كانت حياة العديد من الناس تتقاطع على شكل موجبٍ تماماً (+)، كما في خيوط السدى واللحم، حدثت لحظةٌ انقلبت فيها مصائر الجميع رأسًا على عقب.
قال الزعيم أنه شعر وكأنه رأى تلك “اللحظة المصيرية” بعينيه.
“هؤلاء الأفاعي، كانوا يؤدون نفس الطقوس قبل 21 سنة. كانوا يرتدون أقنعةً بيضاء ناصعة…..في البداية ظننت أنها مجرد طقوسٍ غامضة تافهة. لكن عندما بدأت المراسم، شقوا صدر شخصٍ حي وأخرجوا قلبه.”
"……."
“كان من المفترض أن أهرب فور حصولي على المعلومات..…”
لكن الرئيس لم يكن من هذا النوع.
“لم أستطع ببساطة…..أن أتجاهل شخصًا يحتضر بشكل مروع أمام عيني. قفزت لأُوقف الطقوس، وانتهى بي الأمر هكذا، جالسًا على كرسيٍ متحرك مدى الحياة.”
منذ واحد وعشرين عامًا، في لحظةٍ من القدر.
كانت تلك أول مرة يلتقي فيها الزعيم مع سيان الطفلة.
في ذلك الوقت، كان الزعيم هو “الرجل البشوش” الذي جاء لزيارة سيان التي أُرسلت للعيش في بيت أحد الأقارب بعد أن التهمت الأشباح أمها وأباها وأختها في نُزل.
وبدا أنه لم يكن معتادًا على الكرسي المتحرك الكهربائي، فاصطدم بعامود الباب بقوة، ثم تراجع للخلف واصطدم بجدار الممر، ثم ارتطم مرة أخرى. وبعد أكثر من ثلاثين دقيقة من التعرّق الشديد، ابتسم وطلب من سيان معروفًا.
“آسف، لكن لا أستطيع الوصول إلى تلك الجهة أبدًا. لذا، سيان، هل يمكنكِ أن تأتي إليّ؟”
جعل الزعيم الفتاة الصغيرة، التي كانت جالسةً في الغرفة دون أن تتحرك، تنهض، وتمشي، وتخرج إلى الخارج.
في ذلك اليوم من أوائل يونيو، كانت في السادسة من عمرها حين التقت الزعيم، وقد مرّ الآن 21 عامًا.
الزعيم، الذي كان يعتني بها كابنته، مدحها هذه المرة علنًا.
* “كادت القضية أن تُغلق عند تسوية شبح الثلاثي، لكنكِ أوصلتها إلى هذا الحد، وهذا كله بفضلكِ يا سيان. أحسنتِ اليوم فعلًا.”
كان مدح الزعيم دائمًا يشعرها بالسعادة، لأنه كان يمنحها إحساسًا دافئًا بالدعم يشبه ما كانت تتخيله من والدها، الذي لم يعد له حتى ذكرى في ذاكرتها.
“ماذا نفعل بخاتم الأفعى؟”
سألت قبل أن تُنهي المكالمة، فسلّمها الزعيم الأمر بثقة.
* “احتفظي به في الوقت الحالي. فقد نضطر لاستخدامه بشكلٍ عاجل.”
أدارت سيان الخاتم بابتسامة.
كان شكل الخاتم أفعى سوداء تلتف حول حجر زمردي كبير مربع الشكل.
كانت الأفعى من نوع سام، وفي فمها نبتة تحمل زهرتين.
الزهرتان كانتا متفتحتين بالكامل، ولكل منهما أربع بتلات.
مررت إصبعها الإبهام ببطء على الأفعى. و ربما كان ذلك بسبب ملمسه البارد والناعم والمليء بالنتوءات، أو ربما صُنع بذلك القصد فعلًا، لكنها شعرت للحظة وكأنها تلمس سطح أفعى حقيقية حية.
أفعى. من الآن فصاعدًا، كان عليها أن تلاحق، مع تاي جوون، طائفة غامضة تُدعى “الأفعى”.
كما لو أنها تبحث عن أفعى سامة مختبئةً وسط الأعشاب الكثيفة. بحذر، وبعناية.
عليها أن تبدأ من هذا الذيل الصغير، وتلاحقه صعودًا عبر الجسد، حتى تمسك بالرأس في النهاية.
***
بعد خمسة أيام، طفت سمكةٌ ذهبية ميتة على ظهرها داخل الزجاجة الضيقة.
رغم أنها منحتها سبعة أيام، إلا أن شبح مفترق الطرق، “يون مين يونغ”، اختفت بعد خمسة أيام فقط.
فقط خمسة أيام؟
لقد حذّرتها بوضوح أن الروح ستختفي تمامًا بعد إتمام الانتقام…..و ألم تكن تخشى الفناء الأبدي؟
ألم تكن ترغب في تأجيل لحظتها الأخيرة ولو قليلًا؟
أما الرجل الذي قتل “يون مين يونغ” في مركز الاحتجاز، فقد مات في نفس اللحظة التي طفت فيها السمكة.
ذلك الرجل…..خلال الأيام الخمسة الماضية، فقد صوابه بالكامل، و راح يسيل لعابه، ويبكي بكاءً مريرًا، ويزحف متقلبًا بقذارته، كالوحش المجنون.
حتى أنه راح يتوسل بهستيرية للفراغ، يطلب الغفران والرحمة، صارخًا: “أنقذيني، أرجوكِ، سامحيني”.
تمامًا كما توسّلت “يون مين يونغ” لذلك الرجل.
ربما كانت “يون مين يونغ”…..تضحك بسخرية وهي تنظر من الأعلى إلى ذلك الرجل الذي كان يصرخ باكيًا.
لا، يبدو أنها كانت تضحك من أعماق قلبها، بضحكةٍ صافية. حتى اللحظة التي تلاشت فيها، بشعور من الراحة.
أخبرت سيان تاي جوون بأن السمكة الذهبية قد ماتت. و جاء الرد سريعًا، وكأن جوون كان يتوقع ذلك، أو أنه أمرٌ بديهي بالنسبة له.
<: كان ذلك حقدًا لا يمكن احتواؤه لسبعة أيام أصلًا~. منذ البداية، فتلك الكراهية كانت عميقة…>
كانت رسالةً مشبعة بنبرةٍ ساخرة.
وإن كانت عجلة القدر التي توقفت قبل 21 عامًا قد بدأت بالدوران مجددًا، كما قال الزعيم، فإن مصير تاي جوون أيضًا لا بد أنه بدأ بالتحرك معها.
لكن ربما بسبب صورته القوية، لم تستطع سيان تخيله منساقًا بتلك السهولة وراء تقلبات القدر.
هزّت سيان رأسها لطرد الأفكار المبعثرة، ثم رتبت موعدًا مع جوون في الساعة العاشرة والنصف من صباح الغد.
***
“تبًا لهذا البرد.”
اشترى “A” علبة عشاءٍ جاهزة من المتجر أمام شقته، وتوجّه إلى البيت.
كان كيس البلاستيك المعلّق على معصمه يصدر صوت خشخشة كلما لامس معطفه المبطن.
كان يمشي مطأطئ الرأس بوجهٍ كئيب، ثم رفع عينيه. تلك الفتاة التي تسكن في الشقة المجاورة في نفس المبنى كانت تخرج من مدخل العمارة.
كانت نحيلةً لا يتجاوز طولها 154 سنتيمترًا، وما إن رأت “A” حتى خفضت عينيها بفزع.
تعمد “A” أن يبطئ خطواته. و كان ينتظر أن تبادر بالتحية، كما فعلت قبل خمسة أيام، بصوتها الهادئ والخجول، “مرحبًا..…”
لكن الفتاة ابتعدت بسرعةٍ قدر استطاعتها، خافضةً رأسها تمامًا، وتجاهلته وهي تمر بجانبه.
'ما هذا..…؟'
توقف “A” في مكانه من الذهول.
'هل تجاهلتني لتوّها؟'
و تحوّل ارتباكه في لحظة إلى غضب.
'أنتِ من بادر بالابتسام لي أولًا! أنا لم أفعل شيئًا! أنتِ من ألقيتِ التحية مرتين!'
راح يحدّق في مؤخرة رأسها بنظراتٍ مشتعلة، ثم اتجه نحو المصعد. و ضغط بعنف على زر الإغلاق
طق! طق! طق!
كانت يداه ترتجفان، وقلبه ينبض بعنفٍ من شدّة الغضب.
شعر بغضب عارم لأنه لم يُمنح الاحترام الكافي. وكان هذا النوع من الغضب مثل البارود، يزداد تدميرًا كلما أعاد التفكير فيه.
بدأ “A” يشوّه ما حدث في ذهنه. وتحوّلت الأوهام في دماغه بسرعة إلى تصوّراتٍ مشوّهة.
النساء دائمًا هكذا. يبتسمن بلطف، لكن ما إن يبادلهن الرجل التفاعل حتى يأخذن بالابتعاد.
يتصنعن الغضب، ويتظاهرن بالتحفّظ، وكأن لا اهتمام لهن. رغم أنهن من بدأن بالإغراء أولًا.
كنت أظن أن هذه الفتاة مختلفة، نقية…..لكن يبدو أنني كنت مخطئًا.
'أتظنين أنني لم أبحث خلفك؟'
أعرف أي جامعةٍ تدرسين فيها، وأي طريق تسلكينه للعودة إلى المنزل، وفي أي ساعة بالضبط.
لو تركتكِ، فستتصرفين بهذه الطريقة مع رجلٍ آخر مجددًا…..يجب أن أعلّمكِ درسًا. درسًا حقيقيًا.
وهو يلهث غيظًا، أغلق باب شقته بقوة محدثًا صوتًا صاخبًا، ثم رمى كيس المتجر على الطاولة.
وبينما كان يهمّ بخلع معطفه المبطن، تجمّد فجأة.
“ما هذا الهواء..…؟”
لم يعرف كيف يصفه، لكنه شعر بشكلٍ غريزي أن هناك شيئًا غير طبيعي. فتردّد قليلًا وأخذ ينظر حول غرفة المعيشة، ثم شهق فجأةً عندما رأى شخصًا واقفًا أمام نافذة الشرفة.
كانت راقصة باليه ترتدي تنورة طويلة شفافة وخفيفة، تقف بهدوء.
ثم…..العيون. عيون. عشرات العيون.
خلف زجاج الشرفة المعتم، كانت هناك عشرات العيون تحدّق إليه من الظلام.
“آه!”
أصابه الرعب وهمّ بالهرب، لكن راقصة الباليه ذات الشعر البني الطويل ابتسمت بهدوء، ثم رفعت ساقها اليمنى برشاقة نحوه كما لو أنها على وشك التقدّم.
وفي اللحظة ذاتها، انطفأ المصباح فوق رأسه بصوت “طق!” مفاجئ.
***
وووووون-
بعد انطفاء الضوء، توقف المصعد فجأةً بعد أن كان يصعد بثقل.
استعاد “A” وعيه فجأة، وأخذ يتلفّت في الظلام الحالك من حوله.
“مـ…..ما هذا؟ انقطاع كهرباء؟ هاه؟ مصعد؟ أنا متأكد أنني وصلت إلى المنزل!”
'ما الذي يحدث؟ ألم أضع للتو كيس المتجر على الطاولة؟'
وما زاد الطين بلّة، أن هاتفه المحمول لم يعد يعمل.
مرتبكًا، بدأ “A” يضغط على الهاتف مرارًا، طق طق طق.
“لا، لااا!”
انزلق الهاتف فجأةً من يده. و جثا على ركبتيه بسرعة وأخذ يتحسّس الأرض بحثًا عنه، لكنه لم يعثر عليه. و لم يستطع أن يتحسّس الهاتف أبدًا.
“إلى أين اختفى؟!”
بينما كان يحرّك يديه بجنون على الأرض بحثًا عنه، استقام واقفًا فجأة وهو يشعر بقلقٍ غريب يتملكه. و لسبب ما، خُيّل إليه أن أرضية المصعد مفتوحةْ من تحته.
كان يرتجف، بينما لصق ظهره بالحائط بشدّة.
ربما هذا مجرّد وهم…..لكنه لم يشأ أن يبتعد عن الحائط إطلاقًا.
'الباب، يجب أن أصل إلى باب المصعد.'
بدأ يتحسّس الجدار بحذر ويتقدّم ببطء.
“ما الذي يحدث..…؟”
ظلّ يمشي ويتحسّس، لكن لم يجد شيئًا. فالأشياء التي يجب أن تكون موجودة – مثل انحناءة باب المصعد، أو المرآة المربعة، أو الأزرار – لم تكن موجودة.
لا شيء سوى جدارٍ ناعم زلق وظلامٍ خانق. كأنّه غارق في مياه سوداء تمامًا.
حتى خطواته أصبحت بطيئةً ومتثاقلة كأنه يسير تحت الماء. وفوق ذلك، ولسببٍ لا يفهمه، كان الجو حارًا بشكلٍ مرعب.
الحرارة داخل المكان كانت تغلي، كأنّه سيُطبخ حيًا. فخلع “A” معطفه المبطن، ورماه فوراً في الفراغ. فهو ما زال داخل المصعد، وبمجرد أن تعود الإضاءة ويُفتح الباب، يمكنه التقاطه مجددًا.
“مـ، ما الذي يحدث بحق؟!”
امتزج صراخه بالبكاء.
كان يسير بلا توقف، لكن لم يكن أمامه سوى الظلام والجدران الفارغة.
“هيه! ألا يوجد أحد! أخرجوني من هنا!”
صرخ حتى بحّ صوته، ولوّح بيده اليمنى في الفراغ، لكنه لم يُبعد يده اليسرى المرتجفة عن الجدار أبدًا.
لم يكن هذا مصعدًا.
أدرك “A” تمامًا أنه عالق في مكان غير واقعي.
“فـ، فلتفتحوا بسرعة! ما هذا؟ لماذا لا يوجد مخرج؟ أ، أنقذوني!”
شعر بأنه سيختنق من شدة الذعر، وكأن الحياة ستغادر جسده.
مرعوبًا، بدأ “A” يصرخ باكيًا بصوت عالٍ.
“آآآآآآه!”
لكن لم يرد عليه أحد.
اضطرّ رغم انهيار ساقيه إلى دفع نفسه للحركة مجددًا.
“هاه…هاه…أههك…”
'هل من الممكن…..ألا أستطيع الخروج من هنا؟'
الخوف جعل شعر جسده يقف كله دفعةً واحدة.
'آه، لا.'
“آه. ههه…..أنا….أنا بخير. قيل أنه إذا تمسكت بجدارٍ واحد في المتاهة، فستجد المدخل في النهاية.”
مستمرًا في التلمس، مشى “A” في الظلام الحار كالجحيم وهو يصرخ بلا توقف، يمشي ويواصل السير.
ففي النهاية، لا بد أن هناك بابًا في نهاية هذا الجدار.
_______________
عسا شكل الاشباح حبسوه😭😭😭😭😭
وناسه هااهاها
Dana