البيوت البلاستيكية، والحقول، وجبال الريف كانت تمر بسرعةٍ خارج نافذة السيارة.
بينما كان جوون يقود، فتحت سيان تطبيق الخرائط وألقت نظرةً مسبقة على المنطقة المحيطة بموقع التخييم.
موقع الوجهة، “مخيم الغابة الخضراء”، كان بعيدًا نوعًا ما عن المنازل الأخرى. يبعد عن وسط البلدة حوالي 15 دقيقة بالسيارة، ويمر نهرٌ ضحل أمامه، وخلفه تقع غابة، وبالقرب منه مزرعة واحدة فقط.
وعلى بعد 300 متر من هذه المزرعة، ظهرت كنيسةٌ صغيرة. وبحسب ما تبيّن من البحث، فإن هذه الكنيسة كانت قد أُغلِقت رسميًا قبل 20 عامًا.
رغم أن الذهاب إلى هناك على الأرجح لن يكون ضروريًا…..إلا أنها حفظت موقع الكنيسة في ذهنها، ثم راجعت بسرعة الملفات التي سلمها لها المخبرة “G”.
في أوتيس، عادةً ما يكون “سوكا*” هو القائد المسؤول عن الاطلاع على ملفات القضايا، لكن مشاركة المعلومات بين أعضاء الفريق كانت مسألةً أخرى تمامًا.
*منصب في أوتيس زي سيان اسمها سوجو
فهناك من يحب معرفة تفاصيل العمل بدقة، لكن الأغلبية تفضّل الاكتفاء بالمعلومات العامة.
ذلك لأن التعامل مع الأرواح يؤدي إلى انخراط عاطفي. فكلما عرفتَ ظروف الروح أكثر، كلما زاد تعاطفكَ معها، ولهذا فإن مَن عمل طويلًا في هذا المجال كان يفضل عدم التعمق في التفاصيل.
تاي جوون يبدو من النوع الذي يقول: “يكفيني الفهم العام.” مع ذلك، شرحت له سيان القضية بدرجة معقولة من التفاصيل.
“المكان الذي نتجه إليه الآن، مخيم الغابة الخضراء، كان يديره زوجان في الستين من عمرهما، لكن بسبب مشاكل صحية سلّماه لابنهما الوحيد في الثلاثين من عمره. الابن لم يكن متزوجًا، وتوفي قبل عامٍ ونصف.”
“هل تعنين أن الابن أصبح شبحًا؟”
“ليس مجرد شبح، بل أصبح موط، روحًا شريرة.”
“وما حجم الأضرار؟”
“خمسة من زبائن المخيم. وقتل والدته أيضًا.”
“آها.”
ردة فعلٍ خالية من الروح وكأنه لا يهمه الأمر.
واصلت سيان حديثها بصوتٍ جاف،
“هذا الابن الذي أصبح موط، سبب الوفاة قيل أنه نوبة قلبية.”
“قيلَ؟”
“الرئيس يعتقد أن الأفعى هي من قتلته. ربما صادف عن طريق الخطأ طقسًا شعائريًا كانت الأفاعي تقيمه قرب موقع التخييم..…”
الرئيس لا يُصدر الأوامر أبدًا بناءً على مجرد تخمين غامض. لا بد أنه ربط خيوط المعلومات بدقة ليصل إلى نوع من اليقين. لكن في النهاية، تبقى تلك قناعة شخصية له فقط.
والآن، يجب على سيان وجوون أن يعثرا على “صلة تربط الحادث بالأفعى، أو على دليلٍ ملموس”.
وفي تلك اللحظة، بدأ مدخل موقع التخييم يظهر من بعيد. و كانت هناك لافتةٌ كبيرة معلقة على بوابة حديدية كتب عليها: مخيم الغابة الخضراء - مغلقٌ مؤقتًا لفترة طويلة.
أغلقت سيان جهاز التابلت، وأدارت وجهها نحو جوون.
“رمز تلك الطائفة المجنونة التي تقتلع قلب الإنسان وهو حي…..لماذا بالضبط أفعى؟”
“وكيف لي أن أعرف؟”
“تلك النبتة التي تمسك بها الأفعى بفمها، ما الذي ترمز إليه بالضبط؟”
نظر جوون إليها بنظرةٍ جامدة، ثم أعاد عينيه إلى الطريق أمامه.
نظرة عينيه في تلك اللحظة القصيرة كانت تحذيرًا واضحًا: لا تقتربي، لا تزعجي. لكن سيان تجاوزت ذلك التحذير دون تردد.
“تضحياتٌ بشرية سرّية بين علية القوم…..وحتى الأهم من ذلك: التوأم الجنيني داخل الرحم؟”
"……."
“كيف عرف تاي جوون ذلك السر الذي لم يعرفه حتى رئيس أوتيس؟”
خشخشة خفيفة صدرت من الحصى تحت عجلات السيارة.
بينما كانت السيارة تتحرك على الطريق المؤدي إلى الداخل، ضاقت حدقتا جوون بشيء من القسوة، ثم عادتا لحجمهما الطبيعي.
يبدو أن تجاهلها لتحذيره أزعجه للحظة…..لكنه تمالك نفسه.
و واصلت سيان ضغطها عليه بنبرة باردة.
“قلتَ أنني سأموت في مايو، أليس كذلك؟ لا أريد أن أموت وأنا أجهل الحقيقة. فلنوفّر على بعضنا الوقت.”
ابتسم جوون بخفة، ثم قال ما لم تتوقعه،
“إذا كنتِ تسألين كيف أعرف عن الأفعى…..فهناك جرح سكين يمتد من عظمة الترقوة حتى بطني. مستقيم تمامًا، ونظيفٌ جدًا.”
'جرح سكين؟'
اتسعت عيناها بذهول.
“لا يمكن أن تكون..…”
وكأنه يؤكد لها أن ما تفكر فيه صحيح، ابتسم جوون بصمت.
“كنتُ قربانًا عندما كنت طفلًا. أنا، قربانٌ للأفعى.”
“ماذا……”
لم يكن شيئًا يمكن تخيّله حتى.
“تقصد أن السيد تاي جوون اختُطف؟ على يد الأفاعي؟”
كان ماضيًا بالغ الخطورة، ومع ذلك تحدث جوون بنبرة خفيفة كما لو أنه يروي خبرًا عابرًا.
“تم اقتيادي وطُعن صدري بسكين. أنقذوني في الوقت المناسب، قبل أن تصل الطعنة إلى ضلوعي.”
لكن سيان لم تنجرف مع هدوئه المصطنع.
“إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن السيد تاي جوون أيضًا كان توأمًا جنينيًا؟”
“ربما؟ على الأرجح، نعم.”
هل يعقل أنه لا يعرف؟
سألته بنبرة جادة،
“هل سبق أن تأكدت بنفسكَ مما إذا كنت حقًا توأمًا جنينيًا؟ هل سمعت شيئًا من والدتكَ مثلًا؟…..”
“لي سيان.”
بمجرد أن سمع كلمة “والدتكَ”، اسودّت حدقتا جوون بشكلٍ مخيف.
كانت عميقةً وباردة، كقاع محيط في حالة مدّ كامل.
تابع حديثه بنبرة قاسية،
“حديث العائلة يزعجني، فلا تذكريه أبدًا بعد الآن.”
كانت هذه أول مرة يُظهر فيها مشاعره بهذه الصراحة، وسيان لم تكن ساذجةً لتخطئ التمييز بين تحذير للمزاح وتحذير حقيقي.
حوّلت سيان الأسئلة مجددًا نحو موضوع الأفعى.
“إذا كنتَ قد اختُطفت وأُعدتَ كقربان عندما كنت صغيرًا…..فكم كان عمركَ حينها؟”
صرير-
أوقف تاي جوون السيارة في موقف “الغابة الخضراء”، ثم أشار بعينيه للنزول وأجاب باقتضاب،
“سبع سنوات.”
***
“زوجتي ماتت.”
تمتم مدير المخيم بصوتٍ متعب وممتلئ بالخوف.
“في نوفمبر الماضي…..أعني، قبل شهرين. وأغلقنا المخيم منذ ذلك الحين.”
كان مدير المخيم رجلًا في السادسة والستين من عمره، لا يكفّ عن الالتفات كغزال مُطارَد، عاجزٍ عن الثبات أو الهدوء.
نظرت سيان نحو بيت كلبٍ فارغ.
يبدو أنهم كانوا يربّون كلبًا حتى وقت قريب، فهناك طوقٌ غليظ ووعاءٌ بلاستيكي للطعام عند مدخل البيت.
“من كان أول من رأى شبح ابنكَ؟”
سألته بنبرةٍ رسمية، ففرك الرجل عينيه المحمرتين من قلّة النوم،
“زوجتي هي من..…”
“متى بالضبط حدث ذلك؟ متى رأت زوجتكَ شبح ابنكما؟”
“أمم…..”
“بعد مرور تسعة أيام من انتهاء طقس الأربعين الخاص به؟”
اتسعت عينا مدير المخيم بدهشة، ثم زفر زفرةً طويلة كأنه لم يعد هناك مفر، وبدأ يبوح بسرٍ لطالما أخفاه بينه وبين زوجته، بصوت متعب منهك.
“نعم، تمامًا في ذلك اليوم.”
"……."
“ابني كان…..طيب القلب. حتى بعد أن صار شبحًا، كلما رآنا كانت ملامحه مليئةً بالقلق…..كان طيبًا منذ صغره، بطبعه.”
“لكنه قتل والدته.”
قالت سيان ذلك بوضوح بصوتٍ لا يرحم. و رفض مدير المخيم تقبّل تلك الحقيقة.
“مـ…..ما هذا الكلام الفظيع؟ مستحيل! لا يمكن أن يقتل أمه! كان بخير لأكثر من سنة، فجأة يقتل إنسانًا؟ هذا غير منطقي!”
“لا بد أن لديك شكوكًا منذ مدة.”
“لا! لا على الإطلاق!”
“ألم تلحظ إشارات على أنه بات يشكّل خطرًا؟”
“هـ…..هذا…..”
“لهذا السبب ربيتم كلبًا، أليس كذلك؟ بعد جنازة زوجتكَ مباشرة، لحمايتكم من الأرواح الشريرة. رغم أن ذلك لم ينفع.”
عندما تكون الأرواح الشريرة قوية، كان الناس يربّون حيوانات حيّة كنوع من الحماية. غالبًا طيورًا أو كلابًا، كأنهم يضحّون بعمر الحيوان مقابل الحفاظ على حياة الإنسان.
لكن عندما تكون الأرواح الشريرة قويةً جدًا، فلا شيء يجدي نفعًا. فالأذى، كما يدل اسمه، يكون قاسيًا ووحشيًا حقًا.
“قلت لكِ لا! الكلب مات بسبب حادثٍ فقط…..”
كان مدير المخيم يرفع صوته محتجًا، لكنه ما إن لمح تاي جوون حتى ارتبك فجأة، واتسعت عيناه، ثم بسرعة صرف نظره عنه.
طَــق، طَــق، طَــق-
دار جوون بهدوء حول المخيم، ثم عبر الساحة الأمامية بخطواتٍ متمهلة متجهًا نحوهم.
وقف تمامًا إلى جانب مدير المخيم، بحيث وطئت قدماه ظلّ الرجل. و ربما أزعجه ذلك الشعور غير المريح، فبدأ المدير يبتعد ببطء، مترًا بعد متر، محاولًا زيادة المسافة بينه وبين جوون.
كان تاي جوون مثل ظلام لا مفر منه، أو ليلٍ خانق، أو ملاك موت، فمجرد وجوده يفرض رهبة على من حوله، ويزرع القلق في القلوب دون سبب واضح.
تابعت سيان كلامها بنبرة جافة، تمارس ضغطًا نفسيًا واضحًا.
“في هذا المخيم، توفي خمسة نزلاء هذا الخريف بنوباتٍ قلبية غامضة. واحد خرج فجرًا إلى الحمام، آخر تجوّل ليلًا وحده، وثالث كان يصطاد، وآخر كان في طريقه إلى المتجر، وكلهم ماتوا بطريقةٍ غريبة. هل كلها مجرد حوادث؟”
“هـ…..هذا..…”
“ابنكَ أصبح روحًا عالقةً هنا، بل أصبح روحًا شريرة. وكما قد توقّعتَ…..سيكون الأب هو الضحية التالية.”
“أوه!”
“طبعًا، يمكنكَ الاستمرار في تقديم نزلاء المخيم بدلًا عنكَ، وتسليمهم لابنكَ، أليس كذلك؟”
احمرّ وجه مدير المخيم بشدة، وصرخ غاضبًا،
“كيف تجرؤين أن تتهميني بهذا الكلام الشنيع؟! هل تظنينني مجنونًا؟ مستحيل أن أرتكب شيئًا بهذه البشاعة!”
“لقد مات خمسة أشخاص بالفعل. بسببكما أنت وزوجتكَ.”
بدا أن لدى مدير المخيم بعض الضمير، فقد تشوّه وجهه تحت ثقل الشعور بالذنب.
“سيدي، لا بد أنكَ أعطيت ابنك شيئًا، شيئًا وهو في هيئة الروح. ماذا أعطيته؟”
“أ…..أنا لا أعرف. زوجتي هي التي..…”
“سيدي. ماذا أعطيت لروح ابنكَ؟”
سألته بنبرةٍ خالية من الانفعال، لكن بإصرار واضح، فتنهد الرجل أخيرًا وقال،
“بيرة……”
“بيرة؟”
“كان الجو…..في ذلك اليوم حارًا بشكلٍ خانق…..وفكرت فجأةً بأني لم أشرب معه كأسًا أبدًا في حياتي.”
ارتجفت شفتا الرجل وهو يحاول كتم بكاءه.
“لست متأكدًا…..هناك أشياء كثيرة غيرها. قدمت له شمّامًا مقشّرًا…..واشتريت له بعض الملابس..…”
“….…”
“كان هناك أشياء كثيرة لم أستطع أن أقدمها له في حياته…..فبدأت أعطيه كل ما يخطر في بالي. حتى لعبة كان قد تمنى أن يحصل عليها وهو صغير، ولم أتمكن من شرائها بسبب ضيق الحال…..بحثت عنها ووضعتها له.”
تُك تُك-
انهمرت دموعٌ حارقة على خدي الرجل العجوز.
“كُنتُ…..كلما جاء ابني لزيارة المنزل، كنت أُلحّ عليه ليكون أكثر جديّة في الحياة…..وكنت أصرخ فيه كثيرًا، أقول له: ما الذي تفعله بحياتك؟ أي نوع من الرجال أنت؟…..لو كنت أعلم أنه سيموت بهذه السرعة…..لِمَ قلتُ له كلمات طعنت قلبه هكذا؟ آه…..آه…..”
كان بكاءً مليئًا بالندم، ندمٌ تحوّل إلى حسرة سكنت صدره إلى الأبد.
تمكّن المدير من كبح صوته المكتوم بالبكاء بصعوبة. بينما أنهت سيان الحديث بنبرةٍ هادئة.
“لقد توفي ستة أشخاص بالفعل، ومن المحتمل أن يزداد عدد الضحايا في المستقبل، أليس كذلك؟”
“نعم..…”
أجاب مدير المخيم بصوتٍ ضعيف، بينما أخبرته سيان بحسم عن طقوس التطهير.
“سنعمل على تطهير روح ابنكَ في غضون ثلاثة أيام.”
_________________
ويت يعني مينوو الورع الصغير مع الشبح؟؟!
⭕️الحين توني استوعب بداية الفصل الثاني احسبني ترجمتها صح طلعت غلطانه وتوني معدلتها
هي كانت "لقد قُتلت أمي و أُكل أخي"
بس الصح "لقد قتلتُ أمي وأكلتُ أخي"
وقصده أكلت أخي؟ انه بلعه وهو جنين🌝
Dana