18 - حساء العام الجديد (9)

رفع جوون ذقنه ببطء وهو يمسح جسد سيان بنظراته من الرأس حتى القدم.

بينما وقفت سيان تراقب بصمت طوال ذلك الوقت الطويل، إلى أن هدأ صاحب المخيم بعد أن بكى بصوت عالٍ.

كانت لي سيان صلبة كأرض ديسمبر الباردة، لكن تحت تلك الطبقات السميكة كانت هناك رقةٌ ناعمة خفية.

رقةٌ تجعلها تتكبد عناء صعود الجبل لدفن سمكةٍ ذهبية سكنت فيها روحٌ لبرهة، أو لتُسمع ابناً الذي أصبح روحًا شريرة كلمات الوداع الأخيرة لأبٍ مسن.

كانت الأقوى في أوتيس، لكن خلف ذلك الغلاف الجليدي كانت هناك هشاشةٌ شفافة.

رقة لا يعرفها أحد في العالم سواها. و ربما كانت قد لمحت تلك الرقة غير المتوقعة…..

اجتاحت جوون رغبةٌ عارمة ليرى كل تلك المشاعر التي تخفيها لي سيان بإحكام، مثل الخوف، والغضب، والغيرة، تلك المشاعر البشعة والضعيفة، رغب في رؤيتها بالكامل.

أو ربما…..كان ذلك الانفعال الجامح، تلك الرغبة العاطفية التي تغلي في داخله، لرؤيتها تبكي، وترتجف، وتصرخ.

شعر جوون بنفسه وهو يحدق فيها، كيف أن الرغبة تشتعل في عينيه. كانت رغبةً عنيفة وعدوانية، لم يشعر بها نحو أي شخصٍ من قبل.

'لي سيان.'

بأي وجه ستصرخ هذه المرأة؟ كيف ستنهار، وتثار، وتغضب…..

وبأي وجه ستنفجر ضاحكة؟

***

صباحٌ تملؤه هالة الشمس المنتشرة بضبابية.

عندما خرجت سيان إلى موقف السيارات، كان اثنان من عملاء أوتيس قد وصلا بالفعل.

كانا من فريق المعالجة اللاحقة، جاؤوا لتهدئة نفسية ذوي الضحايا، وللبحث عن أدلةٍ أخرى قد تكون باقية في محيط المخيم.

تحدثت سيان معهما باختصار، ثم رمقت مكتب الإدارة بنظرة.

كان صاحب المخيم، الذي لم يغمض له جفنٌ طوال الليل، جالسًا شاردًا يحدق في الأرض. و بدت حافة عينيه متقرحة ومحمرّة، ورغم أنه في الستين من عمره، فقد بدا وكأنه في التسعين، شيخٌ وحيدٌ منهك.

حتى جسده بدا منكمشًا وكأنه تقلص في ليلةٍ واحدة.

نظرت سيان إليه لوهلة، ثم أدارت رأسها فجأةً وصعدت إلى السيارة.

كان جوون، الجالس بالفعل في المقعد المجاور، يقترح بنبرة خفيفة،

“لِنمرّ على المدينة، نشتري قهوة، ونأكل شيئًا، ثم نعود إلى سيول.”

كانت نبرته توحي وكأنهما خرجا في نزهةٍ خلال عطلة.

'هل كنت أبدو هكذا لشركائي السابقين؟ تساءلت فجأة.'

كان شركاؤهايقولون أن لا مشاعر لدى لي سيان، حتى خنقهم هذا الشعور بجانبها، وأحيانًا وصل إلى حد الكراهية.

على أي حال، لم يكن هناك مطعمٌ قريب، ومنذ مساء البارحة لم تأكل شيئًا.

أجابت سيان ببرود موافقة، وغادرت المخيم نهائيًا.

“حسنًا، لنفعل ذلك.”

***

“هممم…..كلها صغيرة.”

قال مينوو ذلك وهو جالس القرفصاء يتمتم متذمرًا.

أخرج جميع الأحذية من خزانة الأحذية وتفحصها، لكنه لم يجد ما يمكن أن يناسب الأخ من الكنيسة.

كانت هناك جزمةٌ مطاطية، لكنها تخص جدته وكانت صغيرةً جدًا.

“آه، هذا حذاء أمي!”

كانت الحذاء الذي ارتدته أمه للحظاتٍ عندما جاءت مع مينوو في أغسطس.

احتضن مينوو ذلك الحذاء بقوة إلى صدره.

“ماذا تفعل أيها الولد! من الصباح الباكر!”

لم ينتبه إلا حين سمع صراخ جدته، فارتبك وأعاد الأحذية بعشوائية إلى الخزانة.

'ماذا أفعل؟'

لقد وعد الأخ من الكنيسة أن يحضر له حذاءً…..

قضى طوال الصباح وهو يتأوه كجرو يريد أن يقضي حاجته. وفي النهاية، وبينما كانت الجدة مشغولة بغسل الصحون، فتح الدرج خلسةً بصوت خفيف.

كان هناك ورقةٌ نقدية من فئة ٥٠٠٠ وون، تركتها له أمه في يده قبل رحيلها.

نبض- نبض- نبض-

كان قلبه ينبض بسرعةٍ كبيرة حتى شعر بالاختناق.

نظر بحذرٍ إلى باب الغرفة، ثم بسرعة أخفى النقود في جيب بنطاله.

***

لأول مرة في حياته، ركب مينوو الحافلة وحده وتوجه إلى وسط المدينة، وكان طوال الطريق يتحسس جيب بنطاله قلقًا من أن يفقد النقود…..

لكن أرخص حذاء كان سعره عشرة آلاف وون. و لم يكن بمقدور الخمسة آلاف وون أن تشتري حتى فردةً واحدة من الحذاء.

شعر مينوو بالحزن فجأة، وبدأ يشهق ببكاءٍ خافت أمام منصة الأحذية.

'ماذا أفعل الآن؟'

وبينما كان يشهق وينظر حوله، لمح رجلًا وامرأة يقفان أمام متجر صغير.

كانا يرتديان ملابس سوداء، طويلين وجميلين بشكلٍ لافت للنظر.

هل أطلب المساعدة..…؟

عندما قرأ كف أمه مازحًا في السابق، ضحكت كثيرًا ثم أعطته خمسمئة وون كمكافأة. فربما لو طلب خمسمئة وون فقط…..

مسح بسرعة دموعه بظهر يده.

كان خائفًا لدرجة أن قلبه كان يخفق بعنف، لكنه، وهو يرتجف، اقترب منهما بخطى مرتعشة.

“مـ، مـ، مرحباً..…”

***

رفعت سيان رأسها عن هاتفها ونظرت إلى جانبها.

هل عمره ستة أو سبعة أعوام؟

كان طفلاً صغيراً يقف مترددًا ويئنّ مثل جروٍ صغير، غير قادر على الاقتراب، واقفًا على مسافة.

جلست سيان فورًا وخفضت جسدها وسألته بهدوء،

“هل ضللتَ الطريق؟”

“لـ، لــ، لا، أنا…..أ…..أجيد قراءة كف اليد.”

كان صوت الطفل يرتجف، و قلبه ينبض بسرعة كبيرة حتى إن ذلك بدا واضحًا في نبرة صوته المرتبكة.

“أريد أن أشتري هدية، لكن ليس لديّ مالٌ كافٍ.”

“كم تحتاج؟”

“خمسة آلاف وون. آه! فقط خمسمئة وون تكفي. لأجل قراءة الكف.”

في تلك اللحظة، وضع جوون عبوة قهوةٍ على طاولة أمام المتجر، وكأنه يقول، لنجلس قليلًا ونأخذ استراحة.

ثم رفعت سيان الطفل بسهولة وأجلسته على كرسي المتجر.

“حسنًا.”

جلست بجانبه وأخرجت ورقة نقدية من فئة عشرة آلاف وون من محفظتها ومدّتها إليه.

ارتبك الطفل وقال أن هذا كثيرٌ جدًا، لكنها ردّت بهدوء،

“أنا من سيول، لذا سأدفع بسعر سيول. هل يمكنكَ قراءة كفي؟”

“نـ، نعم! لحظةً واحدة!”

قدّم نفسه باسم جونغ مينوو، وبدأ فورًا في تفحّص كف سيان من جميع الزوايا متظاهراً بقراءة خطوطها.

“واو! هذه أفضل خطوط كفٍ على الإطلاق!”

“حقًا؟”

“الحظ في الحب؟ لديكِ شعبيةٌ كبيرة لدرجة أن عدد أزواجكِ ثلاثمئة!”

“ثلاثمئة؟”

“نعم نعم! لكن قد يزيد واحدًا آخر أيضًا. أما الثروة فهي…..تقريبًا مئة ألف وون؟”

“واو.”

كان الصوت المندهش صادرًا عن جوون، الجالس في الجهة المقابلة.

“مبروك، آنسة لي سيان. لديكِ حياةٌ تحسدين عليها.”

ثم مدّ يده ببساطة وطلب أن يُقرأ كفّه هو أيضًا. و كان ذلك مفاجئًا إلى حدٍ ما. لم يكن من المتوقع أن يشارك تاي جوون في لعبةٍ كهذه.

أما مينوو، الصغير الحجم، فتظاهر بالنضج وقال بأنه سيقرأ كف الرجل كخدمةٍ إضافية.

“هممم.”

تنحنحت سيان بخفة وأرسلت إشارةً بعينيها.

أمال مينوو رأسه في حيرة، لكنه سرعان ما فهم الإشارة وأومأ.

عندها، عبس جوون وكأنه قلقٌ أو خائف.

“يبدو أنني متوترٌ قليلًا.”

“كفكَ جيد جدًا، يا عم. إنه من الكف الممتاز لكنه يحتوي على قليلٍ من الخلل! واو، لديكَ أولادٌ كثر!”

“كم عددهم؟”

“عشرة آلاف!”

“آه، يا لي من مسكين.”

قال جوون ذلك متنهّدًا بصوت مسموع، ثم سأل عن حظه في الحب.

"كم عدد الحبيبات إذًا؟"

هز مينوو رأسه نافيًا.

“للأسف، في هذه الحياة…..لا حظ في الحب. لكن لديكَ مالٌ كثير! ستمئة ألف وون!”

“هاه..…”

تنهد جوون بعمق، فأجابته سيان بسخرية مشابهة،

“لديكَ عشرة آلاف ولد ولا حب طوال حياتك، لكنكَ تملك ستمئة ألف وون. يا لها من حياةٍ رائعة. أحسدكَ يا تاي جوون.”

حينها، انفجر مينوو بضحكةٍ خفيفة وهو يراهم يتبادلون المزاح.

***

أوصلت سيان مينوو حتى قرب منزله.

كان طفلًا يعيش في مزرعةٍ قريبة من مخيم “الغابة الزرقاء”، وكان يحمل بحماسٍ حذاءً رياضيًا أزرق من مقاس الكبار وهو يقول: “سأقدّمه هدية!”

هل هو لوالده؟ أم لعمه ربما؟

عندما توقفت السيارة قرب الطريق أمام بيته، رمى جوون أون برتقالةً صغيرة للطفل.

انحنى مينوو ثلاث مرات حتى وصل رأسه إلى مستوى بطنه، ثم انطلق وهو يحتضن الحذاء بسعادة.

'فواكه، لا بأس بأكلها.'

“أليست تلك البرتقالة التي كانت تتدحرج في جيبك منذ ثلاثة أيام؟”

“لهذا السبب ستكون ألذ.”

رد جوون بلا مبالاة.

لم تُكمل سيان الحديث ورفعت السرعة بهدوء.

“بما أن الوقت صار في وضعٍ غريب، فلنأكل في استراحة الطريق ونحن في طريقنا.”

رفع جوون راحة يده وكأنه يقول، “كما تشائين”.

جبال، حقول، بيوت بلاستيكية، حقول، ثم جبال من جديد…..مرّت لحظات صمتٍ طويلة، بينما المشهد خارج النافذة يمرّ بلا إثارة.

“كان طفلًا لطيفًا…..من المؤسف حقًا.”

قال جوون ذلك فجأةً بعد مغادرتهما للبلدة الصغيرة.

أجابت سيان دون أن تحيد بنظرها عن الطريق،

“من تقصد…..مينوو؟”

“نعم. سيموت بعد خمس عشرة دقيقة.”

ارتجفت يدها التي كانت تمسك بالمقود، وازداد ضغطها عليه.

تاي جوون يستطيع معرفة وقت وفاة الناس. و قال أن ذلك الطفل الصغير سيموت…..

تذكرت وجهه وهو يضحك ببراءة، وشعرت بانقباض في صدرها. وفوق ذلك، بعد خمس عشرة دقيقة فقط.

"بما أنه كان يبدو بصحة جيدة، فربما حادث."

“شيء من هذا القبيل، على الأرجح. لكن إن عدتِ الآن بسرعة وبكل إصرار، أعتقد أنكِ قد تتمكنين من إنقاذه.”

“أنا؟”

حينها فقط التفتت سيان إليه بنظرةٍ خاطفة.

“ألم تقل أن المصير المحتوم لا يمكن تغييره؟”

“عادةً نعم…..لكن ذلك الطفل، كان هناك شبحٌ متعلق به.”

أمسك جوون بقوة بمقبض السقف الإضافي في السيارة، وكأنه كان يتوقع ما سيحدث.

وفي اللحظة نفسها تقريبًا، أدارت سيان السيارة بسرعة حادة، فأصدرت الإطارات صوت “كا-كا-كاك” وهي تنعطف بسرعةٍ عالية.

بوووه! بييييييب!

انطلقت أصوات أبواق السيارات من كل جانب، بينما واصل جوون حديثه بهدوءٍ تام.

“ذلك الحذاء الرياضي الأزرق…..أراهن أنه سيأخذه ليقدّمه للشبح.”

***

“مينوو؟ خرج صباحًا ولم يعد حتى الآن.”

قالت الجدة بقلق عندما اقتحم رجل وامرأة غريبان المنزل فجأة وسألا عن الصبي بلهفة.

“لقد كان يتنقل كثيرًا في الأيام الماضية…..لكن، لماذا؟ ما الذي حدث لطفلي؟”

لم يكن هناك وقتٌ كافٍ، لذا تركت سيان الجدة المتوترة خلفها وخرجت مسرعةً من البيت.

نظرت حولها بقلق شديد، تمسح المكان بعينيها بسرعة.

من كل الجهات، لا يوجد سوى حقولٍ ممتدة.

كانت هناك جبالٌ في الأفق، لكنها استبعدت أن يكون الطفل قد ذهب إلى هذا الحد…..وكان الوقت المتبقي ثلاث دقائق وأربعون ثانية فقط.

إلى أين ذهب هذا الطفل؟ أو بالأحرى، أين التقى بذلك الشبح؟

لم تكن قادرةً على تحديد الاتجاه.

“آه..…”

عندها، خطر في بالها شيءٌ فجأة، وسرعان ما استدعت كلبها الروحي ذو الأرجل الثلاثة.

'البرتقالة.'

__________________

جوون الحيوان متعمد يبيها تتوتر😭؟

معليش مب حيوان سايكو وليدي في الاخير علمها صح؟

لو انه ماقال شي كان بيصير مجنون صدق

المهم طلح شبح الكنيسة مب ولد راعي المخيم…..

Dana

2025/05/12 · 17 مشاهدة · 1504 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025