بأس! لا بأس ، لا تنفعلي ، ابق هادئة سينا! لا تنفعلي لأنه إن فعلت سوف "
حثثت نفسي ثم فتحت عيني ببطء " ارجوك ابق طبيعيا ، ارجوك ابقى طبي- آه! "
في تلك اللحظة شعرتُ برغبة ملحة في البكاء طوال اليوم لأن الأمور بدأت تخرج عن سيطرتي بالفعل
نظرت إلى الاثاث من حولي يطفو في الهواء و الغصة تخز حلقي كالشوكة ثم ضحكت
لم افهم بالضبط ما الخطأ الذي اقترفته لتؤول الأمور إلى هذه الحال
" أنا حقا لا افهم ما الذي يحاول القدر تعليمي هذه المرة؟! "
تذمرت سينا بانزعاج فتنهدت ماري و ردت :
" أنت كنت مضغوطة طوال الوقت كما أنك استنزفت طاقتك عدة مرات ، فقط استرخي الآن "
امسكت ماري قدح الشاي الفارغ الذي مدته سينا لها ثم اتبعت :
" سيساعدك شاي الخزامى على تهدئة اعصابك ، لقد كسرتي ما يكفي بسبب حالتك هذه .."
حملت ماري الصينية
" أخلدي إلى النوم ولا تفكري في شيء لن يمكنك الخروج على اي حال بما انها تمطر "
راقبت سينا ماري و هي تخطو باتجاه الباب مغادرة ثم استلقت ببطء على السرير و حدقت في السقف، شيئا فشيئا بدأت جفونها تصبح اثقل و تباطأت وتيرة رمشها إلى أن أطبقت جفونها تماما معلنة عن غطها في نوم عميق
قرأ بسرعة الوثائق ثم وقع ادناها ، كانت تلك طريقة كيران في العمل، أما بالنسبة للأشياء التي يجب النظر فيها بشكل مفصل تم تميزها ووضعها على الجانب الأيسر
بغض النظر عن مدى شعور عينيه بالتعب قام بتدليك رأسه و هو يتصفح الاوراق ، وضع القلم ثم نزع نظارته و انحنى للخلف ليستريح و اغلق عينيه، بالرغم من أنه فعل ذلك إلا أن رأسه كان مليئا بالأمور التي لا يزال عليه القيام بها ، تساءل عن مقدار ما عليه فعله بعد ثم حاول الهروب بتفكيره عن ما ينتظره من أعمال فاقتحمت تفكيره مشاهد من الليلة الماضية
بينما كانت السماء تمطر زخات خفيفة نظر إلى الخارج من النافذة محدقا في السماء الملبدة الكئيبة
هل هي بخير يا ترى ؟
تساءل داخليا ، في العادة كان الاثنان يلتقيان في نفس الطابق لكن و بحجة أن لديه الكثير من العمل مكث حتى وقت متأخر من الليل في مكتبه و استأنف ذلك مجددا في الصباح ، لسبب ما لم تكن لديه الشجاعة لمقابلتها ، شعر أنه أن التقى بها سينهار كل شيء في لحظة
لا حاجة لذلك .. لكنها لم تظهر هذا الصباح!
جدول سينا الزمني مختلف تماما عن خاصته كونها نشيطة و لديها بالفعل أمور كثيرة للقيام بها كل ساعة تقريبا لذلك فإن عدم رؤيتها في الجوار أو سماع صوتها على الأقل في حد ذاته غير مألوف و مقلق
ربما لا تريد الخروج! نعم
بعد الشيء السيء الذي حدث بالأمس فكر كيران في أنه السبب ، السبب الذي دفعها لقول تلك الكلمات
[ أنا اكرهك! ]
لا يزال صوتها الجريح محفورا في ذاكرته و يعكر مزاجه في لحظاته الهادئة
تبا! كم انت مثير للشفقة! سخر من نفسه
ما الصعب في الذهاب و إلقاء نظرة؟!
دلك المنطقة بين عينيه ثم زفر نفسه الثقيل و سرح بذهنه بعيدا لدرجة أنه لم ينتبه لجيروم عندما دخل
ما خطبه ؟!
تساءل جيروم داخليا ثم أطلق صفيرا تنبيهي و قال :
" ما هذه الحالة ؟! "
رفع كيران رأسه و حدق في جيروم الذي يتقدم نحوه
" ما تعبير الحيرة و العجز هذا الآن؟ "
توقف على بعد خطوتين من المكتب ثم اتبع :
" مهلا! دعني اخمن ، تلك الساحرة هي المسؤولة عن هذه الحالة أليس كذلك؟ "
عندما لم يحصل جيروم على الرد عن سؤاله صفع جبهته و اتبع :
" يا رجل! انظر الى نفسك ، انت تزداد سوءاً حقا "
تنهد ثم واصل قائلا :
" ما الذي قالته هذه المرة أيضا ؟ "
" قالت بأنها تكرهني "
تنهد كيران و أعطى جيروم ردا على سؤاله لإسكاته
" حسنا ، طبيعي ، ماذا كنت تتوقع ؟ " تنهد و اتبع بفظاظة :
" أنت الشخص الذي يستغلها هل تتوقع أن تعترف لك بحبها مثلا ؟! "
رمق كيران الخادم بنظرة حادة فنظر جيروم بعيدا ثم تنحنح و قال :
" حسنا، جيروم سيبقي فمه مغلقا "
" لكن صدقا .."
اقترب جيروم أكثر
" اعتقد أن عليك فهم ما تريده لأنك بدأت تحيرني ، قلت بأنك تريد الختم مهما كلف الأمر ، حسنا انت قريب لكن ما الذي غيرك فجأة "
" أصبحت حساسا تجاهها و يعق! "
عانق جسده الهزيل
" مقزز! اقشعر بدني "
تحدث جيروم بجدية
" فقط، اسكت ضميرك يا رجل ، هي ستكون على ما يرام مع أميرها الساحر بعد نهاية الخطة، لا حاجة لقلقك عليها ، و ايضا .."
استند بيديه على المكتب و اتبع :
" لا تتوقع منها أن تتفهم افعالك بعد أن تعرف ما فعلته ، حتى إن فعلت عندها تأكد من أنها غير سوية "
أقام ضهره ثم استدار و تقدم خطوتين باتجاه الباب قبل أن يتوقف فجأة
" أوه! "
التفت ثم هرول عائدا إلى مكانه السابق
" كدت انسى سبب قدومي من الأساس "
وضح جيروم الجريدة على المكتب ثم أشار إلى المقال المكتوب على الصفحة الرئيسية و اتبع :
" اعتقد أن عليك النظر إلى هذا "
امسك كيران الجريدة و نظر إلى عنوان المقال المكتوب بخط غليظ و بارز
" الوجه البريء و وحش البرج! " عقد حاجبيه "ما هذا ؟! "
ركضت حدقتاه تلاحق السطور المكتوبة ثم صرخ
" الغيرة الوهمية ؟! حبس ؟! اي نوع من الهراء هذا ؟! "
" بعد كل الصفات التي لفقت لك ، الآن أصبحت نوع الرجال الذين يعامل النساء كالقمامة ، إلى جانب انك أصبحت مهووسا و مختل "
" طفح الكيل! "
اسقط قبضته على المكتب ثم استنشق و زفر نفسه ببطء محاولا السيطرة على غضبه بعدها اشار إلى المقال المكتوب و قال :
" تحرى حول هذا ، اعرف صاحب المقال و المصدر و استخرجه حتى إن كان تحت الارض "
" حاضر سيدي "
غادر كيران مكتبه مستاء من الكلام الذي قرأه و سار طوال الطريق يفكر في ما قاله جيروم إلى أن وجد نفسه واقفا أمام باب غرفتها
سمع كيران انينها و هي تتألم و هو واقف على عتبة الباب فعقد حاجبيه ثم فتح الباب بحذر
دلف و رآها تتلوى من فرط الوجع فاقترب و نظر إلى شخصيتها المستلقية في تراخ و خمول ووجهها منكمش بألم ، جلس على جانب السرير ثم تحسس بكفه حرارتها ، لفحت الحمى وجهها الشاحب فتورد كما لو عادت للتو من سباق
بعدها انتبه كيران للكمادة على جبينها التي أصبحت شديدة الرطوبة فنزعها و أعاد وضعها بعد أن نقعها في الماء المثلج الموضوع في الإناء على الطاولة الصغيرة بجانب السرير و ضغط برفق عليها
' بارد! '
فتحت سينا عينيها المتعبتين ببطء فظهرت صورته أمام ناظريها " هل ايقظتك ؟ "زحف صوته المتزن هادئ النبرات إلى أذنيها
" ما الخطب ؟ أن حرارتك مرتفعة و تتعرقين بشكل مفرط ، هل علي إحضار الطبيب ؟ "
حدقت بعيون ناعسة ذابلة في وجه كيران لثواني كشخص استيقظ للتو بعد أن تم تخديره ثم رفعت يدها ببطء و مررت أناملها على معالم وجهه
' حقيقي ، أنه حقا .. لا! '
فجأة! في اللحظة التالية استيقظ عقلها، فتحت سينا عينيها باتساع ثم انتفضت من مكانها و صرخت
" أنت كيف .. انت كيف أتيت إلى هنا ؟! "
زحفت مبتعدة و اتبعت :
" من سمح لك بالدخول ؟! "
" ما الذي تقولينه سينا ؟ هذا المكان ملك لي ، يمكنني الذهاب الى حيث اريد "
" أنت لا يجب أن تكون هنا "
قفزت من السرير على قدميها و تراجعت مترنحة ثم تجمدت مكانها و انحنت ممسكة بطنها ، مع شعور الأرض تتحرك و تدور حولها أصيبت بطعنات حادة من الألم اسفل بطنها المشدودة
" ما الامر؟! " سأل كيران بقلق
فور اختفاء الألم قومت سينا جسدها لكن تعبير الانزعاج عن وجهها لم يختفي
تحدثت لاهثة :
" اسمع ، انت يجب .. يجب أن تبقى بعيدا عني"
" لماذا؟ ما الذي تقصدينه ؟ "
استقام كيران ثم تقدم نحوها بحذر فصرخت
" توقف مكانك حالا! "
تصنم مكانه يطالعها
" حافظ على مسافة مترين بيننا و اياك! إياك أن تقترب مني ، حسنا؟ هذا خطير على كلينا ، أنا خطيرة على كلينا لهذا عليك البقاء بعيدا عني ، فقط تراجع قد اخسر مقاومتي، ارجوك! لا تقترب كيران "
وسع كيران عينيه متفاجئا من قدرتها على قول كل ذلك دون التوقف لأخذ نفس بسيط ثم رد :
" ما الذي تقولينه سينا ؟! "
حاول الاقتراب منها بحذر لكنها ركضت مبتعدة عنه صارخة :
" كيران لا تقترب ، قلت لا تقترب ، لا تقترب! "
بعد أن تأكدت من أنها بعيدة عنه بما يكفي توقفت
لهثت
" آه! ارتفعت حرارتي "
حركت يديها لاستجلاب الهواء فوقع نظرها على سترتها المعلقة على الأريكة ، فكرت و نظرها على السترة ثم قالت :
" الآن .. الآن ستفعل شيئا .. "
انتشلتها ثم ارتدتها بسرعة بينما تتحدث
" سنفعل هذا سأخرج إلى الخارج و انت ستبقى هنا حسنا ؟ هناك أمور عليك أن لا تقترب مني بسببها ، إياك! إياك أن تقترب مني كيران و اياك ان تضغط علي مفهوم ، إياك أن تفعل! "
" لا تهذي سينا ، الطقس بارد في الخارج كما انها تمطر ، ستبردين ، ماذا ستفعلين في الخارج؟ "
" لا أبرد كيران! " صرخت ثم عدلت نبرة صوتها قليلا و اتبعت : " لا أبرد ، يوجد انفجار بركاني داخلي ، لا يمكن أن تفهم هذا ، المهم كل شخص سيبقى مكانه لن نترك اماكننا حسنا؟ إياك أن تضغط علي ، لا تضغط علي، لست بخير "
لفت رداء خفيفا حول جسدها ثم سارت باتجاه الباب
" سينا! "
التفتت و حذرته
" لست بخير ، الزم مكانك ، لا تقترب كيران ، لا تقترب! "
التزم الصمت ، راقبها كيران تتملص كاللص مغادرة ثم عاد إلى جناحه و عقله عاجز عن تفسير ما شهده قبل لحظات
" هل ادخل إلى الداخل يا ترى ؟ لأذهب، ما الذي سيحدث إن فعلت ؟ "
فكرت سينا
" لا تهذي سينا! " صرخ صوت العقل داخلها " إن اصبحت صبورة سيكون كل شيء على ما يرام ولن يتأذى أحد و ايضا انت لا يجب أن تكوني بجانب ذلك الشخص ، ألم يفعل من الأشياء و صرخ في وجهك ، إن سلمت نفسك الآن كل كبريائك سيذهب"
" صحيح ، سيذهب كل شيء "
" لكنه كان خطأك!" اقتحم صوت قلبها النقاش " كما أن كل ما قاله بدافع القلق ، الرجل خائف على سلامتك ، انظري إليه كيف ينظر اليك ، ينظر بشكل جميل هيا انظري "
" إياك! لا تنظري! "
" هيا انظري ، انظري "
" لا تنظري!"
" انظري سينا ، انظري كيف ينظر "
" توقفا! " صرخت سينا ثم اتبعت :
" أصمتا! يكفي رأسي يكاد ينفجر ، تثرثر و انت تثرثر ، غير واضح ما تقوله انت و انت ايضا "
تأففت بينما تمسك رأسها بكلتا يديها و قالت :
" يكفي! اذهبا ، هيا اذهبا سأبقى بمفردي "
في تلك الأثناء كان كيران قد خرج إلى الشرفة لاستنشاق بعض الهواء النقي، أطل من شرفته و رآها جالسة على أحد الكراسي الحجرية الموضوعة في الحديقة ، تجعدت جبهته
" ما الذي تفعله ؟! "
راقب كيران المشهد باستغراب ، ضيق عينيه و نظر مدققا
من تخاطب؟!
تساءل داخليا بينما يراقب سينا التي تحرك يديها في الهواء و تصرخ بتعبير مستغرب
"جنت .. جنت فعلاً ، هذه المرأة مجنونة حتما"
طوال تلك الفترة شهد الجميع تقلب مزاج سينا الغريب ، تبكي تارة على مشاهد من رواية تقرأها ، قرأت :
« تمزق قلبها إلى أشلاء فور رؤيتها له يهمس بكلمات الحب لامرأة أخرى ... »
" حسنا هذا الجزء يبدو مألوفا، صحيح ، أنا شهدت هذا الموقف من قبل "
وضعت الكتاب جانبا ثم ضمت يدها إلى صدرها و انخرطت في موجة من البكاء بينما تغني بنغمة حزينة مطيلة الحرف الاخير للكلمة المتكررة
" السماء ملبدة و تبكي مثلي! مثلي، مثلي "
وتارة أخرى تمدح مظهر كيران
" وسيم .. "
و تشتمه في ذات الثانية
" اللعين لما هو وسيم ؟! "
تلعن موريس
" أنا لم احسن الاختيار، ذلك ليس خطأي ، هو الخاسر!"
و تارة اخرى تلوم نفسها
" لا! لو أنني كنت جميلة كتلك المرأة لما تركني ، لو أنني كنت طبيعية لما حدث كل هذا .. "
و بتلك الطريقة مر نصف نهارها المتقلب
بعدها ، فور عودته، سأل كيران عن سينا و اكتشف أن الجميع يبحث عنها ، انقلب القصر رأسا على عقب ، كانت المكتبة المكان الوحيد المتبقي الذي لم يتم البحث فيه ، تخطى كيران السلام بسرعة ثم زفر نفسه و فتح الباب
جالسة على عتبة النافذة الكبيرة المطلة على ساحة التدريب متكئة على جانبها تأرجح ساقيها و تركت الرياح تهب على جسدها بالكامل ، فور سماعها لصوت صرير الباب التفتت
" ما الذي تفعلينه ؟! "
" احاول الانتحار! "
" ماذا؟! " هرول نحوها " كيف أمكنك قول هذا ببساطة ، انزلي حالا ، تعالي إلى هنا، اعطني يدك "
" لا !" رفضت يده الممدودة بعناد " لا أريد النزول "
حدق كيران في مظهرها ، لم يكن الفستان الابيض ذو الأشرطة الكثيرة المربوطة حول عنقها و التي هي عماده سميكا بما يكفي لطرد تلك النسمات الباردة ، كما أصبحت أكتافها مكشوفة بعد أن انزلقت سترتها الخفيفة عن كتفيها
شعرها المرفوع بعشوائية تداعب الرياح الخصلات المتدلية منه
" أليست الرياح باردة بعض الشيء؟ "
نفت برأسها
" لا بأس بذلك لكن أنت .. ما الذي تفعله أنت هنا "
" اعتقدت أن لدينا اتفاق ام انك ألغيته؟ "
" لم تأكلي شيء أليس كذلك؟ "
" لا شأن لك بي ، اكل عندما اريد ان اكل "
" حسنا ، كما تريدين اذا أنا سأذهب لآكل لأنني اريد ان اكل و انت ستبقين هنا تتضورين جوعا "
خطى باتجاه الباب ثم فتح الباب و اتبع :
" إن لم ترافقيني الآن وحالات لتناول الطعام لن تتاح لك الفرصة لفعل ذلك لاحقا لأنني سوف أصدر الأمر "
نزلت من النافذة ثم وضعت يديها على خصرها و قالت :
" هل يفترض أن يخيفني هذا ؟ "
اومئ برأسه فضحكت
" إنه يعمل "
هرولت نحوه ثم ربتت على صدره
" ما كل هذه الجدية فجأة ؟ أنا امزح، امزح فقط"
خرجت اولا ثم لحقها كيران لكنه سرعان ما تخطاها و احتل الصدارة
" انظر اليه ، أنه يثير حنفي فجأة ، أشعر برغبة ملحة في ضربه "
اقتربت منه بحذر ثم رفعت قبضتها
" دعيني أحذرك ، إن فعلت فتلك أذية "
رمقها كيران من فوق كتفه ثم واصل المسير تاركا خلفه سينا التي تصنمت في مكانها
" اوهاه! كان ذلك وشيكا " ربتت على صدرها و تمتمت : "أموالي! صغاري! "
ثم و بعد أن أدركت المسافة الكبيرة بينهما ركضت للحاق به
فور ملامسة أسفل ظهرها للكرسي تم وضع الاطباق على الطاولة الواحد تلوى الآخر ، وضعت سينا قطعة من اللحم في فمها و مضغطها ، جعلتها الروائح المختلطة جبهتها تتجعد و معدتها تتمخض ، أجبرت نفسها على تناول قضمة أخرى و شطفت فمها بالعصير بدى عصير البرتقال الذي تحبه عادة حلو جدا بالنسبة لها ما جعلها تريد شرب شيء أقل حلاوة فارتشفت من الماء على يمينها
اغترفت ملعقة من الحساء الذي تم تقديمه بعد ذلك و عقدت حاجبيها ، حساء الفطر و البصل ذو النكهة اللاذعة الذي كانت لا تمانع تناوله في العادة جعل جسدها يقشعر بتقزز ، تمكنت من تناول ملعقتين أخريين قبل أن تضع ملعقتها و تغسل طعم البصل من فمها بالماء
الطبق الرئيسي عبارة عن شريحة لحم مطبوخة بعناية مع الخضار و الفطر على البخار، حتى دون وضعها في فمها اقتحمت رائحة الأبخرة أنفها و جعلتها تشعر بالغثيان ، انقبضت معدتها و شعرت برغبة في التقيؤ لكنها تحملت ذلك و تذوقت قطعة صغيرة
يدها التي كانت مشغولة من البداية إلى النهاية تملأ كأسها الفراغ بالماء على عجل ، أصبحت معدتها شبه الفارغة اثقل بالسوائل الكثيرة التي شربتها خاصة الماء
اعتقد أنني شربت الكثير ، أشعر بالثقل كما لو كنت برميلا!
في النهاية ، استسلمت و أخذت الخبز و قضمت منه
اخيرا! شيء يمكنني تناوله بسلام
شعرت بالسعادة العارمة كونها قادرة على تناوله دون أي تهيج أو ضيق في معدتها
في تلك الاثناء و طوال الوقت استمر كيران يختلس النظر إلى سينا و لم يكن صعبا عليه أن يلمح تعبير التقزز الذي كانت تضعه على وجهها
"هل تريدين ان اطلب لك شيئا ما ؟ "
سأل كيران
" لا أنا بخير، اعتقد أنني سأمنح الاذن لنفسي للمغادرة أولا، استمتع بالوجبة "
دون قوال كلمة أخرى استقامت سينا من مقعدها و غادرت قاعة الطعام بهدوء
سارت سينا و يدها على بطنها و تخطت السلالم المؤدية إلى الطابق الثاني ثم فجأة توقفت ، ثارت معدتها و ارتفعت السوائل إلى حلقها فركضت ثم اقتحمت الغرفة و اتجهت بسرعة إلى المرحاض ، أفرغت كل ما تناولته و بعد أن انتهت رفعت رأسها ، جعلتها الحرقة في حلقها تشعر بعدم الارتياح و الانزعاج ، انهارت
" لا اصدق أنني لا أستطيع فعل الشيء الوحيد الذي أحبه في الحياة"
خطت بخطى ثقيلة وصولا إلى سريرها ثم رمت بثقلها عليه
" انا لماذا يحدث كل هذا لي ؟! "
تأففت ثم اعتدلت جالسة على السرير ، امسكت الوسادة واجلستها أمامها
" لدي قصة احكيها لك سيدة وسادة ، قصة حزينة بعض الشيء ، قد لا تعجبك لكنني أن لم افعل ذلك سأنفجر "
أخذت نفسا عميقا ثم شرعت تسرد القصة
" كانت هناك فتاة أحبت شخصا ووضعت في أعلى أولوياتها لكن أتدرين ما فعله ذلك الشخص ؟ عندما وجد من هي اكثر جاذبية و اكثر موهبة ، امرأة ناجحة و جميلة ، لا تنتمي إلى الأحياء الشعبية كسر قلب الفتاة المسكينة و شبهها بالمسخ ، الفتاة تعلم أنها ليست بذلك القدر من الجمال و لن تكون لكن .."
عبست و اتبعت :
" سيدة وسادة الفتاة لم تختر ذلك ! لم تختر أن تكون بهذا القبح ، فكرت في أنه لو امكنها التخلي عن غبائها للحصول على بعض جمال تلك المرأة لفعلت ، عندها لن ينظر ذلك الشاب بعيدا لكن لا إمكانية لحدوث ذلك"
" فتورطت مع أكثر شخص كان عليها تفاديه و اصبحت زوجته ، الرجل المشهور الذي أصبح زوجها المزيف ليس سيئا لكن من الصعب منحه الثقة ، فأصبحت الفتاة المسكينة عالقة تترقب متأهبة حدوث اي شيء في أي لحظة كما لو كانت وسط ساحة المعركة "
" هل لديك أي تعليق سيدة وسادة ؟ قولي شيئا "
نظرت سينا إلى الجماد أمامها ثم ضحكت ساخرة على حالها و تراجعت لتحط على السرير
" مبارك سينا ، لقد جننتِ "
حدقت في السقف ، لم اكن أتوقع أنني سأغفو بتلك السرعة ، كما أنني لا أذكر مقدار الوقت الذي نمته قبل أن تدخل ماري الغرفة بصخب
" حامل! " تثاءبت سينا " من الحامل؟! "
" القصة و ما فيها أنني كنت قبل قليل في المطبخ ، اشتعلت النميمة في الأرجاء، كادت الخادمات تسأن فهم الأمور من الجيد أنني تداركت الأمر قبل أن يسوء "
استيقظ ذهنها فصرخت :
" حامل! أنا ؟! " ضحكت " ممن ؟ من الهواء؟ يا لها من سخافة ، حتى إن كان ما بيننا حقيقيا لا يمكن أن أكون كذلك ، حتى هذا لا يجب أن يحدث مجددا ، من الخطر حدوث هذا "
" سمعت احداهن تقول بأنك تتعمدين اخفاء ذلك اعتقد أن السبب في سوء الفهم هذا هو استحمامك المستمر وحدك ، لا توجد سيدة نبيلة على وجه الارض تفعل ذلك بمفردها لهذا تعتقدن بأنك تشعرين بالحرج من تلك الأمور "
" احراج؟! "
نفت سينا برأسها
" ليس احراجا ، أنا فقط لا أشعر بالراحة و لا اثق بهن، كما أنه ليست لدي الطاقة الكافية لإخفائها في كل مرة ، إن رأوا الندوب على جسدي لن يتوقفن عن الثرثرة و سيبدأن في تضخيم الأمور، كيف لشخص مثل كيران أن يتزوج امرأة مشوهة ؟ و لن يتوقف ذلك إلى هذا الحد بل سيسوء ما يعرقل سير خطتي "
" حسنا ذلك لم يعد يهم الآن بما أنه تم حله ، قبل أن أنسى أتيت لأسألك عن ما تريدين تناوله على العشاء ؟ "
استلقت سينا و حرصت على تغطية جسدها بالكامل و ردت :
" لا أريد شيئا ، معدتي مضطربة و شهيتي تستغيث ، كل ما اريده هو النوم فقط "
"حسنا ، كما تريدين ، سأتركك لترتاحي اذا "
اعتقدت أنني إن خلدت إلى النوم بعد مغادرة ماري و بسبب الخمول البدني المزعج الذي أعاني منه اعتقدت أنني سأستيقظ صباحا لكنني فتحت عيني قبل ساعة منتصف الليل بقليل و لم يكن هناك ما أفعله ، حدقت في السقف إلى أن أصبحت الصورة ضبابية في نظري
" اريد شيئا ... شرب شيء، الماء؟ "
تركت السرير و سكبت بعض الماء لكنه لم يكن ما أردت
" اين تخفي ماري زجاجات النبيذ يا ترى ؟ "
كان عقلي نشيطا حقا رغم الساعة المتأخرة و لم تكن لدي مشكلة ابدا في البحث عن غايتي حتى إن كلف ذلك الحفر تحت الارض
" كيران ، هل يمكنني الدخول ؟ "
" أنت في الداخل سينا "
دون رفع حدقتيه رد كيران فأسقطت نظرها على قدميها بعد أن تخطت بالفعل عتبة الباب ثم تقدمت و قالت :
" هل يمكنني الجلوس لبعض الوقت اذا؟ "
" ستجلسين سينا .."
رفع رأسه و حدق في شخصيتها الواقفة
" سواء أذنت لك بذلك أم لم افعل "
حدق في شخصيتها الواقفة ثم عقد حاجبيه و سأل :
" من اين اتيت بتلك الزجاجة ؟ "
" لماذا ؟" عانقت الزجاجة بقوة و اتبعت بعبوس " هل ستخبر ماري؟"
تنهد كيران فاتبعت سينا
" كيران، الا تزال غاضبا مني حقا؟ أنا حقا لم أتعمد فعل ذلك .. لدي سبب بالفعل أنت لم تسمع مني حتى "
" حسنا، ما هو سببك اذا ؟ "
" كنت أعتقد بأنني لمحت اخي ، أو على الأقل اعتقدت بأنه اخي"
"اخاك؟! "
اومئت برأسها ثم اتبعت " لدي العديد من الإخوة و ذلك اليوم اعتقدت بأنني لمحت اخي ادوارد "
تنهدت ثم اتبعت بخيبة :
" ربما ماري محقة ، اخي ادوارد .. لا أضن أنه موجود بعد الآن و هناك ايضا موريس الذي لم اعد أفهمه ، لم اعد افهم أي شيء على اي حال و انت ايضا غاضب مني "
" انا؟! ما المشكلة بي ؟ "
" هناك مشكلة! انت نظرت إلي بعينيك المرعبتين و استمريت في تجاهلي طوال الوقت"
" يبدو انني لا زلت مخيفا في نظرك "
"أنا لا اخاف منك .. " صرخت " غضبك ما يخيفني كيران، عندما تغضب أشعر كما لو أن كل لحظة بسيطة بيننا تنهار "
اتسعت عيناها قليلا و ابتسم ثم اقترب منها و جلس على الطاولة أمامها
" المرهم! "
مد كيران يده
" ماذا؟ "
" ناوليني المرهم ، سوف .. سوف اقوم بوضعه لك "
" أوه! حسنا "
ناولته سينا المرهم فوضعه جانبا و شرع في فك الضماد عن يدها
من الجيد أنها تشك في ما رأته ، الوقت ليس مناسبا للقاء هاذين الأخوين
" كيران ؟ "
" همم .."
" لدي سؤال ، أصبح ينتابني الفضول بعد حدث حفلة الشاي "
" حول ماذا ؟ "
" المرأة .. تلك المرأة ، ليليان كانت حبيبتك السابقة أليس كذلك؟"
فور شعورها بالتوتر بدأ يلف المكان بضبابه أسرعت و تداركت الأمر
" حسنا اعلم أنه جزء من حياتك الشخصية التي لا يجب علي التدخل فيها لكن .. اريد ان اعرف لماذا ؟ ما الذي فعلته ؟ "
" استمر الجميع في الحديث عن ذلك أمامي بكل وقاحة ، لم يكن ذلك ليؤثر علي لأننا مجرد شريكين لكنني فكرت فجأة في شعور ذلك إن كنت احبك حقا "
" الجميع متعاطفون معها و ينظرون إليك كما لو كنت الطرف المذنب ، أنا لا يمكنني الفصل في ذلك لكن هل حقا آذيت تلك المرأة ؟ "
جعلته طريقتها الهادئة و الحذرة في الحديث عن الموضوع يفكر في السبب ، هل كانت قلقة من أنني سأغضب ؟ فكر كيران ثم درس ملامحها المرتبكة التي أيدت فرضيته
" ما الذي تعتقدينه انت ؟ "
" لأكون صادقة ، اكره تلك المرأة على اي حال لأنه بسببها أصبح الجميع يعتقد بأنني الافعى التي قامت باللعب بعقلك و اختطافك من بين يديها ، لكنهم لا يعلمون أنها هي الافعى التي قامت باختطاف موريس من بين يدي، لكن انت و بصفتي زوجتك و حتى إن كان ذلك مزيفا لقد ارتبطت اسمائنا ببعضها لذلك حتى لو كنت الطرف الشرير يجب علي أن أسير بجانبك "
" أنا لا اعلم عنك الكثير ، كل ما أعلمه يحتمل الصدق و الكذب لكن أنا لا افهم سبب شعوري هذا .."
" انت جاد جدا عندما يتعلق الأمر بواجبك انت لا تفكر مرتين عندما يتعلق الأمر بذلك ، يصبح الأمر منطقيا عندما أفكر في ذلك من هذا المنظور لكن .. لما استمر في الشعور بأن كل ذلك مجرد خدعة ، أنا لا افهم لما يخبرني قلبي بأنه لا يمكنك إيذاء الآخرين بينما أنت تفعل ذلك إن كلفت بذلك ، الأمر فقط ... محير جدا"
" حقيقتك ، ما انت عليه حقا تجعلني محتارة "
زفرت نفسها
" المهم الان و كما قلت سابقا بغض النظر عن ما انت عليه سبق و تورطت معك و انتهى الأمر ، في السابق قلت لي بأن علي أن اجعلهم يعتقدون بأنني الشريرة ، احزر ماذا .."
نظفت حلقها ثم قالت بحماس :
" لقد أصبحت الشريرة دون عناء يذكر "
ضحك كيران على ردها غير المتوقع ثم داعب بكفه خدها ، ابتسم و قال :
" شكرا لك "
" ماذا؟! "
" و ايضا .. "
أبعد الخصلة المتدلية عن وجهها
" أنت بخير ، لست ناقصة انت جميلة حقا لديك جمالك الخاص و معاييرك الخاصة "
" أنت ثمل لهذا تقول ذلك "
" أنا لا اثمل بسهولة ، ليس بمجرد شرب كأسين فقط، عكسك"
" إن كان ما تقوله صحيحا إذا .. لماذا ذهب ؟ "
" في الحقيقة هو لم يذهب ، سينا "
" ما الذي يفترض أن يعنيه هذا؟ إن لم يكن كذلك ما كنت لأعلق هنا معك "
" بالضبط ، هناك شيء ما لا أستطيع البوح به ، لا يمكنني قول شيء لكنني فضولي ، سينا إن وقفت امامك يوما ما و طلبت الصفح ، هل ستسامحينني ؟ "
" هل تعني بهذا ما حدث بالأمس ؟ عندما قلت بأنني اكرهك ؟ هل هذا سبب توترك الآن ؟ "
عندما لم يعلق واصلت سينا :
" لقد فكرت في الأمر ، لم يكن خطأك أو أي شخص آخر ، لقد كنت أنا ، كنت سبب كل الأشياء السيئة التي حدثت ، أنا لا اكرهك ، ربما فعلت في لحظة غضب من نفسي لكن في الحقيقة أنا لا اكرهك ، كرهي لك لن يغير شيئا "
حدقت في وجهه
" ما الأمر ؟ لما تضع هذا التعبير؟ أليس راضيا عن ما قلته ؟! "
صرخ :
" ارجوك لا! أنت تجعلين ذلك اسوء ، انت لا تعلمين، لا تعلمين شيئا ، كل الامور التي فعلتها "
نظر كيران بضعف و عجز
" أنت لا تعرفين ما خططت لفعله كيف أمكنك قول ذلك ببساطة ؟!! "
" اذا .. هل خططت لإيذائي، كيران ؟ "
في تلك اللحظة دوى صوت الرعد و التقت اعينهما ، لم يكن كيران قادرا على الرد و إن فعل بنعم فتلك النهاية و اذا قال لا فهو مجرد كاذب لعين ، اختار الصمت و فهمت سينا ذلك
" بغض النظر عما فعلته ، أو مقدار الأسرار التي تخفيها ، فقط لا تهرب ، أعطني سببًا كيران ، سبب واحد فقط، ربما .. سأغفر لك"
تنهدت " و في حال لم افعل .. " ابتسمت و اتبع :
" لا تقلق ، أعدك بأنك ستستمتع بعداوتي! "
هربت ضحكة من بين شفتيه و ارتخى كتفاه، انتابته الحيرة ، لم يكن كيران قادرا في تلك اللحظة على معرفة اي من التعابير أو ردود الفعل عليه القيام بها ، هو فقط واصل التحديق في وجهها مستسلما ، كما لو كانت شيئا غريب ، احجية لا يستطيع حلها ، شخص مثلها لا يمكنه أن يكون جاد لأطول من خمس دقائق هذا إن لم تكن خمس ثوان، شخص يستمر في تحطيم توقعاته ، لمس وجهها
" جميلة! "
وسعت سينا عينيها و نظرت اليه كما لو أنه قال للتو أكثر قول تستغربه اذناها
" للتو .. انت .. انت ما الذي قلته؟! "
" قلت بأنك جميلة ، جميلة جدا "
ضيقت عينيها بريبة
" هل تحاول اغوائي؟! " تنحنحت " لعلمك ، لست بامرأة سهلة"
" أنا جاد ، سينا "
ادار وجهها نحوه و أضاف بجدية :
" لا تدعي كلمات الناس تؤثر عليك ، لن تكوني أبدًا جيدة في أعينهم على أي حال ، مهما فعلت"
" هل تعلمين ما مرادف الغريب ؟ "
" الغريب ؟ لا ، ما هو ؟ "
" فريد ، مرادفه الفريد ، كل ما هو غريب فريد ، انت فريدة من نوعك "
" أنت .. أنت ثمل! أنت عليك شرب الماء ، أصبحت تتحدث بالهراء و .. اشرب الماء "
ضحك
" ألم أخبرك ، أنا لا اثمل بسهولة "
" اذا .. لما يبدو كلامك هذا كالهراء بالنسبة لي ، لما لا أستطيع تقبله بسهولة ؟ لما هو شديد الغرابة لدرجة الزيف بالنسبة لي كما لو أنها كذبة ؟ "
اعطته كلماتها الكئيبة لمحة عن مدى تدهور ثقتها بنفسها و جعلته يتذكر أيامه عندما كان يعاني ذات الأمر، شرد بذهنه و هو يحدق في بقعة ثابتة ، انكمش وجهه بألم ثم تدارك الأمر ، رمش كيران بسرعة و طرد تلك القصاصات من الماضي و صفى ذهنه
" حسنا ، صدقيها ک كذبة اذا ، حقيقة مزيفة او أيا يكن ، كرريها لنفسك ، ستنقذك تلك الكذبة من الهلاك دون أن تعرفي حتى كيف و متى حدث ذلك بالضبط "
" و ايضا .. "
" أنت طبيعية، لا تتوسلي حب أحد ، سوف تجدين من يحبونك ، ستجدين شخصًا يحبك بكل ما انت عليه ، انظري حتى شيطان مثلي لديه من يهتم لأمره "
" هراء! "
اعترضت بحدة
" قد تكون مخيفا حقا لكن لم تكن لتولد كذلك مؤكد أن شيئا ما حصل لك و ايضا .. أنت لديك جانب جميل "
" انا ؟! "
اومئت برأسها ثم قالت
"قلبي ، قلبي لا يخطأ ابدا"
"قلبك ؟!"
" نعم ، قلبي ، قلبي يخبرني بأنك طفل صغير مقيد و عاجز"
حدق كيران مصدوما في وجهها المشرق و فكر متسائلاً عن حقيقتها ، طوال الوقت لم يكن الأشخاص المقربون منه قادرين على معرفة هذا الجزء الحساس منه لكن هي ... لم يمر شهر على علاقتهما التعاقدية لكنها تستمر في كشف جميع أسراره ، الواحدة تلوى الأخرى
اختلطت الاحاسيس ، جعله التفكير في ذلك يشعر بالغضب و الانزعاج كونه أصبح صيدا سهلا لكن على النقيض من ذلك انتابه شعور غريب ، شعور لطيف ، السعادة ، السعادة لأنه اخيرا فهمه شخص ما ولو قليلا
" كيران! "
قاطعت تفكيره ندائها و لمستها الرقيقة وهي تبعد خصلات الشعر عن جبهته و صوتها
" الجرح فوق عينك كيف حدث ؟ " مررت ابهامها على حاجبه الأيسر و نظرها على الجرح الصغير " تعلق عليه عيناي دائما ينتابني الفضول "
" ذلك .. ذلك ليس بالأمر الجلل، سقطت عندما كنت صغيرا "
" كيران الصغير المسكين ، ما القدر من الاذى الذي تحملته يا ترى ؟ " سألت : " هل قبلته والدتك ؟ " عقد كيران حاجبيه باستغراب :
" تُقبل؟! "
" نعم ، الجرح ، امي كانت تفعل ذلك عندما يصاب احد أشقائي الصغار بجرح ، تقبله و تقول بأن الالم و الذكرى السيئة معه تتبخر فورا "
نقرت على ذقنها مفكرة
" اعتقد اننا تأخرنا قليلا لكن .."
" لا تهتمي، هذا ليس بالأمر ال- "
ابتلع ما تبقى من كلماته مع ريقه فور شعوره بملمس انفاسها الحارة و شفاهها على بشرته فتح عينيه على نطاق واسع ، مجرد ضغطة خفيفة على موضع الجرح جعلت كيانه مضطربا
" لقد قبلته! " صاحت بحماس " الآن لن تشعر بالألم، سوف تختفي تلك الذكرى السيئة و تنجلي كالضباب "
نظر كيران بعيون متسعة مصدومة إلى سينا التي تبتسم بإشراق و فجأة أدرك أن الهواء بدأ يصبح اثقل على رئتيه ، و قلبه يخفق بعنف و تبعه ذلك شعور غريب ، شعور يداعب فؤاده بلطف
" توقف! "
انتفض من مكانه بسرعة ثم استدار و غطى وجهه المحرج
هذا جنون!
تسابقت أنفاسه وهو يحاول السيطرة عليها ، تنحنح ثم أشار بإصبعه نحوها دون أن يستدير و قال متلعثما :
" انت .. انت عليك العودة إلى غرفتك "
" عذرا ؟! "
استدار نحوها
" قلت ستعودين إلى غرفتك ، انت متعبة ، هيا"
" لا... أنا ، أنا بخير " فركت عينيها ثم تثاءبت و عانقت الوسادة
" لست متعبة "
كتف كيران ذراعيه أمام صدره و رفع أحد حاجبيه
" أنت كذلك ، سينا "
" أنت حقا لئيم، لئيم جدا "
مشت في الرواق المظلم مترنحة و كيران خلفها يوجهها إلى الاتجاه الصحيح في كل مرة تنحرف فيها و تكاد تصطدم بالجدار
" ليس من هناك! "
التصقت بالجدار ثم انزلقت ببطء و جلست على الأرض ، تلمست الأرضية بعيون مغلقة
" سرير! هذا سرير، سأنام هنا "
استلقت على الأرض و لوحت مودعة :
" إلى اللقاء ، ليلة سعيدة "
" سينا حقا؟! "
" لا انت لن تنامي على الأرض انهضي هيا "
" سينا! ، اقول سينا هيا! "
عندما لم تحرك ساكنا تنهد
" أنا ما الذي فعلته بنفسي ؟ هذا حتما سيكون كافيا كعقاب على كل شيء حقا "
دنى منها و حدق في شخصيتها المستلقية على الأرض
إنها نائمة حقا .. هذه المرأة
بعثر خصلات شعره ثم لف ذراعه بعناية حول ظهرها و الأخرى تحت ساقيها ثم رفعها إلى حضنه و خطى نحو الغرفة
" علي التعامل مع عدد زجاجات النبيذ في هذا العقار غدا "
أدلى كيران بجدية ففركت سينا وجهها على صدره ثم ضحكت
" لما يبدو الأمر كما لو أنها تسخر مني؟!" خاطبها كما لو كانت واعية " أنا جاد حقا! "
" بس! بس! "
هاه! بس! بس!
اي نوع من الردود هذا ؟!!
" لقد كانت كذبة! "
زحف الصوت الناعس الخافت إلى أذنيه فأنزل رأسه ، لم يكن كيران بحاجة إلى ذكائه لمعرفة أن الصوت الذي سمعه للتو خرج منها ، لكن .. هي نائمة! على الاقل عيناها مغلقتان
هل تتحدث في نومها عادة ؟!
فكر كيران ثم فصل شفتيه
" كذبة ؟ ما الكذبة؟ "
سأل كيران و انتظر الجواب بإصرار، لحظتها اخرجت سينا تنهيدة صغيرة و قالت بصوتها الناعس :
" لقد كانت كذبة .. أنني كنت بخير "
اتبعت بتثاقل :
" عندما كنت ضيفة عند السيدة كاثرين افتقدتك ، تمنيت بشدة ان تكون بجانبي حتى ان كان كل شيء مزيفا الشعور بخيالك بجانبي يشعرني بالثقة و الراحة "
" حاولت تخيل ذلك لكن في كل مرة انظر فيها الى الكرسي الفارغ بجانبي تتشكل الغصة في حلقي كما لو أنني ابتلعت قطعة من الزجاج ، لقد كان ذلك فضيعا، شعرت بالوحدة الخانقة ، شعرت بأنني منبوذة ، دخيلة! لا تنتمي الى ذلك المكان "
سكتت لبرهة ثم استأنفت مرة أخرى
" كيران .. انت لماذا ارسلتني الى ذلك المكان وحدي؟ "
" كيران لقد انتظرتك حقا .. انتظرت و انتظرت"
" كيران لماذا تركتني وحيدة هناك ، لماذا ؟ "
" كيران لما تركت جانبي ؟ "
" أنت قلت بأننا سنكون شريكين .. "
دفنت رأسها في صدره
"اذا لما بدا لي أنني أخوض هذه المعركة وحدي؟"
في تلك اللحظة كان بالفعل واقفا أمام باب غرفتها ، فكر كيران في كلامها و أعاد استرجاع كل ما حدث ، بداية بلحظة لقائهما و صياغة العقد إلى الآن ، عكسه ، كانت سينا تعير اهتماما كبيرا لتلك العلاقة التعاقدية بينما هو استمر في التأرجح
هي محقة!
اعترف لنفسه
بالنسبة له تلك العلاقة تهمه أكثر منها ، قد تكون هي بحاجة للمال لكن هو .. كان هناك الكثير من الأشياء التي عليه إثباتها ، أراد أن يثبت للجميع بأنه يمكنه المضي قدما ، أراد أن يجعل الحلم البائس لمجموعة من الشبان اليافعين حقيقيا ، أراد أن ينتصر! لكنه تصرف بلا مبالاة
فتحت كلماتها التي لا يزال يجهل إن كانت عفوية ام مقصودة عينيه و جعلته يبصر الحقيقة
ما الذي كنت أفعله ؟!
كان غاضبا حقا لم ينكر ، لكن التصرف كالأطفال و الهرب و اعتماد العلاج الصامت لم يكن تصرفا قد يفعله شخص بالغ ، لم يكن الموضوع ملحا ، كان قادرا على مرافقتها تلك الليلة و تفادي كل ما حدث
ما الذي كنت افكر فيه ؟!
تساءل بينما يحدق في وجهها الفاتر ، المخمور ، خدها المضغوط على صدره و الشعيرات القليلة المتساقطة على وجهها ثم دفع الباب الموارب و دخل الغرفة ، انزلها برفق على السرير و عندما شرع في تقويم ضهره و لأنه مشتت الذهن لم ينتبه لأصابعها المتمسكة بقميصه كالقطة، سُحب كيران نحوها فتواجها ، وجها لوجه
هبت انفاسها الدافئة على بشرته فحبس انفاسه و استمر في التحديق بعيون مصدومة ، الشعر الناري المبعثر على الوسادة و الرموش الذابلة التي تركت ظلالها على خديها
فك أصابعها المتمسكة بقميصه بسرعة و اعتدل واقفا ثم ابتلع ريقه و حاول تهدئة قلبه المضطرب
عد الى وعيك .. لا تهذي!
حث نفسه بقسوة ثم تراجع كما لو أنه لمس النار بعدها انصرف