“دَوِي! دَوُوم، دَوِي!”
كان مينوو يقلّد خطوات العملاق وهو يطارد أوراق الشجر المتساقطة على الأرض. و كان هواء كانغووندو حادًا، تفوح منه رائحة التراب الطازجة.
بيت جدته، الذي يقع عند أسفل الجبل، كان منعزلًا في مكانٍ خفي، لكنه لم يكن بعيدًا عن موقع تخييمٍ يمكن الوصول إليه بالسيارة خلال دقائق.
شعر مينوو بالملل من اللعب بمفرده، فانطلق بخفة نحو الكنيسة.
كانت تلك الكنيسة هي ملعبه اليومي مؤخرًا، رغم أنها أُغلقت قبل عشرين عامًا.
كيييييييك..…
فتح الباب البني المصفر للكنيسة، فاندفعت منه رائحةٌ راكدة وصامتة، مليئة بالجمود.
استنشق مينوو بعمق وهو يشعر بلذة غريبة، ثم أغلق الباب بإحكام، ودخل بين المقاعد الطويلة المتشابكة عشوائيًا.
المقعد المخصص لمينوو كان دائمًا في الصف الأمامي. في المكان الذي يقابل التمثال الأبيض الكبير مباشرة.
كان ذلك التمثال غريبًا، لأنه بخلاف بقية الكلمات التي كانت معقودةً ومربكة، بدا واضحًا ومحددًا، وكأنه شكلٌ واحدٌ مفهوم.
وقبل أن يجلس على المقعد الطويل، توقف مينوو فجأةً، واتسعت عيناه من الذهول.
“هاه، هاااه! آك…..كهه!”
رجلٌ في أوائل الثلاثينات كان مختبئًا إلى جانب المقعد الطويل. و كان يلهث بأنفاسٍ متقطعة، ويبدو عليه الألم.
كان في غاية الاتساخ كما لو أنه كلبٌ بري مطارد، وكانت الدماء الحمراء ملطخةً على سرواله ويديه.
“أوووه!”
أسند الرجل جذعه على كوعه، ثم مدّ عنقه ليلقي نظرةً خاطفة عبر المقاعد الطويلة، وكأنه يتأكد من أن باب الكنيسة مغلقٌ بإحكام.
بدا عليه بعض الارتياح، لكنه ظل يلهث بأنفاس متوترة، وعرق غزير يتصبب من جبينه. و في اللحظة التي ارتجف فيها مينوو وهمّ بالهرب، انقضّ الرجل مذعورًا وأمسك بكاحل الطفل.
“يا صغير، هل أنتَ وحدك الآن؟”
***
“واااااااه!”
انفجر الطفل بالبكاء بصوتٍ حاد ومذعور. فحاول الرجل المرتبك أن يسد فم الطفل، لكنه كان ممددًا على الأرض مثل الزاحف، ويده لم تصل إلى وجه الطفل الذي كان على المقعد الطويل.
“ششش، ششش! لا تخف. هذا الأخ ليس شخصًا سيئًا.”
قال الرجل ذلك وهو يختلس النظر بخوفٍ إلى باب الكنيسة.
كان يشعر وكأن والدي الطفل سيدخلان في أي لحظة. فتملكه الذعر، وظل متوترًا دون أن يعرف ما عليه فعله، لكن لحسن الحظ، ظل الباب مغلقًا بإحكامٍ ولم يُفتح.
عندها فقط خفّت ملامح الرعب قليلًا من وجهه. ومع ذلك، لم يكن يملك طمأنينةً حقيقية؛ فلا أحد يعلم متى قد يظهر شخصٌ فجأة.
رغم أن الكنيسة المهجورة لم تكن مأهولة، إلا أن الاطمئنان التام كان مستحيلًا.
وما هو أهم من ذلك…..
ألقى الرجل نظرةً خاطفة على ساقه اليسرى. كانت الجروح في أسفل القدم والساق كبيرةً بما يكفي لتعجزه عن الركض وراء الطفل إن قاوم بشدة وفرّ هاربًا.
لا يمكن أبدًا أن يُكتشف أنه مختبئٌ هنا. و في هذه اللحظة، لم تكن آلام الإصابة هي الأولوية، بل تهدئة الطفل أولًا. فتظاهر الرجل بالقلق ووبّخه بلطف.
“لما تبكي هكذا؟ لا يصحُّ أن تدخل لأماكن كهذه لوحدكَ. أين والداك؟"
ثم مدّ ساقه اليسرى إلى الأمام ليُريه الجرح.
“انظر. هذا الأخ انجرح هنا. إن لم تكن حذراً، من المحتمل أن تُجرح مثلي. لقد أمسكتُ بكَ لأنني قلقٌ عليكَ من الأذى.”
عندها فقط بدأ الطفل يخفف من بكائه ونظر بخجل إلى ساق الرجل.
كانت ملابس الرجل مغطاةً بشعر كلاب، وتفوح من جسده رائحةٌ كريهة قوية. أما قدمه اليسرى المصابة فكانت عارية من الحذاء، ومربوطةً بشكل مهلهل بمنشفة قديمة بالية.
“أيها العم…..هل تؤلمكَ قدمكَ كثيراً؟”
“لا، أعني، قليلاً…..و أيضاً أنا لستُ عماً، أنا الأخ الأكبر.”
'ماذا سأفعل بهذا الطفل الآن؟'
ظلّ الرجل قلقًا يفكر، ثم سأل بلطفٍ قدر المستطاع،
“إذاً، ما هو اسمكَ؟”
“…….”
“لما لا ترد؟ أنت الطفل الذي يسكن بالقرب من هنا مع جدته، صحيح؟”
فجأة أشرق وجه الطفل وهزّ رأسه بقوة مؤكدًا.
كما توقّع. طفلٌ في السادسة أو السابعة من عمره لن يبتعد كثيرًا، فلا بد أن بيته قريبٌ من هنا. ومن مظهر ملابسه وحذائه، بدا واضحًا أنه من سكان سيول.
فإذا كان طفلٌ مثله يتجول بمفرده في بيت مهجور في الريف، فلا بد أن والديه قد تركاه هنا.
نادراً ما يُترك الطفل مع الجد، لذا على الأرجح مع جدته.
أرخى الرجل قبضته عن كاحل الطفل بهدوء، لكنه أبقى يده قريبة من قدمه، ليستطيع الإمساك به مجددًا إن لزم الأمر.
“إذاً، ماهو اسمكَ؟”
سأل بنبرةٍ ودودة، فما كان من الطفل إلا أن أجاب ببراءةٍ بعدما زال عنه التوتر،
“جونغ مينوو.”
“آه، أنت مينوو؟ أتيتَ مع أمكَ، أليس كذلك؟”
“نعم، في أغسطس.”
“نعم، صحيح.”
أمه، إذاً. ولأنه لم يذكر “أبي”، فالأرجح أن والدته فقط هي من جاءت به وتركته عند جدته.
تململ الرجل بسرعة وأخرج يده يبحث في جيبه.
“هل تريد من هذا الأخ أن يعطيكَ حلوى؟ أحزنني بكاؤكَ، لذا سأعطيكَ حلوى لذيذة. خذها وشاركها مع من في بيتكَ. كم تريد؟ و لمن ستعطيها؟ لمينوو ولـ.…”
“قطعتين.”
“حسناً، قطعتين.”
شخصان فقط. كان طفلاً صغيرًا يعيش بالقرب من هنا مع جدته فقط. دون وجود رجلٍ بالغ.
أخرج الرجل قطعة حلوى من جيب سترته البالية وقدمها للطفل.
“أوه، آسف يا صغيري. لم يتبقَ معي سوى قطعةِ حلوى واحدة، هيه، خذها أنتَ الآن وتناولها.”
تلقّى مينوو الحلوى دون شك، لكنه لم يأكلها. فلا يجوز أن يأخذ هذه الحلوى إلى المنزل…..قد تسأله جدته من الذي أعطاه إياها.
ركز الرجل أولًا على تبديد شكوك الطفل.
“أنا أعمل خلف هذا الجبل…..لا، بل خلف ذاك الجبل، وكنت في طريقي إلى البيت. انزلقتُ عن صخرة وتعرضت لإصابة بسيطة. ما إن تتحسن ساقي سأعود للعمل مباشرة.”
“وماذا عن المستشفى؟”
“آه، المستشفى.”
تنهد الرجل ورفع كتفيه.
“لا أملك المال.”
وكانت ملامح مينوو توحي بأنه فهم كل شيء من تلك العبارة القصيرة.
ما الذي يمكن أن يعرفه طفلٌ صغير مثله؟
رغبةً في مداعبته، تظاهر الرجل بالحزن.
“لم يتبقَ لدي حتى حلوى.”
عندها أعاد مينوو قطعة الحلوى التي كان ممسكًا بها بقوة.
كان طفلًا طيبًا. فتردد الرجل قليلًا ثم أخذ الحلوى وأخفاها في جيبه.
وبينما خف التوتر، أخذ مينوو يختلس النظر خلف الرجل. و ما ثبّت عليه الطفل نظره كان حقيبة دافل سوداء.
كان الدم قد جف وتصلب عليها. وبما أن لونها أسود، لم تكن آثار الدماء واضحة، لكن الرجل سارع إلى تغطيتها بجسده.
'ماذا أفعل الآن……'
لم يكن من الممكن الاستمرار في الهرب بهذه الحالة. كان عليه أن يستعيد قواه لبعض الوقت في هذه الكنيسة.
المشكلة أن هذا الطفل يجب ألا يخبر أي أحد عنه. ولهذا، عليه أن يأخذ منه وعدًا. بطريقةٍ طبيعية تمامًا.
“هيا، هيا، تعال إلى هنا.”
عندما طرق الأرض بيده، جلس مينوو أمامه مطمئنًا وقد زال حذره تمامًا.
“أنا فقط أستريح قليلًا في طريقي إلى البيت، لكن لماذا أتيتَ إلى هذا المكان وحدكَ؟”
“فقط هكذا.”
“فقط؟ هل جئت لأنك تشتاق إلى أمكَ؟”
"……."
“إلى متى قالت أمكَ أنكَ ستبقى عند جدتك؟”
هز مينوو رأسه نافيًا. أي أنه لا يعرف أيضًا.
وعندما سأله لماذا تم تركه عند جدته، تلقى إجابةً غير متوقعة.
“لأنني لا أستطيع قراءة الحروف.”
وبعد أن استمع إلى قصته بهدوء، تبيّن أن الأمر ليس مجرد تأخر بسيط. فلم يكن مينوو قادرًا على التمييز بين الحروف والرسوم، ولم يفهم أصلًا القواعد التي تقوم عليها الكتابة.
لم يكن هناك حروف في عالم الطفل.
أشار مينوو إلى التمثال بخجل.
“لكنني أعرف هذا! فقط أن الحروف التي في كتاب جدتي لا يوجد فيها هذا الشكل…….”
“هذا؟”
كان مينوو يومئ برأسه الصغير بحماس. ففكر الرجل للحظة، ثم أخرج قلم تعليم مائي من الجيب الأمامي لحقيبة الدافل. و استخدم أرضية الكنيسة كدفتر وبدأ برسم خط أفقي قصير.
فما كان من الطفل إلا أن انتفض بحماس.
“أه!”
“هذا هو ‘أُ’ من أَ، أُ، إِ، أِي، أُو، أُو، أَه، أَي، أُه، صحيح؟”
“نعم، أُ، أُ.”
“لكن هذا وحده لا يصنع حرفًا، أليس كذلك؟ لذلك تشعر أنه محبطٌ أحيانًا. هذا، في الحقيقة، هو علامة الطرح.”
“علامة الطرح؟”
ثم رسم الرجل خطين متقاطعين على أرضية الكنيسة.
“وهذا هنا……علامة الجمع.”
ثم رسم أيضًا علامة الضرب والقسمة. ثم كتب الأرقام 1، 2، 3، 4، 5…
وقد تعلم الطفل الأرقام بسرعةٍ كبيرة. فالأرقام رموز واضحة لا لبس فيها. ليست مثل تلك الرسوم الغامضة المربكة التي تتحرك دون قواعد، مثلما يحدث عندما تضيف “ㅇ” إلى “ㅈ” فتصبح “종”، وإذا أضفت “ㅣ” تصبح “죵”، وما إلى ذلك.
بل على العكس، كان مينوو مذهلًا في الحساب الذهني، حيث أتم عمليات جمع وطرح ضمن الآلاف في ثلاث ثوانٍ فقط.
“واو، أنت حقًا مذهل! ألستَ عبقريًا؟”
قال ذلك بدهشة صادقة، فانتفض الطفل بحماس.
لقد كان مينوو في قمة السعادة بإنجازه. وأشعل الرجل تلك السعادة بخفة.
“هذا رائع! والدتكَ ستفرح بك كثيرًا، أليس كذلك؟ هممم…..أجل! ما رأيك أن نُفاجئ الجدة والأم مفاجأةً كبيرة؟”
“نفاجئهم؟”
“سندرس سويًا هنا في الكنيسة، بالسر. ما رأيك؟ سنفاجئ والدتكَ وجدتك.”
“نعم، نعم! أريد ذلك!”
تورد وجه مينوو كزهرة متفتحة. فربت الرجل على شعر الطفل بدفء كما لو كان يعبر عن إعجابه بظرافته.
“جميل! إذًا مينوو، لا يجب أن تخبر أي أحد بأنكَ قابلتني، حسنًا؟ هذا وعد بيننا، اتفقنا؟”
***
بدت وكأنها غفَت قليلًا، لكنها كانت قد نامت بعمق. وحين فتحت عينيها، كانت قد وصلت بالفعل إلى مقاطعة كانغوون.
أزاحت سيان المعطف الدافئ الذي كان يغطيها كالبطانية، ووضعته في المقعد الخلفي.
وفي تلك اللحظة، فُتح باب السيارة، وجلس جوون في مقعد السائق وناولها علبة قهوة.
“لا يوجد مقهى متخصص بالقرب من هنا.”
“وأنت، تاي جوون؟”
“أنا لا أطيق الأشياء الحلوة. حتى القهوة السوداء المعلبة حلوةٌ جدًا بالنسبة لي.”
لا يحب الحلوى…..لكنه كثيرًا ما يأكل الشوكولاتة، أليس كذلك؟
كونه ذهب حتى المتجر ليشتري لها علبة قهوة فقط…..كان ذلك مفاجئًا بصراحة.
بدأت سيان تعبث بعلبة القهوة التي كانت دافئةً تمامًا كما تحب، ثم فتحت الغطاء بصوت خفيف “تكاك”، وأخذت منها رشفة.
“هوو..…”
غمرني ذلك الإحساس بأن الدماغ قد استيقظ. و لأوّل مرة منذ بداية يناير، شعرتُ بأن رأسي صافٍ.
ربما ليس بسبب تأثير القهوة، بل بفضل النوم العميق. فقد نمت نومًا هانئًا دون كوابيس، وهذا لم يحدث منذ زمنٍ طويل.
في السابق، حتى لو غفوتُ للحظة فقط، كانت الكوابيس تطاردني…..فلماذا لم أرَ ذلك الكابوس المزعج هذه المرة؟
ألقت سيان نظرةً خاطفة على جوون وهو يُشغّل السيارة.
هل السبب ببساطة هو أن طاقة تاي جوون الروحية قوية؟
أم أنه…..قد حجب عني موجات شبح الألف قدم؟
'لا، لا، لا. لا يوجد سببٌ يجعله يفعل ذلك.'
أدارت سيان نظرها بعيدًا عنه، وكأنها تتجاهل دفء علبة القهوة التي تمسكها بيدها.
___________________
يجنن اغرب مهووس هو ✨
قرين فلاق مهووس؟ شلوون
المهم المجنون ذا الي رجله مجروحة عليه ملاحظات واااااااجد
Dana