109 - الطرق على باب الخلاص (25)

سيان جعلت لينكون يُبقي الطريق إلى مدخل القاعة الكبرى مفتوحًا، ثم نهضت مع واحدٍ تلو الآخر بستة أطفال من جوقة الترنيم.

في تلك الأثناء، طرد جوون الكوابيس التي كانت ملتصقةً بأربعة من المراهقين.

كان المراهقون يترنحون بذهول، لكنهم كانوا أفضل حالًا من البالغين، فاستطاعوا السير بخطى متعثرة.

حسنًا، المجموع عشرة. لقد تم تأمين جميع الأطفال.

ألقت سيان نظرةً دائرية على داخل القاعة الكبرى.

كانت ترغب في إنقاذ المزيد من الناس، لكن…..إذا حاولت وضع عدد كبير من البيض في السلة فقد يسقط الكل ويتحطم. و كان عليها أولًا إرسال هؤلاء الأطفال إلى مكان آمن.

أشار جوون برأسه نحو باب القاعة الكبرى ببرود، في إشارة إلى أن عليهم المغادرة…..أو بالأحرى، أنه لا بد من المغادرة الآن.

أومأت سيان، وجعلت الأطفال يمشون بهدوء. ببطء… ببطء… دون أن يُصدروا أي صوت، وعلى أن يسيروا في الأماكن التي يسطع فيها الضوء.

بينما كان الأطفال المذعورون يرمقون أطراف القاعة بنظرات خاطفة.

“هـ….أ….آ….آ….”

في ظلام رمادي كئيب تغشاه سحب الدخان المتصاعد من الشموع، كان من تبقى على قيد الحياة يطلق أنينًا مخنوقًا، ويتلوى بحركاتٍ واهنة.

نصف سكان الجزيرة كانوا قد ماتوا بالفعل، أما النصف الآخر فكان بلا وعي.

و بسبب أن أشعة الشمس لم تصل بقوة إلى عمق مبنى القاعة الكبرى، كانت الكوابيس لا تزال تعبث بالناس هناك. بل إن بعض الجثث المتهدلة كانت ترتجف من الألم.

كان مشهدًا كابوسيًّا بحق.

الأطفال، الذين لا يستطيعون رؤية الأشباح، لم يفهموا لماذا كان الكبار يتلوَّون بتشنج، ولماذا كانوا يطفون في الهواء كأكياس محشوة ثم يُقذفون هنا وهناك، فارتعبوا وهم عاجزون عن إدراك السبب.

أدارت سيان رؤوس الأطفال بهدوء نحو الجدار، وواصلت التحرك بهم.

أما الزعيم، فكان لا يزال ممددًا كالأضحية فوق قمة هرم الكوابيس على المنصة.

وحتى في تلك اللحظة، كان عدد الكوابيس يزداد باستمرار، إذ أسفل الهرم الذي عليه الزعيم، كان هناك فُوَّهة سوداء قاتمة بشكل استثنائي…..

حفرة بلا قرار تؤدي إلى عمق اللاوعي، ومنها كانت الكوابيس تزحف ببطء نحو الخارج.

إنه باب الأشباح…..بوابة الأرواح.

كما توقعت، كان فحص القاعة قرارًا صائبًا.

بعيدًا عن “الصندوق الأسود”، بدا أن إغلاق تلك البوابة هو السبيل لإنهاء هذه الكارثة.

“آه..…”

فجأة، انطلق أحد الصغار من الصف بلا إنذار. و قبل أن تتمكن سيان المذهول من الإمساك به، ركض بخطوات سريعة نحو شابة و عانق عنقها.

كانت ترتدي ثوب السكان الأخضر الفاتح وقد انزلق عنها تقريبًا، وبجانبها مباشرة كان أكثر من عشرة كوابيس تمتص حياة أشخاص آخرين.

ثم ذرفت عينا الطفل دموعًا غزيرة وهو يتوسل.

“أمي…..دعونا نأخذ أمي معنا أيضًا.”

لا، مستحيل! إذا علقنا هنا الآن فسنهلك.

هؤلاء الأطفال لا يرون الأشباح، لذا لم يكن لديهم أي إدراك لمدى خطورة الوضع.

نادته سيان من مكانها، محاولةً أن تحافظ على هدوئها قدر المستطاع.

"لنخرج من هنا أولًا، وأمكَ ستلحق لاحقًا. أعدك…..سأُنقذ أمكَ حتمًا.”

“لكن أمي لا تتحرك..…”

قال الطفل ذلك وهو يهز رأسه باكيًا، ثم عانق المرأة بقوة أكبر.

“أمي مريضة جدًّا على ما يبدو…..أرجوكِ، ساعدي أمي.”

بصراحة، لم أتوقع أن يطلب المساعدة لأمه بدلًا من الزعيم.

لكن كلمة “أمي” كانت كفتيل يشعل القنبلة.

فالأطفال الذين ظلوا طوال الليل منكمشين تحت وطأة الخوف، بدأت شفاههم ترتجف، ثم انفجروا جميعًا في بكاء حاد.

“وااااه!”

“أمِّي! أمِّي! أمي…..هااه…..أمِّي!”

فارتجت القاعة الكبرى كلها من صخب بكائهم.

'تباً…..'

شعرت سيلن بشعر مؤخرة رقبتها يقف مع فورة الخوف التي اجتاحتها.

في اللحظة التي دوى فيها بكاء الأطفال، رفعت الكوابيس، التي كانت قبل لحظات تتمايل بحركات خليعة، رؤوسها فجأة.

بل وحتى تلك التي كانت تشكل الهرم توقفت عن الحركة تمامًا، مثل تماثيل، وحدقت نحونا بثبات.

دق… دق…

بينما كانت سيان تسمع دقات قلبها تدوي بعنف، كانت عيناها تتأملان بريق عيون الكوابيس التي تلألأت بياضًا في أرجاء القاعة الكبرى.

ظلت الكوابيس بلا حركة قرابة ثلاث ثوانٍ، ثم فجأة، اندفعت جميعها في وقت واحد، وفي اتجاه واحد….نحوها.

“اركضي!”

قال جوون ذلك وهو يتقدم نحوهم.

“اركضوا!”

ثم أمسك بعنق الطفل المتمسك بأمه بعنف وانتزعه قسرًا، و ألقاه نحو سيان وهو يأمرها.

“هيا!”

“لينكون!”

ـ غَرر! غَرر! غَرر! غَرر!

انطلق لينكون فورًا وهو يزمجر بشراسة، ثم اندفع وحده وسط الكوابيس. و راح يمزق كل كابوس يقترب منه، جاذبًا انتباه الأرواح الشريرة إليه.

وفي لحظات، كان شعر جسده واقفًا بالكامل، وقد حاصره الكوابيس حتى اختفى عن الأنظار.

“أسرعوا، أسرعوا!”

أخذت سيان تدفع الأطفال الباكين بعنف نحو باب القاعة الكبرى، وهي تزيح بجنون الكوابيس التي تعترض الطريق لتفتح ممرًا.

“أسرعوا أكثر، هيا!”

بينما كان المراهقون يترنحون خلفها بوجوه شاحبة كالورق.

صرير…..صريييير.

دفعت سيان باب القاعة الكبرى بيد واحدة بكل قوتها…..

لا……هذا سيئ.

كل ما امتد إليه بصرها كان مكتظًا برؤوس الكوابيس. لقد اندفعت جميع الكوابيس في القرية إلى هنا بعدما سمعت بكاء الأطفال.

قفزت سيان بلا تردد إلى مقدمة الصف، واخترقت حشود الكوابيس، تدفعهم وتضربهم بإصرار لتشق طريقًا.

“أسرعوا! أسرعوا أكثر!”

ثم حثّهم جوون الذي كان يتولى الحماية من الخلف.

المسافة الآن إلى مقر الزعيم كانت: 170 مترًا.

“لينكون!”

وفي الحال، انطلق لينكون كعاصفة بيضاء وهو يزمجر، يتوحش كالكلب المسعور، شاقًّا طريقًا حتى مقر الزعيم.

لكن لم يستمر الأمر سوى ثانيتين، قبل أن تعود الكوابيس المتجمعة بكثافة لقطع مجال الرؤية.

“أه..…!”

أمسكت الكوابيس بها من كل جانب.

واصلت سيان القتال بجنون وسط تلك الفوضى العارمة. و عندما بدأ شيء غير مرئي يشدهم ويسحبهم بقوة، أطلق المراهقون صرخات فزع.

“آاااه!”

وأخيرًا، تعثرت طفلةٌ كانت تجري بخطوات صغيرة وسقطت أرضًا.

كانت تلك ماري، الفتاة ضعيفة البنية منذ البداية بسبب مرض في رئتيها.

التقطت سيان الطفلة الباكية دفعةً واحدة، فراحت ماري، بيديها الصغيرتين المرتجفتين، تعانق عنقها بقوة.

تابعت هي التقدم خطوة بعد خطوة، وهي تدفع الكوابيس بعيدًا عنها، وكأنها تخوض في أعماق ماء ثقيل.

هاه… هاه… هاه…..لا، مستحيل…..

لم يعد بإمكانها اختراق صفوف هذه الكوابيس.

أنزلت سيان الطفلة على الأرض، ثم أطلقت نفسًا طويلًا، وحدقت بعزم شديد.

وفي اللحظة التي وضعت فيها الطفلة واستقامت واقفة، دوّى صوت جوون بغضب،

“تعالوا إلي!”

كان يلتفت يميناً ويساراً نحو الكوابيس، رافعًا يديه إلى مستوى صدره.

“انظروا إلي! أنا هنا! انظروا…..أنا هنا!”

انتشرت صرخاته عبر المكان، تخترق عصف الرياح العاتية كالإعصار. و كان الغضب يملأه، وعيناه السوداوان المتقدتان تجولان بين الكوابيس متحديًا إياها بلا توقف.

“هيا! هيا، هيا! إلى هنا! إلي أنا!”

تغيرت ملامح الكوابيس.

كانت الكوابيس تلعق شفتيها، كما لو أنها وحوش مفترسة عثرت على أشهى فريسة، ثم بدأت تقترب بخطوات ناعمة موجهةً نحو شخص واحد فقط…..تاي جوون.

وأومأ لها إشارةً بأن تغتنم الفرصة وتهرب سريعًا. فعضّت سيان على أسنانها بقوة، ثم بدأت تدفع الأطفال للتحرك.

“اذهبوا! هيا يا أطفال! إلى مقر الزعيم!”

جعلت الأطفال الصغار، الذين يبطؤهم السير، يركضون أولًا، ثم دفعت واحدًا تلو الآخر من المراهقين الباكين.

“أسرعوا! هيا! أسرعوا أكثر!”

قرب مقر الزعيم الروحي، كان هناك عدة أشخاص بملابس صفراء ممددين على الأرض. من بينهم رجلٌ كان قد ساعد تشوداي تو على الخروج من القاعة الكبرى.

الرجل الذي يعرف عن “الصندوق الأسود”.

أشارت سيان للأطفال أن يدخلوا بسرعة، ثم أمسكت بالرجل من كتفيه وجرّته بقوة نحو مقر الزعيم.

“جوون!”

ثم صرخت إشارةً إلى أنها أنجزت الأمر، لكن رده جاء على غير المتوقع،

“أغلقي الباب!”

“تعال! هيا! أسرع! إلى هنا!”

ازدادت الكوابيس عددًا بعدما اجتذبتها صيحات جوون، حتى غص المكان بها بلا أي فراغ.

ومن خلف تلك الكوابيس جاء صوته مجددًا،

“لنعمل على التوازي! سأغلق بوابة الأرواح المفتوحة في القاعة الكبرى، وأنتِ يا سيان اهتمي بالصندوق الأسود!”

من المؤكد أنه هو أيضًا قد رأى ذلك النفق المظلم المخيف المفتوح أسفل هرم الكوابيس في القاعة الكبرى.

“قلتَ أننا سنبقى معًا سواء عشنا أو متنا!”

صرخت سيان بصوت مبحوح متقطع دون أن تشعر.

وجاءها الرد بصوت جوون المألوف عندما يبتسم ابتسامةً جانبية، يتردد وسط هدير العاصفة،

“بالطبع سنبقى معًا…..أراكِ لاحقًا، يا لي سيان!”

***

“هاه…..يا لِقذارتكم.”

ابتسم جوون بسخرية وهو يحيط بنظره الكوابيس من حوله.

“حقًا…..يا لها من صلة عنيدة، أليس كذلك؟”

الكوابيس التي تزاحمت من كل جانب كانت تضيق دائرة الحصار بسرعة، تلعق ألسنتها بخبث.

كابوس واحد بمفرده لم يكن يُشكل خطرًا كبيرًا، لكن بهذا العدد كان الأمر أشبه بآلاف النمل الناري تنهش جسده…..و النتيجة واحدة: الموت حتمًا.

وبعد لحظات، راحت الكوابيس تهاجم جسده بالكامل، ثم تراكمت فوق بعضها حتى حجبت بصره تمامًا.

أمام عينيه اختفى ضوء الشمس، وحلّت الظلمة المألوفة…..الظلام البارد لبئرٍ رآه يوم وُلِد، وقد عاد الآن ليبتلعه من جديد.

“أه..…”

شعر بقشعريرة تزحف على جسده، وإحساس الأرواح الشريرة وهي تتسرب في داخله كان حيًّا وواضحًا.

خفق قلبه بعنف كأنه سينفجر وهو يستشعر الخطر، لكن جوون أصدر أمره ببرود،

“اخرجي.”

تخيل في ذهنه كابوسًا واحدًا بوضوح، وأمرها بصوت ثابت لا يهتز،

“أنتِ لم ترحلي…..ما زلتِ بداخلي.”

تسارعت أنفاسه فجأة وضعفت، وبدأت الرؤية تومض وتضطرب كما لو أن شرارات تتطاير في الظلام، ومع ذلك ظل رافعًا ذقنه دون أن يتحرك قيد أنملة.

“هيا!”

"هيا…..هيا…"

"بسرعة..…"

"الآن…..في هذه اللحظة..…"

“اظهري أمامي فورًا! حالًا!”

ـ فششش…..

مع سكون بدا وكأن الزمن توقف، تحطّم الظلام إلى غبار أسود.

وفي اللحظة نفسها، بدأ من عند قدميه كابوس واحد يظهر من الظل ببطء، لكنه كان يتشكل بسرعة، مثل زهرة حمراء قادمة من أعماق الجحيم، نحو سطح الأرض.

كانت راقصة الباليه ذات أحذية الباليه ذات اللون الدموي.

ما أن ظهرت، حتى اجتاحت بسرعة الكوابيس ضمن دائرة نصف قطرها خمسة أمتار، مكنسةً إياها كلها دفعةً واحدة.

ظهرت راقصة الباليه ذات الشعر البني الطويل استجابةً لنداء جوون، ووقفت برشاقة وسط الضباب الأسود الدامس، رافعةً ذقنها بأناقة.

_____________________

ذي اكثر وحده من الكوابيس غامضه

بس لحظه يعني كذا الكوابيس بترجع لجوون؟ مابي هو كان مستانس بدونهم😔

وسيان شكلها ندمت متأخر انها خلته 😭

ااااا تكفون لايصير شي لين يجي خفر السواحل ذولا

المهم شفتوا البزر الي يقول امي؟ هي مب امه صدق بس يعني كانوا سوا وهي ربته كذا

Dana

2025/11/09 · 14 مشاهدة · 1492 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025